مشاهدة النسخة كاملة : بحوث التربية الاسلامية
ابن الوافي
12-09-2005, 11:15 PM
لمحات عن حياة الرسول 32 موضوع
رجال حول الرسول 56 موضوع
عظماء في الإسلام24 موضوع
الإعجاز العلمي في القرآن والسنّه 23 موضوع
الآداب الإسلاميه 39 موضوع
الحج والعمره 14موضوع
البحث الاول
الاسراء والمعراج
المقدمة
الحمد لله الذي لم يزل ولا يزال وهو الكبير المتعال – خالق الأعيان والآثار – ومكور النهار على الليل والليل على النهار – العالم بالخفيات – وما تنطوي عليه الأرضون والسموات – سواء عنده الجهر والإسراء – ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار – ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير .
خلق الخلق بقدرته – وأحكمهم بعلمه – وخصهم بمشيئته – ودبرهم بحكمته – لم يكن له في خلقه معين – ولا في تدبيره مشير ولا ظهير – وكيف يستعين من لم يزل بمن لم يكن – ويستظهر من تقدس عن الذل بمن دخل تحت ذيل التكوين .
ثم كلفهم معرفته – وجعل علم العالمين بعجزهم عن إدراكه إدراكا لهم – ومعرفة بتقصيرهم عن شكره شكرا لهم – كما جعل إقرار المقرين بوقوف عقولهم عن الإحاطة بحقيقته إيمانا لهم .
لا تلزمه لم ولا يجاوره أين – ولا تلاصقه حيث – ولا تحله ما – ولا تعده كم – ولا تحصره متى – ولا تحيط به كيف – ولا يناله أين – ولا تظله فوق – ولا تقله تحت – ولا يقابله جزء – ولا تزاحمه عند – ولا يأخذه خلف – ولا يحده أمام – ولا تظهره قبل – ولا تفته بعد – ولم تجمعه كل – ولم توجده كان – ولم تفقده ليس .
وصفه لا صفة له – وكونه لا أمد له – ولا تخالطه الأشكال والصور – ولا تغيره الآثار والغير – ولا تجوز عليه الحماسة والمقارنة – وتسجيل عليه المحاذاة والمقابلة – وإن قلت : لم كان ؟ فقد سبق العلل ذاته – ومن كان معلوما كان له غيره علة تساويه في الوجود – وهو قبل جميع الأعيان – بل لا علة لأفعاله – فقدرة الله في الأشياء بلا مزاج – وصنعه للأشياء بلا علاج – وعلة كل شئ صنعه - ولا علة لصنعه .
وإن قلت : أين هو ؟ فقد سبق المكان وجوده – فمن أين الأين – لم يفتقر وجوده إلى أين – هو بعد خلق المكان غني بنفسه كما كان قبل خلق المكان – وكيف يحل في ما منه بدا – أو يعود إليه ما أنشأ .
سبحانه من إله قادر مقتدر مقدر ، خلق الأشياء فقدرها تقديرا ، لا يقدر غيره على تغيير ما قدر .
سبحانه من إله خلق المعجزات ليدل على قدرته ، وضعف غيره ، وإبراز من أراد إبرازه ، وإظهار من أراد إظهاره ، سبحانه من رب تنزه عن العجز والتقصير والضعف والغفلة والسنة والنوم ، له ما في السموات وما في الأرض ، سبحانه إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون .
سبحانه أراد عبده محمد أن يعرج إليه فعرج .
سبحانه أراد أن يسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فسري ، ورأي من آيات ربه ما رأي ، فما زاغ البصر وما طغي .
سبحانه هيأ لعبده الخافقين ، وجعل في خدمته الثقلين ، وجند لشخصه الدارين ، فالسموات والأرضون كانت أثناء رحلته الميمونة تحت إمرته بقدرة ربه وعزته وجلاله ، فما أعظمك يا رب ، وما أكرمك يا رب ، وما أكبر ملكك ، وأوسع آياتك . لك الحمد كله ولك الثناء كله ، ولك الأمر كله ، وصلى الله على نبيك وخير خلقك وخاتم رسلك ، رحمتك المهدة ، ونفحتك المسداة محمد بن عبد الله .
وبعد : فلقد كانت حادثة الإسراء والمعراج بمثابة منعطف خطير في تاريخ الدعوة الإسلامية ، لما حملته من شحذ لهمة الرسول الكريم ، وتجديد لعزيمته ، وذلك بعد أن تحجرت قلوب أهل مكة ، فأعرضوا عن قبول الحق .
المراد بالإسراء والمعراج
يقول محمد الغزالي :
يقصد بالإسراء : الرحلة العجيبة التي بدأت من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس .
ويقصد بالمعراج ما عقب هذه الرحلة من ارتفاع في طباق السموات حتى الوصول إلى مستوي تنقطع عنده علوم الخلائق ، ولا يعرف كنهه أحد ، ثم الأوبة – بعد ذلك – إلى المسجد الحرام بمكة .
وقد أشار القرآن الكريم إلى كلتا الرحلتين في سورتين مختلفتين ، وذكر قصة افسراء وحكمته بقوله :
( سبحن الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي بركنا حوله لنريه من ايتنا إنه هو السميع البصير )
وذكر قصة المعراج وثمرته بقوله :
( ولقد رءاه نزله أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشي السدرة ما يغشي ما زاغ البصر وما طغي لقد رأي من ءايت ربه الكبري )
فتعليل الإسراء – كما نصت الآية – أن الله يريد أن يري عبده بعض آياته .
ثم أوضحت آيات المعراج أن الرسول عليه الصلاة والسلام شهد – بالفعل – بعض هذه الآيات الكبري .
خلاصة قصة الإسراء والمعراج
كان مضطجعا فأتاه جبريل فأخرجه من المسجد ، فأركبه البراق ، فأتي بيت المقدس هناك ، واجتمع بالأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم – وصلى بهم إماما ، ثم عرج به إلى السموات ، فاستفتحها جبريل واحدة فواحدة ، فرأي محمد من آيات ربه الكبرى ما رأى
وهكذا صعد في سماء بعد سماء ، إلى سدرة المنتهي ، فغشيها من أمر الله ما غشيها ، فرأي مظهر الجمال الأزلي ، ثم زج به في النور ، فأوحي الله إليه ما أوحى ، وكلفه هو أمته بالصلاة في ذلك المكان المقدس ، فكانت الصلاة هي العبادة الوحيدة التي أوحاها الله بنفسه بلا واسطة .
تلك خلاصة خالصة . أما وشيها وطرازها ، فباب عجيب من الرموز الفلسفية العميقة ، التي لا يقف عليها إلا كل من صفت نفسه ، وزكت روحه .
أورد ابن كثير تلخيصا دقيقا لما أفادته آيات الكتاب العزيز ، وأحاديث النبي الكريم بعيدا عن الأقوال المختلفة ، والأراء المتعددة ، فقال :
والحق أنه عليه الصلاة والسلام ، أسري به يقظة لا مناما من مكة إلى بيت المقدس راكبا البراق ، فلما انتهي إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله ، فصلي في قبلته تحية المسجد ركتين ، ثم أتي بالمعراج ، وهو كالسلم ذو درج ، يرقي فيها ، فصعد فيه إلى السماء الدنيا ، ثم إلى بقية السموات السبع ، فتلقاه من كل سماء مقربوها ، وسلم على الأنبياء الذين في السموات بحسب منازلهم ودرجاتهم ، حتى انتهي إلى مستوي يسمع فيه صريف الأقلام ، أي : أقلام القدر بما هو كائن .
ورأي سدرة المنتهي ،وغشيها من أمر الله تعالي عظمة عظيمة من فراش من ذهب وألوان متعددة ، وغشيتها الملائكة .
ورأي هناك جبريل على صورته وله ستمائة جناح ، ورأي رفرفا أخضر قد سد الأفق .
ورأي البيت المعمور ، وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسند ظهره إليه ، والكعبة السماوية ، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ، يتعبدون فيه ثم لا يعودون إلى يوم القيامة ، ورأي الجنة والنار ، وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين ، ثم خففها إلى خمس ، رحمة منه ولطفا بعباده ، وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها .
ثم هبط إلى بيت المقدس ، وهبط معه الأنبياء ، فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة . ويحتمل أنها الصبح من يومئذ . ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء ، والذي تظاهرت به الروايات أنه ببيت المقدس ، ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه . والظاهر أنه بعد رجوعه إليه ، لأنه لما مر بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحدا واحدا ، وهو يخبره بهم ، وهذا هو اللائق ، لأنه كان أولا مطلوبا إلى الجانب العلوي ، ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالي ، ثم لما فرغ من الذي أريد به ، اجتمع هو وإخوانه من النبيين ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإقامة ، كذلك عن إشارة جبريل عليه السلام له في ذلك .
ثم خرج من بيت المقدس ، فركب البراق ، وعاد إلى مكة بغلس ، والله سبحانه وتعالي أعلم
وأما عرض الآنية عليه من اللبن والعسل ، أو اللبن والخمر ، أو اللبن والماء ، أو الجميع فقد ورد أنه في بيت المقدس ، وجاء أنه في السماء ، ويحتمل أنه ههنا وههنا ، لأنه كالضيافة للقادم ، والله أعلم .
الدروس المستفادة من الإسراء والمعراج
يقول الدكتور أحمد شلبي :
من الدروس المهمة المتصلة بالإسراء والمعراج : أن الله – سبحانه وتعالي – أتاح للرسول – عليه الصلاة والسلام – بها فرصة أن يري العوالم الكبرى ، فصغرت بذلك مكة في نفسه ، وما بها من عتاد ورجال ، وماذا تكون مكة ومن بها بالقياس إلى هذا العالم الفسيح ؟ وإلى صاحب القوة الجبارة التي صنعت معجزة الإسراء والمعراج ؟
ومن الدروس كذلك : وضع المسلمين قبل الهجرة في بوتقة اختبار لتنقيتهم من المترددين قبل أن يبدأ الشوط التالي ، الذي سيكون حافلا بالجهاد والتضحية بالمال والأهل والوطن بعد الهجرة إلى المدينة .
ويقول الأستاذ ناصر محمد عطية :
هذه الرحلة كانت درسا تربويا نفسيا لا بد منه لمحمد حتى يواجه أعباء الرسالة ، ويتحمل مسؤلياتها ويرفع رايتها ، ويقف كالجبل الأشم لا يتزعزع ، ولا يتزلزل أمام هذه العواصف والمؤامرات
ويقول الشيخ على فريج حسنين :
وأنت تقرأ فواتح سورة الإسراء فلا تفرغ من الآية الأولي بمفردها حتى تقع في قصة موسى والتوراة وبني اسرائيل ، وكانت النفس تميل إلى تفصيل ما شاهده الرسول – عليه السلام – في رحلة العجائب التي مثلت له من هيئات الصالحين وأحوالهم ، ومن أحوال العاصين وما أعد لهم ، كما روته الأخبار الصحيحة ، ولكن القرآن أجمل تلك الآيات على عظمتها إجمالا ، وخلص سريعا إلى بيان الأهم .
هذا الأهم هو : رسم الطريق وتوضيح الخطة ، والتحذير من المخالفة ، وبيان العاقبة ، وتحديد العقوبة ، فإن الشأن في الحقيقة أعظم من هذا القصص ، لأنه الدين كله ، وملك الإسلام أبد الدهر ، من محمد إلى يوم القيامة ، وهذا كله ينطوي تحت الآيات التالية للآية السابقة ، ونستمع إلى ما يقول القرآن ( وءاتينا موسى الكتب )
وإنه وإن كانت القصة تحكي حال بني إسرائيل ، ولكنها في الحقيقة تستهدفها وتعنينا ، وهي تقصد إلى أن تقول لنا – نحن المسلمين – إنكم خلفتم بني إسرائيل في الدين والملك ، وقد كان القوم على دين فضلهم الله به على العالمين ، وكانوا على ملك بلغ من شأنه في عهد سليمان بن داود – عليهما السلام – ( أنه لا ينبغي لأحد من بعده ) وقد شدد الله ملكهم ، وبقي محافظا على عهده معهم ورعايته إياهم ما حفظوا هم عهده ، ووفوا بميثاقه ، واستقاموا على طريقته .
فلما بدا لهم أن يضلوا السبيل ، ويخالفوا أمره ، ويخونوا أمانته بإهمال شريعته ، ونبذ الدين واتباع الشهوات ، والإفساد في الأرض ، رفع الله عنهم حمايته ، وسلبهم عنايته ، ووكلهم إلى أنفسهم الطاغية الباغية ، فداستهم الأمم ، وقهرتهم الدول ، وبعث الله عليهم المرة بعد المرة عبادا له أولي بأس شديد من البابليين والمصريين والفرس والروم ، فلم يزالوا بهم حتى أتوا على بنيانهم من القواعد ، فقوضوا دولتهم ، ونكسوا أعلامهم ، ومزقوهم شر ممزق ، وشردوهم في الأرض لا وطن لهم مدى الحياة .
فحاذروا أيها المسلمين أن تكونوا مثلهم ، فتستنوا في الأمر سنتهم ، وتسيروا سيرتهم ، فإنكم إن فعلتم ذلك جرت عليكم سنة الله بما جرت عليهم ، وإنها سنة ماضية بحقها ، قاهرة بعدلها ، لا تحابى خليلا ، ولا تظلم فتيلا ، ولا يجد لها أحد من دون الله تحويلا ولا تبديلا ، وبهذا تلوح لنا الحكمة من الإسراء ، حيث جمع الله لرسوله العظيم في ليلة العيد – عيد التشريفة الكبري – جميع الأنبياء والمرسلين في حفل استقبال عام ، حيث أسلموا له الزمام ، وقام فيهم مقام الإمام في المسجد الأقصى المبارك ، وتحقق ميثاق الله المأخوذ على النبيين من أول الخليقة ، بالإيمان بالرسالة ورسولها الخاتم ، وهو ما جاء من سورة آل عمران في قوله تعالي : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ... )
وتم الاحتفال بختم النبوة والرسالة في الأرض ، وتولية خاتم الرسل والأنبياء محمد إمامة الدين وسلطانه تحت رعاية القرآن ، وجمع التراث الدين كله إلى هذه الحوزة وتحت هذه الراية إلى يوم القيامة ، وإعلان ذلك في الأرض والسماء ، على ملأ من الملائكة والرسل والأنبياء ، وإيذان بنقل الأمر من بيت إسرائيل إلى بيت إسماعيل ، ولولا أن القصد هو هذه المبايعة التي ضمت تراث إلى حوزته وجمعت كلمتهم تحت رايته ، لما تجلت لنا في هذا الوضوح حكمة الإسراء إلى المسجد الأقصى ، ولكان عروجه من المسجد الحرام بمكة أقرب وأولى .
ويقول الأستاذ أحمد زين :
لو لم يكن غاية الإسراء والمعراج غير فرض الصلاة لكان في ذلك ما يكفي رضاء من الله على المسلمين ورسولهم ، ولكن الرحلة كانت لها غايات أخرى أثبتها السميع البصير في آية الإسراء ( لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير )
فأري الله تبارك وتعالي رسوله المصطفي في كربته ما يزيل الكرب ، ويشحذ العزم ، ويؤهله لمراحل الدعوة القادمة .
أراه مكانته العليا التي أعدها له .
وأراه آيات من ملكوته العظيم ، وكشفت الرحلة لرسول الله معاني كثيرة عن فضائل عديدة لها أثرها في الإسلام والدعوة إليه ، واستهدفت الرحلة غاية عظيمة وهي وحدة الأماكن المقدسة ، واتحاد النبيين والمرسلين على الإسلام ورب الإسلام .
وبعد أن رأى مولانا رسول الله الآيات طمأنه إلى نصر الله وقدرته وأنه على الحق المبين
فعاد إلى قومه بأقوى عزم ، وتهيأ لرحلة الهجرة وللدعوة والجهاد والفتح ، فكانت السنوات التالية للإسراء ، سنوات مجد الإسلام وتمام نزول أحكامه ، ونشره على العالمين .
ويقول الشيخ الشعراوي عن حكمة الإسراء والمعراج فأجملها بقوله :
هي معجزة خرق الله فيها لرسوله قوانين الأرض وقوانين السماء ليريه من آياته الكبرى ويثبته ويفرض عليه أقدس العبادات وأقربها إلى الله – سبحانه وتعالي – وهي الصلاة .
بعض الفوائد المستخلصة من أحاديث الإسراء والمعراج
1- أن للسماء أبوابا حقيقية ، وحفظة موكلين بها .
2- إثبات الاستئذان ، وأنه ينبغي لمن يستأذن أن يقول : أنا فلان ، ولا يقتصر على ( أنا ) لأنه ينافي مطلب الاستفهام .
3- المار يسلم على القاعد ، وإن كان المار أفضل من القاعد .
4- استحباب تلقي أهل الفضل بالبشر والترحيب والثناء والدعاء .
5- جواز مدح الإنسان المأمون عليه الافتنان في وجهه .
6- جواز الاستناد إلى القبلة بالظهر وغيره ، مأخوذ من استناد إبراهيم إلى البيت المعمور ، وهو الكعبة في أنه قبلة من كل جهة .
7- جواز نسخ الحكم قبل وقوع الفعل .
8- فضل السير بالليل على السير النهار ، لما وقع من الإسراء بالليل ، ولذلك كانت أكثر عبادته بالليل ، وكان أكثر سفره بالليل ، وقال ( عليكم بالدلجة ، فإن الأرض تطوى بالليل ) .
9- التجربة أقوي في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة ، يستفاد ذلك من قول موسى عليه السلام للنبي : أنه عالج الناس قبله وجربهم .
10- تحكيم العادة ، والتنبيه بالأعلى على الأدنى ، لأن من سلف من الأمم كانوا أقوى أبدانا من هذه لأمة ، وقد قال موسى في كلامه إنه عالجهم على أقل من ذلك فما وافقوه .
11- مقام الخلة مقام الرضا والتسليم ، ومقام التكليم مقام الإدلال والانبساط ومن ثم استبد موسى بأمر النبي بطلب لتخفيف دون إبراهيم عليه السلام ، مع أن للنبي
من الاختصاص بإبراهيم أزيد مما له من موسى ، لمقام الأبوة ، ورفعة المنزلة والاتباع في الملة .
12- الجنة والنار قد خلقتا ، لقوله في بعض طرق الحديث ( عرضت علي الجنة والنار )
13- استحباب الإكثار من سؤال الله تعالى وتكثير الشفاعة عنده ، لما وقع منه في اجابة مشورة موسى في سؤال التخفيف .
14- فضيلة الاستحياء .
15- بذل النصيحة لمن يحتاج إليها ، وإن لم يستشر الناصح في ذلك وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
ابن الوافي
12-09-2005, 11:18 PM
[QUOTE=ابن الوافي][RIGHT]لمحات عن حياة الرسول 32 موضوع
رجال حول الرسول 56 موضوع
عظماء في الإسلام24 موضوع
الإعجاز العلمي في القرآن والسنّه 23 موضوع
الآداب الإسلاميه 39 موضوع
[CENTER][COLOR="Red"]البحث الثاني
دور المرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح
بسم الله الرحمن الرحيم
دور المرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح
الأمة بأبنائها وبناتها، بأجيالها البناءة المهيأة لنشر راية الإسلام خفاقة ودحر عدوان ملل الكفر والطغيان...
إن بناء الأجيال هو الذخر الباقي لما بعد الـمـوت... وهو لذلك يستحق التشجيع والاهتمام أكثر من بناء القصور والمنازل من الحجارة والطين.
وحيث إن التربية ليست مسؤولية البيت وحــــده؛ إذ هناك عوامل أخرى تساهم في تربية الأجيال، فسوف نتناول الدور التربوي للمرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح.
إنه لحلمٌ يراود كل أم مسلمة تملّك الإيمان شـغـاف قلبها، وتربع حب الله ـ تعالى ـ وحب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم على حنايا نـفـسـهـــا، أن تــــرى ابنها وقد سلك سبل الرشاد، بعيداً عن متاهات الانحراف، يراقب الله في حـركـاتــــه وسكناته، أن تجد فلذة كبدها بطلاً يعيد أمجاد أمته، عالماً متبحراً في أمور الدين، ومبتكراً كـــل مباح يسهّل شأن الدنيا.
إنـهـا أمنية كل أم مسلمة، أن يكون ابنها علماً من أعلام الإسلام، يتمثل أمر الله ـ تعالى ـ في أمـــور حياته كلها، يتطلع إلى ما عنده ـ عز وجل ـ من الأجر الجزيل، يعيش بالإسلام وللإسلام.
وسيـبـقـى ذلك مجرد حلم للأم التي تظن أن الأمومة تتمثل في الإنجاب، فتجعل دورها لا يتعدى دور آلـــة التفريخ...! أو سيبقى رغبات وأماني لأم تجعل همها إشباع معدة ابنها؛ فكأنها قد رضـيـت أن تجعل مهمتها أشبه بمهمة من يقوم بتسمين العجول...! وتلك الأم التي تحيط أبناءها بالحب والحنان والتدليل وتلبية كل ما يريدون من مطالب سواء الصالح منها أو الطالح، فـهـي أول مــن يكتوي بنار الأهواء التي قد تلتهم ما في جعبتها من مال، وما في قلبها من قيم، ومـــا في ضميرها من أواصر؛ فإذا بابنها يبعثر ثروتها، ويهزأ بالمثل العليا والأخلاق النبيلة، ويقطع ما أمر الله به أن يوصل.
والأم المدلّلة أول من يتلقى طعنات الانحراف؛ وأقسى الطعنات تتمثل في عقوق ابنها.
ولنا أن نتساءل عن أهم ما يمكن للأم أن تقدمه لأبنائها.
أولاً: الإخلاص لله وحده:
إن عليها ـ قبل كل شيء ـ الإخلاص لله وحده؛ فقد قال ـ تعالى ـ: ((وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُـقِـيـمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ)) [البينة: 5>، فاحتسبي أختي المؤمنة كل جهد تكدحينه لتربية الأولاد، من سهر مضنٍ، أو معاناة في التوجيه المستمر، أو متابعة الدراسة، أو قيام بأعمال منزلية... احتسبي ذلك كله عند الله وحده؛ فهو وحده لا يضيع مثقال ذرة، فقد قال ـ جل شأنه ـ: ((وَإن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِـيـنَ)) [ الأنبياء: 47> فــلا تجعلي للشيطان سلطاناً إن قال: أما آن لك أن ترتاحي..؟!
فـالرفاهية والراحة الموقوتة ليست هدفاً لمن تجعل هدفها الجنة ونعيمها المقيم.
والـمـسـلمة ذات رسالة تُؤجَر عليها إن أحسنت أداءها، وقد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم الـمـرأة بخـصـلـتـيـن بقوله: (خير نساء ركبن الإبل نساء قريش: أحناه على ولد في صغره، وأدعاه على زوج في ذات يده)(1).
ثانياً: العلم:
والأم المسلمة بعد أن تحيط بالحلال والحرام تتعرف على أصول التربية، وتنمي معلوماتها باستمرار.
قال ـ تعالى ـ: ((وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً)) [طه: 114> فهذا ديننا دين يدعو إلى العلم، فلماذا نحمّل الإسلام قصور تفكيرنا وتخلفنا عن التعلم، ليقال: إن الإسلام لا يريد تعليم المرأة... وإن الإسلام يكرس جهل المرأة؟!
لا... إن تـاريـخـنــا الإسلامي يزخر بالعالمات من مفسرات ومحدثات وفقيهات وشاعرات وأديبات. كل ذلك حسب هدي الإسلام؛ فلا اختلاط ولا تبجح باسم العلم والتحصيل!
فالعلم حصانة عن الـتـردي والانحراف وراء تيارات قد تبهر أضواؤها من لا تعرف السبيل الحق، فتنجرف إلى الهاوية باسم التجديد والتحضر الزائف، والتعليم اللازم للمرأة، تفقهاً وأساليب دعوية، مـبـثـوث في الكتاب والسنة. ومما تحتاج إليه المرأة في أمور حياتها ليس مجاله التعلم في المدارس فـحـسـب، وإنما يمكن تحصيله بكل الطرق المشروعة في المساجد، وفي البيوت، وعن طريق الجيران، وفي الزيارات المختلفة... وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام لا يفقّهون جيرانهم ولا يعلّمونهم ولا يعظونهم ولا يفهمونهم؟! ما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يـتـفـقـهــون ولا يـتـعـظـــون؟ والله لَيُعلّمن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم، وَلَيتَعلّمنّ أقوام مـــن جـيـرانـهـم ويتعظون أو لأعاجلنهم بالعقوبة)(2). فهيا ننهل من كل علم نافع حسب ما نستطيع، ولنجعل لنا في مكتبة البيت نصيباً؛ ولنا بذلك الأجر ـ إن شاء الله ـ.
ثالثاً: الشعور بالمسؤولية:
لا بد للمرأة من الشعور بالمسؤولية في تربية أولادها وعدم الغفلة والتساهــل فـي توجيههم كسلاً أو تسويفاً أو لا مبالاة.
قــال ـ تعالى ـ: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)) [التحريم: 6> فلنجنب أنفسنا وأهلينا ما يستوجب النار.
فالمحــاسبة عسيرة، والهول جسيم، وجهنم تقول: هل من مزيد؟! وما علينا إلا كما قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر).
ولن ينجي المرأة أنها ربت ابنها لكونها طاهية طعامه وغاسلة ثيابه؛ إذ لا بد من إحسان الـتـنـشـئـة، ولا بــد من تربية أبنائها على عقيدة سليمة وتوحيد صافٍ وعبادة مستقيمة وأخلاق سوية وعلم نافع.
ولتسأل الأم نفسها: كم مــــن الـوقــــت خصّصتْ لمتابعة أولادها؟ وكم حَبَتهم من جميل رعايتها، ورحابة صدرها، وحسن توجيهاتها؟!
علماً بأن النصائح لن تجدي إن لم تكن الأم قدوة حسنة!
فيجب أن لا يُدْعـى الابن لمكرمة، والأم تعمل بخلافها. وإلا فكيـف تطلب منه لساناً عفيفاً وهـو لا يسمع إلا الشتائم والكلمات الـنـابـيـــة تـنـهـال عليه؟! وكيف تطلب منه احترام الوقت، وهي ـ أي أمه ـ تمضي معظم وقتها في ارتياد الأسواق والثرثرة في الهاتف أو خلال الزيارات؟! كيف.. وكيف؟
أختي المؤمنة: إن ابنك وديعة في يديك، فعليك رعايتها، وتقدير المسؤولية؛ فأنت صاحبة رسالة ستُسألين عنها، قال ـ تعالى ـ: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَـــا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) [التحريم: 6>.
أما متى نبدأ بتوجيه الصغير؟! فذلك إذا أحس الطفل بالقبيح وتجنبه، وخاف أن يظهر منه أو فيه، فهذا يعني أن نفسه أصبحت مستعدة للتأديب صالحة للعناية؛ ولهذا يجب أن لا تُـهـمـل أو تُترك؛ بل يكون التوجيه المناسب للحدث بلا مبالغة، وإلا فقدَ التوجيهُ قيمته. وفي كـــل تصرف من تصرفات المربية وكل كلمة من كلماتها عليها أن تراقب ربها وتحاسب نفـسـهــا لئلا تفوتها الحكمة والموعظة الحسنة، وأن تراعي خصائص النمو في الفترة التي يمر فيها ابنها، فلا تعامله وهو شاب كما كان يعامل في الطفولة لئلا يتعرض للانحراف، وحتى لا تُـوقِـــع أخـطــاءُ التربية أبناءنا في متاهات المبادئ ـ في المستقبل ـ يتخبطون بين اللهو والتفاهة، أو الشـطــط والغلو؛ وما ذاك إلا للبعد عن التربية الرشيدة التي تسير على هدي تعاليم الإسلام الحنيف؛ لذلك كان تأكيدنا على تنمية معلومات المرأة التربوية لتتمكن من معرفة: لماذا توجه ابنها؟ ومتى توجهه؟ وما الطريقة المثلى لذلك؟
رابعاً: لا بد من التفاهم بين الأبوين:
فإن أخطأ أحدهما فليغضّ الآخر الطرف عــن هذا الخطأ، وليتعاونا على الخير بعيداً عن الخصام والشجار، خاصة أمام الأبناء؛ لئلا يــؤدي ذلـك إلـى قـلـق الأبناء، ومن ثم عدم استجابتهم لنصح الأبوين.
خامساً: إفشاء روح التدين داخل البيت:
إن الطفل الذي ينشأ في أسرة متدينة سيتفاعل مع الجو الروحي الذي يشيع في أرجائها.. والسلوك النظيف بين أفرادها.
والنزعات الدينية والخلقية إن أُرسيت قواعدها في الطفولة فسوف تستمر في فترة المراهقة ثم مرحلة الرشد عند أكثر الشباب، وإذا قصّر البيت في التربية الإيمانية، فسوف يتوجه الأبناء نحو فلسفات ترضي عواطفهم وتشبع نزواتهم ليس إلا.
فالواجب زرع الوازع الديني في نفوس الأبناء، ومن ثَمّ مساعدتهم عـلـى حـســــن اختيار الأصدقاء؛ وذلك بتهيئة الأجواء المناسبة لاختيار الصحبة الصالحة من الجوار الـصـالح والمدرسة الصالحة، وإعطائهم مناعة تقيهم من مصاحبة الأشرار.
سادساً: الدعاء للولد بالهداية وعدم الدعاء عليه بالسوء:
عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوا عـلــى أنـفــسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجاب لكم)(3).
وأولاً وأخـيـراً: يـنـبـغـي ربط قلب الولد بالله ـ عز وجل ـ لتكون غايته مرضاة الله والفوز بثوابه ((فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ)) [الأنبياء: 94>. وهذا الربط يمكن أن تبثه الأمهات بـالـقـــدوة الطيبة، والكلمة المسؤولة، والمتابعة الحكيمة، والتوجيه الحسن، وتهيئة البيئة المعينة على الخير، حتى إذا كبر الشاب المؤمن تعهد نفسه: فيتوب عن خطئه إن أخطأ ويلتزم جادة الصواب، ويبتعد عن الدنايا، فتزكو نفسه ويرقى بها إلى مصافِّ نفوس المهتدين بعقـيـدة صلبة وعبادة خاشعة ونفسية مستقرة وعقل متفتح واعٍ وجسم قوي البنية، فيحيا بالإســــلام وللإسلام، يستسهل الصعاب، ويستعذب المر، ويتفلت من جواذب الدنيا متطلعاً إلى ما أعده الله للمؤمنين المستقيمين على شريعته: ((إنَّ الَذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَـلَـيْـهِــمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)) [ فصلت: 30>.
كانت ابنة هادئة مهذبة يجللها الحياء.
وبعدما دخلت المرحلة المتوسطة بدا التغير عليها...
رآها والدها وقد لوّنت إحدى خصال شعرها باللون الأخضر، فلما سأل والدتها عــــن ذلك مستغرباً قالت: ما العمل؟! هكذا تفعل معلمتها في المدرسة؛ إذ تلوّن خصلة شعرها حـسـب لون فستانها! ثارت ثائرة الرجل، وما كان منه إلا أن أقسم أن لا يعلّم بنتاً له بعد اليوم!!
رويـدك أيـهـا الأب الغيور! فبالعلم حياة القلوب ولذة الأرواح، وبه يُعرف الدين ويكشف عن الشبهات.
إن ديننا الإســلامي دين علم، وأم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ كانت عَلَماً في ذلك؛ حيث حفظت وروت كـثـيـراً مـــن الأحاديث النبوية داخل المنزل الشريف. ومثلها كانت أمهات المؤمنين ـ رضوان الله عليهن ـ وذلك استجابة لهدي هذا الدين:
- عن الشفاء ـ رضي الله عنها ـ قـالــــت: دخل علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا عند حفصة رضي الله عنها فقال لي: ألا تعلّمين هذه رقية النحلة كما علمتِها الكتابة؟(4).
فالعلم مطلب شرعي للرجل والمرأة علـى السواء. فلماذا نضيّق واسعاً، ونحمّل الأجيال وزر معلمات كن قدوة سوء؟!
نحن بحاجة إلى القدوة الحسنة، وغرس التعاليم الشرعية الصحيحة.
- يجب أن لا يُهمل تعليم البنات؛ فقد قيل: تعليم رجل واحد هو تعليم لشخص واحد، بينما تعليم امرأة واحدة يعني تعليم أسرة بكاملها. وبتعليم بناتنا وتنشئتهن النشأة الصالحة نردم الهوة الكبيرة التي تفصل أمتنا عن التقدم في كثير من ديار المسلمين.
بـــل إن ديننا الإسلامي بلغ فيه حب العلم والترغيب في طلبه أن دعا إلى تعليم الإماء من نســاء الأمة؛ كي تزول غشاوة الجهل، وتسود المعرفة الواعية، وقبل ذلك ليُعبد الله على بصيرة وتستقيم الأجيال على أمر الله.
وفيمــا رواه الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران(5).
هذا إذا روعي في التعليم المنطلقات الشرعية.
وقد عــرف أعــداؤنــــا أهمية العلم؛ فأسرعوا إليه؛ ولكن على أسس علمانية، وعرفوا أثر المعلمة؛ فعملوا على إفسادها، وبإفسادها أضلوا الأجيال منذ مطلع هذا القرن. ومما يؤسف له أن العلمانيين والملاحـــــــدة قد سبقوا أصحاب العقيدة السليمة إلى تعليم المرأة، فعاثت نساؤهم في العالم الإسلامي تخريباً وإفساداً نتيجة لما يربين عليه الأجيال من مبادئ ضالة ومضلة، وكان لتأسيسهن الجمعيات النسائية الدور الكبير في صرف بناتنا عن طريق الهدى والرشاد.
فلا بد من بديل إسلامي لنحصن بناتنا بالتربية الرشيدة، حتى لا يكون موقفنا مجرد النقد واللوم، وذلك بالتعليم النافع، وأساليب الدعوة الجادة بين بنات جنسهن.
- لا بد من إعداد المرأة إعداداً مناسباً لرسالتها باعتبارها أنثى؛ إضافة إلى العلوم الشرعية الواجب عليها تعلمها، فإذا أتـقـنـت ذلــك وكانت ممن أوتي موهبة غنية، وعقلاً خصباً، وفكراً نيراً، وتعلمت غير ذلك من العلوم والفـنــون فإن هذا حسن؛ لأن الإسلام لا يعترض سبيلها ما دامت لا تتعدى حدود الشرع الحنيف.
وقد كانت نساء السلف خير قدوة في التأدب والحياء خلال خروجهن وتعلمهن؛ إذ كانت المرأة المسلمة تتعلم ومعها دينها يصونها، وحياؤهــا يـكـسـوهــا مـهـابــة ووقاراً بعيداً عن الاختلاط والتبذل.
أَمَــــــا وقد تمثل التعليم في عصرنا في المدارس الرسمية، فلا بد أن تتولى المرأة تعليم بنات جنسهـا، لا أن تعلم المرأة في مدارس الذكور أو في مدارس مختلطة، ولا أن يعلم الرجل في مدارس الإناث؛ فذلك من أعمال الشياطين.
وحتى فـي ديـــــــار الغرب المتحلل بدأت صرخات مخلصة تدعو إلى التراجع عن التعليم المختلط بين الجنسين وتنادي بالعودة إلى الفطرة السليمة التي تنبذ الاختلاط. لقد تبين بعد دراسات عديدة أن الـبـنـيـن والـبـنــات يحتاجون إلى معاملة مختلفة؛ نظراً للاختلاف في تطورهم الجسمي والذهني، كما أن الاخـتـلاط يجرّ إلى ما لا تحمد عقباه من مفاسد يندى لها الجبين؛ هذا فضلاً عن اختلاف المادة الدراسية التي يحتاجها كل من البنين والبنات.
- فالمنهج المدرسي للفتاة ينبغي أن يتناســـــب مع سنها مما يعدّها لوظائفها الأصلية: ربة بيت، أمّاً، وزوجة؛ لتضطلع بمهمتها التي تنتـظــرها، وتقوم بأدائها بطريقة سليمة؛ مما يهيئ الحياة الناجحة لها ولأسرتها المقبلة، ويجنـبـهــــا العثرات، ويجعلها داعية خير تتفرغ وأخواتها المؤمنات لوظيفة إعداد النشء الصالح، وأنْـعـِــمْ بـهــــا من وظيفة لإعداد الأجيال، لا لجمع الأموال وتتبع مزاجيات الفراغ!
- الـواجـــــب أن تكون معلمات الأجيال المسلمة نخبة صالحة تحمل همّ الإسلام، وتسير بخطوات إيجـابـيـــة في تعليـم الأجيال المسلمة وتثقيفهـا، وتزويد بناتنا بأساليب التربية التي تفيدهن مستقبلاً، لا بحشو الأذهان بقضايا لا تفيد ولا تغني في الحياة العملية شيئاً.
ابن الوافي
12-09-2005, 11:20 PM
يتبــــــــع للبحث الثاني
إنها خير منقذ لطالباتها من الوقوع في أحضان الانحراف والإلحاد؛ فهي تعلمهن الفضيلة بسلوكها وأقوالها: تنمي شخصيتهن، وتشحذ عقولهن، وتنقل إليهن الحقائق العلمية مع حقيقة ثابتة وهي: أن نـجــاح الجيل وتفوّقه لا يتمثل إطلاقاً في مدى ما يحفظ، بل فيما يعي ويُطبّق، ثم إن التفوق في الدراسة ليس غاية وهدفاً... بل الفائز حقاً هو من فاز بالدار الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن.
هذا؛ ومع أننا نرفض أن تـكــون أجيالنا ضحايا الإهمال واللامبالاة، فإننا نؤكد على الأم المعلمة؛ إذ عليها أن تقوم أولاً بواجبهـا الأساس كزوجة صالحة، وأم مربية تحسن تربية أولادها، ومن ثم تربي أولاد الآخرين، ولا تنسى أن فرض العين أوْلى من فرض الكفاية.
- وقد حدد علماؤنا القدماء صفات الـمـعـلــــم المسلم في التعامل مع طلابه، وذكروا أفضل الآداب لاتباعها، وعلى ضوء تلك الآداب؛ فعلى المعلم أو المعلمة:
ـ إخلاص النية لله ـ تعالى ـ: وأن تقصد بتعليمها وجه الله وتحتسب الثواب منه وحده، وتتطلع إلى الأجر الجزيل الذي ذكره الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: من دل على خير فله مثل أجر فاعله(6).
فلا تعمل لأجل المكانة ولا لمدح الناس ولا للــراتـب وحـــــده، وإنما عملها في سبيل الله، وتكون قدوة للناشئات في ذلك، وإلا... فإن فاقد الشيء لا يعطـيـه، وأنّى للأعمى أن يقود غيره ويرشده للطريق السليم؟!
ـ أن تقوم بعملها وتربي الأجيال على أدب الإسلام: فيتعلمن العلم ويتعلمن الأدب في آن واحد؛ وقد قال ـ تعالى ـ: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ)) [الصف:2>.
أمّـا أن تأتـي الطالبة كل يـوم بقـصة جديـدة حدثتها بهـا معلمتها مما ينبو عن الذوق السليم، أو بتقليعة جديدة جاءت بها إحدى المدرّسات مما تتنافى مـع ديننا، فهـذا أسلوب مـن أساليب الهدم لا البناء!
على معلمتنا المسلمة أن تنضبط بتعاليم الشرع، ولا تستهين بمخالفته مهما بدت المخالفة بسيطة؛ فإن ذلك السوء ينطبع في نفس الجيل ويصعب بعد ذلك إزالته.
ـ أن تكون حسنة المظهر تهتم بحسن هندامها باعتدال؛ فالمظهر الأنيق يعطي نتائج إيجابية في نفس الطالبة فتحترم معلمتها، ويعين ذلك على العمل بنصائحها، والعكس صحيح... وأن تركز على أن يعتاد الجيل الاهتمام بالجوهر لا المظهر، مع الابتعاد عن توافه الموضات المتجددة.
وليس من الإسلام أن تكون أحاديث طالبات المدارس مقتصرة على زي المعلمة وتسريحة شعرها، وجمال فستانها، وهاتفها الجوال الظاهر للعيان. وللأسف؛ فإن بعض المدرسات يتبادلن أشرطة الأفلام والمجلات الإباحية مع بعض الطالبات؟! فيا لخيبة مسعاهن!
ـ أن تتحلى بمكارم الأخلاق التي يدعو لها الديـن ـ ولا سيما الصـبر ـ فتحـسن التلطف فـي تعليم الطالبات مما يجعلهن بعيدات عن التجريح والتشهير؛ فتكون بحق داعية بالحكمة والموعظة الحسنة عملاً بقـوله ـ تعالى ـ: ((ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) [النحل: 125>.
والمدرّسة الحكيمة تنوّع في الطريقة التي تخاطب بها طالباتها حسب مقتضى الحال، وحسب سن الطالبات، ولا يفوتها أن التعامل الطيب الحنون يجذب الطالبات إليها وإلى المبادئ التي تنادي بها... وليس من الدين الجفاف في المعاملة أبداً! فالمعلمة كالأم الرؤوم تتعاطف مع تلميذاتها وتشفق عليهن وتشجع المجيدة منهن، ولتذكر أن نتائج التشجيع والمدح أفضل من التوبيخ والتقريع؛ فتشحذ همة طالباتها نحو الخير ببث الثقة في أنفسهن، وتحبيبهن بالفضائل دون أن تثبط عزيمتهن.
وإن احتاجت إلى عقوبتهن أو تنبيههن يوماً مّا فلتجعل الطالبات يشعرن أن العقوبة إنما هي لأجل مصلحتهن، ولو كانت بشكل غير مباشر؛ فإن ذلك أشد تأثيراً، ولتشعرهن أنها حريصة عليهن وعلى سمعتهن ومستقبلهن، ولتربط توجيهاتها بالدين وسلوك السلف الصالح؛ ليصبح الدافع الأساس في أعمالهن هو الدين لا المصلحة ولا المجتمع... وكل ذلك باعتدال من غير مبالغة لئلا يؤدي إلى نتائج عكسية.
ولتكثر المعلمة من ذكر نماذج نساء السلف الصالح في الأجيال الخيّرة حتى تبتعد الأجيال الجديدة عن الانبهار بنساء الغرب المنحلّ.
ـ ومن صفات المعلمة المسلمة التواضع: فذلك من خلق الإسلام وقد قال ـ تعالى ـ لنبيه الكريم: ((وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ)) [الشعراء: 215>. فتبتعد عن المفاخرة والمباهاة، وإلا أصبحت أضحوكة حتى أمام طالباتها اللاتي يزهدن فيها وفيما تدعو إليه. والمعلمة التي تعامل طالباتها بصلف وكبرياء لن تجني غير كرههن لها، والمعلمة التي تسخر من طالباتها ولو بالهمز واللمز تترك جرحاً غائراً في نفس أولئك الطالبات. فأين هي من أدب الإسلام الذي حذر من تلك المثالب بقوله ـ تعالى ـ: ((وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ)) [الهمزة: 1>. وأين القدوة الواجبة عليها والمنتظرة منها؟!
ـ وأن تكون المعلمة يقظة في رسالتها: فهي يقظة لجزئيات المنهج المدرسي لتستفيد منها كما يجب، وتوظفها لخدمة عقيدتها؛ فلا يُدرس العلم بمعزل عن العقيدة.
ـ وينبغي أن تكون المعلمة يقظة لما يتجدد من أحداث يومية: فلا تدعها تمر دون استفادة منها، بل بالطرْق والحديدُ ساخن ـ كما يقال ـ فتعلق على الحادثة التعليق المناسب في حينه.
وعليها أن تلاحظ تصرفات طالباتها، فتزجرهن عن سيّئ الأخلاق، وترغّبهن في حسنها بطريقة سليمة ولا تلجأ للتصريح إذا نفع التلميح.
ـ تستفيد من النظريات التربوية: شريطة أن تتناسب مع قيمنا، فتستثير أذهان طالباتها بالأسئلة الموجهة والمفيدة، مما ينمي شخصياتهن وينقل الحقائق العلمية لعقولهن.
وعليها أن تشجع ذوات المواهب والكفاءات بالثناء على أعمالهن وتصرفاتهن، ولتذكر أن بدايات الابتكار على مقاعد الدراسة.
ـ تتعاون مع زميلاتها المدرسات: فالتفاهم والوئام بين أعضاء الأسرة المدرسية يفسح للمديرة القيام بعملها ومتابعة العملية التعليمية، والارتفاع بمستوى الأداء الوظيفي... بدلاً من أن يكون عملها حل المشكلات التي تعملها المدرسات الفارغات...
ـ تتعاون مع أسر الطالبات: فهن شريكات في عمل واحد، وعلاقتها مع الأم علاقة محبة وتقدير وتعاون لما فيه خير الطالبات، فتساعد على تثقيفهن؛ ويتم ذلك من خلال حلقات إرشادية للأمهات؛ فتعقد المدرسة الندوات وتقيم المحاضرات التي تُدعى لها الأمهات، سعياً لتضافر الجهود، لوضع الأجيال أمام رؤية واضحة للحياة ألا وهي: العمل لمرضاة الله ـ تعالى ـ، وإلا فما تبنيه المدرسة يمكن أن تهدمه الأسرة والعكس صحيح.
أخواتي المعلمات: إن رسالتكن جليلة وهي أمانة في أعناقكن وسيسألكن عنها رب العباد. إنها رسالة إعداد الأجيال المؤمنة بربها وصد كل هجوم فكري يحاول التسلل إلى حصوننا، وغرس الفضائل السامية في النفوس، والعلوم النيرة في العقول.
والمعلمة الصالحة لن تنساها طالباتها، بل تبقى في ذاكرتهن يشدن بأمجادها وفضائلها، ويأتسين بجميل خصالها ((وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) [الأنعام: 32>.المرأة والمجتمع:
إن كثيراً من الفتيات، ما إن تنتهي إحداهن من الدراسة النظامية حتى تهجر الكتب، بل والمطالعة عموماً، وتنتكس إلى الأمية لارتباطها المعدوم بالكتاب، وتصبح اهتماماتها المحدودة لا تتعدى لباسها وزينتها والتفنن في ألوان الطعام والشراب، وهي هموم دنيوية قريبة التناول، لا غير...
- المرأة المسلمة عضو في مجتمع الإسلام، فهي مؤثرة ومتأثرة به، لا شك في ذلك؛ فهي ليست هامشية فيه أو مهملة، ولا يصح بحال أن تكون سلبية أو اتكالية، وإن كان الأمر كذلك فهو الجحود عينه، والنكران للجميل، والابتعاد عن الإيثار والتضحية.
أمتنا الإسلامية تنتظر من يعيد لها أمجادها من أبنائها البررة وبناتها الوفيات.
- وللمسلمة حضور اجتماعي واضح في كل ما هو نافع، وهكذا ينبغي أن يكون.
ـ فعليها أن تضع نصب عينيها حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا؛ ظلمنا ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا(7).
- للمرأة رسالة تربوية هادفة للرقي بمجتمعها...
ـ وتبدأ هذه الرسالة بإيفاء حق جيرانها، فتعلّم الجاهلة ما تحتاجه لدينها ودنياها، وفي ذلك خدمة تؤديها للأجيال الناهضة؛ فتصبح اجتماعات الجارات ليست للقيل والقال، بل للارتفاع بأسرنا المسلمة من الاهتمامات السطحية الساذجة إلى آفاق سامية؛ فكل حديث يمكن أن تحوّله المسلمة الصالحة إلى حديث هادف، حتى الحديث التافه لن تعدم المسلمة اللمّاحة أن تحوله للعبرة والتأمل، والجارات الصالحات يتدارسن أفضل السبل لتربية أولادهن وحل مشاكلهن.
ومن الصور المشرقة في التعاون بين الجارات:
أن أحد الأبناء كان يسرق المال من جيب أبيه وينفقه على ثلة من أصحابه الذين كانوا يشجعونه على ذلك العمل المشين.
عرفت الأم ذلك عن طريق جارتها الناصحة التي ساعدتها في اجتياز الأزمة، بمدارسة المشكلة والنظر في جذورها، ومن ثم احتواؤها وإيجاد الحل المناسب.
ومن ذلك أن امرأة كانت تكمل دراستها العليا، وحيث إن لها أطفالاً بحاجة إلى رعاية، فقد تكفلت جارتها بالعناية بأطفالها تحتسب الأجر: أجر الإحسان إلى الجار، وأجر تخفيف الكربة عن جارتها التي من الممكن أن تتعرض لضغوط نفسية عصيبة لو لم تجد الصدر الحنون من جارتها المسلمة.
وبالمقابل يجب أن لا ننسى الفضل لأهله، فكلتاهما تشارك في الأجر. وهذه إحدى صور التضامن بين الجيران بدلاً من الجفاء الذي عم وطم.
- ومن مهام المرأة المسلمة أن توطد العلاقات الحميمة بين الأقارب: من صلة للأرحام، وزيارة للمرضى، ومشاركة في الأفراح... وغير ذلك من أعمال الخير مما يشيع روح التعاون والمحبة، فتنشأ الأجيال على مُثُل الإسلام، وقيمه السامية، بالتعامل الطيب وبالمحاكاة الودودة. وعلى المرأة المسلمة أن تشجع كل بادرة خيرة تبدو من أجيالنا الناشئة، فتهنئ بنجاحهم، وتفرح لتفوقهم.
أمّا ما نسمعه عن خروج التافهات إلى الساحات العامة ليشجعن المباريات؛ فذلك ليس من التشجيع المشروع؛ فضلاً عن أنه لا يدل بحال على وعي المرأة لما يناسبها من مهام.
- وبالمقابل أن تتيح الفرصة لمناقشة الصغار وسماع آرائهم وتقدير أعمالهم الناجحة دون ضجر، ولنذكر أن من يعتبره بعض الناس طفلاً كثير الثرثرة قد يكون ممن له شأن في المستقبل، وكثرة أسئلته ما هي إلا دليل على قوة ملاحظته، وتعبير عما يجيش في نفسه التواقة للمعرفة والاطلاع. ولا ننسى الأثر الطيب في توجيه الصغار وتشجيعهم.
سمعنا أن محاضِرة كانت تتحدث بطلاقة تبهر كل من تسمعها من بنات جنسها، وكان من أكثر ما أثر فيها أن جاراتها ومعارف أبيها كانوا يستمعون لخطبها ويشجعونها وهي لا تتعدى السادسة من عمرها.
فعلينا ألا نبخل بكلمة طيبة نشجع بها صغارنا؛ فالكلمة الطيبة صدقة، والتوجيه الهادف لن يعدم له أثر، والكلمة المخلصة تصل إلى القلوب بلا حواجز.
ـ من المهام الأساسية للمرأة المسلمة أن تساهم في تحصين الأجيال بالثقافة الأصيلة والعقيدة الصحيحة، ولا تترك قيادة الأجيال بيد العابثات اللاتي يركبن كل موجة من أجل الوصول إلى أهدافهن في تخريب النشء.
فمن خلال مشاركتها في المراكز الثقافية وعدم ترك هذا المجال الهام لغيرها من صاحبات المذاهب الهدامة. ممن جعلن همهن أن تكون هذه المراكز بؤرة للإفساد ووسيلة للتخريب.
ومن الصور المشرفة مساهمة المسلمة في الجمعيات النسائية الخيرية لتحافظ على وجهتها السليمة من خلال مشاركتها بما تقدر عليه، بالمحاضرات والندوات والنشاطات الاجتماعية الطيبة والمتنوعة؛ فتصبح تلك فرصة طيبة لها للتعلم والتعليم وتوجيه الأجيال، فتستفيد وتفيد في آن واحد، ورب كلمة طيبة ونصيحة مخلصة تأخذ بيد الأمهات والمعلمات والمربيات نحـو الخير، وتبعدهـن عن الأخطار التربوية، وتصل بالنشء إلى التقـدم والفـلاح.
إننا إذ نطلب مساهمات المرأة والاستفادة من عمرها الذي ستسأل عنه وعن علمها الذي تعلمته، لا نعني بذلك التزامها بعمل رسمي مهني تداوم فيه ـ ولو أدى ذلك إلى إهمال حق زوجها ورعاية أبنائها ـ ولا نعني المرأة العاملة التي تعود إلى بيتها مكدودة الجسم مثقلة النفس بهموم العمل؛ فأنّى لأمثال هذه المكدودة المتعبة أن تفيد الأجيال التي تنتظر اللمسة الحنون منها، فلا يجدون لديها إلا الزجر والتأنيب؛ لأن أمهم متعبة وتريد أن ترتاح من عناء العمل طوال يومها!... وبنفس الوقت لا يعني هذا أن تترك الأعمال الممكنة التي تتناسب مع فطرتها ولا تشق عليها ـ كتطبيب النساء، وتعليمهن الخياطة ونحوها؛ ولا تترفع عن أعمال يمكن أن تسد بها ثغرة طيبة في مجتمعها.
ـ إنها ـ وهي المسلمة التي تريد أن تربي الأجيال على تعاليم الدين ـ يجب أن تبذل جهدها في تنقية الوسائل الإعلامية من كل ما يهدم الأخلاق ويسيء للمثل العليا. ولا يخفى أن الإعلام يؤدي وظيفة من أخطر وسائل الغزو الفكري الحديث. وقد اهتم به المروجون لأفكارهم وتنوعت أدواته من إذاعة وتلفزيون وصحافة ومجلات وسينما ومسرح وكتب وفيديو و.... وأكثرها يعتمد على الإثارة ويتفنن في طرق مخاطبة الغرائز وعداوة الدين وتعاليمه، وتدعو بمجملها ـ وفي غالب أحوالها ـ إلى التحلل والسفور والتمرد على الفطرة، والتطبيل والتهليل لكل خبث وخبيث، مما يشيع الخنا والفجور، ويشكك بالشخصية المسلمة وقدرتها على الإبداع، حين يصفونها دائماً بالمتخلفة، فتنشأ الأجيال وقد فقدت ثقتها بنفسها؛ وكأن الإبداع والتفوق مقصوران على الكفار وحدهم؛ وأما المتدينون فهم المتخلفون مما يُشعِر الأجيال بالدونية والصّغار، وهذه توجيهات خبيثة تنفث سمومها في مجتمعاتنا، فلا بد من تحصين الأجيال ضد هذا الغزو الفكري المركّز.
- والمسلمة الواعية تتعامل مع الإعلام بفطنة وحذر، ولا يفوتها أن من مقاصد التشريع الإسلامي حفظ الكليات الخمس وهي: الدين، والعقل، والنسب، والنفس، والمال، فإذا وجدت المسلمة ما يعمل على إضاعة هذه الكليات أو بعضها فيجب أن تسعى ما أمكنها لتكون حائلاً دونه. إننا نناشد الأقلام النسائية لنصر الفضيلة، وتسفيه رأي شياطين الإنس وبيان زيفهم وضلالهم.
لا بد من مواجهة العدو الماكر بتخطيط سليم وعمل مضاد، وإذا لم نبذل الجهد لتدعيم الأخلاق الفاضلة وترسيخ العقيدة السليمة، ندمنا حيث لا ينفع الندم؛ فقد تُكَرّس الخرافة والمثل الهابطة، وتعيش الأجيال وهي تستنشق ذلك العبق القاتم.
ومن المزايا التي اختصت بها نساؤنا في الماضي كثرة القصص يسلين بها الأطفال، ويجذبنهم للأسرة ولمعتقداتها.
فلماذا تترك نساؤنا المثقفات أبناءهن هدفاً لقصص جرجي زيدان (وأمثاله) يشوهون تاريخنا ويسيئون إلى مُثُلنا؟
فلنساهم في الإعلام المقروء والإعلام المسموع كل واحدة بقدر طاقتها، حتى الأناشيد ينبغي أن تنظمها المسلمة ليترنم بها أبناؤنا، ولتحل محل الأغاني الهابطة، ولتغرد الأجيال بكلمات عذبة تظهر الصورة الوضيئة للإسلام ومثله السامية، وتستميل قلوب الناشئة للخير.
وكذلك الحال في المجالات والقصص والروايات التي تعلم في كثير من حالاتها خداع الآخرين في سبيل المال وتكرس القيم والأفكار الخاطئة، من العنف أو اللامبالاة، أو العقوق وغير ذلك من سيئ الأخلاق؛ فإن واجب المسلمة أن تستفيد من وسائل المعرفة السريعة هذه، حتى تصبح منبراً يعلم الخير ويدعم العقيدة، ويثقف العقل، وفي الوقت ذاته يروّح عن النفس.
- إن أخطر أنواع الإعلام الحديث هو التلفزيون؛ إذ زاحم الأسرة في توجيه أبنائها وبناتها وذلك بجاذبية مدروسة، وغزو مستور، وشياطين الإنس تؤزّه لهدم كل فضيلة. وقد قال الرئيس الفرنسي السابق ديغول ـ متحدثاً عن أثر التلفاز: أعطني هذه الشاشة أغير لك الشعب الفرنسي.
ولو علمنا أن كثيراً من الأسر قد تخلت عن دورها نهائياً في مهمة التربية العقدية والفكرية، وأسلمت أبناءها للتلفزيون يصنع بهم ما يحلو له من التوجيه وغرس المفاهيم والعقائد المغايرة في كثير من الحالات لعقائدنا وحضارتنا؛ لقدّرنا أي واجب يحتم على المثقفة المسلمة أن تستفيد من إمكاناتها إن كانت تحسن كتابة القصة أو الأنشودة أو الحوار أو المقالة.
يجب أن لا تتردد المسلمة في النزول إلى ميدان الإعلام، لمواجهة الفتح الإعلامي الذي يصب في آذان الناشئة صباح مساء.
فمن أجل أبنائنا ومن أجل مستقبل أفضل، ولكي يبقى صوت الحق عالياً؛ فإن على المسلمة أن تساهم في وضع المادة الصالحة البديلة عما يسيء لدينها وعقيدتها، وتنشط فلعلّ كتابتها تكون سداً حائلاً دون تسرب الخبث؛ لأن من يُقدّم له الطعام فيشبع لن يشتهي الفضلات ولن يُقْدِمَ على تناولها.
أختي المسلمة:
لا تتعللي بالأسباب فتقولي: أنا متعبة الصحة، كثيرة الالتزامات، ضيقة الأوقات؛ فاغتنام الـوقـت والـصـحـة والغنى من تعاليم شرعنا الحنيف؛ فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسـول الله -صـلـى الله عليه وسلم-: اغـتـنـم خمـســاً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شـغـلـك، وحـيـاتـك قـبـل موتك(8).
========
الهوامش :
(1) متفق عليه: البخاري، ح./ 5082، ومسلم ح./2527.
(2) رواه الطبراني في الكبير.
(3) رواه مسلم، ك./الزهد والرقائق، ح./3014.
(4) أخرجه أبو داود، ح./ 3887، وأحمد، ح./ 26555 وصححه الحاكم.
(5) رواه البخاري، ح./97، ك. العلم.
(6) رواه مسلم، ح./ 1893، ك. الإمارة.
(7) أخرجه الترمذي، ح./ 2007، ك. البر والصلة عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ.
ابن الوافي
12-09-2005, 11:26 PM
لمحات عن حياة الرسول 32 موضوع
رجال حول الرسول 56 موضوع
عظماء في الإسلام24 موضوع
الإعجاز العلمي في القرآن والسنّه 23 موضوع
الآداب الإسلاميه 39 موضوع
الحج والعمره 14موضوع
البحث الثالث
حقوق الأبناء
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فسيكون حديثنا اليوم عن حقوق الأولاد هذه النعمة العظيمة التي أمتن الله بها على عباده وهي نعمة الولد ؛ إنما تكون نعمة حقيقية إذا قام الوالدان بحقها وحقوقها وأحسنا في رعايتها ، وقد جاءت نصوص كتاب الله وسنة النبي- صلى الله عليه وسلم- تبين المنهج الأكمل والطريق الأمثل في تربية الأولاد .
الأولاد ... نعمة من نعم الله- عز وجل - ، هذه النعمة رفعت الأكف إلى الله بالضراعة أن يكرم أصحابها بها، فقال الله عن نبي من أنبيائه : { رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ } .
وقال الله عن عباده الأخيار : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } .
الأولاد والذرية تقر بهم العيون وتبتهج بهم النفوس وتطمئن إليهم القلوب إذا طابوا وقام الوالدان على رعاية الأولاد والعناية بهم وأداء حقوقهم كاملة على الوجه الذي يرضي الله- عز وجل - .
وحقوق الأولاد قسمها العلماء إلى قسمين :
القسم الأول : ما يسبق وجود الولد .
والقسم الثاني : ما يكون بعد وجوده . فالله حمل الوالدين المسئولية عن الولد قبل وجود الولد وحملهما المسئولية عن تربيته ورعايته والقيام بحقوقه بعد وجوده .
فأما مسئولية الوالدين عن الولد قبل وجوده فإنه يجب على الوالد ويجب على الوالدة أن يحسنا الإختيار ، فيختار الأب لأولاده أما صالحة ترعى حقوقهم وتقوم على شئونهم ، أماً أمينة تحفظ ولا تضيع وعلى الأم أيضاً أن تختار زوجاً صالحاً يحفظ أولادها ويقوم على ذريتها فاختيار الزوج والزوجة حق من حقوق الولد ، ولذلك قال-صلى الله عليه وسلم-: (( تنكح المرأة لأربع ، لدينها وجمالها ومالها وحسبها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )) .
اظفر بذات الدين حتى ترعى الذرية وتقوم على إصلاحها وتربيتا على نهج ربها ، اظفر غنيمة وفوز .
وكذلك المرأة تختار الزوج الصالح الذي ترضى دينه وأمانته وخلقه وإذا أساء الرجل في اختيار زوجته ونظر إلى حظه العاجل من جمال ومال ونسي حقوق أولاده فإن الله يحاسبه حتى ذكر بعض العلماء : أن الزوج لو أختار الزوجة وعلم أنها لا تحسن إلى ذريته من بعده فإن الله يحمله الإثم والوزر لما يكون منها من إساءة إلى ولده ، وكذلك المرأة إذا لم تحسن الاختيار لزوجها وعلمت أنه زوج يضيع حقوق أولاده وفرطت وتساهلت وضيعت فإن الله يحاسبها عما يكون من إثم ذلك الزوج وأذيته لأولادها ، حق على الوالدين أن يحسنا الإختيار وأن يكونا المنبت الطيب هو الذي يبعث عنه الإنسان ، فالناس معادن كما أخبر سيد البشر- صلى الله عليه وسلم- فيهم المعدن الكريم الذي طابت أصوله وإذا طابت الأصول طابت الفروع .
إن الأصول الطيبات لها فروع زاكيه ، والله- عز وجل - يقول : { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ } فإذا كان معدن المرأة كريماً من بيت علم أو دين أو عرف بالصلاح والإستقامه فإنه نعم المعدن ونعم الأمينة التي ستحفظ الأولاد والذرية في الغالب ، وكذلك الرجل إذا كان معدنه طيباً فإنه سيكون حافظاً لأولاده ، ولا يعني هذا أن المرأة إذا ابتليت بزوج مقصر أنها تيأس بل ينبغي عليها أن تحاول وأن تستعين بالله في إصلاح ذريتها وأولادها فإن الله- عز وجل - يقول : { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ } فربما يكون الزوج غير صالح ؛ ولكن الله يخرج منه ذرية صالحة وقد يكون الزوج صالحاً ويخرج الله منه ذرية غير صالحة .
أخرج الله من أبي جهل عكرمة وهو من خيار أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- وقائد من قواد المسلمين وعظم بلاؤه في الدين وقد يخرج الميت من الحي كما في ولد نوح- عليه الصلاة والسلام - .
فالمقصود أن الأصل والغالب أنه إذا طاب معدن المرأة أن يطيب ما يكون منها من ذرية هذا هو الحق الأول ، وإذا أختار الإنسان الزوجة فمن حقوق ولده أن يسمي عند إصابة أهله ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- ذكر التسمية عند الجماع أنها حرز وحفظ من الله للولد من الشيطان الرجيم قال العلماء : وهذا حق من حقوق الولد على والده إذا أراد أن يصيب الأهل .
وإذا كتب الله بخروج الذرية فليكن أول ما يكون من الزوج والزوجة شكر الله- عز وجل - من أراد أن يبارك الله له في نعمة من نعمه فليشكر الله حق شكره ؛ لأن النعم لا يتأذن بالمزيد فيها والبركة إلا إذا شكرت ، وإذا نظر الله إلى عبده شاكراً لنعمه بارك له فيما وهب وأحسن له العاقبة فيما أسدى إليه من الخير .
فأول ما ينبغي على الوالد والوالده إذا رأيا الولد أن يحمدا الله على هذه النعمة وأن يتذكرا العقيم الذي لا ذريه له وأن يسأل الله خير هذا الولد وخير ما فيه فكم من ولد أشقى والديه وكم من ولد أسعد والديه فيسأل الله خيره وخير ما فيه ويستعيذ به من شره ويعوذ بالله من ذرية السوء .
ثم إذا كتب الله ولادة الولد فهناك حقوق أجملها العلماء منها حق التسمية أن يختار له أفضل الأسماء وأكرمها لأن الأسماء تشحذ الهمم على التأسي بالقدوة ، ولذلك قال بعض العلماء : خير ما يختار الأسماء الصالحة وأسماء الأنبياء والعلماء والفضلاء لأنها تشحذ همة المسمى إلى أن يقتدي وأن يأتسي قال-صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري : (( ولد لي الليلة ابن سميته على اسم أبي إبراهيم )) فسمي إبراهيم على اسم أبيه ، ولذلك قالوا : أنه يراعى في الاسم أن يكون اسماً صالحاً ولا يجوز للوالدين أن يختارا الاسم المحرم وهو الاسم الذي يكون بالعبودية لغير الله كعبد العزى ونحو ذلك من الأسماء كعبد النبي وعبد الحسين ونحو ذلك من الأسماء التي يعبد فيها البشر للبشر ؛ وإنما ينبغي أن يعبد العباد لله جلا جلاله وهي الأسماء المحرمة .
كذلك ينبغي أن يجنب الولد الأسماء القبيحة والأسماء المذمومة والممقوتة والمستوحش منها حتى لا يكون في ذلك اساءة من الوالدين للولد .
قالوا : من حقه أن يختار له أفضل الأسماء وأحب الأسماء إلى الله ما كان للعبودية لله كعبدالله ، وعبدالرحمن ونحو ذلك من الأسماء التي تكون مصدرة بالعبودية لله- عز وجل - .
وينبغي أن يجنبه كذلك ما ذكره العلماء من الأسماء المكروهة التي فيها شيء من الدلال والميوعة التي لا تتناسب مع خشونة الرجل ، والعكس أيضاً فإن البنت يختار لها الإسم الذي يتناسب معها دون أن يكون فيه تشبه بالرجال وقد جاء عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- أنه سمى بنته عاصية كما ذكر الإمام الحافظ أبو داود وغيره النبي-صلى الله عليه وسلم- اسمها إلى جميلة فقد جاء عنه-عليه الصلاة والسلام- في أكثر من حديث أنه غير الأسماء القبيحة فمن حق الولد على والديه إحسان الاسم ، والأسماء تكون للوالد ولا حرج أن تختار الأم لابنها وابنتها لا حرج في ذلك ولا باس إذا اصطلحا بالمعروف ومن حقوق الولد ان تكون التسمية في أول يوم من ولادته أو ثاني يوم أو ثالث يوم أو سابع يوم لا حرج والأمر في ذلك واسع ، وقد جاء عنه-عليه الصلاة والسلام- في حديث الحسن عن سمرة أنه ذكر العقيقة فقال : (( كل غلام مرهون بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى )) فقال بعض العلماء : تستحب التسمية في السابع ولكن الجواز يجوز في أول يوم لحديث البخاري : (( ولد لي الليلة ابن سميته على اسم أبي إبراهيم )) . فهذا يدل على مشروعية التسمية في أول يوم ولاحرج في ذلك والأمر واسع .
كذلك من حقه أن يختن الولد سواء كان ذكراً أو أنثي فالختان مشروع للذكور ومشروع للإناث وهذه المسألة ليست محل نقاش حتى يسأل فيها غير العلماء أو يرجع فيها إلى آراء الناس وأهوائهم ؛ وإنما ينظر فيها إلى الشرع يقول-صلى الله عليه وسلم- : (( إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل )) فالذي يقول ليس في الشريعة دليل يدل علي مشروعية ختان الإناث جاهل لا يعرف ما ورد في نصوص السنه عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فإنه قال : (( إذا التقى الختانان )) فبين-صلوات الله وسلامه عليه- أن المرأة تختن كما يختن الرجل ، قال العلماء : إن هذا يخفف من حدة الشهوة من المرأة وهذا من حقها أن تختن ويراعى ختانها ، وكذلك الذكر يختن هذا إذا كان في صغره .
كذلك أيضاً من أعظم الحقوق وأجلها حسن التربية والرعاية للابن والبنت ، ولقد رغب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هذا العمل الصالح حتى ثبت في الحديث الصحيح عنه أنه قال : (( من أبتلى بشيء من هذه البنات فرباهن فأحسن تربيتهن وأدبهن فأحسن تأديبهن إلا كن له ستراً أو حجاباً من النار )) . فهذا يدل على فضيلة تربية الابن وتربية البنت على الخصوص على طاعة الله ، قال العلماء : إنما ذكر البنت لأنها هي المربية غداً لأبنائها وبناتها والقائمة على حقوق بعلها وبيت زوجها فلذلك ذكر رعاية البنات وإلا فالفضيلة موجودة .
أيضاً لمن رعى الأبناء وقام عليهم وأدبهم فأحسن تأديبهم ، ومن هنا قال-عليه الصلاة والسلام- يبين حسن العاقبة لمن أنعم الله عليه بهذه النعمة وهي تربية الولد تربية صالحة ذكر حسن العاقبة فقال : (( إذا مات ابن آدم أنقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقه جاريه وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له )) . قال العلماء : إن الله- عز وجل - يحسن المكافأة لعبده على ما كان منه من رعايته لولده فكما أحسن إلى ولده في الصغر يجعل الله له إحسانه نعمة عليه حتى بعد موته ، بل إن الذي يربى في الصغر ويحسن تربيه أولاده يرى بأم عينيه قبل أن يموت حسن العاقبة في ولده ، ولهذا تجد من ربى ابنه على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات وعلى ما يرضي الله- عز وجل - ، إذا كبر فرق عظمه ووهن وأصابه المشيب والكبر وجد أبنه بجواره يساعده ويقوم على شأنه ويحفظ أمواله أميناً راعياً حافظاً على أتم الوجوه وأحسنها . وهذه هي ثمرة العمل الصالح وثمرة من ربى وتعب على تربية أبنائه ، والعكس فمن ضيع ابناءه فإن الله يريه في الحياة قبل الموت شؤم ما كان منه من التقصير فيصيبه الكبر فيهن عظمه ويرقد ويجد من تعب الحياة وشظفها فيأتي ابناءه ليكيدوا له ويؤذوه ويذلوه ويروه سوط العذاب في الدنيا قبل الآخرة وهذه كله من عواقب سوء التربية-نسأل الله السلامة والعافية- ، فلذلك رغب النبي- صلى الله عليه وسلم- في هذا العمل الصالح وهو تربيه الأبناء ، رغب فيه لعلمه بحب الله لهذا العمل وحبه-سبحانه- لمن قام به على أتم الوجوه وأكملها وخير ما يربى علية الأبناء وأكد وأوجب ما يرعى من تربية الأبناء التربية الايمانية .
فأول ما يغرس الوالدان في قلب الولد الإيمان بالله- عز وجل - الذي من أجله خلق الله خلقه وأوجدهم . { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } فأول ما يعتني به غرس الإيمان وغرس العقيدة لا إله إلا الله تغرس في قلب الصبي فيعتقدها جنانه ويقر بها وينطق بها وينطق بها لسانه وتعمل بها وبلوازمها جوارحه وأركانه قال الله-تعالى- : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } فأول ما ابتدأ به وأول ما قام ودله عليه في وعظه ونصحه وتوجيهه أن ذكره بحق الله- عز وجل - وبين له أن ضياع هذا الحق هو الظلم العظيم ؛ لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه وليس هناك أعظم من أن يصرف حق الله-جل وعلا- في عبادته لغيره كائن من كان ذلك الغير ، ولهذا وعظ لقمان وابتدأ موعظته بهذا الأصل العظيم .
فأول ما ينبغي على الوالدين أن يغرسا في قلب الصبي الإيمان بالله- عز وجل - هو أطيب وأكمل وأعظم ما يكون من الأجر أن يغرس الأب وتغرس الأم في قلب الولد الأيمان بالله- عز وجل - وهو فاتحة الخير واساس كل طاعة وبر لا ينظر الله إلى عمل العامل أو قوله حتى يحقق هذا الأصل ويرعاه على أتم الوجوه وأكملها ، ولذلك لما ركب عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- مع رسول الأمه- صلى الله عليه وسلم- وهو صغير السن ركب وراء رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أختار-عليه الصلاة والسلام- أن يأخذ بمجامع قلبه وهو في صغره إلى توحيد الله- عز وجل - : (( - يا غلام - ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن )) وأنظر إلى الأسلوب : (( - يا غلام - ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ينفعك الله بها نفع الدين والدنيا والآخرة احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فسأل الله ، وإذا استعنت فأستعن بالله وأعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف )) . ملأ قلبه بالله ملأ قلبه بالأيمان والعبودية والتوحيد وإخلاص التوجه لله - عز وجل - . احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك فأخذ بكليته إلى الله واجعل الله نصب عينيك كأنه يقول اجعل الله نصب عينيك ، إذا سألت فكنت في فاقه وضيق وشده فسأل الله وإذا استعنت وألمت بك الأمور ونزلت بك الخطوب والشدائد فأستعن بالله ، ثم بعد ذلك ينفض يديه من الخلق وأعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، ولذلك ينبغي أن يحرص الوالدان على غرس الإيمان بالله .
يقول بعض أهل العلم-رحمة الله عليهم- إن الوالد مع ولده يستطيع في كل لحظه أن يغرس الإيمان فالمواقف التي تمر مع الوالد مع ولده ويكون الولد بجواره يذكره فيها بالله ويذكره فيها بوحدانية الله وأن الله قائم على كل نفس بما كسبت وأنه وحده بديع السموات والأرض خالق الكون ومدبر الوجود لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه-سبحانه- ، فإذا نشأ هذا القلب على الفطرة ونشأ هذا القلب على التوحيد نشأ على الأصل العظيم الذي فيه سعادته وصلاح دينه ودنياه وآخرته فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله فتأتي هذه الكلمات النيرات والمواعظ المباركة إلى قلب ذلك الصبي وهو على الفطرة وهو على الإيمان لا تشوبه شائبة كما قال-عليه الصلاة والسلام- : (( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه )) فيغرس هذا الايمان علي تلك الفطرة فتكون نوراً على نور يهدي الله لنوره من يشاء وعلى هذا ينبغي أن يحرص الوالدان على غرس الإيمان بالله- عز وجل - ، من التربية الايمانية الأمر بالصلاة قال-تعالى- : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ } وقال-عليه الصلاة والسلام- : (( مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع )) فمن حق الولد على والديه الأمر بالصلاة أن يأمراه بالصلاة في مواقيتها ، قال العلماء : يجب على الوالد وعلى الوالدة أن يعلما الولد كيفية الوضوء وكيفية الطهارة ، واستقبال القبلة ، وصفة الصلاة ، والهدي الذي ينبغي أن تؤدي به هذه العبادة .
والله ما علمت ابنك الوضوء فصب الماء على جسده إلا كان لك مثل أجره ولا حفظته الفاتحة أو شيء من كتاب الله فلفظ لسانه بحرف مما علمته إلا كنت شريكا له في الأجر حتى يتوفاه الله- عز وجل - ولو علم ذريته فأنت شريك له في الأجر فمن دعا إلى الهدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً ، وما علمته الصلاة فقام في ظلمة ليل أو ضياء نهار بين يدي الله إلا أجرت على قيامه وكان لك مثل أجره وثوابه ، فخير كثير وفضل عظيم يتاجر فيه الوالد مع الله- عز وجل - وما قيمة الأولاد إذا لم يقاموا على طاعة الله- عز وجل - ويقاموا على منهج الله وتنشأ تلك النفوس على محبة الله ومرضاة الله والقيام بحقوق الله فلا خير في الولد إذا تنكر لحق الله وإذا ضيع الولد حق الله فسيضيع حقوق من سواه ممن باب أولى وأحرى ، فينشأه على اقامة الصلاة ويعوده إنه إذا أذن المؤذن ينطلق إلى بيت الله- عز وجل - عامره بذكره ، ولذلك أمر النبي-صلى الله عليه وسلم- للصلاة لسبع عند نعومة الصبي وصغر سنه حتى إذا كبر ألف ذلك الشيء واعتاده ، كذلك - أيضاً - هذه التربية الايمانية تستلزم التربية على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات وما يكون من الإنسان في معاملته مع الناس : { يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ @ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ @ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } .
يقول بعض العلماء : هذه الآيات وصايا لقمان منهج في التربية على أكمل شيء ، فهو يجمع بين حق الله وحق عباده ، بل حتى حظ النفس فقد أمره بما فيه قوام النفس واستقامتها حتى في أخلاقها مع الناس ، ولذلك لا تصعر خدك للناس كبرياء وخيلاء ولا تمشي في الأرض مرحاً فالانسان إذا أراد أن يربى ولده يربيه على مكارم الأخلاق فكمال العبد في كمال خلقه كما قال-صلى الله عليه وسلم- : (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً )) يعوده الصدق في الحديث وينهاه عن الكذب يعوده حفظ اللسان وينهاه عن أن يرتع لسانه بأعراض المسلمين بالغيبة والنميمة والسب والشتم واللعن ، ولذلك نهى النبي-صلى الله عليه وسلم- المؤمن أن يعد فلوه صغيره ثم لا يفي له ، نهاه لأن الابن إذا رأى من والديه التقصير بالكذب في الوعد نشأ كاذباً-والعياذ بالله- فالولد يتأثر بوالديه فإن رأي منهما خيراً سار على ذلك الخير وأحبه وإن رأى منها الشر سار على ذلك الشر وأحبه والتزمه حتى يصعب أن ينفك عنه عند الكبر-نسأل الله السلامة والعافية-
ابن الوافي
12-09-2005, 11:28 PM
يتبع للبحث الثالث
حقوق الأبناء
الجانب الأول : الأدب الإسلامي ، مِن توقي المحرمات في الألسن وتعويده على أصلح ما يكون في طاعة الله من ذكر الله- عز وجل - كالتسبيح والاستغفار ونحو ذلك من الأذكار ويحبب إلى قلبه تلاوة القرآن هذا بالنسبة للجانب الديني .
الجانب الثاني : الجانب الدنيوي يعوده على الحياء والخجل فلا يكون صفيق الوجه سليط اللسان ويقولون جريء والدك على الكلام هذا لا ينبغي إنما ينبغي أن يعود الحياء أولاً ثم إذا كان جريئاً يكون جرئته منضبطه بالحياء كان-صلى الله عليه وسلم- أشد الناس حياء من العذراء في خدرها ويقولون الولد ما يصبح رجل إلا إذا كان جريئاً فتجده يترك الولد يتكلم أمام من هو أكبر منه سناً وتجد الولد يتكلم حتى بقبائح الأمور فيتبسم الوالد ويقول هكذا الابن وإلا فلا ، لا والله لا ينشأ الابن على السوء فيكون كاملاً مهما كان ولو كانت الناس تظن أن هذا كمال فإنه نقص ، ولذلك لما جاء حويصه يتكلم قال له النبي-صلى الله عليه وسلم- : (( كبر كبر )) فعلمه الأدب وهو كبير فقال له كبر كبر فإذا جلس بين الكبار لا يتكلم ؛ وإنما يكف لسانه ويجلس حيياً مستحياً بالحياء الذي يتجمل به أمام عباد الله- عز وجل - أما أن يعود الجرأة على الكلام والجرأة على الحديث فهذا مما لا تحمد عقباه ، فإذا تعود الجرأة من صغره ألفها في كبره ؛ لكن يعود الحياء يعود السكوت والإنصات لكبار السن ولا يتكلم بحضرتهم إلا بقدر فإذا كبر وعقل الأمور تكلم عند موجب الكلام وصدر عن انضباط وحفظ لسانه ؛ لأنه أعتاد ذلك وألفه وربى عليه . هذه بالنسبة للأمور الدنيوية أنه يعود على أجمل ما يكون عليه من الكلام الطيب والعبارات الطيبه ، فإذا خاطب من هو أكبر منه أمر بأن يخاطبه بالإجلال والإكبار والتقدير فلا يرضى الوالد لولده أن يخاطب كبير السن أمامه باسمه ؛ وإنما يقول له خاطبه بياعم أو نحو ذلك من الكلمات التي فيها إجلال وتوقير حتى ينشأ الصغير علي توقير الكبير وتلك سنة الإسلام قال-صلى الله عليه وسلم- : (( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ولا يرحم صغيرنا )) فلابد من تعويد الابن على توقير الكبير واحترامه وتقديره وإجلاله .
وإذا وفق الله- عز وجل - الوالدين لحب التربية تربية الولد التربية الصالحة فليعلما أن ذلك لا يكون إلا بأمور مهمة إذا أراد الوالد والوالدة أن يقوما على تربية الولد فهناك أسباب تعين على التربية الصالحة :
أولهما وأعظمها وأجلها : الدعاء فيكثر الوالدين من الدعاء للولد يسأل الله- عز وجل - أن يكون الولد صالحاً كما قال الله-تعالى- : { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ } تكثر من الدعاء لولدك فلعلك أن توافق باباً في السماء مفتوحاً فيستجاب لك ، الله أعلم كم من أم وكم من أب دعا لولده دعوة اسعدته في الدنيا والآخرة ، أم سليم-رضي الله تعالى عنها- جاءت بأنس إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وقالت : - يا رسول الله - خويدمك أنس أدعو الله له فدعا له النبي-صلى الله عليه وسلم- بخير الدنيا والآخرة فتسببت له في ذلك الخير-رضي الله عنها وأرضاها- .
فيحرص الوالد على كثرة الدعاء أن الله يصلح ذريته والله-تعالى- يقول : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ولا يسأم ولا يمل ولا ييأس من رحمة الله ولا يقنط من روح الله وإنما عليه أن يحسن الظن بالله- عز وجل - .
كذلك أيضاً الأمر الثاني : وهو من الأهمية بمكان مما يعين على التربية الصالحة القدوة الحسنة الأولاد الأبناء البنات لا ينتظرون الكلام بمثل العمل والتطبيق فإذا نشأ الابن وهو يرى أباه على أكمل ما يكون عليه الأب ويرى أمه على أكمل ما تكون عليه الأم تأثر وأصبح متصلاً بهذه الأخلاق الحميدة والآداب الكريمة حتى تصبح سجية له وفطرة لا يتكلفها ولا يستطيع أن يتركها ، كذلك البنت إذا نشأت وقد رأت من أبيها الصلاح والاستقامة على الخير ورأت من أمها الصلاح والاستقامة على الخير أحبت الخير وألفته كيف يكون الابن صادقاً وهو ينشأ في بيت يسمع فيه أباه-والعياذ بالله- يكذب فلربما طرق عليه الضيف فيقول : أذهب وقل له ليس بموجود ، كيف ينشأ الابن صادقاً في قوله إذا كان والده يعلمه من خلال سلوكه وتصرفاته سيء العادات-والعياذ بالله- وكيف تكون البنت على صلاح واستقامة وهي ترى من أمها التقصير في الصلوات والطاعات نائمة عن فرض الله- عز وجل - أو مضيعة لحق الله في قولها وفعلها فأهم ما ينبغي قي التربية الصالحة القدوة وإذا كان الإنسان قدوة للغير تأثر الغير بكلامه وجعل الله لمواعظه وكلماته وتوجيهاته أثراً في النفوس وانتفع الناس وأنتفع أولاده بما يقول - نسأل العظيم أن يرزقنا القول والعمل - .
كذلك أيضاً من الأمور المهمة : وهي من حقوق الأولاد التي ينبغي رعايتها ونختم بها هذا المجلس حق العدل بين الأولاد ، وهذا الحق أشار إليه النبي-صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح : (( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )) فلا يجوز تفضيل الإناث على الذكور كما لا يجوز تفضيل الذكور على الإناث كان أهل الجاهلية يفضلون الذكر على الأنثى وكانوا يقتلون الأنثىكما أخبر الله- عز وجل - في كتابه وقال : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } . فإذا بشر بالإناث تمعر وجهه وتغير وكأنه يبشر بسوء-نسأل الله السلامه والعافية- فلذلك أدب الله- عز وجل - المسلمين على الرضا بقسمة الله- عز وجل - ، يرضى الإنسان بالولد ذكراً كان أو أنثى ولا يفضل الإناث عن الذكور ولا الذكور على الإناث ؛ وإنما يعدل بين الجميع ، كان السلف-رحمهم الله- يعدلون بين الأولاد حتى في القبلة فلو قبل هذا رجع وقبل هذا حتى لا ينشأ الأولاد وبينهم الحقد ، ولذلك قالوا إن التفضيل يتسبب في مفاسد أولها يكون ضرره على الوالد نفسه فإنه ينشأ الأولاد على حقده وكراهيته وقد أشار النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى هذا المعنى بقوله في الحديث الصحيح للنعمان : (( أتحب أن يكونوا لك في البر سواء ؟ )) قال : نعم . أي إذا كنت تريدهم في البر سواء فأعدل بينهم وكن منصفاً فيما تسدي اليهم .
كذلك أيضاً من المفاسد التي تترتب على عدم العدل أنها توغر صدور بعضهم على بعض ، ولذلك حصل ما حصل بين يوسف وإخوته لأنهم : { قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا } ، لذلك لا ينبغي أن يكون الوالد أو الوالدة فى التصرفات والأعمال على تفضيل ولد على ولد وإنما يكون كل منهم على تقوى الله- عز وجل - فيحسنوا إلى الجميع سواء كان ذلك التفضيل من الجانب المعنوى أو الجانب الحسي المادي ، فإذا أعطى الإبن شيئاً يعطي الأنثى كذلك .
واختلف العلماء في كيفية العدل بين الذكر والأنثى ولهم قولان مشهوران :
القول الأول : قال بعض العلماء : المال الذي يعطيه للذكر يعطي مثله قدراً للأنثى سواء بسواء فإن أعطى هذا ديناراً يعطي هذه ديناراً .
القول الثاني : وقال جمع العلماء : إن العدل بين الأولاد أن يعطي الذكر مثل حظ الأنثثيين وهذا هو الصحيح ؛ لأنه قسمة الله- عز وجل - من فوق سبع سموات وقال-تعالى- : { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى } فإن الولد تنتابه من المصارف ويحتك بالناس وتكون مصارفه أكثر من الأنثى ، ولذلك قالوا : يجعل للذكر مثل حظ الإنثيين وهذا هو مذهب طائفة من أهل العلم وهو الصحيح ؛ لأنه قسمة الله- عز وجل - ولا أعدل من الله بين خلقه ، الله- عز وجل - عدل بين عباده ففضل الذكر على الأنثى من هذا الوجه وليس في ذلك غضاضه على الأنثى ولا منقصه .
كذلك أيضاً قد تكون هناك موجبات خاصه أستثناها بعض العلماء من العدل فقالوا : إذا كان أحد الأولاد يتعلم أو يقوم على أمر من الأمور المختصه به يختاجها لصلاح دينه أو دنياه فلا بأس أن يخص بالعطيه إذا كان عنده عمل ومحتاج اليه قالوا ؛ لأنه من العدل أنه لما تفرغ للعلم أن يعان علىتعلمه ، ولذلك يعطى حقه لما تفرغ لهذا العلم الذي فيه نفعه ونفع العباد ، وهكذا إذا تفرغ لكي يتعلم حداده أو صناعة أو نحو ذلك فإن والده إذا أراد أن يعطيه من أجل هذا التعلم ينفق عليه على قدر حاجته ولا يلزم بإعطاء الأنثى مثل ما يعطيه أو نصف ما يعطيه ؛ لأن الأنثى لا تعمل كعمله فلو أعطى الأنثى مثل ما يعطيه فإنه في هذه الحاله قد ظلم الذكر ؛ لأن الأنثى أخذت من دون وجه ومن دون أستحقاق ، وعلى هذا فإن من حق الأولاد على الوالدين العدل سواء كان ذلك في الجانب المعنوي أو الجانب المادي وكان بعض العلماء يقول : ينبغي على الوالد أن يرى أحاسيسه ومشاعره ، وكذلك على الوالده يرعى كل منهما الأحاسيس والمشاعر خاصة بحضور الأولاد فلا يحاول الوالد أن يميل إلى ولدٍ أكثر من الآخر أثناء الحديث أو يمازحه أو يباسطه أكثر من الأخر ؛ وإنما يراعي العدل في جميع ما يكون منه من التصرفات لمكان الغيرة .
- ونسأل الله العظيم ، رب العرش الكريم ، أن يعصمنا من الزلل ، وأن يوفقنا في القول والعمل ، أنه المرجو والأمل - ، والله - تعالى - أعلم .
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمَـْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَميْنَ وصلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارك على عبده ونبيّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعيــــــــــن .
ابن الوافي
12-09-2005, 11:31 PM
لمحات عن حياة الرسول 32 موضوع
رجال حول الرسول 56 موضوع
عظماء في الإسلام24 موضوع
الإعجاز العلمي في القرآن والسنّه 23 موضوع
الآداب الإسلاميه 39 موضوع
الحج والعمره 14موضوع
البحث الرابع
دور المرأة في التربية
بسم الله الرحمن الرحيم
دور المرأة في التربية
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
فإن الحديث عن أهمية التربية ودورها في إعداد المجتمع وحمايته ليس هذا مكانه ولا وقته، فالجميع يدرك أن التربية ضرورة ومطلب ملح أيًّا كان منطلقه وفلسفته التربوية، والمجتمعات كلها بأسرها تنادي اليوم بالتربية وتعنى بالتربية والحديث عنها، ولعلنا حين نتطلع إلى المكتبة نقرأ فيها من الكتب الغربية أكثر مما نقرأ فيها مما صدر عن مجتمعات المسلمين، مما يدل على أن التربية همًّا ومطلباً للجميع بغض النظر عن فلسفتهم التربوية وأولياتهم.
أهمية الأم في تربية الطفل
تحتل الأم مكانة مهمة وأساسية في التربية، ويبدو ذلك من خلال الأمور الآتية:
الأمر الأول: أثر الأسرة في التربية
فالأسرة أولاً هي الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية، وهي التي تغرس لدى الطفل المعايير التي يحكم من خلالها على ما يتلقاه فيما بعد من سائر المؤسسات في المجتمع، فهو حينما يغدو إلى المدرسة ينظر إلى أستاذه نظرةً من خلال ما تلقاه في البيت من تربية، وهو يختار زملاءه في المدرسة من خلال ما نشأته عليه أسرته، ويقيِّم ما يسمع وما يرى من مواقف تقابله في الحياة، من خلال ما غرسته لديه الأسرة، وهنا يكمن دور الأسرة وأهميتها وخطرها في الميدان التربوي.
الأمر الثاني: الطفل يتأثر بحالة أمه وهي حامل
تنفرد الأم بمرحلة لا يشركها فيها غيرها وهي مرحلة مهمة ولها دور في التربية قد نغفل عنه ألا وهي مرحلة الحمل؛ فإن الجنين وهو في بطن أمه يتأثر بمؤثرات كثيرة تعود إلى الأم، ومنها:
التغذية فالجنين على سبيل المثال يتأثر بالتغذية ونوع الغذاء الذي تتلقاه الأم، وهو يتأثر بالأمراض التي قد تصيب أمه أثناء الحمل، ويتأثر أيضاً حين تكون أمه تتعاطى المخدرات، وربما أصبح مدمناً عند خروجه من بطن أمه حين تكون أمه مدمنة للمخدرات، ومن ذلك التدخين، فحين تكون المرأة مدخنة فإن ذلك يترك أثراً على جنينها، ولهذا فهم في تلك المجتمعات يوصون المرأة المدخنة أن تمتنع عن التدخين أثناء فترة الحمل أو أن تقلل منه؛ نظراً لتأثيره على جنينها، ومن العوامل المؤثرة أيضاً: العقاقير الطبية التي تناولها المرأة الحامل، ولهذا يسأل الطبيب المرأة كثيراً حين يصف لها بعض الأدوية عن كونها حامل أو ليست كذلك .
وصورةً أخرى من الأمور المؤثرة وقد لا تتصوره الأمهات والآباء هذه القضية، وهي حالة الأم الانفعالية أثناء الحمل، فقد يخرج الطفل وهو كثير الصراخ في أوائل طفولته، وقد يخرج الطفل وهو يتخوف كثيراً، وذلك كله بسبب مؤثرات تلقاها من حالة أمه الانفعالية التي كانت تعيشها وهي في حال الحمل، وحين تزيد الانفعالات الحادة عند المرأة وتكرر فإن هذا يؤثر في الهرمونات التي تفرزها الأم وتنتقل إلى الجنين، وإذا طالت هذه الحالة فإنها لا بد أن تؤثر على نفسيته وانفعالاته وعلى صحته، ولهذا ينبغي أن يحرص الزوج على أن يهيئ لها جواً ومناخاً مناسباً، وأن تحرص هي على أن تتجنب الحالات التي تؤدي بها حدة الانفعال .
أمر آخر أيضاً له دور وتأثير على الجنين وهو اتجاه الأم نحو حملها أو نظرتها نحو حملها فهي حين تكون مسرورة مستبشرة بهذا الحمل لا بد أن يتأثر الحمل بذلك، وحين تكون غير راضية عن هذا الحمل فإن هذا سيؤثر على هذا الجنين، ومن هنا وجه الشرع الناس إلى تصحيح النظر حول الولد الذكر والأنثى، قال سبحانه وتعالى :>ولله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء ويهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكراً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير[. فهو سبحانه وتعالى له ما يشاء وله الحكم سبحانه وتعالى؛ فيقرر للناس أنه عز وجل صاحب الحكم والأمر، وما يختار الله سبحانه وتعالى أمراً إلا لحكمة، لذا فالزوجة والزوج جميعاً ينبغي أن يرضوا بما قسم الله، ويعلموا أن ما قسم الله عز وجل خير لهم، سواءً كان ذكراً أو أنثى، وحين تفقد المرأة هذا الشعور، فيكشف لها التقرير الطبي أن الجنين الذي في بطنها أنثى، فتبدأ تغير نظرتها ومشاعرها نحو هذا الحمل أو العكس فإن هذا لا بد أن يؤثر على الحمل، ونحن هنا لسنا في عيادة طبية حتى نوجه المرأة الحامل أو نتحدث عن هذه الآثار التي يمكن أن تخلقها حالة الأم على الحمل، إنما المقصود من هذا كله أن دور المرأة يبدأ من حين حملها وأنها تعيش مرحلة تؤثر على مستقبل هذا المولود لا يشاركها غيرها.
الأمر الثالث: دور الأم مع الطفل في الطفولة المبكرة
الطفولة المبكرة مرحلة مهمة لتنشئة الطفل، ودور الأم فيها أكبر من غيرها، فهي في مرحلة الرضاعة أكثر من يتعامل مع الطفل، ولحكمة عظيمة يريدها الله سبحانه وتعالى يكون طعام الرضيع في هذه المرحلة من ثدي أمه وليس الأمر فقط تأثيراً طبيًّا أو صحيًّا، وإنما لها آثار نفسية أهمها إشعار الطفل بالحنان والقرب الذي يحتاج إليه، ولهذا يوصي الأطباء الأم أن تحرص على إرضاع الطفل، وأن تحرص على أن تعتني به وتقترب منه لو لم ترضعه.
وهنا ندرك فداحة الخطر الذي ترتكبه كثير من النساء حين تترك طفلها في هذه المرحلة للمربية والخادمة؛ فهي التي تقوم بتنظيفه وتهيئة اللباس له وإعداد طعامه، وحين يستعمل الرضاعة الصناعية فهي التي تهيئها له، وهذا يفقد الطفل قدراً من الرعاية النفسية هو بأمس الحاجة إليه.
وإذا ابتليت الأم بالخادمة -والأصل الاستغناء عنها- فينبغي أن تحرص في المراحل الأولية على أن تباشر هي رعاية الطفل، وتترك للخادمة إعداد الطعام في المنزل أو تنظيفه أو غير ذلك من الأعمال، فلن يجد الطفل الحنان والرعاية من الخادمة كما يجدها من الأم، وهذا له دور كبير في نفسية الطفل واتجاهاته في المستقبل، وبخاصة أن كثيراً من الخادمات والمربيات في العالم الإسلامي لسن من المسلمات، وحتى المسلمات غالبهن من غير المتدينات، وهذا لايخفى أثره، والحديث عن هذا الجانب يطول، ولعلي أن أكتفي بهذه الإشارة.
فالمقصود أن الأم كما قلنا تتعامل مع هذه المرحلة مع الطفل أكثر مما يتعامل معه الأب، وفي هذه المرحلة سوف يكتسب العديد من العادات والمعايير، ويكتسب الخلق والسلوك الذي يصعب تغييره في المستقبل، وهنا تكمن خطورة دور الأم فهي البوابة على هذه المرحلة الخطرة من حياة الطفل فيما بعد، حتى أن بعض الناس يكون مستقيماً صالحاً متديناً لكنه لم ينشأ من الصغر على المعايير المنضبطة في السلوك والأخلاق، فتجد منه نوعاً من سوء الخلق وعدم الانضباط السلوكي، والسبب أنه لم يترب على ذلك من صغره.
الأمر الرابع : دور الأم مع البنات
لئن كانت الأم أكثر التصاقاً بالأولاد عموماً في الطفولة المبكرة، فهذا القرب يزداد ويبقى مع البنات.
ولعل من أسباب ما نعانيه اليوم من مشكلات لدى الفتيات يعود إلى تخلف دور الأم التربوي، فالفتاة تعيش مرحلة المراهقة والفتن والشهوات والمجتمع من حولها يدعوها إلى الفساد وتشعر بفراغ عاطفي لديها، وقد لا يشبع هذا الفراغ إلا في الأجواء المنحرفة، أما أمها فهي مشغولة عنها بشؤونها الخاصة، وبالجلوس مع جاراتها وزميلاتها، فالفتاة في عالم والأم في عالم آخر.
إنه من المهم أن تعيش الأم مع بناتها وتكون قريبة منهن؛ ذلك أن الفتاة تجرؤ أن تصارح الأم أكثر من أن تصارح الأب، وأن تقترب منها وتملأ الفراغ العاطفي لديها.
ويزداد هذا الفراغ الذي تعاني منه الفتاة في البيت الذي فيه خادمة، فهي تحمل عنها أعباء المنزل، والأسرة ترى تفريغ هذه البنت للدراسة لأنها مشغولة في الدراسة، وحين تنهي أعباءها الدراسية يتبقى عندها وقت فراغ، فبم تقضي هذا الفراغ: في القراءة؟ فنحن لم نغرس حب القراءة لدى أولادنا.
وبين الأم وبين الفتاة هوه سحيقة، تشعر الفتاة أن أمها لا توافقها في ثقافتها وتوجهاتها، ولا في تفكيرها، وتشعر بفجوة ثقافية وفجوة حضارية بينها وبين الأم؛ فتجد البنت ضالتها في مجلة تتحدث عن الأزياء وعن تنظيم المنزل، وتتحدث عن الحب والغرام، وكيف تكسبين الآخرين فتثير عندها هذه العاطفة، وقد تجد ضالتها في أفلام الفيديو، أو قد تجد ضالتها من خلال الاتصال مع الشباب في الهاتف، أو إن عدمت هذا وذاك ففي المدرسة تتعلم من بعض زميلاتها مثل هذه السلوك.
الأمر الخامس: الأم تتطلع على التفاصيل الخاصة لأولادها
تتعامل الأم مع ملابس الأولاد ومع الأثاث وترتيبه، ومع أحوال الطفل الخاصة فتكتشف مشكلات عند الطفل أكثر مما يكتشفه الأب، وبخاصة في وقتنا الذي انشغل الأب فيه عن أبنائه، فتدرك الأم من قضايا الأولاد أكثر مما يدركه الأب.
هذه الأمور السابقة تؤكد لنا دور الأم في التربية وأهميته، ويكفي أن نعرف أن الأم تمثل نصف المنزل تماماً ولا يمكن أبداً أن يقوم بالدور التربوي الأب وحده، أو أن تقوم به المدرسة وحدها، فيجب أن تتضافر جهود الجميع في خط واحد.
لكن الواقع أن الطفل يتربى على قيم في المدرسة يهدهما المنزل، ويتربى على قيم في المنزل مناقضة لما يلقاه في الشارع؛ فيعيش ازدواجية وتناقضا ، المقصود هو يجب أن يكون البيت وحده متكاملة.
لا يمكن أن أتحدث معشر الأخوة والأخوات خلال هذه الأمسية وخلال هذا الوقت، لا يمكن أن أتحدث عن الدور الذي ننتظره من الأم في التربية، إنما هي فقط مقترحات أردت أن أسجلها.
ابن الوافي
12-09-2005, 11:33 PM
يتبع المبحث الرابع
مقترحات تربوية للأم
مهما قلنا فإننا لا نستطيع أن نتحدث بالتفصيل عن دور الأم في التربية، ولا نستطيع من خلال ساعة واحدة أن نُخرِّج أماً مربية، ولهذا رأيت أن يكون الشق الثاني -بعد أن تحدثنا في عن أهمية دور الأم- عبارة عن مقترحات وتحسين الدور التربوي للأم وسجلت هنا، ومن هذه المقترحات:
أولاً: الشعور بأهمية التربية
إن نقطة البداية أن تشعر الأم بأهمية التربية وخطورتها، وخطورة الدور الذي تتبوؤه، وأنها مسؤولة عن جزء كبير من مستقبل أبنائها وبناتها، وحين نقول التربية فإنا نعني التربية بمعناها الواسع الذي لايقف عند حد العقوبة أو الأمر والنهي، كما يتبادر لذهن طائفة من الناس، بل هي معنى أوسع من ذلك.
فهي تعني إعداد الولد بكافة جوانب شخصيته: الإيمانية، والجسمية، والنفسية، والعقلية الجوانب الشخصية المتكاملة أمر له أهمية وينبغي أن تشعر الأم والأب أنها لها دور في رعاية هذا الجانب وإعداده.
وفي جانب التنشئة الدينية والتربية الدينية يحصرها كثير من الناس في توجيهات وأوامر أو عقوبات، والأمر أوسع من ذلك، ففرق بين شخص يعاقب ابنه حيث لا يصلي وبين شخص آخر يغرس عند ابنه حب الصلاة، وفرق بين شخص يعاقب ابنه حين يتفوه بكلمة نابية، وبين شخص يغرس عند ابنه رفض هذه الكلمة وحسن المنطق، وهذا هو الذي نريده حين نتكلم عن حسن التربية، فينبغي أن يفهم الجميع –والأمهات بخاصة- التربية بهذا المعنى الواسع.
ثانياً: الاعتناء بالنظام في المنزل
من الأمور المهمة في التربية -ويشترك فيها الأم والأب لكن نؤكد على الأم- الاعتناء بنظام المنزل؛ فذلك له أثر في تعويد الابن على السلوكيات التي نريد.
إننا أمة فوضوية: في المواعيد، في الحياة المنزلية، في تعاملنا مع الآخرين، حتى ترك هذا السلوك أثره في تفكيرنا فأصبحنا فوضويين في التفكير.
إننا بحاجة إلى تعويد أولادنا على النظام، في غرفهم وأدواتهم، في مواعيد الطعام، في التعامل مع الضيوف وكيفية استقبالهم، ومتى يشاركهم الجلوس ومتى لايشاركهم؟
ثالثاً: السعي لزيادة الخبرة التربوية
إن من نتائج إدراك الأم لأهمية التربية أن تسعى لزيادة خبرتها التربوية والارتقاء بها، ويمكن أن يتم ذلك من خلال مجالات عدة، منها:
أ : القراءة؛ فمن الضروري أن تعتني الأم بالقراءة في الكتب التربوية، وتفرغ جزءاً من وقتها لاقتنائها والقراءة فيها، وليس من اللائق أن يكون اعتناء الأم بكتب الطبخ أكثر من اعتنائها بكتب التربية.
وحين نلقي سؤالاً صريحاً على أنفسنا: ماحجم قراءاتنا التربوية؟ وما نسبتها لما نقرأ إن كنا نقرأ؟ فإن الإجابة عن هذه السؤال تبرز مدى أهمية التربية لدينا، ومدى ثقافتنا التربوية.
ب : استثمار اللقاءات العائلية؛ من خلال النقاش فيها عن أمور التربية، والاستفادة من آراء الأمهات الأخريات وتجاربهن في التربية، أما الحديث الذي يدور كثيراً في مجالسنا في انتقاد الأطفال، وأنهم كثيرو العبث ويجلبون العناء لأهلهم، وتبادل الهموم في ذلك فإنه حديث غير مفيد، بل هو مخادعة لأنفسنا وإشعار لها بأن المشكلة ليست لدينا وإنما هي لدى أولادنا.
لم لانكون صرحاء مع أنفسنا ونتحدث عن أخطائنا نحن؟ وإذا كان هذا واقع أولادنا فهو نتاج تربيتنا نحن، ولم يتول تربيتهم غيرنا، وفشلنا في تقويمهم فشل لنا وليس فشلاً لهم.
ج: الاستفادة من التجارب، إن من أهم مايزيد الخبرة التربوية الاستفادة من التجارب والأخطاء التي تمر بالشخص، فالأخطاء التي وقعتِ فهيا مع الطفل الأول تتجنبينها مع الطفل الثاني، والأخطاء التي وقعتِ فيها مع الطفل الثاني تتجنبينها مع الطفل الثالث، وهكذا تشعرين أنك ما دمت تتعاملين مع الأطفال فأنت في رقي وتطور.
رابعاً: الاعتناء بتلبية حاجات الطفل
للطفل حاجات واسعة يمكن نشير إلى بعضها في هذا المقام، ومنها:
1- الحاجة إلى الاهتمام المباشر:
يحتاج الطفل إلى أن يكون محل اهتمام الآخرين وخاصة والديه، وهي حاجة تنشأ معه من الصغر، فهو يبتسم ويضحك ليلفت انتباههم، وينتظر منهم التجاوب معه في ذلك.
ومن صور الاهتمام المباشر بحاجات الطفل الاهتمام بطعامه وشرابه، وتلافي إظهار الانزعاج والقلق –فضلاً عن السب والاتهام بسوء الأدب والإزعاج- حين يوقظ أمه لتعطيه طعامه وشرابه، ومما يعين الأم على ذلك تعويده على نظام معين، وتهيئة طعام للابن –وبخاصة الإفطار- قبل نومها.
ومن أسوأ صور تجاهل حاجة الطفل إلى الطعام والشراب ماتفعله بعض النساء حال صيامها من النوم والإغلاق على نفسها، ونهر أطفالها حين يطلبون منها الطعام أو الشراب.
ومن صور الاهتمام به من أيضاً حسن الاستماع له، فهو يحكي قصة، أو يطرح أسئلة فيحتاج لأن ينصت له والداه، ويمكن أن توجه له أسئلة تدل على تفاعل والديه معه واستماعهم له، ومن الوسائل المفيدة في ذلك أن تسعى الأم إلى أن تعبر عن الفكرة التي صاغها هو بلغته الضعيفة بلغة أقوى، فهذا مع إشعاره له بالاهتمام يجعله يكتسب عادات لغوية ويُقوِّى لغته.
ومن صور الاهتمام التخلص من أثر المشاعر الشخصية، فالأب أو الأم الذي يعود من عمله مرهقاً، أو قد أزعجته مشكلة من مشكلات العمل، ينتظر منهم أولادهم تفاعلاً وحيوية، وينتظرونهم بفارغ الصبر، فينبغي للوالدين الحرص على عدم تأثير المشاعر والمشكلات الخاصة على اهتمامهم بأولادهم.
2- الحاجة إلى الثقة:
يحتاج الطفل إلى الشعور بثقته بنفسه وأن الآخرين يثقون فيه، ويبدو ذلك من خلال تأكيده أنه أكبر من فلان أو أقوى من فلان.
إننا بحاجة لأن نغرس لدى أطفالنا ثقتهم بأنفسهم،وأنهم قادرون على تحقيق أمور كثيرة، ويمكن أن يتم ذلك من خلال تكليفهم بأعمال يسيرة يستطيعون إنجازها، وتعويدهم على ذلك.
ويحتاجون إلى أن يشعرون بأننا نثق بهم، ومما يعين على ذلك تجنب السخرية وتجنب النقد اللاذع لهم حين يقعون في الخطأ، ومن خلال حسن التعامل مع مواقف الفشل التي تمر بهم ومحاولة استثمارها لغرس الثقة بالنجاح لديهم بدلاً من أسلوب التثبيط أو مايسيمه العامة (التحطيم).
3 – الحاجة إلى الاستطلاع:
يحب الطفل الاستطلاع والتعرف على الأشياء، ولهذا فهو يعمد إلى كسر اللعبة ليعرف مابداخلها، ويكثر السؤال عن المواقف التي تمر به، بصورة قد تؤدي بوالديه إلى التضايق من ذلك.
ومن المهم أن تتفهم الأم خلفية هذه التصرفات من طفلها فتكف عن انتهاره أو زجره، فضلاً عن عقوبته.
كما أنه من المهم أن تستثمر هذه الحاجة في تنمية التفكير لدى الطفل، فحين يسأل الطفل عن لوحة السيارة، فبدلاً من الإجابة المباشرة التي قد لا يفهمها يمكن أن يسأله والده، لو أن صاحب سيارة صدم إنساناً وهرب فكيف تتعرف الشرطة على سيارته؟ الولد: من رقم السيارة، الأب: إذا هذا يعني أنه لابد من أن يكون لكل سيارة رقم يختلف عن بقية السيارات، والآن حاول أن تجد سيارتين يحملان رقماً واحداً، وبعد أن يقوم الولد بملاحظة عدة سيارات سيقول لوالده إن ما تقوله صحيح.
4- الحاجة إلى اللعب:
الحاجة إلى اللعب حاجة مهمة لدى الطفل لا يمكن أن يستغني عنها، بل الغالب أن الطفل قليل اللعب يعاني من مشكلات أو سوء توافق.
وعلى الأم في تعامله مع هذه الحاجة أن تراعي الآتي:
إعطاء الابن الوقت الكافي للعب وعدم إظهار الانزعاج والتضايق من لعبه.
استثمار هذه الحاجة في تعليمه الانضباط والأدب، من خلال التعامل مع لعب الآخرين وأدواتهم، وتجنب إزعاج الناس وبخاصة الضيوف، وتجنب اللعب في بعض الأماكن كالمسجد أو مكان استقبال الضيوف.
استثمار اللعب في التعليم، من خلال الحرص على اقتناء الألعاب التي تنمي تفكيره وتعلمه أشياء جديدة.
الحذر من التركيز على ما يكون دور الطفل فيها سلبيًّا ، أو يقلل من حركته، كمشاهدة الفيديو أو ألعاب الحاسب الآلي، فلا بد من أن يصرف جزءاً من وقته في ألعاب حركية، كلعب الكرة أو اللعب بالدراجة أو الجري ونحو ذلك.
5 – الحاجة إلى العدل:
يحتاج الناس جميعاً إلى العدل، وتبدو هذه الحاجة لدى الأطفال بشكل أكبر من غيرهم، ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الأولاد، وشدد في ذلك، عن حصين عن عامر قال : سمعت النعمان ابن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال :'أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟' قال:لا، قال :'فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم' قال فرجع فرد عطيته. متفق عليه.
ومهما كانت المبررات لدى الأم في تفضيل أحد أولادها على الآخر، فإن ذلك لا يقنع الطفل، ولابد من الاعتناء بضبط المشاعر الخاصة تجاه أحد الأطفال حتى لا تطغى، فتترك أثرها عليه وعلى سائر إخوانه وأخواته.
ومن المشكلات التي تنشأ عن ذلك مشكلة الطفل الجديد، فكثير من الأمهات تعاني منها (ولعله أن يكون لها حديث مستقل لأهميتها).
أكتفي بهذا الحديث عن هذه الحاجات وإلا فهي حاجات كثيرة، والواجب على الوالدين تجاه هذه الحاجات أمران:
الأول: الحرص على إشباع هذه الحاجات والاعتناء بها، الثاني: استثمار هذه الحاجات في تعليم الابن السلوكيات والآداب التي يحتاج إليها.
خامسا: الحرص على التوافق بين الوالدين
التربية لا يمكن أن تتم من طرف واحد، والأب والأم كل منهما يكمل مهمة الآخر ودوره، ومما ينبغي مراعاته في هذا الإطار:
الحرص على حسن العلاقة بين الزوجين، فالحالة النفسية والاستقرار لها أثرها على الأطفال كما سبق، فالزوجة التي لاتشعر بالارتياح مع زوجها لابد أن يظهر أثر ذلك على رعايتها لأطفالها واهتمامها بهم.
التفاهم بين الوالدين على الأساليب التربوية والاتفاق عليها قدر الإمكان.
أن يسعى كل من الوالدين إلى غرس ثقة الأطفال بالآخر، فيتجنب الأب انتقاد الأم أو عتابها أمام أولادها فضلاً عن السخرية بها أو تأنيبها، كما أن الأم ينبغي أن تحرص على غرس ثقة أطفالها بوالدهم، وإشعارهم بأنه يسعى لمصلحتهم –ولو اختلفت معه- وأنه إن انشغل عنهم فهو مشغول بأمور مهمة تنفع المسلمين أجمع، أو تنفع هؤلاء الأولاد.
ومما ينبغي مراعاته هنا الحرص على تجنب أثر اختلاف الموقف أو وجهة النظر بين الوالدين، وأن نسعى إلى ألا يظهر ذلك على أولادنا فهم أعز مانملك، وبإمكاننا أن نختلف ونتناقش في أمورنا لوحدنا.
سادساً: التعامل مع أخطاء الأطفال
كثير من أخطائنا التربوية مع أطفالنا هي في التعامل مع الأخطاء التي تصدر منهم، ومن الأمور المهمة في التعامل مع أخطاء الأطفال:
1. عدم المثالية:
كثيراً مانكون مثاليين مع أطفالنا، وكثيراً ما نطالبهم بما لا يطيقون، ومن ثم نلومهم على ما نعده أخطاء وليست كذلك.
الطفل في بداية عمره لايملك التوازن الحركي لذا فقد يحمل الكوب فيسقط منه وينكسر، فبدلاً من عتابه وتأنيبه لو قالت أمه: الحمد الله أنه لم يصيبك أذى، أنا أعرف أنك لم تتعمد لكنه سقط منك عن غير قصد، والخطأ حين تتعمد إتلافه، والآن قم بإزالة أثر الزجاج حتى لا يصيب أحداً.
إن هذا الأسلوب يحدد له الخطأ من الصواب، ويعوده على تحمل مسؤولية عمله، ويشعره بالاهتمام والتقدير، والعجيب أن نكسر قلوب أطفالنا ونحطمهم لأجل تحطيمهم لإناء لا تتجاوز قيمته ريالين، فأيهما أثمن لدينا الأطفال أم الأواني؟
2. التوازن في العقوبة:
قد تضطر الأم لعقوبة طفلها، والعقوبة حين تكون في موضعها مطلب تربوي، لكن بعض الأمهات حين تعاقب طفلها فإنها تعاقبه وهي في حالة غضب شديد، فتتحول العقوبة من تأديب وتربية إلى انتقام، والواقع أن كثيراً من حالات ضربنا لأطفالنا تشعرهم بذلك.
لا تسأل عن تلك المشاعر التي سيحملها هذا الطفل تجاه الآخرين حتى حين يكون شيخاً فستبقى هذه المشاعر عنده ويصعب أن نقتلعها فيما بعد والسبب هو عدم التوازن في العقوبة.
3. تجنب البذاءة:
حين تغضب بعض الأمهات أو بعض الآباء فيعاتبون أطفالهم فإنهم يوجهون إليهم ألفاظاً بذيئة، أو يذمونهم بعبارات وقحة، وهذا له أثره في تعويدهم على المنطق السيء.
والعاقل لا يخرجه غضبه عن أدبه في منطقه وتعامله مع الناس، فضلاً عن أولاده.
4. تجنب الإهانة:
من الأمور المهمة في علاج أخطاء الأطفال أن نتجنب إهانتهم أو وصفهم بالفشل والطفولة والفوضوية والغباء …إلخ. فهذا له أثره البالغ على فقدانهم للثقة بأنفسهم، وعلى تعويدهم سوء الأدب والمنطق.
5. تجنب إحراجه أمام الآخرين :
إذا كنا لانرضى أن ينتقدنا أحد أمام الناس فأطفالنا كذلك، فحين يقع الطفل في خطأ أمام الضيوف فليس من المناسب أن تقوم أمه أو يقوم والده بتأنيبه أو إحراجه أمامهم أو أمام الأطفال الآخرين.
سابعاً: وسائل مقترحة لبناء السلوك وتقويمه
يعتقد كثير من الآباء والأمهات أن غرس السلوك إنما يتم من خلال الأمر والنهي، ومن خلال العقوبة والتأديب، وهذه لا تمثل إلا جزءاً يسيراً من وسائل تعليم السلوك، وفي هذه العجالة أشير إلى بعض الوسائل التي يمكن أن تفيد الأم في غرس السلوك الحسن، أو تعديل السلوك السيئ، وهي على سبيل المثال لا الحصر: يعتقد كثير من الآباء والأمهات أن غرس السلوك إنما يتم من خلال الأمر والنهي، ومن خلال العقوبة والتأديب، وهذه لا تمثل إلا جزءاً يسيراً من وسائل تعليم السلوك، وفي هذه العجالة أشير إلى بعض الوسائل التي يمكن أن تفيد الأم في غرس السلوك الحسن، أو تعديل السلوك السيئ، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
1 – التجاهل:
يعمد الطفل أحياناً إلى أساليب غير مرغوبة لتحقيق مطالبه، كالصراخ والبكاء وإحراج الأم أمام الضيوف وغير ذلك، والأسلوب الأمثل في ذلك ليس هو الغضب والقسوة على الطفل، إنما تجاهل هذا السلوك وعدم الاستجابة للطفل، وتعويده على أن يستخدم الأساليب المناسبة والهادئة في التعبير عن مطالبه، وأسلوب التجاهل يمكن أن يخفي كثيراً من السلوكيات الضارة عند الطفل أو على الأقل يخفف من حدتها.
2 – القدوة:
لست بحاجة للحديث عن أهمية القدوة وأثرها في التربية، فالجميع يدرك ذلك، إنني حين أطالب الطفل بترتيب غرفته ويجد غرفتي غير مرتبة، وحين أطالبه أن لا يتفوه بكلمات بذيئة ويجدني عندما أغضب أتفوه بكلمات بذيئة، وحين تأمره الأم ألا يكذب، ثم تأمره بالكذب على والده حينئذ سنمحو بأفعالنا مانبنيه بأقوالنا.
3 – المكافأة:
المكافأة لها أثر في تعزيز السلوك الإيجابي لدى الطفل، وهي ليست بالضرورة قاصرة على المكافأة المادية فقد تكون بالثناء والتشجيع وإظهار الإعجاب، ومن وسائل المكافأة أن تعده بأن تطلب من والده اصطحابه معه في السيارة، أو غير ذلك مما يحبه الطفل ويميل إليه.
ومما ينبغي مراعاته أن يكون استخدام المكافأة باعتدال حتى لا تصبح ثمناً للسلوك.
4 – الإقناع والحوار:
من الأمور المهمة في بناء شخصية الأطفال أن نعودهم على الإقناع والحوار، فنستمع لهم وننصت، ونعرض آراءنا وأوامرنا بطريقة مقنعة ومبررة، فهذا له أثره في تقبلهم واقتناعهم، وله أثره في نمو شخصيتهم وقدراتهم.
وهذا أيضاً يحتاج لاعتدال، فلابد أن يعتاد الأطفال على الطاعة، وألا يكون الاقتناع شرطاً في امتثال الأمر.
5 - وضع الأنظمة الواضحة:
من المهم أن تضع الأم أنظمة للأطفال يعرفونها ويقومون بها، فتعودهم على ترتيب الغرفة بعد استيقاظهم، وعلى تجنب إزعاج الآخرين…إلخ، وحتى يؤتي هذا الأسلوب ثمرته لابد أن يتناسب مع مستوى الأطفال، فيعطون أنظمة واضحة يستوعبونها ويستطيعون تطبيقها والالتزام بها.
6 – التعويد على حل الخلافات بالطرق الودية:
مما يزعج الوالدين كثرة الخلافات والمشاكسات بين الأطفال، ويزيد المشكلة كثرة تدخل الوالدين، ويجب أن تعلم الأم أنه لا يمكن أن تصل إلا قدر تزول معه هذه المشكلة تماماً، إنما تسعى إلى تخفيف آثارها قدر الإمكان، ومن ذلك:
تعويدهم على حل الخلافات بينهم بالطرق الودية، ووضع الأنظمة والحوافز التي تعينهم على ذلك، وعدم تدخل الأم في الخلافات اليسيرة، فذلك يعود الطفل على ضعف الشخصية وكثرة الشكوى واللجوء للآخرين.
7 – تغيير البيئة:
ولذلك وسائل عدة منها:
أولا: إغناء البيئة: وذلك بأن يهيأ للطفل مايكون بديلاً عن انشغاله بما لايرغب فيه، فبدلاً من أن يكتب على الكتب يمكن أن يعطى مجلة أو دفتراً يكتب فيه مايشاء، وبدلاً من العبث بالأواني يمكن أن يعطى لعباً على شكل الأواني ليعبث بها.
ثانياً: حصر البيئة: وذلك بأن تكون له أشياء خاصة، كأكواب خاصة للأطفال يشربون بها، وغرفة خاصة لألعابهم، ومكان خاص لا يأتيه إلا هم؛ حينئذ يشعر أنه غير محتاج إلى أن يعتدي على ممتلكات الآخرين.
ومن الخطأ الاعتماد على قفل باب مجالس الضيوف وغيرها، فهذا يعوده على الشغف بها والعبث بها، لأن الممنوع مرغوب.
لكن أحياناً تغفل الأمهات مثلاً المجلس أو المكتبة ،ترفع كل شيء عنه صحيح هذا يمنعه وحين يكون هناك فرصة للدخول يبادر بالعبث لأن الشيء الممنوع مرغوب.
ثالثاً: تهيئة الطفل للتغيرات اللاحقة: الطفل تأتيه تغييرات في حياته لابد أن يهيأ لها، ومن ذلك أنه يستقل بعد فترة فينام بعيداً عن والديه في غرفة مستقلة، أو مع من يكبره من إخوته، فمن الصعوبة أن يفاجأ بذلك، فالأولى بالأم أن تقول له: إنك كبرت الآن وتحتاج إلا أن تنام في غرفتك أو مع إخوانك الكبار.
وهكذا البنت حين يراد منها أن تشارك في أعمال المنزل.
8 - التعويد :
الأخلاق والسلوكيات تكتسب بالتعويد أكثر مما تكتسب بالأمر والنهي، فلا بد من الاعتناء بتعويد الطفل عليها، ومراعاة الصبر وطول النفس والتدرج في ذلك.
هذه بعض الخواطر العاجلة وبعض المقترحات لتحسين الدور الذي يمكن أن تقوم به الأم، وينبغي لها ألا تغفل عن دعاء الله تعالى وسؤاله الصلاح لأولادها، فقد وصف الله تبارك وتعالى عباده الصالحين بقوله : [والذين يقولون ربنا هبنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما>
و الله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ابن الوافي
12-09-2005, 11:35 PM
لمحات عن حياة الرسول 32 موضوع
رجال حول الرسول 56 موضوع
عظماء في الإسلام24 موضوع
الإعجاز العلمي في القرآن والسنّه 23 موضوع
الآداب الإسلاميه 39 موضوع
الحج والعمره 14موضوع
البحث الخامس
الجليـس بيـن الصـلاح والسـوء
الجليـس بيـن الصـلاح والسـوء
جاء في الصحيح من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة) رواه مسلم من حديث أنس، والبخاري بالمعنى نفسه.
حاجتنا إلى الخليل الصالح
الصحبة والمجالسة من طبيعة الإنسان البشري باعتباره كائنا اجتماعيا بطبعه، والإسلام يقر هذه الجبلة الإنسانية ويجعل خير الناس من يألف ويؤلف، والحديث النبوي يؤكد المعنى بتشبيه بليغ يفصل الصاحب والجليس إلى نوعين: الخير والصلاح مع الصاحب والجليس الصالح، والشر والسوء في مرافقة ومجالسة رفيق السوء المزين للشرور.
وبين رسولنا المعلم تأثير الجليس على تدين الفرد بأن جعل المرء على دين خليله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمالرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ)، والقرآن يقر قوة هذه الرابطة يوم القيامة ببقاء المتقين على صلاتهم، وتحول غيرهم إلى أعداء يتبرأ بعضهم من بعض.
ولكن نجد من يستهين بهذا الإرشاد النبوي مع ظهور الأفكار الشاذة عن المجتمع المسلم، وتنبري سهامهم معيبة لسلوك الطامحين إلى التأسي بالرسول الكريم في حياته ومعاملاته، محذرة من مرافقتهم، وقد انطلت هذه الأفكار على ثلة من المسلمين مما يفرض إعادة الماء إلى مجراه الطبيعي، حتى نرافق من إذا رأيناه ذكرنا بالله بعبادته وتقواه، والابتعاد عمن إذا مر بنا أو سمعنا له أبعدنا على ذلك.
تصوير نبوي بليغ
يشبه الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث النبوي الشريف الجليس الصالح بحامل المسك أو بائعه، يمنح جليسه ثلاثة أشياء تنعش النفس: إما أن يحذيك، أي يمنحك عطرا، أو تشتري منه شيئا يدخل البهجة لأسرتك وأحبائك، والثالثة أنك تعيش في أجواء لطيفة يملأ هواءها ريح زكية تستنشقها.
أما جليس السوء فهو مثيل الحداد، أو نافخ الكير وما يلحق جليسه من الإيذاء، ومن هنا يتضح لذي العقل النبه أين المصلحة الأنية، فكيف إن كان هذا الجليس يعلمك علما وأدبا وخلقا، ويرشدك إلى ما فيه صلاح دنياك وآخرتك.
يقول الشيخ محمد راتب النابلسي:'' الثابت في علم النفس أن الإنسان إذا صاحب إنساناً يكتسب منه ومن علمه وخبرته ومن أخلاقه، هناك إذاً اكتساب، وهذا الشيء ثابت عندنا، في علوم النفس مثلاً إذا إنسان صاحب شخصاً يتكلم بالحقوق، فبعد شهر أو شهرين يستقي منه أفكاراً وأدلة حتى أساليب في الحديث، أساليب في الحركات، صار لديه استقاء.
فأثر الصحبة ثابت حتى عند أهل الغرب، وعند كل الناس ... فليس هناك إنسان يعيش بمفرده، إن لم يكن لك صاحب من أهل الحق فلا بد أن تتخذ لك صاحباً من أهل الباطل، إما أن يكون لك صاحب جيد أو صاحب سيء، صاحب يدلك على الله أو صاحب يدلك على النار، صاحب يزين لك الآخرة، أو صاحب يزين لك الدنيا، صاحب يغريك بالطاعة، صاحب يغريك بالمعصية، أبداً لابد من إنسان تركن إليه، تأنس به، من هو هذا الإنسان ؟ هنا المشكلة''.
آداب المجالسة
تتعدد آداب المجلس من أمانة وإنصات ودعاء، حيث يصبح الفرد مرآة عيوبه، ومقوم سلوكه وهاديه إلى الخير، يقول الرسول عليه السلام:'' المجالس بالأمانات وإنما يتجالس الرجلان بأمانة الله عز وجل، فإذا افترقا فليستر كل واحد منهما حديث صاحبه، وقال صلى الله عليه وسلم:'' إذا قام الرجل من مجلسه فهو أحق به حتى ينصرف ما لم يودع جلساءه بالسلام''، وقال عليه السلام أيضا:'' لا يحل لأحد أن يفرق بين اثنين متجالسين إلا بإذنهما ولكن تفسحوا وتوسعوا''.
ومما يمتن الود بين الخلان يرشد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمور بسيطة ويقول:''مما يصفي لك ود أخيك: أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وأن تدعوه بأحب الأسماء إليه، وأن توسع له في المجلس''.
فوائد الجليس الصالح
الفرد اجتماعي بطبعه، كما يقال، فهو بين خيارين لا ثالث لهما، فإذا ابتعد عن الصحبة الصالحة فله صحبة من نوع ثان، أي إذا كان له إخوان في المسجد، جلسوا يذكرون الله عز وجل، وتلطفوا له بالقول وتحدثوا معه في أمور الدين وفي أخبار الصحابة الكرام، وتحدثوا عما ينبغي أن يكون عليه المؤمن، فإن لم يكن له مثل هؤلاء، كان له جلساء آخرون مزاحهم جنسي، ونكاتهم قبيحة، وعلاقاتهم فيها أثرة وليس فيها مؤاثرة، فالفرد لا بد له من مجتمع يعيش فيه.
و أصحاب رسول الله ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بصحبتهم مع رسول الله، أي من جالسهم سرى إليه حالهم وكلنا نعرف هذه الحقيقة، أي إذا الإنسان صاحب مؤمناً أرقى منه يشعر بسعادة، يأنس به يستمتع بحديثه، واستقى من أخلاقه، وابتعد عن زلاّت الناس.
الحديث ملهم الشعراء
وقدم كثير الشعراء نصائح تستقي من الحديث النبوي معناه، وقال أحدهم:
تجنب قرين السوء وأصرم حباله
فإن لم تجد عنه محيصا فداره
وأحبب حبيب الصدق واحذر مراءه
تنل منه صفو الود ما لم تماره
وفي الشيب ما ينهى الحليم عن الصبا
إذا اشتعلت نيرانه في عذاره
وقال آخر:
اصحب خيار الناس حيث لقيتهم
خير الصحابة من يكون عفيفا
والناس مثــل دراهم ميزتها
فوجدت منها فضة وزيـوفـــــــا
وقديما قال طرفة بن العبد:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكـــل قريـــن بالمـــقارن يقتـــدي
فكرة تحتاج إلى تقويم
مع اختلاط الأفكار واختلاف طبائع الأشخاص، تتغلغل فكرة تتحول إلى مسلمة لدى بعض الأفراد وهي الخلو بالنفس للتعبد والاكتفاء بما في اليد من الكتب والإنصات إلى الأشرطة ورؤية بعضها من الشيوخ وقصد المساجد للصلوات، يقول : أنا عندي أشرطة وأقرأ كتباً وأحضر خطباً، أنوِّع وأنا مستقل وليس لي علاقة بأحد في ما يشبه عزلة كهنوتية، خاصة مع رؤية اللهاث وراء مصلحة أو المكسب القريب أو البعيد، ورؤية الأرض ملأى بالتجمعات المصلحية، ففي العالَم ملايين الفرق والطوائف والأحزاب كلها قد تجمعت لمصلحة، لكن هذا الاختيار ينهار عندما يكون التجمع للتقوى والتمسك بالعروى الوثقى(الكتاب والسنة).
إذ الجليس الصالح، كما يقول الشيخ محمد النابلسي، يرفع الهمة ويثبت القدم ويعين على المداومة، وليست العزلة بمحمودة أيضا لأنك وإن أحكمت صيانة النفس لمبتلى وممتحن، فاستند على من يرفعك إن زلت بك القدم أو خارت بك القوى، ثم انطلق ناصحا متوددا حاملا طيب ما أُنعم به عليك لغير نفس في شوق لما أنت فيه، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم:'' لأَنْ يَهْدِيَ اللّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرُ النَّعَمِ'' متفق عليه، وتزداد المشكلة خطورة أن تكون منحرف العقيدة والسلوك وأنت في وهمك أنك أحسن الناس، وأنك أرقى الناس، وأنك على الحق المبين...وليس هناك إنسان يصل إلى الله إلا بحمْية اجتماعية، فاحذر فقد تفتي فتوى غير صحيحة وقد تقنع قناعة غير صحيحة، وقد تنحرف انحرافاً خطيراً، أما أن تكون مع المؤمنين ، مع الصادقين ، فلك عندئذ مرجع تثق به،
وقد نجد شخصاً متماسكاً لكن وضعه في بيئة فاسدة يهوي تماسكه، لكن الإنسان الذي يعيش في بيئة راقية تسمو بالتزامه وتعبده.
ابن الوافي
12-09-2005, 11:37 PM
لمحات عن حياة الرسول 32 موضوع
رجال حول الرسول 56 موضوع
عظماء في الإسلام24 موضوع
الإعجاز العلمي في القرآن والسنّه 23 موضوع
الآداب الإسلاميه 39 موضوع
الحج والعمره 14موضوع
البحث السادس
الصلاة والتمارين الرياضية
إنَّ المسلم المحافظ على أداء الصلوات، يمارس فيها من الحركات البدنية المتكررة ما مجموعها يفوق مجموع الحركات التي يؤديها ممارس التمارين الرياضية - هذا إذا فرضنا أنه يمارس التمارين كل يوم - ولكن إذا علمنا أنَّ معدل ممارسته للتمارين هي ثلاث مرات في الأسبوع أو أقل عندها لا يبقى أي مجال للمقارنة، لأن المسلم لا يؤدي الصلاة مرة واحدة في اليوم بل خمس مرات.
وبعض الرياضات قد يمنع من ممارستها بعض الفئات من الناس: كبار السن، ومرضى القلب على سبيل المثال، بينما يستطيع هؤلاء أداء الصلاة لأن أداءها خال من أي خطورة، فحركاتها ليست عنيفة بل ناعمة وتؤدى ببطء وهدوء.
كما أن الصلاة ممكنة الأداء لجميع مراحل النمو، ابتداء من مرحلة الطفولة وحتى آخر يوم في عمر المسلم، لأنها لا تتطلب قدرًا عاليًا من القدرات والاستعدادات أو المواهب الخاصة.
لذا، فإن الصلاة من أكثر الأنشطة البدنية أمانًا وبعدًا بالفرد عما قد تسببه ألعاب رياضية من إصابات، كما أن أداءها لا يحتاج إلى استشارة الطبيب كما هو الحال في التمارين الرياضية وبعض الرياضات الأخرى، فهي إذن بحق أفضل رياضة هوائية خفيفة تناسب جميع الناس.. إضافة إلى هدفها الأساسي وهو العبادة.
وكلنا يعلم الفوائد الأخرى للصلاة من النواحي الخُلقية والعقلية والاجتماعية والنفسية. كما أن لها قيمة تربوية في تعويد الفرد النظام والدقة، والمحافظة على المواعيد، والصدق والإخلاص، والتعاون والعمل مع الجماعة، خاصة أنها تؤدى بصورة جماعية وبتوقيت واحد.
فانظر إلى هذه النعم العظيمة التي ينعم الله بها على المسلم بالصلاة، فمن فضل الله وكرمه وحكمته أن دمج الرياضة أو الحركة - التي هي ضرورية للإنسان - في أكثر العبادات تكرارًا ، ألا وهي الصلاة.
لقد أخذ الأطباء في جميع بلدان العالم ينصحون الناس بممارسة الرياضة أو التمارين الرياضية للتعويض عن الحركة التي فيها حفظ الصحة والوقاية من الأمراض والتشوهات القوامية، وقد أخذ الناس فعلاً يخصصون أوقاتًا لمزاولة الرياضة، وأخذ الناس في بلادنا يسعون وراء التمارين ويبحثون عنها ليحركوا بها أجسامهم، وبعضهم تارك للصلاة وغافل عن النعم والفوائد التي تتضمنها.
فالسعي وراء التمارين وتخصيص الأوقات لممارستها هو شيء جيد ومطلوب، ولا يستطيع أحد أن ينكر ما للتمارين الرياضية من فوائد بدنية، خاصة إذا مارسها الإنسان يوميًا، فهي تقوي العضلات، وتزيد من مرونة المفاصل، وتنشط الدورة الدموية، وتحسِّن عمل القلب، وتكافح السمنة، وتخفض الكولسترول وغيره من شحوم الدم المؤذية، وقد ثبت أن الذين يمارسون الرياضة والتمارين الرياضية لديهم مناعة ضد الأمراض أكثر من الذين لا يمارسون أي نشاط رياضي ويقضون معظم أوقاتهم جلوسًا.
والغربيون - من غير المسلمين - بحاجة إليها لأنها ملجؤهم الوحيد، وليس لديهم صلاة مثل صلاتنا، ونحن إذا نظرنا إلى ظاهر الصلاة وجدنا حركات وتمارين لأجزاء الجسم المختلفة، ومن الطبيعي أن يكون لهذه الحركات والتمارين - فوائد بدنية مثل ما للتمارين الرياضية من فوائد أتيت على ذكرها قبل قليل.
إذن، نحن المسلمين لدينا هذه الصلاة ونمارس فيها من الحركات يوميًا أكثر مما يمارسه واحدهم من التمارين، وعلى الأقل أن يحافظ المسلم على أداء الصلاة عبادة فيكسب منها أنواعًا من الفوائد البدنية تلقائيًا، وإن أراد الاستزادة من الحركة فيمكنه أن يمارس بعض أنواع الرياضات المفيدة كالجري مثلاً: الجري في الهواء الطلق، أو الجري في المكان (في البيت) إن لم يرغب بممارسته في الشارع، ولا أقول المشي لأنه يمارسه فعلاً بالذهاب إلى المسجد خمس مرات في اليوم.
أو يمارس القفز في المكان، أو حتى التمارين الرياضية. بل يمكنه الاستزادة من الحركة بالصلاة فباب التنفل مفتوح ومستحب، وإن كنت أعتقد أن الأكثرية ممن يريدون الرياضة يسعون إلى تمارين خفيفة تكون شدة حملها كشدة حمل حركات الصلاة، فهذه إمكانية وقدرة الغالبية من الناس اليوم، ولا يتحمل ما هو أشد من ذلك إلا القليل.
إنني على ثقة من أنه ما من مدرب رياضي - حتى ولو كان من غير المسلمين - لو نظر نظرة رياضية إلى الصلاة وتفحص حركاتها - يستطيع أن ينكر كونها تتضمن رياضة مفيدة للجسم، خاصة إذا علم أن هذه الصلاة تؤدى خمس مرات في اليوم. وأحب أن أدعم قولي هذا بدليل مادي، فأذكر لك ما قاله مدرب كرة قدم برازيلي دخل في الإسلام وأصبح اسمه بعد إسلامه (مهدي إسلام) بعد أن كان اسمه (خوسيه فاريا) وعمره خمسون عامًا، يقول المدرب: ((.. وكذلك من دراستي للحركة التي يقوم بها المصلي وجدت أنها حركة رياضية مفيدة جدًا للجسم بالإضافة إلى ما تضيفه الصلاة من قوة إيمان وشفافية عظيمة أعظم ألف مرة من أي تدريب لليوجا)).
نعم.. هذا هو الحق، وهكذا يقول أي مدرب آخر إذا أراد أن يصدق القول ولا يكابر. والأطباء ينصحون شاربي الخمر أو المدخنين أو ممارسي العادات السيئة والأفعال المحرمة - بممارسة الرياضة لأنها حركة، ولأنها تساعدهم على ترك ما يفعلونه، هذا صحيح، ولكن الصلاة أبلغ في ذلك كونها تجمع بين الحركة، والعبادة التي لا توجد في الرياضة، وهي من باب أولى أن تنهي الإنسان عن الفعل السيئ والمحرم الضار بالجسم، وقد قال الله تعالى: >إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ[[1>.
وهذا ما فعلته فعلاً بالمدرب البرازيلي المذكور، فقد نهته صلاته عن المحرمات وبالتالي تحسَّنت صحته، يقول المدرب: (( .. وقد استفدت أيضًا من البعد عن المحرمات أن تحسَّنت صحتي كثيرًا وأفادتني كرياضي كما أفادني الصوم تمامًا وأنا لا أرى أي تعارض بين الصيام والرياضة)).
(( ويقول الدكتور فارس عازوري الاختصاصي في الأمراض العصبية والمفاصل من جامعات أميركا: إن الصلاة عند المسلمين وما تحتويه من الركوع والسجود تقوي عضلات الظهر وتلين تحركات فقرات السلسلة الظهرية، وخصوصًا إذا قام الإنسان بالصلاة في سن مبكرة، ويترتب على ذلك مناعة ضد الأمراض التي تنتج عن ضعف في العضلات التي تجاور العمود الفقري والتي ينشأ من ضعفها أنواع من أمراض العصبي تسبب الآلام الشديدة والتشنج في العضلات )).
نعم.. وهذا ما سيقوله كل طبيب منصف.. وللصلاة فوائد أخرى الله أعلم بها، يقول الله تعالى: >وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ {45} الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ {46}[[2> ومن أجل ذلك يدعو الإسلام المريض إلى أداء الصلاة قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا حسب استطاعته.
وجميع هذه الفوائد والمنافع تعود عليك لا على الله عزَّ وجلَّ. والله تعالى لم يفترض عليك الصلاة إلا لصالحك أنت، وما غضبه عندما لا تؤديها لأنك أصبته بشيء من الضرر، بل لأنك ظلمت نفسك..!.
حركات الصلاة وحركات التمارين الرياضية
لقد أوضحت فيما سبق بأنه لا مانع من أن يمارس المسلم الرياضة عامة والتمارين الرياضية خاصة؛ إذا كان محافظًا على أداء الصلاة في أوقاتها الخمسة، ولكن المانع بل المحرم أن يمارس الرياضة أو التمارين ويصرف لها الأوقات الطويلة وذلك كله على حساب الصلاة وأوقاتها، خاصة – وهذا هو لب الموضوع – أن تلك التمارين ليست إلا صورة مشابهة لحركات الصلاة وهيئاتها، بل إنهم – وذلك في بعض التمارين - يجعلون من حركات الصلاة النموذج الذي يجب أن يحتذوه في أداء التمرين، كما سترى في تعليمات أحد التمارين بالصور المرافقة للموضوع، ولو تأملت جيدًا في هذه الصور لوجدت أن جميعها تشبه حركات الصلاة.
*،*
تمارين رياضية مشابهة لحركات الصلاة
تمرين مشابه للركوع
*،*
الســ عليكم ورحمة الله وبركاته ــلام
الصلاة والتمارين الرياضية
إنَّ المسلم المحافظ على أداء الصلوات، يمارس فيها من الحركات البدنية المتكررة ما مجموعها يفوق مجموع الحركات التي يؤديها ممارس التمارين الرياضية - هذا إذا فرضنا أنه يمارس التمارين كل يوم - ولكن إذا علمنا أنَّ معدل ممارسته للتمارين هي ثلاث مرات في الأسبوع أو أقل عندها لا يبقى أي مجال للمقارنة، لأن المسلم لا يؤدي الصلاة مرة واحدة في اليوم بل خمس مرات.
وبعض الرياضات قد يمنع من ممارستها بعض الفئات من الناس: كبار السن، ومرضى القلب على سبيل المثال، بينما يستطيع هؤلاء أداء الصلاة لأن أداءها خال من أي خطورة، فحركاتها ليست عنيفة بل ناعمة وتؤدى ببطء وهدوء.
كما أن الصلاة ممكنة الأداء لجميع مراحل النمو، ابتداء من مرحلة الطفولة وحتى آخر يوم في عمر المسلم، لأنها لا تتطلب قدرًا عاليًا من القدرات والاستعدادات أو المواهب الخاصة.
لذا، فإن الصلاة من أكثر الأنشطة البدنية أمانًا وبعدًا بالفرد عما قد تسببه ألعاب رياضية من إصابات، كما أن أداءها لا يحتاج إلى استشارة الطبيب كما هو الحال في التمارين الرياضية وبعض الرياضات الأخرى، فهي إذن بحق أفضل رياضة هوائية خفيفة تناسب جميع الناس.. إضافة إلى هدفها الأساسي وهو العبادة.
وكلنا يعلم الفوائد الأخرى للصلاة من النواحي الخُلقية والعقلية والاجتماعية والنفسية. كما أن لها قيمة تربوية في تعويد الفرد النظام والدقة، والمحافظة على المواعيد، والصدق والإخلاص، والتعاون والعمل مع الجماعة، خاصة أنها تؤدى بصورة جماعية وبتوقيت واحد.
فانظر إلى هذه النعم العظيمة التي ينعم الله بها على المسلم بالصلاة، فمن فضل الله وكرمه وحكمته أن دمج الرياضة أو الحركة - التي هي ضرورية للإنسان - في أكثر العبادات تكرارًا ، ألا وهي الصلاة.
لقد أخذ الأطباء في جميع بلدان العالم ينصحون الناس بممارسة الرياضة أو التمارين الرياضية للتعويض عن الحركة التي فيها حفظ الصحة والوقاية من الأمراض والتشوهات القوامية، وقد أخذ الناس فعلاً يخصصون أوقاتًا لمزاولة الرياضة، وأخذ الناس في بلادنا يسعون وراء التمارين ويبحثون عنها ليحركوا بها أجسامهم، وبعضهم تارك للصلاة وغافل عن النعم والفوائد التي تتضمنها.
فالسعي وراء التمارين وتخصيص الأوقات لممارستها هو شيء جيد ومطلوب، ولا يستطيع أحد أن ينكر ما للتمارين الرياضية من فوائد بدنية، خاصة إذا مارسها الإنسان يوميًا، فهي تقوي العضلات، وتزيد من مرونة المفاصل، وتنشط الدورة الدموية، وتحسِّن عمل القلب، وتكافح السمنة، وتخفض الكولسترول وغيره من شحوم الدم المؤذية، وقد ثبت أن الذين يمارسون الرياضة والتمارين الرياضية لديهم مناعة ضد الأمراض أكثر من الذين لا يمارسون أي نشاط رياضي ويقضون معظم أوقاتهم جلوسًا.
والغربيون - من غير المسلمين - بحاجة إليها لأنها ملجؤهم الوحيد، وليس لديهم صلاة مثل صلاتنا، ونحن إذا نظرنا إلى ظاهر الصلاة وجدنا حركات وتمارين لأجزاء الجسم المختلفة، ومن الطبيعي أن يكون لهذه الحركات والتمارين - فوائد بدنية مثل ما للتمارين الرياضية من فوائد أتيت على ذكرها قبل قليل.
إذن، نحن المسلمين لدينا هذه الصلاة ونمارس فيها من الحركات يوميًا أكثر مما يمارسه واحدهم من التمارين، وعلى الأقل أن يحافظ المسلم على أداء الصلاة عبادة فيكسب منها أنواعًا من الفوائد البدنية تلقائيًا، وإن أراد الاستزادة من الحركة فيمكنه أن يمارس بعض أنواع الرياضات المفيدة كالجري مثلاً: الجري في الهواء الطلق، أو الجري في المكان (في البيت) إن لم يرغب بممارسته في الشارع، ولا أقول المشي لأنه يمارسه فعلاً بالذهاب إلى المسجد خمس مرات في اليوم.
أو يمارس القفز في المكان، أو حتى التمارين الرياضية. بل يمكنه الاستزادة من الحركة بالصلاة فباب التنفل مفتوح ومستحب، وإن كنت أعتقد أن الأكثرية ممن يريدون الرياضة يسعون إلى تمارين خفيفة تكون شدة حملها كشدة حمل حركات الصلاة، فهذه إمكانية وقدرة الغالبية من الناس اليوم، ولا يتحمل ما هو أشد من ذلك إلا القليل.
إنني على ثقة من أنه ما من مدرب رياضي - حتى ولو كان من غير المسلمين - لو نظر نظرة رياضية إلى الصلاة وتفحص حركاتها - يستطيع أن ينكر كونها تتضمن رياضة مفيدة للجسم، خاصة إذا علم أن هذه الصلاة تؤدى خمس مرات في اليوم. وأحب أن أدعم قولي هذا بدليل مادي، فأذكر لك ما قاله مدرب كرة قدم برازيلي دخل في الإسلام وأصبح اسمه بعد إسلامه (مهدي إسلام) بعد أن كان اسمه (خوسيه فاريا) وعمره خمسون عامًا، يقول المدرب: ((.. وكذلك من دراستي للحركة التي يقوم بها المصلي وجدت أنها حركة رياضية مفيدة جدًا للجسم بالإضافة إلى ما تضيفه الصلاة من قوة إيمان وشفافية عظيمة أعظم ألف مرة من أي تدريب لليوجا)).
نعم.. هذا هو الحق، وهكذا يقول أي مدرب آخر إذا أراد أن يصدق القول ولا يكابر. والأطباء ينصحون شاربي الخمر أو المدخنين أو ممارسي العادات السيئة والأفعال المحرمة - بممارسة الرياضة لأنها حركة، ولأنها تساعدهم على ترك ما يفعلونه، هذا صحيح، ولكن الصلاة أبلغ في ذلك كونها تجمع بين الحركة، والعبادة التي لا توجد في الرياضة، وهي من باب أولى أن تنهي الإنسان عن الفعل السيئ والمحرم الضار بالجسم، وقد قال الله تعالى: >إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ[[1>.
وهذا ما فعلته فعلاً بالمدرب البرازيلي المذكور، فقد نهته صلاته عن المحرمات وبالتالي تحسَّنت صحته، يقول المدرب: (( .. وقد استفدت أيضًا من البعد عن المحرمات أن تحسَّنت صحتي كثيرًا وأفادتني كرياضي كما أفادني الصوم تمامًا وأنا لا أرى أي تعارض بين الصيام والرياضة)).
ابن الوافي
12-09-2005, 11:39 PM
يتبــــــــع البحث السادس
(( ويقول الدكتور فارس عازوري الاختصاصي في الأمراض العصبية والمفاصل من جامعات أميركا: إن الصلاة عند المسلمين وما تحتويه من الركوع والسجود تقوي عضلات الظهر وتلين تحركات فقرات السلسلة الظهرية، وخصوصًا إذا قام الإنسان بالصلاة في سن مبكرة، ويترتب على ذلك مناعة ضد الأمراض التي تنتج عن ضعف في العضلات التي تجاور العمود الفقري والتي ينشأ من ضعفها أنواع من أمراض العصبي تسبب الآلام الشديدة والتشنج في العضلات )).
نعم.. وهذا ما سيقوله كل طبيب منصف.. وللصلاة فوائد أخرى الله أعلم بها، يقول الله تعالى: >وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ {45} الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ {46}[[2> ومن أجل ذلك يدعو الإسلام المريض إلى أداء الصلاة قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا حسب استطاعته.
وجميع هذه الفوائد والمنافع تعود عليك لا على الله عزَّ وجلَّ. والله تعالى لم يفترض عليك الصلاة إلا لصالحك أنت، وما غضبه عندما لا تؤديها لأنك أصبته بشيء من الضرر، بل لأنك ظلمت نفسك..!.
حركات الصلاة وحركات التمارين الرياضية
لقد أوضحت فيما سبق بأنه لا مانع من أن يمارس المسلم الرياضة عامة والتمارين الرياضية خاصة؛ إذا كان محافظًا على أداء الصلاة في أوقاتها الخمسة، ولكن المانع بل المحرم أن يمارس الرياضة أو التمارين ويصرف لها الأوقات الطويلة وذلك كله على حساب الصلاة وأوقاتها، خاصة – وهذا هو لب الموضوع – أن تلك التمارين ليست إلا صورة مشابهة لحركات الصلاة وهيئاتها، بل إنهم – وذلك في بعض التمارين - يجعلون من حركات الصلاة النموذج الذي يجب أن يحتذوه في أداء التمرين، كما سترى في تعليمات أحد التمارين بالصور المرافقة للموضوع، ولو تأملت جيدًا في هذه الصور لوجدت أن جميعها تشبه حركات الصلاة.
*،*
تمارين رياضية مشابهة لحركات الصلاة
تمرين مشابه للركوع
*،*
تمرين مشابه للنـزول والقيام
*،*
تمرين مشابه للسجود
*،*
تمرين مشابه للجلوس
*،*
تمرين مشابه للتسليم
*،*
إن هذه الصور وأمثالها تنشر عادة في كتب التمارين الرياضية وكتب اليوغا، ولنفترض أنك كنت تتصفح أحد هذه الكتب ورأيت تمرينًا يشبه حركة من حركات الصلاة وقرأت بجانبه عن بعض الفوائد التي يجنيها المتمرن بمواظبته على ممارسة هذا التمرين ثلاث مرات في الأسبوع، فماذا تستنتج من ذلك خاصة وأنك تمارس هذا التمرين نفسه في الصلاة؟
ستستنتج طبعًا بأنك ولا شك تحصل أيضًا على تلك الفوائد المذكورة نفسها بأدائك للصلاة، بل تصبح متأكدًا وواثقًا من ذلك عندما تعلم بأنك لا تمارس هذا التمرين ثلاث مرات أو خمسًا في الأسبوع فقط، بل تمارسه خمس مرات في اليوم الواحد، وهذا في الفرائض فقط دون السنن..! ولذلك سترى بأنه من الأولى أن تنسب إلى الصلاة تلك الفوائد التي تذكر بجانب كل تمرين مشابه لحركة من حركات الصلاة.
وإليك الآن هذا الحساب البسيط لواحد من التمارين وهو (ميل الجذع للأمام)، وهذا يؤديه المصلي في (الركوع) و (السجود).
فالمتمرن يمارس هذا التمرين (10) مرات تقريبًا في الدرس الواحد، ومجموع ثلاث مرات في الأسبوع يكون:
10 × 3 = 30 مرة في الأسبوع.
نحسب الآن كم مرة يؤدي المسلم هذا التمرين في الصلاة في اليوم الواحد. إن مجموع ركعات الفرائض ومتوسط عدد ركعات السنن يكون (30) ركعة، والمعروف أنه في كل ركعة هناك ركوع واحد، فيكون مجموع عدد المرات: (30) مرة في اليوم.
والنتيجة: أن ما يؤديه المتمرن في أسبوع يؤديه المسلم في الصلاة في يوم واحد..! هذا ولم نحسب إلا (الركوع)، فإذا حسبنا أيضًا (السجود) يصبح المجموع كالتالي، مع العلم بأن في كل ركعة هناك سجودان:
30 ركعة × 2 سجود = 60 مرة في اليوم
60 سجود + 30 ركوع = 90 مرة في اليوم
أي أن المسلم يؤدي في الصلاة تمرين (ميل الجذع للأمام) في اليوم الواحد فقط، ثلاثة أضعاف العدد الذي يؤديه الرياضي لهذا التمرين في أسبوع..!
وكما أن درس التمارين يحتوي على تمارين تشمل أعضاء الجسم الرئيسية: الرأس، الجذع، اليدين، الرجلين. فإن حركات الصلاة تشمل هذه الأعضاء أيضًا.
أرأيت ما أعجب هذا..؟! فكما ذكرت من قبل، إن الصلاة عمل سهل وحركات قليلة ولكن إذا أحصيت ما تؤديه فيها من الحركات في اليوم الواحد وجدت أرقامًا مذهلة، وبالتالي ستكتسب من ذلك فوائد بدنية لا تحصى.
ولكن لا يجب أن يؤدي المسلم الصلاة بنية الحصول على هذه الفوائد بل يجب أن تكون نيته أنها عبادة خالصة لله تعالى، ومع أنني أؤمن بأنه لا يوجد مسلم واحد قد يؤدي الصلاة بنية الحصول على الفوائد البدنية فقط، إلا أنني أحببت أن أذكر ذلك حتى لا يخطئ أحد فهمي وقصدي، وفيما ذكرته تنبيه على ما تركته.
أن الإسلام قد اهتم بالرياضة وحث عليها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة لنا في ذلك.
ولكن من الخطأ، بل ومن الخطورة بمكان أن تُترك الصلاة أو تُهمل على حساب ممارسة تمارين رياضية
الكثير منها يشبه حركات الصلاة .
هذا الموضوع منقول من كتاب (الصلاة والرياضة والبدن) لعدنان الطرشه
أتمنى الفائدة للجميع
لكم مني أعطر تحية
ابن الوافي
12-09-2005, 11:41 PM
لمحات عن حياة الرسول 32 موضوع
رجال حول الرسول 56 موضوع
عظماء في الإسلام24 موضوع
الإعجاز العلمي في القرآن والسنّه 23 موضوع
الآداب الإسلاميه 39 موضوع
الحج والعمره 14موضوع
البحث السابع
مصادر الفقه الإسلامي
مصادر الفقه الإسلامي
مصادر الفقه الإسلامي هي :الأدلة التي نصبها الشارع دليلا على الأحكام ، وهذه الأدلة بعضها محل إجماع بين العلماء وهي الكتاب والسنة والإجماع ، والجمهور على اعتبار القياس دليلا رابعا . يضاف إلى تلك المصادر التبعية ومنها : الاستحسان والمصالح المرسلة والعرف وغيرها وقبل أن نتناول هذه المصادر بشيء من التفصيل ينبغي أن نبين أن هذه المصادر كلها في الحقيقة ترجع إلى مصدر واحد وهو الكتاب .
فكل مصدر بعد ذلك منبعث منه ويعتمد عليه ، ولذا كان الشافعي رحمه الله يقول : ( إن الأحكام لا تؤخذ إلا من نص أو حمل على نص ) ولا شيء عنده غير النص والحمل عليه ، وإن كان هو يضيق في معنى الحمل على النص فيقتصر على القياس ، وغيره من الأئمة يوسعون معنى الحمل على النص فيدمجون فيه كل المصادر التبعية الأخرى وسنتناول أولا المصادر الأصلية وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس ثم نتناول بعد ذلك أهم المصادر والتبعية وهي الاستحسان والاستصلاح والعرف .
المصادر الأصلية
أولا : الكتاب:
فأما الكتاب وهو القرآن فإنه هو الأصل في التشريع الإسلامي فقد بينت فيه أسس الشريعة وأوضحت معالمها في العقائد تفصيلا وفي العبادات والحقوق إجمالا. وهو في الشريعة الإسلامية كالدستور في الشرائع الوضعية لدى الأمم، وهو القدوة للنبي صلى الله عليه وسلم فمن بعده ولذا كان هو المصدر التشريعي الأصلي غير أن الكتاب بصفته الدستورية إنما يتناول بيان الأحكام بالنص الإجمالي ولا يتصدى للجزئيات وتفصيل الكيفيات إلا قليلا، لأن هذا التفصيل يطول به ويخرجه عن أغراضه القرآنية من البلاغة وغيرها فقد ورد فيه الأمر مثلا بالصلاة والزكاة مجملا،ولم يفصل فيه كيفية الصلاة ولا مقاديرها، ولم يفصل فيه كيفية الصلاة ولا مقاديرها ،بل فصلتها السنة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله . وكذلك أمر القرآن بالوفاء بالعقود ونص على حل البيع وحرمة الربا إجمالا ولكن لم يبين ما هي العقود والعهود الصحيحة المحللة التي يجب الوفاء بها وأما الباطلة أو الفاسدة التي ليست محلا للوفاء ، فتكفلت السنة أيضا ببيان أسس هذا التمييز على أن القرآن قد تناول تفصيل جزئيات الأحكام في بعض المواضع كما في المواريث وكيفية اللعان بين الزوجين وبعض الحدود العقابية والنساء والمحارم في النكاح ،ونحو ذلك من الأحكام التي لا تتغير على مر الأيام .
ولهذا الإجمال في نصوص القرآن ميزة هامة أخرى بالنسبة إلى أحكام المعاملات المدنية والنظم السياسية والاجتماعية فإنه يساعد على فهم تلك النصوص المجملة وتطبيقها بصورة مختلفة يحتملها النص فيكون اتساعها قابلا لمجاراة المصالح الزمنية وتنزيل حكمه على مقتضياتها بما لا يخرج عن أسس الشريعة ومقاصدها وعلى كل بهذا الإجمال في نصوص الكتاب كانت هذه النصوص محتاجة إلى بيان بالسنة النبوية ليمكن تطبيقها في الكيفيات والكميات ولتعرف حدودها في الشمول والاقتصار وتنزل عليها جزئيات الحوادث والأعمال .
لذلك جاء في القرآن إحالة عامة على السنة النبوية في هذه التفصيلات بقوله تعالى : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) ومن ثم كانت السنة مفتاح الكتاب . وقد اتفق المسلمون على أن القرآن مصدر من مصادر التشريع ، وأن أحكامه واجبة الاتباع ، وأنه المرجع الأول، ولا يلجأ أحد إلى غيره إلا إذا لم يجد ما يطلبه فيه ، وأن دلالته على الأحكام قد تكون قطعية إذا كان اللفظ الوارد فيه يدل على معنى واحد ولا يحتمل غيره وقد تكون ظنية إذا كان لفظه يحتمل الدلالة على أكثر من معنى
ثانيا : السنة:
أ/ يطلق لفظ السنة على ما جاء منقولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير . وهي بهذا المعنى مرادفة للفظ ( الحديث ) وقد نطلق على معنى الواقع العملي في تطبيقات الشريعة في عصر النبوة أي الحالة التي جرى عليها التعامل الإسلامي في ذلك العصر الأول .
ب/ والسنة تلي الكتاب رتبة في مصدرية التشريع من حيث إن بها بيان مجمله وإيضاح مشكله وتقييد مطلقه وتدارك ما لم يذكر فيه . فالسنة مصدر تشريعي مستقل مـن جهة لأنها قد يرد فيها من الأحكام ما لم يرد في القرآن ، كميراث الجدة ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بتوريث جدة المتوفى سدس المال
ولكن السنة من جهة أخرى يلحظ فيها معنى التبعية للقرآن لأنها علاوة على كونها بيانا وإيضاحا له ولا تخرج عن مبادئه وقواعده العامة حتى فيما تقرر من الأحكام التي لم يرد ذكرها في القرآن . فمرجع السنة في الحقيقة إلى نصوص القرآن وقواعده العامة والسنة بصورة عامة ضرورية لفهم الكتاب لا يمكن أن يستغني عنها في فهمه وتطبيقه،وإن كان فيها ما لا يتوقف عليه فهم الكتاب هذا التوقف .
ج/ و ا لسنة تنقل نقلأ بالرواية لا نقضاء عصر الرسالة ، وانقطاع مشافهة الرسول بوفاته صلى الله عليه وسلم، لا يقبل منها في تشريع الأحكام الفقهية إلا ما كان صحيح الثبوت بشرائط معينة شديدة . وقد تكلف علماء السنة بتمييز مراتب الأحاديث النبوية حيث قسموها إلى صحيح وحسن ( وهما يقبلان في تشريع الأحكام ) وضعيف أو موضوع (وهما غير مقبولين ) . ومن أشهر كتب السنة المعتمدة الصحيحان صحيح البخاري وصحيح مسلم والسنن الأربعة وهي لكل من أبى داود والنسائي والترمذى وابن ماجة .كما يحتل كل من موطأ مالك ومسند أحمد بن حنبل مكانة هامة عند الفقهاء والمحدثين .
هـ/ ولا خلاف في أن السنة مصدر للتشريع كما قدمنا ولكن رتبتها في ذلك تالية لرتبة الكتاب ، بمعنى أن الاحتجاج بالكتاب مقدم على الاحتجاج بالسنة فإن المجتهد يبحث عن الحكم في الكتاب أولا فإن وجده أخذ به وإن لم يجده تحول إلى السنة ليتعرف على الحكم فيها دل على هذا الترتيب ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ : ( كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال أقضي بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) الحديث وما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى القاضي شريح : ( أن اقض بما في كتاب الله فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ولا يعرف مخالف لهذا .
ثالثا : الإجماع:
أ / الإجماع هو اتفاق الفقهاء المجتهدين في عصر على حكم شرعي معين. ولا فرق بين أن يكون هؤلاء المتفقون من فقهاء صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام بعد وفاته ،أو من الطبقات التي جاءت بعدهم .
ب/ والإجماع حجة قوية في إثبات الأحكام الفقهية ومصدر يلي السنة في المرتبة . ودليل اعتباره في هذه المكانة من مصدرية التشريع مجموعة آيات وأحاديث تدل على أن إجماع الكلمة من أهل العلم والرأي حجة .
ج/ الإجماع في ذاته إذا انعقد على حكم لا بد أن يكون مستنداً إلى دليل فيه ،وإن لم ينقل الدليل معه ، إذ لا يعقل أن تجتمع كلمة علماء الأمة الموثوق بهم تشهيا بلا دليل شرعي . ولذلك إذا أراد المتأخرون معرفته إنما يبحثون عن وجوده وصحة نقله لا عن دليله إذ لو وجب البحث عن دليله لكانت العبرة للدليل لا للإجماع بينما هو في ذاته حجة .
رابعا : القياس:
القياس هو إلحاق أمر بآخر في الحكم الشرعي لاتحاد بينهما في العلة. والقياس يأتى في المرتبة الرابعة بعد الكتاب والسنة والإجماع من حيث حجيته في إثبات الأحكام الفقهية ، ولكنه أعظم أثراً من الإجماع لكثرة ما يرجع إليه من أحكام الفقه ، لأن مسائل الإجماع محصورة ولم يتأت فيها زيادة لانصراف علماء المسلمين في مختلف الأقطار عن مبدأ المشورة العلمية العامة ولتعذر تحققه بمعناه الكامل فيما بعد العصر الأول كما أوضحناه . أما القياس فلا يشترط فيه اتفاق كلمة العلماء بل كل مجتهد يقيس بنظره الخاص في كل حادثة لا نص عليها في الكتاب أو السنة ولا إجماع عليها .
ولا يخفى أن نصوص الكتاب والسنة محدودة متناهية ، والحوادث الواقعة والمتوقعة غير متناهية فلا سبيل إلى إعطاء الحوادث والمعاملات الجديدة منازلها وأحكامها في فقه الشريعة إلا عن طريق الاجتهاد بالرأي الذي رأسه القياس . فالقياس أغزر المصادر الفقهية في إثبات الأحكام الفرعية للحوادث وقد كان من أسلوب النصوص المعهودة في الكتاب والسنة أن تنص غالبا على علل الأحكام الواردة فيها ، والغايات الشرعية العامة المقصودة منها ليمكن تطبيق أمثالها وأشباهها عليها في كل زمن.
ونصوص الكتاب معظمها كلي عام وإجمالي كما رأينا فانفتح بذلك طريق قياس غير المنصوص على ما هو منصوص ، وإعطاؤه حكمه عند اتحاد العلة أو السبب فيهما .
ووقائع القياس في فقه الشريعة الإسلامية لا يمكن حصرها فإن منها يتكون الجانب الأعظم من الفقه ولا يزال القياس يعمل باستمرار في كل حادثة جديدة في نوعها لا نص عليها . ومن أمثلة ذلك أنه ورد في الشريعة نصوص كثيرة في أحكام البيع أكثر مما ورد بشأن الإجارة فقاس الفقهاء كثيرا من أحكام الإجارة على أحكام البيع لأنها في معناه إذ هي في الحقيقة بيع المنافع . وكذلك ورد في الشريعة الإسلامية نصوص وأحكام بشأن وصي اليتيم عينت وضعه الحقوقي ومسئوليته وصلاحيته ، فقاس الفقهاء على أحكام الوصي وأحكام متولي الوقوف للشبه المستحكم بين الوظيفتين كما قاسوا كثيرا من أحكام الوقف نفسه على أحكام الوصية .
المصادر التبعية
هناك مستندات أخرى شرعية لإثبات الأحكام الفقهية غير المصادر الأربعة الأساسية المتقدمة وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على اعتبارها مستندا صحيحا لإثبات الأحكام . غير أن تلك المصادر إن هي في الحقيقة تبعية متفرعة عن تلك المصادر الأربعة الأساسية فلذا لم يعدها معظم العلماء زائدة عليها بل اعتبرت راجعة إليها . وأهم تلك المصادر الفرعية التبعية مصدران :
أولا : الاستصلاح:
الاستصلاح هو بناء الأحكام الفقهية على مقتضى المصالح المرسلة وهي كل مصلحة لم يرد في الشرع نص على اعتبارها ولم يرد فيه نص على إلغائها .
فهي إنما تدخل في عموم المصالح التي تتجلى في اجتلاب المنافع واجتناب المضار تلك المصالح التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها بوجه عام ، ودلت نصوصها وأصولها على لزوم مراعاتها والنظر إليها في تنظيم سائر نواحي الحياة ولم يحدد الشارع لها أفرادا ولا أنواعا،ولذا سميت ( مرسله ) أي مطلقة غير محدودة فإذا كانت المصلحة قد جاء بها نص خاص بعينها ككتابة القرآن صيانة له من الضياع ، وكتعليم القراءة والكتابة ، فعندئذ تكون من المصالح المنصوص عليها لا من المصالح المرسلة ويعتبر حكمها ثابتاً بالنص لا بقاعدة الاستصلاح .وإذا قام الدليل على إلغاء مصلحة معينة كالاستسلام للعدو مثلا ، فقد يظهر أن فيه مصلحة حفظ النفس من القتل ، ولكن هذه المصلحة لم يعتبرها الشارع ، بل ألغاها لمصلحة ارجح منها وهي حفظ كرامة الأمة وعزتها ، وبالتالي فهي تعتبر مصلحة ملغاة لا مصلحة مرسلة. وعموما يمكن أن نقول إن العوامل التي تدعو الفقيه إلى الاستصلاح هي :
1/ جلب المصالح : وهي الأمور التي يحتاج إليها المجتمع لإقامة حياة الناس على أقوم أساس
2/ درء المفاسد : وهي الأمور التي تضر بالناس أفرادا أو جماعات سواء كان ضررها ماديا أو خلقيا .
3) سد الذرائع : أي منع الطرق التي تؤدي إلى إهمال أوامر الشريعة أو الاحتيال عليها أو تؤدى إلى الوقوع في محاذير شرعية ولو عن غير قصد.
4) تغير الزمان : أي اختلاف أحوال الناس وأوضاع العامة عما كانت عليه . فكل واحد من هذا العوامل الأربعة يدعو إلى سلوك طريق الاستصلاح باستحداث الأحكام المناسبة المحققة لغايات الشرع ومقاصده في إقامة الحياة الاجتماعية على أصلح منهاج .ومن أمثلة العمل بالاستصلاح ما أحدثه عمر بن الخطاب- الخليفة الثاني رضي الله عنه – من إنشاء الديوان لضبط عطاء الجند وأرزاقهم ومدة خدمتهم ، ثم عمت الدواوين في مصالح أخرى . ومن هذا القبيل أيضا في عصرنا الحاضر تنظيم السير في الطرق الداخلية والخارجية بأنظمة خاصة بعد حدوث السيارات ، منعا للدهس والاصطدام وصيانة لأرواح الناس .
ثانياً: العـرف :
العرف هو : الشيء المعروف المألوف المستحسن الذي تتلقاه العقول السليمة بالقبول ومنه قوله تعالى : (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) ويفهم من هذا التعريف أنه لا يتحقق وجود العرف في أمر من الأمور إلا إذا كان مطرداً بين الناس في المكان الجاري فيه أو غالبا بحيث يكون معظم أهل هذا المكان يرعونه ويجرون على وفقه كتعارف الناس اليوم مثلا في بلاد الشام على أن المهر الذي يسمى للمرأة في عقد النكاح يكون ثلثاه معجلا وثلثه مؤجلا إلى ما بعد الوفاة أو الطلاق، فيجب أن يتحقق في تكوين العرف اعتقاد مشترك بين الجمهور وهذا لا يكون إلا في حالة الاطراد أو الغلبة على الأقل وإلا كان تصرفا فرديا لا عرفا .
وإذا كان العرف والعادات إلى اليوم تعد في نظر الحقوقيين مصدرا من أهم المصادر للقوانين الوضعية ذاتها ، فيستمد منه واضعوها كثيرا من الأحكام المتعارفة ، ويبرزونها في صورة نصوص قانونية يزال بها الغموض والإبهام الذي لا يجليه العرف في بعض الحالات، فإن الشريعة الإسلامية كذلك جاءت فأقرت كثيراً من التصرفات والحقوق المتعارفة بين العرب قبل الإسلام وهذبت كثيرا ونهت عن كثير من تلك التصرفات ، كما أتت بأحكام جديدة استوعبت بها تنظيم الحقوق والالتزامات بين الناس في حياتهم الاجتماعية على أساس وفاء الحاجة والمصلحة والتوجيه إلى أفضل الحلول والنظم لأن الشرائع الإلهية إنما تبغي بأحكامها المدنية تنظيم مصالح البشر وحقوقهم فتقر من عرف الناس ما تراه محققاً لغايتها وملائما لأسسها وأساليبها.
ومعظم العلماء يستدلون على مكانة العرف الفقهية في بناء الأحكام الشرعية بأثر قد روى عن عبد الله بن مسعود وهو من كبار فقهاء صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ) والاجتهادات الفقهية في الإسلام متفقة على اعتبار العرف وإن كان بينها شيء من التفاوت في حدوده ومداه . وقد أقام الفقهاء – وخاصة منهم رجال المذهب الحنفي-كبير وزن للعرف في ثبوت الحقوق وانتهائها بين الناس في نواحي شتى من المعاملات وضروب التصرفات .
واعتبروا العرف والعادة أصلا هاماً ومصدراً عظيما واسعا نثبت الأحكام الحقوقية بين الناس على مقتضاه في كل ما لا يصادم نصا تشريعيا خاصا يمنعه فالعرف دليل شرعي كاف في ثبوت الأحكام- الإلزامية والالتزامات التفصيلية بين الناس حيث لا دليل سواه بل إنه يترك به القياس إذا عارضه لأن القياس المخالف في نتيجته للعرف الجاري يؤدى إلى حرج فيكون ترك الحكم القياسي والعمل بمقتضى العرف هو من قبيل الاستحسان المقدم على القياس . أما إذا عارض العرف نصا تشريعيا آمرا بخلاف الأمر المتعارف عليه كتعارف الناس في بعض الأوقات على تناول بعض المحرمات كالخمور وأكل الربا فعرفهم مردود عليهم لأن اعتباره إهمال لنصوص قاطعة ، واتباع للهوى وإبطال للشرائع .
أهم المراجع والمصادر
- المدخل الفقهي العام ( الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد ) / للأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء / الطبعة التاسعة / مطابع ألف باء – الأديب / دمشق / 1967 – 1968م .
- تاريخ الفقه الإسلامي / د . عمر سليمان الأشقر . مكتبة الفلاح / الكويت / 1402 / 1982م .
- المدخل للفقه الإسلامي ( تاريخه وقواعده – مبادئه العامة ) / د . عبد الله الدرعان / مكتبة التوبة / الرياض / 1413ه – 1993م
- تاريخ الفقه الإسلامي / د . أحمد فراج حسين / الدار الجامعية / بيروت / 1989 م
- دراسة تاريخية للفقه وأصوله والاتجاهات التي ظهرت فيها / د. مصطفى سعيد الخن / الشركة المتحدة للتوزيع / دمشق / 1404هـ 1984م
- المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية / د. عبد الكريم زيدان / مطبعة العالي بغداد / 1389هـ / 1969 م
- المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي وقواعد الملكية والعقود فيه / للأستاذ / محمد مصطفى شلبي / دار النهضة العربية / بيروت / 1401هـ 1981م
- الشريعة الإسلامية / بدران أبو العينين بدران مطبعة م . ك / الإسكندرية / 1393ه / 1973م
-أصول الفقه / محمد أبو زهرة / دار الفكر العربي .
- تاريخ الفقه الإسلامي / أشرف على مراجعته وتصحيحه وتهذيبه / محمد علي السايس / دار المعارف / 1986م
- تعريف عام بالعلوم الشرعية / د. محمد الرحيلي / دار طلاس / دمشق / 1988م
ابن الوافي
12-09-2005, 11:43 PM
لمحات عن حياة الرسول 32 موضوع
رجال حول الرسول 56 موضوع
عظماء في الإسلام24 موضوع
الإعجاز العلمي في القرآن والسنّه 23 موضوع
الآداب الإسلاميه 39 موضوع
الحج والعمره 14موضوع
البحث الثامن
دور الدولة في رعاية ذوي الحاجات الخاصة في الإسلام
دور الدولة في رعاية ذوي الحاجات الخاصة في الإسلام
د. إسماعيل حنفي
مقدمة :
لقد خلق الله سبحانه الخلق من أب واحد وأم واحدة لحكمة عظيمة هي ارتباطهم بالأخّوة التي تستدعي التراحم بينهم وإن تفرقت بهم السبل وتباعدت بهم الديار : ( يا أيُّها النَّاسُ إنَّا خلقناكُم مِن ذكرٍ وأُنثى وجعلناكم شُعوباً وقبائَل لِتعارفوا ، إنّ أكرمكُم عنَد الله أتقاكُم ).(1) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : { من لا يرحم الناس لا يرحمه الله } (2)، ويقول : {الخلق كلهم عيال الله ، فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله} .(3)
ولذا فإنَّ مجتمع المسلمين يقوم على الإخاء والترابط والتراحم ، وهو أمرٌ ليس غريباً لأنّه ينطلق من العدالة الربانية .
إنَّ هذه المعاني في صورها المتعددة لا يمكن أن تقوم وتقوى وتستقر إلاّ في ظل دولة ، وتلك الدولة تنطلق في نظمها وأحكامها من الإسلام . ذلكم أنَّ الدولة هي التي بيدها وضع النظم وتطبيقها ومحاسبة من يخالفها ، وهي التي تمسك بالموارد وتتحكم في وجوه الصرف.
والدولة فيها رعايا من مختلف الأجناس والأعراق والأديان ، وفيها الصغير والكبير ، والغني والفقير ، والصحيح والمريض ، والسليم والمعوّق الخ …
ومسئوليتها تجاه هؤلاء جميعاً ، لأنهم يعيشون فيها يقومون بواجبات ويتمتعون بحقوق في المقابل .
وفي هذه الورقة البحثية نحاول أن نتناول فئةً من فئات المجتمع المسلم تستحق – بحسب ظروفها الخاصة – رعايةً من الدولة المسلمة ، وهي فئة ذوي الاحتياجات الخاصة.
حيث نتحدث أولاً عن المفهوم ، ثم نذكر تأصيلاًً شرعياً عاماً ، ثم نوضح تحديداً مسئولية ودور الدولة في رعاية هذه الفئة .
سائلين الله التوفيق ..
د. إسماعيل محمد حنفي الحاج
الخرطوم في 5/7/2002م
المبحث الأول
حول مفهوم ( ذوي الاحتياجات الخاصة )
تعريف ذوي الاحتياجات الخاصة ( المعاقون ) :
' هم أفراد يعانون نتيجة عوامل وراثية أو بيئية مكتسبة من قُصور القدرة على تعلُّم أو اكتساب خبراتٍ أو مهاراتٍ و أداءِ أعمالٍ يقوم بها الفرد العادي السليم المماثل لهم في العمر والخلفية الثقافية أو الاقتصادية أو الاجتماعية .(4)
ولهذا تصبح لهم بالإضافة إلى احتياجات الفرد العادي ، احتياجات تعليمية ، نفسية ، حياتية ، مهنية ، اقتصادية ، صحية خاصة ، يلتزم المجتمع بتوفيرها لهم ؛ باعتبارهم مواطنين وبشراً – قبل أن يكونوا معاقين – كغيرهم من أفراد المجتمع ' .
وعرَّفت منظمة الصحة العالمية الإعاقة على أنها : ' حالة من القصور أو الخلل في القدرات الجسدية أو الذهنية ترجع إلى عوامل وراثية أو بيئية تعيق الفرد عن تعلُّم بعض الأنشطة التي يقوم بها الفرد السليم المشابه في السِّن ' .(5)
وجاء كذلك أنّها : ' حالةُ تَحُدُّ من مقدرة الفرد على القيام بوظيفةٍ واحدةٍ أو أكثر من الوظائف التي تعتبر من العناصر الأساسيـة للحياة اليوميـة من قبيل العنايـة بالـذَّات أو ممارسة العلاقات الاجتماعية أو النشاطات الاقتصادية ، وذلك ضمن الحدود التي تعتبر طبيعية .(6)
وعرَّف بعضُهم المعاق بأنّه : ' الشخص الذي استقر به عائق أو أكثر . يوهِن مِن قدرتِه ويجعلُهُ في أمَسّ الحاجة إلى عونٍ خارجي '(7) . أو : ' هو مَن فقد قدرته على مزاولة عمله ، أو القيام بعملٍ آخر نتيجةً لقصورٍ بدني أو جسمي أو عقلي ، سواءُ كان هذا القصور بسبب إصابته في حادثٍ أو مرضٍ أو عجزٍ ولادي ' .(8)
أنواع الإعاقات 9)
1- جسمية ( بدنية ) : بفقدان جزء من أجزاء الجسم أو أكثر مما يؤثر في الحركة ، أو حدوث خلل بها ، مثل الشلل .
2- حسِّية : بفقدان حاسة من الحواس أو حدوث نقص بها ، كالصَمم والعمى .
3- ذهنية : بفقدان العقل ، أو حدوث نقص فيه ( تخلُّف عقلي ) .
4- نفسية : بحدوث آثار ظاهرة واضطرابات مثل : الانطواء ، الانفصام ، القلق .
كما لا بُدّ من ملاحظة أنّ الفرد قد يعاني من أكثر من إعاقة من تلك الإعاقات ( متعدِّد الإعاقات ) . كما أنَّ بعض الإعاقات قد تصاحبها نواحي قصورٍ أخرى . فمثلاً قد يعاني المتخلِّف عقلياً من نوعٍ أو أكثر من نواحي القصور في السمع أو الحركة أو التخاطب .. الخ ..
ومثلها حالات الشلل المخي ( C . P ) ، حيث قد يعاني بالإضافة إلى الإعاقة الحركية من صعوباتٍ في النُطق والكلام أو قصور في القدرات العقلية .
أسباب الإعاقات 10)
1- سوء التغذية لدى الأم أو الطفل .
2- الأمراض التي تصيب الطفل أو الأم .
3- أسباب خِلْقية منذ الولادة .
4- عوامل وراثية .
5- حوادث .
6- حروب وكوارث .
7- أعمال عنف .
8- تلُّوث البيئة .
رأي حول مفهوم ذوي الاحتياجات الخاصة :
يلاحظ أنّ مفهوم ذوي الاحتياجات الخاصة لم يخرج عن كونهم أشخاصاً ابتلاهم الله تعالى بما أفقدهم شيئاً من قدراتهم أو حواسهم ، فأصبحوا معوّقين عن الحركة والعمل والكسب أو العطاء كغيرهم من الناس . ومن ثم احتاجوا إلى مزيدٍ من الرعاية والعناية .
ونلاحظ أنّ ما أصاب هؤلاء فجعلهم ضمن هذه الاحتياجات الخاصة ينحصر في : عاهة خِلقية ، أو مرض أو حادث .
وأرى أنه يدخل في معنى هؤلاء : كبار السّن ، أو العَجزة الذين أثَّر فيهم تقدُّم العمر فصاروا يتحركون بصعوبة أو يأكلون بعناء شديد ، ويحتاجون لرعاية خاصة في شتى الجوانب : مأكلهم ، شربهم ، نومهم ، علاجهم ، الإنفاق عليهم ، توجيههم وتعليمهم .. الخ..
كما يدخل فيهم الزَمْنَى ، وهم الذين أصيبوا بأمراضٍ مزمنةٍ تستدعي رعاية طبية مستمرة ، ولا يمكنهم مزاولة كل عمل .
المبحث الثاني
رعاية الإسلام لذوي الاحتياجات الخاصة
( تأصيل شرعي )
يأتي اهتمام الإسلام بهؤلاء من خلال الآتي :
أولاً : باعتبار بشريَّتهم : فالله سبحانه قد كرّم البشر : قال تعالى ( ولقد كرّمنا بني آدم )(11) الآية .
ورحمته تعالى وسِعت الجميع : ( ورحمتي وسِعت كُلَّ شئ ) .(12)
كما أنه سبحانه أرسل رسوله الخاتم محمداً (صلى الله عليه وسلم ) رحمةًً لجميع الناس : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) .(13)
وهذا التكريم ، وتلك الرحمة لكل الناس على اختلاف أجناسهم وأعراقهم ومللهم وطوائفهم كما تشير النصوص ، ومنها الحديث : { الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا أهل الأرض يرحمكم مَن في السماء } .(14)
ثانياً : باعتبار الأُخوّة الإنسانية :
فالناس كلهم إخوة لأبٍ واحد هو آدم (عليه السلام) ، وأمٍ واحدة هي حواء (عليها السلام) .
( يأيها الناسُ إنَّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم ، إنّ الله عليم خبير ) .(15)
ويقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : { كُلّكم لآدم ، وآدم من تراب } .(16)
والأخوّة تستدعي ترتبطاً ومؤازرة ومعاونة .
ثالثاً : باعتبار الأخوّة الإيمانية وما يترتب عليها :
يقول الله (تعالى) : ( إنّما المؤمنون إخوة )(17) ، والإخاء الإيماني يقتضي الولاء والمناصرة والمعاونة : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )(18). وينفي صلى الله عليه وسلم الإيمان عمّن أهمل تلك الآصرة وموجباتها فيقول : { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } .(19)
وفي الحديث : { مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } .(20)
وأولئك المعوقون هم إخوة مؤمنون يمثلون عضواً من الجسد المسلم وقد أُصيب ذاك العضو واشتكى فكن لا بُد من تجاوب بقية الجسد معه .
رابعاً : من باب الإحسان والبر :
قال سبحانه : ( إنّ الله يأمر بالعدلِ والإحسان وإيتاء ذي القربى ) .(21)
وقال سبحانه : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) .(22)
وفي الحديث : { إنّ الله كتب الإحسان في كل شئ } .(23)
فإن كان البر والإحسان مطلوبين مع جميع الناس ، فإنَّهما يكونان أكثر طلباً مع من يحتاج إليهما مثل ذوي الاحتياجات الخاصة . ومن ثم يكون الثواب المترتب على الإحسان، والبر معهم أكثر منه مع غيرهم .
خامساً : اعتبارهم ذوي حاجات والإسلام قد رغّب في قضاء الحوائج :
وقد وردت في هذا المعنى نصوصٌ عديدة ، نورد منها :
قوله (صلى الله عليه وسم) : { خُلُقان يحبهما الله ؛ وخُلُقان يبغضهما الله ، فأمّا اللّذان يحبهما الله فالسخاء والسماحة ، وأما اللذّان يبغضهما الله فسوء الخُلقُ والبخل ، وإذا أراد الله بعبد خيراً استعمله على قضاء حوائج الناس } .(24)
وقوله (عليه الصلاة والسلام) : { ما مِن عبدٍ أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه إلاّ جعل إليه شيئاً من حوائج الناس ، فإنْ تبرَّم بهم فقد عرَّض تلك النعمة للزوال } .(25)
ويقول : { الخَلْق كلهم عيال الله ، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله } .(26)
ومن هنا أوجب الإسلام على المسلم القادر الإنفاق على قريبه المحتاج ، سواء كانت حاجته بسبب فقر أصلي أم طارئ .
كما رتَّب وعيداً شديداً على أهل كل حي أو قرية أو مدينة قصّروا تجاه المحتاجين ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده حديثاً يقول فيه (صلى الله عليه وسلم) : { أيُّما أهل عرصةٍ أصبح فيهم امرؤٌ جائعٌ فقد برئت منهم ذِمّة الله تعالى } .(27)
سادساً : استثناء ذوي الاحتياجات الخاصة من بعض الأحكام الشرعية فيه إيماء إلى وضعهم الخاص الذي يستدعي استثناءهم في تعاملات العباد مع بعضهم ، وفي علاقتهم معهم . فقد ورد ذلك في عدة مواطن ، ومنها القتال حيث ورد مثل ذلك في قولـه تعالى : ( ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ ، ومن يُطعِ الله ورسولهُ يُدخِله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار ، ومَن يتولَّ يعذَّبْه عذاباً أليماً ) .(28)
وقوله : ( ولا جُناح عليكم إن كان بكم أذىً من مطرٍ أو كنتم مَرْضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم .. )(29) الآية .
وفي قوله تعالى : ( فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعِدةُ من أيامٍ أُخَر )(30) وورد قريبٌ منها في موضع آخر في نفس السورة .(31)
وذلك في الاستثناء من أحكام الصيام اعتباراً لهذا الوضع الطارئ ، وجاز قصر الصلاة في السفر ، والتيمم بدلاً عن الوضوء ، والجمع بين الصلاتين ، وأكل الميتة للمضطر الذي أوشك على الهلاك . كل ذلك من الأحكام الاستثنائية لحالاتٍ خاصة لعموم الناس ، فكيف بمن هو مُبتلى بشئٍ في أعضائه أو حواسه ، فحكمه حكم المريض الذي يجوز له أن يصلي قاعداً أو على جنب إن لم يستطع ، أو يسقط عنه الواجب كما لو كان فاقداً للعقل ، أو مرفوعاً عنه الإثم في حالة غياب عقله .
كل ذلك يؤكد المنهج العام في الإسلام مع هذه الأوضاع : إن كان في العبادات أو المعاملات أو الجزاءات .
ولذا نجد أنّ من قواعد الشريعة : ' الضرورات تبيح المحظورات '(32) ، ' المشقة تجلب التيسير '(33) ، ' إذا ضاق الأمر اتَّسع '(34) ، أي كلما وجدت حالة اضطرار أو ضرورة أو مشقة أو ضيق وُجِد العفو واليسر والتوسعة ، رحمةً من الله بعباده .
ومن عظمة الإسلام أنه استثنى حتى في حالة الحرب مع غير المسلمين ، فلم يجز قتل العجزة والزَّمنى والجرحى والمرضى ، ومن في حكمهم .(35) ورد في الحديث : { لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة } .
روي أنّ أبابكر الصديق (رضي الله عنه) قال ليزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة (رضي الله عنهم) لمّا بعثهم إلى الشـام : ' لا تقتلوا الوِلدان ولا النساء ولا الشيوخ .. '(36) وذلك لأنهم ' لا نكاية لهم في المسلمين فلا يجوز قتلهم بالكفر الأصلي..)(37) والإسلام لا يجيز قتل أحدٍ بلا حق .
فإن كان الاستثناء لهؤلاء حتى في حالة الحرب ، فمن باب أولى أن يشمل الاستثناء أمثالهم في ما هو في حالة السِّلم ، فالسبب الذي أوجب لهم الاستثناء من القتل حمايةً لهم يوجب لهم رعاية حقوقهم ومصالحهم ودفع الضرر عنهم حمايةً لهم .
المبحث الثالث
مسئولية الدولة المسلمة تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة
(أ) الأصول الشرعية العامة :
ويمكن أن نؤصِّل لهذه المسئولية كما يأتي :
أولاً : أنّ ولي الأمر المسلم مسئول عن كل رعاياه في الدولة ، وذوو الاحتياجات الخاصة من رعاياه .
وفي الحديث : { كلكم راعٍ وكُلُّكم مسئول عن رعيته ، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته .. }(38) الحديث .
وفي الحديث أيضاً : { ما مِن عبدٍ يسترعيه الله رعيةً ، يموت يومَ يموتُ وهو غاشٌ لرعيته ، إلاّ حرّم الله عليه الجنة } .(39)
ثانياًً : أنّ من واجب ولي الأمر المسلم الرفق برعاياه والشفقة عليهم والتخفيف عنهم ، وأولى الناس بذلك ذوو الحاجات الخاصة .
ومما ورد في ذلك من النصوص :
قوله تعالى : ( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ) .(40)
وقوله (عليه الصلاة والسلام) : { اللَّهُم مَنْ ولِيَ من أمر أُمتي شيئاً ، فشقَّ عليهم فاشقُقْ عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفُقْ به } .(41)
ثالثاً : إنّ قضاء حاجات المحتاجين من أولَى الأمور بالاهتمام من قِبل ولي الأمر المسلم . ولذا ورد التحذير الشديد من التهاون في ذلك ، ورد عن أبي مريم الأزدي (رضي الله عنه) أنه قال لمعاوية (رضي الله عنه) : { سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : من ولاّه الله شيئاً من أمور المسلمين ، فاحتجب دون حاجتهم وخَلَّتهم وفقرهم ، احتجب الله دون حاجته وخَلّتِهِ وفقره يوم القيامة } فجعل معاوية رجالاً على حوائج الناس .(42)
فانظر إلى مثل هذا الحديث الذي ورد النص فيه على الحاجات والحوائج ، وهو ينطبق على جميع ذوي الحاجات ، وكلما كانت الحاجة أكثر طلباً وأهمية كان الوعيد الوارد في الحديث آكد بالنسبة لمن تهاون تجاهها من الولاة . ويظهر لنا أنّ ذوي الحاجات الخاصة هم الأولى بالرعاية وتقديم احتياجاتهم على غيرهم مراعاة لأحوالهم المعلومة .
رابعاً : إنّ مسئولية ولي الأمر المسلم عن الرعية تشبه مسئولية وليّ اليتيم عن اليتيم ، وذلك من حيث قيامه على مصالحه ورعايته لشئونه وصرف المال فيما هو أنفع له مع ترتيب الأمور بحسب أهميتها الأهم فالمهم . وهكذا .. وفي المقابل الاجتهاد في إبعاد كل ما فيه ضرر عليه .
ولذا قال الفقهاء في القاعدة الفقهية : ' تصرُّف الإمام على الرعِيَّة منوطٌ بالمصلحة '(43) وعبّر الإمام الشافعي (رحمه الله) عنها بقوله : ' منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم ' . وأصلها ما أخرجه 'سعيد بن منصور' في سننه قال : حدثنا 'أبو الأحوص' عن ' أبي إسحاق' عن 'البراء بن عازب' قال : قال عمر (رضي الله عنه) : ' إنِّي أنزلتُ نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم … '(44)
وأورد من أدلتها : قوله (صلى الله عليه وسلم) : { ما مِن أمير يلي أمور المسلمين ثم لم يجهد لهم وينصح لهم كنصحه وجهده لنفسه إلاّ لم يدخل معهم الجنة } .(45)
ومن فروع هذه القاعدة : ذكر الإمام جلال الدين السيوطي الشافعي (رحمه الله) (ومنهـا : أنه لا يجوز له أن يقدِّم في مال بيت المال غير الأحْوَج على الأحوج . قال السّبكي في فتاويه : فلو لم يكن إمام ، فهل لغير الأحْوج أن يتقدم بنفسه فيما بينه وبين الله تعالى إذا قدِر على ذلك ؟ مِلْتُ إلى أنه لا يجوز . واستنبطتُ ذلك من حديث : { إنما أنا قاسمٌ والله المعطي }(46) . قال : ووجه الدلالة : أنَّ التمليك والإعطاء إنما هو من الله تعالى لا من الإمام ، فليس للإمام أن يملِّك أحداً إلاّ ملّكه الله ، وإنما وظيفة الإمام القسمة ، والقسمة لا بُد أن تكون بالعدل . ومن العدل تقديم الأحْوج والتسوية بين متساوي الحاجات ، فإذا قسم بينهما ودفعه إليهما علمنا أنَّ الله ملَّكهما قبل الدفع ، وأنَّ القسمة إنما هي معيِّنة لما كان مبهماً ، كما هو بين الشريكين ، فإذا لم يكن إمام وبدرَ أحدهما وأستأثر به ، كان كما لو استأثر بعض الشركاء بالماء المشترك ، ليس له ذلك .
قال : ونظير ذلك ما ذكره الماوردي في باب التيمم : أنه لو ورد اثنان علي ماءٍ مباح ، وأحدهما أحْوج ، فبَدر الآخر وأخذ منه أنه يكون مسيئاً ' .(47)
خامساً : ما فعله عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في خلافته من تدوين الدواوين وتقييد أسماء الناس ، وفرض العطاء لهم جميعاً على اختلاف طبقاتهم ومراتبهم ، يؤكد فقهه في السياسة الشرعية ، ويجسِّد ما تعلمه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من السعي في مصالح العباد ، ولذا أُثر عنه (رضي الله عنه) قوله المشهور في المسئولية : ' لو مات جمل ضياعاً على شطِّ الفرات لخشيتُ أن يسألني الله عنه ' .(48)
ولذا أُثر عن عمر (رضي الله عنه) ' أنه منع التسوُّل ، وفرض لذوي العاهات راتباً في بيت المال ، حمايةً لهم من ذُلِّ السؤال ' .(49)
سادساً : الدولة المسلمة هي كافل مَن لا كافل له :
وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في ذلك :
• قوله : { أنا أولى الناسِ بالمؤمنين في كتاب الله عز وجل ، فأيُّكم ما ترك ديناً أو ضيعة فادعوني ، فأنا وليّه ، وأيكم ما ترك مالاً ليؤثر بماله عصبته من كان } .(50)
• قوله : ' مَنْ ترك كَلاًً – أي ذرية ضعيفة – فليأتني فأنا مولاه ' .(51)
ولذا نجد أنَّ الفقهاء (رحمهم الله) توسعوا في معنى مصرفٍ مهمٍ من مصارف الزكاة وهو مصرف (في سبيل الله) فأدخلوا فيه ذوي الاحتياجات الخاصة من مقعدين ومشلولين ومجذومين وأصحاب أمراضٍ مزمنة . حيث ورد في رسالة الفقيه ابن شهاب الزهري (رحمه الله) لعمر بن عبدالعزيز (رحمه الله) وهـو يوضح لـه مواضع السُّنة في الزكاة : ' إنَّ فيها نصيباً للزَّمْنى والمقعدين ، ونصيباً لكل مسكين به عاهة لا يستطيع عَيلة ولا تقليباً في الأرض'.(52)
.
ابن الوافي
12-09-2005, 11:44 PM
يتبع للبحث الثامن
صور ووجوه رعاية الدولة المسلمة لذوي الاحتياجات الخاصة :
أولاً : تفعيل وتكثيف برامج التوعية لأفراد المجتمع :
وذلك لأننا نلاحظ أنَّ المجتمع يعتبر المتسبِّب الأول في كثير من الإعاقات ، كما أنّ بوسعه الحيلولة دون كثير منها إذا تمت توعيته بأسباب الإعاقة وأسس التعامل مع حالاتها المختلفة ، ووجوب تصحيح النظرة السلبية إلى المعاق .
وهذه التوعية تستدعي مشاركة أكثر من جهة في الدولة ، لا سيما أجهزة الإعلام المختلفة ، والمؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها والجمعيات الطوعية والخيرية .
ونود هنا أن نؤكد على أهمية الجانب الوقائي ، حيث إنّه ليس من المناسب التركيز على العلاج قبل الاهتمام بالوقاية ، وهو أمر وجد اهتماماً وافياً في الإسلام ، حيث اتضح ذلك في التدابير الوقائية في أكثر من مجال : ففي الأخلاق أمر بغض البصر والبعد عن الشبهات ومواطنها ، وحذّر من خلوة الرجل بالمرأة إلا مع ذي محرم ، وحضّ على الزواج حفاظاً على الفضيلة وإبعاداً عن الرذيلة . كما أمر بأكل الطيبات ونهى عن الخبائث وحرّم الخمر ولحم الخنزير حفاظاً على العقل والصحة ، وأثنى على المؤمن القوي ، وحثّ على تعلُّم السباحة وركوب الخيل – تقوية للبدن وقاية له من الوهن . وأمر بالبقاء مع الجماعة وعدم الانعزال عنها حرصاً على المحافظة على الهداية ، وخوفاً من الزلل والانحراف .
وأمر بالاستخارة والاستشارة وقاية من الخطأ أو تقليلاً من أخطاره وآثاره ، وتطييباً للنفوس . وشرع إعداد القوة للوقاية من ضرر الأعداء .
والفقهاء قالوا في قواعدهم : ' الدّفع أقوى من الرّفع '(53) أي أنّ منع الشئ قبل وقوعه أقوى من رفعه بعد أن يقع ، وقالوا كذلك : ' الضرر يُدفع بقدر الإمكان ' .(54)
' فهذه القاعدة تفيد وجوب دفع الضرر قبل وقوعه بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة وفقاً لقاعدة المصالح المرسلة والسياسة الشرعية ، فهي من باب –الوقاية خير من العلاج– وذلك بقدر الاستطاعة ، لأنّ التكليف الشرعي مقترن بالقدرة على التنفيذ ، ففي جنب المصالح العامة : شُرع الجهاد لدفع شر الأعداء ، ووجبت العقوبات لقمع الإجرام وصيانة الأمن ، ووجب سد ذرائع الفساد وأبوابه من جميع أنواعه .(55)
ومن هنا فالدولة مسئولة عن توفير كل ما يلزم من أجل بناء الأفراد في المجتمع بناءً متكاملاً من مأكل ومشرب وملبس ومسكن بالإضافة إلى إبعاد كل ما يتسبب في وقوع الضرر بهم من مأكولات أو مشروبات أو آلات .. الخ ..
كذلك منع الوسائل والممارسات الخطرة في شتى المجالات .. مثل وسائل التدريب والرياضة ، ووسائل النقل من المركبات والدراجات غير المستوفية للمعايير المتفق عليها ، وكذا الأدوية والعقاقير ذات الآثار الجانبية الخطرة .. الخ ، كما عليها أن تكون حازمة في تنفيذ برامج إصحاح البيئة .
وقد ورد التنبيه على أمر الوقاية في بعض الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية حقوق الطفل ، حيث ورد في المادة (24) منها في فقرتها (هـ) : ' كفالة تزويد جميع قطاعات المجتمع ، ولا سيما الوالدان والطفل ، بالمعلومات الأساسية المتعلقة بصحة الطفل ، وتغذيته ، ومزايا الرضاعة الطبيعية ، ومبادئ حفظ الصحة ، والإصحاح البيئي ، والوقاية من الحوادث ، وحصول هذه القطاعات على تعليم هذه المجالات ، ومساعدتها في الاستفادة من هذه المعلومات '.(56) وفي دراسة أصدرتها منظمة اليونسيف في منطقة الخليج عام 1981م عن العوامل المسببة للإعاقة وبرامج الوقاية منها أشارت إلى ضعف وغياب برامج التوعية بأسباب ومظاهر الإعاقة في برامج التلفزيون والإذاعة .(57)
ويجب أن تشمل تلك التوعية تصحيح نظرة المجتمع إلى ذوي الاحتياجات الخاصة . فالمطلوب النظرة المتوازنة التي فيها العطف مع التقدير والاحترام ، بما يزيل ما يمكن أن يكون في نفوس بعضهم من آفة الشعور بالنقص ويجعلهم منسجمين في المجتمع ، قادرين على العطاء والإبداع .
ثانياً : توفير العلاج المناسب لهم :
إنّ ذوي الاحتياجات الخاصة – بالإضافة إلى العلاج للأمراض العادية – يحتاجون لتوفير ما يلزم لمعالجة الإصابات التي تلحق بهم في بدايتها على الأقل ، أو لبذل الجهد لمعالجة ما يمكن أن يقبل العلاج مثل بعض حالات العمى ، أو توفير البدائل للأعضاء التي تعطلت أو فُقدت ، فقد نصّ الفقهاء على أنّه : ' إذا تعذَّر الأصل يُصار إلى البدل ' .(58)
ثالثاً : توفير فرض التعليم المناسب لهم :
إنّ من واجبات الدولة أن ترعى هذه الفئة في مختلف المراحل العمرية بتوفير التعليم الذي تحتاجه ، مع مراعاة توفير الوسائل المعينة على ذلك بالنسبة لهذه الفئة .
وتنبع أهمية التعليم بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة من كونه يوفر لهم الوعي اللازم للتعامل مع الوضع الذي يعيشونه بالأسلوب السليم الذي يضمن لهم الاستقرار والطمأنينة . بالإضافة إلى تسهيل انخراطهم في المجتمع في شتى المجالات بحسب التخصصات التي توافرت لهم ، مما يجعلهم يشعرون بذواتهم ، وأنهم ليسوا عبئاً على المجتمع أو عالة عليه .
كما أنّ التعليم حقٌ لهم كما هو حق لبقية أفراد المجتمع ، بل هو واجبٌ في الحد الأدنى منه الذي لا تقوم حياة الفرد والجماعة والأمة إلا به ، ومالا يستقيم الدين إلا به كمعرفة الحلال والحرام ، وكيفية أداء الواجبات أو ما يجب أن يعتقده المسلم في أمور الإيمان . فإن كان كل ذلك لا يتم إلا بالتعليم فإنّ ذاك التعليم يصبح حتمياً لأنّ ' ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب '(59) كما قال الفقهاء . ويمكن في هذا الإطار إنشاء المؤسسات التعليمية التي تناسب هذه الفئة ، وإلزام المؤسسات التعليمية العامة بإنشاء أقسام خاصة بهم .
رابعاً : توفير العيش لكريم لهم 60)
إنّ الإسلام يسعى ليكون جميع أفراد الأمة في وضع يحفظ لهم كرامتهم وهم يعيشون في مجتمعهم ، ولا يتأتى ذلك لشخصٍ عاجز عن العمل والكسب بسبب إعاقته ، ولذا كان لابد من تحديد دقيق لما ينبغي على الدولة المسلمة توفيره :-
1- تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة تمهيداً لإعادتهم للأعمال والمهن التي كانوا يزاولونها قبل الإعاقة ، أو تدريبهم على مزاولة أعمال أو مهن أخرى تنسجم مع ميولهم وقدراتهم وظروفهم .
2- تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة الشديدة على العمل جزئياً وتوجيههم إلى المجالات التي تناسبهم وتتلاءم مع قدراتهم .
3- رعاية الأشخاص غير القادرين على العمل كلياً : عن طريق إنشاء مراكز للرعاية الاجتماعية .
4- إنشاء مراكز ومجمعات لممارسة أعمال تناسب هذه الفئة وتوفر لها دخلاً مناسباً .
5- إلزام المؤسسات والمصالح باستيعاب نسبة معينة من هؤلاء في بعض الأعمال التي يقدرون على مزاولتها .
6- استثناؤهم من بعض الأحكام العامة التي يُعامل بها العاملون في الدولة مثل مدة الدوام الرسمي .. والنص على ما يحفظ لهم حقوقهم ويرعى أحوالهم في القوانين ذات الصلة.
خامساً : تخصيص مَن يقوم على خدمتهم أو مساعدتهم :
ورد أنَّ عمر بن عبدالعزيز (رحمه الله) كتب إلى أمصار الشام ' أن ارفعوا إلىَّ كُلَّ أعمى في الديوان أو مُقعَد أو مَن به فالج أو مَن به زمانة تحول بينه وبين القيام إلى الصلاة. فرفعوا إليه ، فأمر لكل أعمى بقائدٍ ، وأمر لكل اثنين من الزمنى بخادمٍ '(61) أي من الرقيق الذين عنده .
وقد فعل مثله الوليد بن عبدالملك (رحمه الله) حيث اهتم بالمرضى والمكفوفين والمعوَّقين ، فرتب لهم النفقات اللازمة والعطاء المناسب ، وجعل لكل مُقعدٍ خادماً ، ولكل ضرير قائداً ، كما بنى مستشفى للمجذومين في ضواحي دمشق لا يزال قائماً ويحمل اسمه.(62)
وقد قام كذلك أبو جعفر المنصور ببناء مستشفى للمكفوفين ومأوى للمجذومين وملجأ للعجائز في بغداد .(63)
هذه نماذج من أعمال الخلفاء في مختلف العصور ، بما يؤكد أنّ ما فهموه من واجبات الخلافة والإمامة هو الاهتمام بهذه الفئة اهتماماً خاصاً لخصوصية وضعها .
سادساً : إشراك جميع أفراد المجتمع وتجمعاته في رعاية هؤلاء :
إنّ الدولة بما مكّن الله لها يمكنها أن تجعل أفراد المجتمع وجماعاته ومؤسساته منحازين إلى هذه الفئة متعاطفين معها ، وذلك عن طريق التبصير بوضعها ، وبالواجب الشرعي تجاهها ، والثواب الذي أعدَّه الله مقابل ذلك . ومن هنا فيمكن التذكير بالآتي :
- أنّ ما أصُيب به أولئك ، إنما هو بقدر الله ، ابتلاءً واختباراً ، فإن صبروا أثيبوا على ذلك ، وكذا ذووهم والذين يقومون على أمرهم .
- أنّ ما أصاب أولئك يمكن أن يصيب أيّ شخص مّنا .
- أنّ من دلائل الإيمان وصدقه حب الخير للآخرين ، بل وتقديمهم بالعطاء : ' ويُؤْثِرُون على أنفسهم ولو كان بهم خَصَاصَة ' ، ' ومن يُوقَ شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون'.(64)
- في الصدقات بابٌ واسع لتقديم العون لكل محتاج ، وتقدير هذه الحاجة متروك حسب المواقف والفروق والأحوال . والصدقة فضلها عظيم : ( مَنْ ذا الذي يُقرضُ اللهً قرضاً حسناً فيضاعفه له ، وله أجرٌ كريم ) .(65)
ومن ذلك الصدقة الجارية التي يمتد ثوابها لصاحبها حتى بعد موته ، ويمكن للفرد أن يقوم بقدر ما يستطيع ، كما يمكن للمؤسسات أن تساهم في ذلك .
- يمكن تخصيص بعض الخدمات لذوي الحاجات الخاصة ، ويتعارف الناس على ذلك ، مثل الإعفاء من رسوم النقل جزئياً ، وتخصيص مقاعد لهم ، وكذا الأمر في المرافق العامة الأخرى .
- تشجيع الناس على إحياء سنة الوقف الخيري ، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاَّ من ثلاث : صدقة جارية ، أو علمُ ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له } .(66)
' وقد تفنّن المسلمون الأوائل – أحسن الله إليهم – في تخصيص أوقافهم وفي توجيهها إلى حالٍ من الإحسان دون الحال ، حتى بلغت ما لا يخطر على بال إنسان أن يفعله في شرقٍ ولا غرب ، فدعك من أوقاف المساجد التي كان يُوقف عليها منها ، ودعك من الأوقاف المخصّصة لطلبة العلم وإيواء المجذومين والمرضى … '(67)
وينقل الدكتور عبدالحليم عويس عن الدكتور محمد البلتاجي قوله : ' ولقد تعددت صور الأوقاف ، وقد عرفنا منها في تاريخنا أكثر من ثلاثين مظهراً من مظاهر التكافل الاجتماعي في العالم الإسلامي … ' وذكر منها : ' .. مؤسسات لإمداد العميان والمقعدين بمن يقودهم ويخدمهم ' .(68)
إنَّ جزءاً مقدّراً من ريع الأوقاف الإسلامية كان يُصرف على اللقطاء واليتامى والمقعدين والعجزة والعميان والمجذومين والمسجونين ليعيشوا فيها – أي الدُّور المخصّصة لهم – ويجدوا فيها السّكن والغذاء واللباس والتعليم والمعالجة .(69)
إنَّ الوقف بابٌ مفتوح لمن أراد من الأفراد أو المؤسسات أن يلج من خلاله لمرضاة الله تعالى واكتساب الثواب ، ثم إدخال السرور والراحة إلى نفوس أفرادٍ من هذا المجتمع هم أوَلَى من غيرهم أن تُخصّص لهم مرافق تقضِي لهم متطلباتهم بسهولة ويسر ، ويشعرون كذلك أن إخوانهم في هذا المجتمع يشعرون بهم ويسعون في قضاء حاجاتهم فتطيب نفوسهم بذلك .
سابعاً : توفير الحمية لهم ورعاية مصالحهم :
وذلك من المنطلق الشرعي في حماية المستضعفين والدفاع عنهم بل والقتال عند اللزوم دفاعاً عنهم : ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان..)(70) الآية ، والدولة يمكنها أن تسن من القوانين والتشريعات ما تحفظ به حقوق هؤلاء ، وتطبق الأحكام الرادعة على كل من تعدّى عليهم أو استغل ضعفهم لمصلحته .
وقد ورد أنّ أحد الولاة – وهو صاحب ديوان دمشق – أراد أن ينفق على الزَّمنى – الذين أصيبوا بأمراضٍ مزمنة تعجزهم عن العمل – صدقة غير محدّدة ، أي أنه لم يشأ أن يحدّد لهم من بيت المال حقوقاً واجبة ومقرَّرة ومفروضة ، فرُفعت شكوى منهم إلى عمر ابن عبدالعزيز (رحمه الله) في ذلك الوالي ، فكتب إليه أن يفرض لهم حقوقاً واجبة لا مجرّد صدقات وإحسانات ، وقال له : ' إذا أتاك كتابي هذا فلا تعنِّت الناسَ ولا تعسرهم ولا تشق عليهم ، فإني لا أحب ذلك ' .(71)
__________
(1) الحجرات 13 .
(2) البخاري مع شرح فتح الباري 10/438 .
(3) رواه البزار ، وأبو يعلى في مسنده 6/65 برقم (3315) .
(4) بحث بعنوان : استراتيجيات مستحدثة في برامج رعاية وتأهيل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة – د . عثمان لبيب فرّاج . منشور بمجلة الطفولة والتنمية – عدد (2) ، يناير 2001م ، ص 14 .
(5) بحث بعنوان : الاتصال الجماهيري حول ظاهرة الإعاقة بين الأطفال - د . هادي نعمان الهيتي . منشور بالمجلة المذكورة سابقاً، عدد (5) ، فبراير 2002م ، 36 .
(6) المرجع السابق ، نفس الصفحة .
(7) الخدمة الاجتماعية الطبية والتأهيل – د . محمد عبدالمنعم نور ، ص 157 .
(8) كيف تربي طفلك المعوّق – صموئيل ويشك – ترجمة : د . محمد نسيم رأفت ، ص 16 .
(9) د . عثمان لبيب فراج - مرجع سابق ، ص 14 .
(10) د . هادي نعمان الهيتي – مرجع سابق ، ص 36 .
(11) الإسراء 70 .
(12) الأعراف 156 .
(13) الأنبياء 107 .
(14) سنن أبي داود 4/285 ، برقم (4941) .
(15) الحجرات 12 .
(16) مسند الربيع – الربيع بن حبيب بن عمر الأزدي المصري – تحقيق : محمد إدريس عاشور بن يوسف 1/170 برقم (419) باب في الكعبة والمسجد والصفا والمروة .
(17) الحجرات (10) .
(18) التوبة (71) .
(19) صحيح مسلم بشرح النووي 2/16 .
(20) صحيح البخاري بلفظ ' تر المؤمنين ' 5/2238 ، برقم (5665) ، صحيح مسلم بشرح النووي باللفظ المذكور 16/140 ، برقم (2586) ، مسند أحمد 4/270 .
(21) النحل 90 .
(22) المائدة 2 .
(23) صحيح مسلم بشرح النووي 13/106 – 107 .
(24) شعب الإيمان – البيهقي 6/2117 ، برقم (7659) .
(25) المرجع السابق 6/117 ، برقم (7660) .
(26) مسند أبي يعلى 6/65 ، برقم (3315) . تحقيق : حسن سليم أسد .
(27) مسند أحمد 2/33 .
(28) الفتح 17 .
(29) النساء 102 .
(30) البقرة 184 .
(31) البقرة 185 .
(32) الأشباه والنظائر – السيوطي ، ص 173 ، الأشباه والنظائر – ابن نجيم ، ص 85 . شرح القواعد الفقهية – الزرقا ، ص 185 .
(33) الأشباه والنظائر – السيوطي ، ص 160 ، الأشباه والنظائر – ابن نجيم ، ص 74 .
(34) الأشباه والنظائر – السيوطي ، ص 172 ، الأشباه والنظائر – ابن نجيم ، ص 84 .
(35) مسند البيهقي 9/90 .
(36) شرح الزرقاني على الموطأ 2/295 ، سنن البيهقي 9/85 ، 89 .
(37) بدائع الصنائع – الكاساني 7/101 ، بداية المجتهد – ابن رشد 1/381 . المهذب – الشيرازي 2/233 ، كشاف القناع – البهوتي 3/38 .
(38) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 7/31 و13/100 . وصحيح مسلم بشرح النووي 12/213 ، أبو داود (2928) .
(39) البخاري 13/112 – 113 ، مسلم بشرح النووي 12/214 .
(40) الشعراء 215 .
(41) مسلم بشرح النووي 12/212 – 213 .
(42) سنن أبي داود (2948). سنن الترمذي (1332) . وإسناده صحيح ، وله شاهد من حديث معاذ عند أحمد 5/238، 235.
(43) قواعد الزركشي : حرف التاء ، الأشباه والنظائر – السيوطي ، ص 233 – 235 ، الأشباه والنظائر – ابن نجيم ، ص 23، مجلة الأحكام العدلية – مادة (58) مدخل : ف 662 .
(44) الخراج – أبو يوسف ، ص 36 .
(45) مسلم 12/215 .
والطبراني ، وفيه زيادة ' كنصحه وجهده لنفسه ' .
(46) الطبراني بزيادة : ' إنما أنا مبلغ ، والله يهدي ' . قال الحافظ الهيثمي : رواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن . فيض القدير 2/571 – 572 .
(47) الأشباه والنظائر – السيوطي ، ص 234 – 235 .
الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية – محمد صدقي البورنو ، ص 218 – 221 .
(48) تاريخ الطبري ، 4/202 – 203 .
(49) الخلفاء الراشدون والدولة الأموية ، مجموعة مؤلفين ، ص 64 .
(50) البخاري ، باب الفرائض 8/8 .
(51) صحيح مسلم 3/1238 . برقم (1619) .
(52) الأموال – أبو عبيد ، ص 578 – 580 .
(53) السيوطي – مرجع سابق ، ص 560 .
(54) مجلة الأحكام العدلية ، مادة (31) .
المدخل الفقهي العام – الزرقا – فقرة 587 .
(55) الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية – البورنو ، ص 80 .
(56) اتفاقية حقوق الطفل : أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989م ، ودخلت حيز التنفيذ في 12 سبتمبر 1990م .
انظر: اللوائح الدولية بشأن المعوقين – هادي نعمان الهيتي – المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية – بغداد.
(57) اليونسكو ، المعوقون – هذه الضحايا الصامتة ، ذنب الآباء ومسئولية الأجهزة الصحية ، نشرة الطفولة العربية – الجامعة الكويتية لتقدم الطفولة العربية – يناير 1984م ، ص 15 .
(58) قواعد الزركشي : حرف الهمزة ، المدخل الفقهي العام – الزرقا : فقرة 641 .
(59) انظر : مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول – ابن التلمساني ، ص 33 .
نهاية السول – البيضاوي 1/120 .
التمهيد في تخريج الفروع على الأصول – الإسنوي – تحقيق : د . محمد حسن هيتو ، ص 83 .
(60) انظر : حقوق المعاق في الشريعة الإسلامية – د . مروان علي القدومي ، بحث منشور بمجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية – الخرطوم ، عدد 4 ، ص 149 .
(61) سيرة عمر بن عبدالعزيز – ابن الجوزي ، ص 130 .
(62) انظر : الدولة الأموية – محمود شاكر ، الخلفاء الراشدون والدولة الأموية ، ص 138 .
(63) تاريخ الدولة العباسية وحضارتها – د . محمد الطيب النجار وآخرون ، ص 87 .
(64) الحشر 9 .
(65) الحديد 11 .
(66) فيض القدير – المناوي 1/427 .
(67) مقال للأستاذ / منذر شقَّار بمجلة الوعي الإسلامي ، عدد (137) ، جمادي الأولى عام 1396هـ . بعنوان : الأوقاف الإسلامية القديمة إنسانية ورحمة وتكافل اجتماعي .
(68) التكافل الاجتماعي في ضوء الفقه الإسلامي - . عبدالحليم عويس ، ص 27 .
(69) المجتمع المتكافل في الإسلام - . عبدالعزيز خياط ، ص 234 .
وانظر كذلك : التكافل الاجتماعي – عبدالواحد علوان ، ص 80 .
(70) النساء 75 .
(71) الطبقات – ابن سعد5/281
ابن الوافي
12-09-2005, 11:49 PM
لمحات عن حياة الرسول 32 موضوع
رجال حول الرسول 56 موضوع
عظماء في الإسلام24 موضوع
الإعجاز العلمي في القرآن والسنّه 23 موضوع
الآداب الإسلاميه 39 موضوع
الحج والعمره 14موضوع
البحث التاسع
المصارف الإسلامية
المصارف الإسلامية
المصارف الإسلامية : الحلم يتحقق!!
حين كتب الأستاذ محمود أبو السعود كتابه حول معالم الاقتصاد الإسلامي، لم يستوعب الكثير إمكانية ترجمة تعاليم الإسلام إلى نظم تحكم الحياة الاقتصادية والتجارية، حتى أبرز د. محمد عبد الله العربي الفكرة في تصور عملي من خلال كتابه: 'المعاملات المصرفية المعاصرة والنظرية الإسلامية' (1966) وعزز ذلك د. عيسى عبده في كتابه: 'بنوك بلا فوائد'، وانطلقت المسيرة في شبه القارة الهندية بكتابات متميزة؛ كإسهامات نجاة الله صديقي منذ 1958، وغيره من الاقتصاديين المسلمين، وعلماء الشريعة الإسلامية، ورجال الأعمال الرواد، أمثال الأمير محمد الفيصل والشيخ صالح الكامل اللذين سددا المسيرة وقوا عودها؛ حتى وصل اليوم عدد المؤسسات المالية الإسلامية على امتداد العالم إلى170 مصرفًا ومؤسسة في غضون 25 سنة فقط، وتبلغ الاستثمارات التي تديرها إلى أكثر من 150 مليار دولار، وصارت المصارف الإسلامية واقعًا جديدًا، يحظى بالقبول العالمي، وتتسابق المؤسسات المصرفية الأجنبية للأخذ بالتجربة، واحتفت بالتجربة مراكز البحوث بالجامعات الغربية، وعكفت مؤسسات التمويل الدولية على دراسة النموذج الإسلامي.وتمثل اليوم كلٌّ من إيران والسودان أكثر الدول الإسلامية التي تطبق النظام المصرفي الإسلامي، وتمنع التعامل الربوى في جميع مصارفها، بينما تتجه باكستان إلى تطبيق قانون إسلامي يمنع الفوائد الربوية في جميع المؤسسات المالية والمصرفية العاملة في البلاد بحلول يوليو القادم، أما دول أخرى مثل ماليزيا والسعودية والبحرين والإمارات ومصر والكويت؛ فإنها تسمح بوجود النظامين المصرفيين، جنبًا إلى جنب، الإسلامي والربوي، دون أن تلزم قانونًا بإجراء المعاملات المالية على أساس تحكمه الشريعة الإسلامية.تطورات عالميةيمكن أن نرصد جملة من التطورات بالغة الأهمية بالنسبة للصناعة المصرفية الإسلامية على النحو التالي1) تنتظم العديد من المؤسسات المالية الإسلامية في عملية إعادة هيكلة واندماج لمواجهة تحديات العولمة في شكل مؤسسات كبيرة وفعالة تمثلت في:· عملية اندماج بين مصرف فيصل الإسلامي بالبحرين والشركة الإسلامية للاستثمار الخليجي، وكلاهما يتبع دار المال الإسلامي، المملوكة لرجل الأعمال السعودي الأمير محمد الفيصل، وكونت المؤسستان مصرف البحرين الشامل. · تأسيس شركة البركة القابضة التابعة لمجموعة دلة البركة التي تتعامل بالنظام الإسلامي برأسمال مدفوع قدره 560 مليون دولار، وستقوم الشركة الجديدة بإدارة حوالي 25 مصرفًا تابعًا لمجموعة البركة. · زيادة رأسمال بنك دبي الإسلامي أول المصارف الإسلامية لأكثر من 270 مليون دولار، بعد أن تعرض لهزة مالية عنيفة في أواخر التسعينيات بسبب مشكلة مخالفات مالية، الأمر الذي دفع السلطات النقدية في الإمارات لإعادة ترتيب أوضاع المصرف الإدارية والقانونية، وإعادة رسملة المصرف. · مصرف أبوظبي الإسلامي، أحدث المؤسسات المصرية الإسلامية تأسيسًا، وصل رأسماله إلى مليار درهم إماراتي، ومزود بإدارة متمرسة، لديها كفاءة في استقطاب الودائع وتطوير المنتجات المالية. (2) اتجاه معظم المصارف الإسلامية إلى تأسيس المحافظ الاستثمارية المحلية وصناديق الاستثمار في الأسهم العالمية، الأمر الذي أدى إلى توظيف السيولة الكبيرة لدى هذه المصارف، وتوسع قاعدة السوق، وازدياد الخدمات المالية والاستثمارية.استطاع مصرف أبوظبي الإسلامي أن يطرح لأول مرة في منطقة الخليج صندوقًا إسلاميًّا؛ لتوزيع الأصول والمسمى صندوق 'هلال'. ودخلت كثير من المصارف الإسلامية الأخرى هذا المجال، وبرزت شركات الوساطة المالية التي تتيح فرصة التعرف على الأسهم والأوراق المالية التي يتم التعامل فيها وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.وتعد شركة 'إسلام آي كيو' أول مؤسسة إسلامية في مجال الإدارة المالية، ولديها موقع على شبكة الإنترنت؛ لتقديم خدمات التمويل والاستثمارات، والتي من بينها شراء وبيع الأوراق المالية الإسلامية بالأسواق الأمريكية؛ حيث تتيح الشركة تصفح أسهم أكثر من 6 آلاف شركة مدرجة بالأسواق الأمريكية، وتحديد ملاءمتها للاستثمار الإسلامي من الناحية الشرعية، وتمكين العملاء من إجراء المعاملات التي يرغبونها على ضوء أحكام الشريعة الإسلامية، ولا يسمح بالمتاجرة في السندات، والصكوك الربوية، وعمليات البيع على المكشوف، والفوائد على الفواتير، وحسابات الهامش لمخالفتها أحكام الشريعة الإسلامية.(3) اتجاه العديد من المصارف التقليدية إلى التحول إلى مصارف إسلامية؛ حيث بدأ مصرف الجزيرة السعودي إجراءات التحول إلى مصرف إسلامي، بعد نجاح عملياته الاستثمارية الإسلامية، وتلبيةً لرغبة عملائه في إتمام المعاملات بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية، وحديثًا أعلن بنك الشارقة الوطني رغبته الأكيدة في التحول إلى مصرف إسلامي.(4) تزايد الاهتمام العلمي بالتجربة وتطويرها؛ فكثرت الدراسات والأبحاث العلمية، واضطلعت المجامع الفقهية، خاصة مجمع الفقه الإسلامي في جدة، الذي قام بدور بارز في هذا المجال. وما زالت الندوة الفقهية الاقتصادية السنوية التي تنظمها مجموعة البركة – منذ أكثر من عشر سنوات – تشكل منتديًا يجمع بين العلماء المختصين في مجال الاستثمارات والمصارف الإسلامية بصدد مداولات وإصدار رأي فقهي جماعي حول القضايا المالية المعاصرة.هذا بالإضافة إلى المنتديات والمؤتمرات التي يرعاها البنك الإسلامي للتنمية بجدة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، واتحاد المصارف الإسلامية، والبنوك المركزية في كلٍّ من السودان وباكستان والبحرين وماليزيا، وبعض المعاهد المتخصصة في بريطانيا والبحرين وباكستان. ومن ناحية أخرى تطور اهتمام الجامعات الإسلامية إلى درجة منح الشهادات الجامعية في هذا المجال، وتعتبر جامعة أم درمان الإسلامية رائدة في مجال المصارف والاقتصاد الإسلامي؛ حيث تمنح درجات علمية، وتنظم دورات في مجالات الصيرفة والمالية الإسلامية، وتُعد أول مؤسسة جامعية في العالم تنشئ قسمًا للاقتصاد الإسلامي منذ 1968، ولكلية التجارة بجامعة الأزهر دور رائد في هذا المجال؛ ففي رحابها أقيم مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي، وتبع ذلك وجود تخصصات الاقتصاد الإسلامي في الجامعة الإسلامية العالمية في باكستان وبعض الجامعات السعودية، خاصة جامعة الملك عبد العزيز التي أسس فيها مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، وكذلك الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا.(5) تطور أداء هيئات الرقابة الشرعية؛ فعلى صعيد الدول نجد أن السودان حقق تقدمًا في هذا الصدد، بعد أسلمة النظام المصرفي بالكامل، وتكوين هيئة عليا للرقابة الشرعية بالبنك المركزي السوداني (بنك السودان)، وصدور العديد من التشريعات والقوانين التي تنظم أعمال المصارف في ضوء تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. أيضًا هناك ماليزيا وباكستان؛ حيث تضطلعان بدور بارز في هذا الصدد؛ فالأولى كونت وحدة للرقابة الشرعية تابعة للبنك المركزي، إضافة إلى المبادرة لإصدار منتجات مصرفية إسلامية بالتعاون مع عدد من الدول الإسلامية على المستوى العالمي، والمساهمة في ترتيبات السوق المالية الإسلامية وصكوك السندات الإسلامية، أما باكستان؛ فالبنك المركزي يواصل مشروع الأسلمة الذي انطلق منذ أيام الجنرال الراحل 'ضياء الحق'، وتمت عدة اجتهادات نظرية وتطبيقات عملية ضمن مشروع أسلمة الاقتصاد.(6) هناك مصارف عالمية عريقة تقدم خدمات مصرفية إسلامية، مثل: مجموعة 'هونغ كونغ شنغهاي' المصرفية (إتش. إس. بي. سي) و'شيس مانهاتن سيتي بنك'، وكذلك مصارف إقليمية ومحلية مرموقة، مثل: البنك الأهلي التجاري السعودي، والبنك السعودي الهولندي، و'ميي بنك' الماليزي - أبرز المؤسسات المالية التقليدية التي ارتادت مجال الصيرفة الإسلامية - وهناك مصارف تقليدية تستعد للتحول، مثال ذلك: بنك الجزيرة السعودي، وبنك الشارقة الوطني بالإمارات.(7) أعلنت الحكومة الباكستانية مؤخرًا عن قرار يقضي بتعميم التحول الكامل نحو النظام المصرفي الإسلامي، وإلزام جميع مؤسسات التمويل المحلية والشركات المالية بالامتناع عن المعاملات الربوية، وحددت المحكمة الدستورية العليا في باكستان مهلة أربعة أشهر لترتب ولتكيف جميع المصارف والمؤسسات المالية أوضاعها للتعامل بالصيغ الإسلامية؛ حيث يبدأ تطبيق القرار ابتداء من أول يوليو القادم (2001) كحد أدنى.(8) تعتزم السلطات النقدية في البحرين - بالتعاون مع بنك التنمية الإسلامي ومصرف البحرين الإسلامي - إطلاق أعمال وكالة التقييم الائتماني الإسلامي الدولية، التي يُسند إليها إجراءات التصنيف والتقييم الفني على ضوء معايير خاصة لأعمال المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، وسيكون لها دور في إضفاء المزيد من الشفافية والثقة على المؤسسات الإسلامية. هذا إلى جانب منظمة المراجعة والمحاسبة الإسلامية للمصارف الإسلامية التي تقوم بإجراء عمليات الرقابة على المصارف الإسلامية؛ وفقًا لمعايير وضوابط شرعية ومحاسبية متفق عليها، وقد أنجزت المنظمة هي الأخرى تشريعاتها والمعايير الدولية الإسلامية الخاصة بأنشطتها.(9) تمكن البنك المركزي السوداني في عام 2000 من إصدار شهادات مشاركة البنك المركزي 'شمم' وشهادات المشاركة الحكومية 'شهامة' كأدوات مالية إسلامية، تمكن البنك المركزي من السيطرة على السيولة وإدارتها؛ لتحقيق السياسة النقدية المستهدفة في البلاد، وتقوم فكرة الإصدار على المبدأ الإسلامي الغنم والغرم، بدلًا من الفوائد الربوية.فنجد أن شهادة مشاركة البنك المركزي تهتم بإدارة السيولة داخل الجهاز المصرفي، ويتم بيع الشهادات عندما يرغب بنك السودان في تخفيض السيولة، ويتم شراؤها عندما يراد زيادة السيولة. وحصيلة البيع لا يستغلها بنك السودان، ولكنها تسحب من النظام، ويتم تجميدها.وتتحقق أرباح حاملي شهادات مشاركة البنك المركزي 'شمم' فقط عند بيعها، أي أن هذه الأرباح ذات طبيعة رأسمالية Capital Gains وليست أرباحًا نقدية Dividends تدفع بنهاية السنة المالية. والتداول في شهادات شمم بيعًا وشراءً، يتم عن طريق العطاءات، غير أن لحامل شهادات 'شمم' أن يبيعها خارج المزاد لبنك السودان أو لغيره لحاجته للسيولة.أما حصيلة بيع شهادات مشاركة الحكومة 'شهامة' والتي تُعنى بإدارة السيولة على مستوى الاقتصاد الكلي؛ فيعاد تدويرها وضخها في الاقتصاد القومي، بواسطة وزارة المالية، عندما تقوم بالإنفاق على مشاريع جديدة، أو لمشروعات قائمة.تحديات أساسيةهناك جملة من التحديات تواجه المصارف الإسلامية، يمكن تلخيصها في الآتي:1. التكَيُّف مع البيئة الخارجية التي تتجه نحو العولمة: لا بد أن تنهض المصارف الإسلامية بعبء التمهيد التدريجي للتكيف مع اتجاه عولمة الاقتصاد، وأن تتعاون فيما بينها لتفادي الآثار السلبية للعولمة الاقتصادية، وأعتقد أن نجاح عمليات الاندماج وإطلاق السوق المالية الإسلامية الدولية، وتطبيق معايير الرقابة والمحاسبة الإسلامية سيساهم بفعالية في التكييف السليم دون خسائر. 2. المنافسة الكبيرة من المصارف التقليدية: ويتطلب دفع هذا التحدي أن تعمل المصارف الإسلامية على تحسين مستوى إدارتها وعملياتها الفنية؛ فلا تكتفي بأن تكون مجرد أوعية لتلقي الأموال، بل أدوات لاستثمارها، الأمر الذي يستدعي أن تعمل المصارف الإسلامية من جهة أخرى على إنتاج منتجات جديدة تكافئ منتجات المصارف التقليدية وتتفوق عليها، وبالتالي تعظيم مهارتها في الهندسة المالية الإسلامية. القدرة على تحمل المخاطر من خلال الكفاءة المالية والجدارة الائتمانية لقاعدة عملائه: ولمواجهة التحدي الماثل في هذا المجال يتعين على المصارف الإسلامية أن تستخدم أفضل الوسائل لإدارة المخاطر والائتمان وتقلبات الأسعار في الأسواق، وهناك من يري ضرورة قيام وكالة إسلامية عالمية متخصصة في تقييم المخاطر وإدارتها فيما بين المصارف الإسلامية.
ابن الوافي
12-09-2005, 11:51 PM
لمحات عن حياة الرسول 32 موضوع
رجال حول الرسول 56 موضوع
عظماء في الإسلام24 موضوع
الإعجاز العلمي في القرآن والسنّه 23 موضوع
الآداب الإسلاميه 39 موضوع
الحج والعمره 14موضوع
البحث العاشر
اولو العزم من الأنبياء
هذا الموجز يبين ألو العزم من الأنبياء، مع شرح موجز لسيرتهم المطهرة..
نوح عليه السلام
كان نوح تقيا صادقا أرسله الله ليهدي قومه وينذرهم عذاب الآخرة ولكنهم عصوه وكذبوه، ومع ذلك استمر يدعوهم إلى الدين الحنيف فاتبعه قليل من الناس، واستمر الكفرة في طغيانهم فمنع الله عنهم المطر ودعاهم نوح أن يؤمنوا حتى يرفع الله عنهم العذاب فآمنوا فرفع الله عنهم العذاب ولكنهم رجعوا إلى كفرهم، وأخذ يدعوهم 950 سنة ثم أمره الله ببناء السفينة وأن يأخذ معه زوجا من كل نوع ثم جاء الطوفان فأغرقهم أجمعين
إبراهيم عليه السلام
هو خليل الله، اصطفاه الله برسالته وفضله على كثير من خلقه، كان إبراهيم يعيش في قوم يعبدون الكواكب، فلم يكن يرضيه ذلك، وأحس بفطرته أن هناك إلها أعظم حتى هداه الله واصطفاه برسالته، وأخذ إبراهيم يدعو قومه لوحدانية الله وعبادته ولكنهم كذبوه وحاولوا إحراقه فأنجاه الله من بين أيديهم، جعل الله الأنبياء من نسل إبراهيم فولد له إسماعيل وإسحاق، قام إبراهيم ببناء الكعبة مع إسماعيل
موسى عليه السلام
أرسله الله تعالى إلى فرعون وقومه، وأيده بمعجزتين، إحداهما هي العصا التي تلقف الثعابين، أما الأخرى فكانت يده التي يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، دعا موسى إلى وحدانية الله فحاربه فرعون وجمع له السحرة ليكيدوا له ولكنه هزمهم بإذن الله تعالى، ثم أمره الله أن يخرج من مصر مع من اتبعه، فطارده فرعون بجيش عظيم، ووقت أن ظن أتباعه أنهم مدركون أمره الله أن يضرب البحر بعصاه لتكون نجاته وليكون هلاك فرعون الذي جعله الله عبرة للآخرين
عيسى عليه السلام
مثل عيسى مثل آدم خلقه الله من تراب وقال له كن فيكون، هو عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وهو الذي بشر بالنبي محمد، آتاه الله البينات وأيده بروح القدس وكان وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، كلم الناس في المهد وكهلا وكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرا، ويبرئ الأكمه والأبرص ويخرج الموتى كل بإذن الله، دعا المسيح قومه لعبادة الله الواحد الأحد ولكنهم أبوا واستكبروا وعارضوه، ولم يؤمن به سوى بسطاء قومه، رفعه الله إلى السماء وسيهبط حينما يشاء الله إلى الأرض ليكون شهيدا على الناس
محمد عليهالصلاة و السلام
النبي الأمي العربي، من بني هاشم، ولد في مكة بعد وفاة أبيه عبد الله بأشهر قليلة، توفيت أمه آمنة وهو لا يزال طفلا، كفله جده عبد المطلب ثم عمه أبو طالب، ورعى الغنم لزمن، تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد وهو في الخامسة والعشرين من عمره، دعا الناس إلى الإسلام أي إلى الإيمان بالله الواحد ورسوله، بدأ دعوته في مكة فاضطهده أهلها فهاجر إلى المدينة حيث اجتمع حوله عدد من الأنصار عام 622 م فأصبحت هذه السنة بدء التاريخ الهجري، توفي بعد أن حج حجة الوداع
اللهم صلي وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ابن الوافي
12-09-2005, 11:55 PM
لمحات عن حياة الرسول 32 موضوع
رجال حول الرسول 56 موضوع
عظماء في الإسلام24 موضوع
الإعجاز العلمي في القرآن والسنّه 23 موضوع
الآداب الإسلاميه 39 موضوع
الحج والعمره 14موضوع
البحث 11
مذاهب الناس
مذاهب الناس
في الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد.
ما من قضية من قضايا الدين وأصوله إلا وتجد الناس يذهبون فيها إلى ثلاثة فرق ومذاهب، فريق يجنح إلى الإفراط والغلو والتشدد والتنطع .. وفريق آخر مقابل له يجنح إلى الجفاء والتفريط .. وبينهما فريق وسط؛ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء .. لا إلى الإفراط والغلو يجنح ولا إلى التفريط والجفاء يجنح .. وإنما يلتزم الوسطية المتمثلة في التزام المشروع المنصوص عليه من غير زيادة ولا نقصان .. ومن غير غلو ولا جفاء، وهم الجماعة الذين يكونون على ما كان عليه النبي r وأصحابه الكرام من السنة والهدي والالتزام.
ومن هذه القضايا الهامة مواقف الناس ومذاهبهم من العلماء .. قديماً وحديثاً .. قديماً نجد الناس تقاتلت وتفرقت، وعقدت الولاء والبراء على الأئمة الأربعة .. إلى حد وصل بالناس أن لا يزوجوا ابنتهم ممن ينتسب إلى مذهب العالم الآخر .. فالشافعي لا يزوج ابنته من حنفي .. والحنفي لا يزوج ابنته من شافعي ..!!
فالنبي r بين لأمته المقياس والميزان الذي به وعليه تقبل الرجال أو ترد، فيقول:' من أتاكم ترضون دينه وخلقه فزوجوه ' .. بينما ساداتنا الأحناف تنادوا وقتئذٍ إذا أتاكم الحنفي فزوجوه .. وفي المقابل تنادى ساداتنا الشافعية فقالوا إذا أتاكم الشافعي فزوجوه .. وهكذا تعالت الصيحات الجاهلية من جديد، ولكن هذه المرة باسم العلماء ومذاهبهم، وليس باسم القبائل أو الانتماءات الجنسية والقومية ..!!
وفي زماننا تشابهت صيحات الناس بمن تقدم ذكرهم من الناس من قبل .. فتنادوا مصبحين وممسين .. وفي السر والعلن .. وفي كل وادٍ وناد أن لا تقبلوا الحق إلا من الشيخ فلان وفلان .. وفلان .. فالقول قولهم والدين دينهم .. ولا دين غير دينهم .. فالحق ما قالوا، وكل قول يخالف قولهم فهو باطل ومحدث ومردود ولو كان منصوصاً عليه في الكتاب أو السنة .. لا تقبلوا الحق إلا إذا جاء من طريق الشيخ فلان .. ولو جاء الحق من غير طريقه وقوله فهو مردود وخروج عن الطاعة والإجماع أو على الأقل لا يُرفع له رأساً ولا اعتباراً ولا بالاً كما لو جاء عن طريق الشيخ .. من والى الشيخ واليناه مهما كان منه من عمل .. ومن جافاه وعاداه أو نقده بقول أو فهم عاديناه وجافيناه، واستعدينا عليه الناس مهما كان منه من عمل ..؟!!
يكفي لتجار الدين حتى تروج بضاعتهم وتنفق كتبهم في الأمصار .. وتُشهر أسماؤهم .. أن يقول أحدهم: أنا من تلاميذ الشيخ فلان .. أنا أحب الشيخ فلان .. أنا جالست الشيخ فلان أنا سافرت مع الشيخ فلان .. أنا آكلت الشيخ فلان .. أنا من حزب الشيخ فلان .. يكفيه أن يقول ذلك ـ صادقاً كان أم كاذباً ـ لتُقبل الناس على شراء كتبه واقتنائها ـ بغير وعي ولا دراية ـ على ما فيها من غثائية وقيح، ودم فاسد .. ولا حول ولا قوة إلا بالله !!
من هؤلاء الشيوخ والعلماء الذين اختلف عليهم الناس، وذهبوا فيهم مذاهب: الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.
فريق غالى في موالاته: فعقدوا عليه الولاء والبراء .. فوالوا فيه وعادوا فيه .. وتعصبوا لأقواله وأفعاله كأنها أحرف منزلة من السماء لا تقبل التعقيب أو الرد .. يكفي أحدهم لكي يقرر مسألة أو يرد على مخالف أن يقول له: قال الشيخ ناصر .. وليس بعد قوله قول .. ولو تجرأ المخالف على الرد والتعقيب ـ ولو كان محقاً ـ لقالوا له: من أنت حتى ترد على الشيخ قوله .. أنت ترد على السنة .. أنت من أعداء السنة وأهل السنة !!
ومن شذوذات هذا الفريق من الناس وغلوهم: أنهم جعلوا كلام الشيخ ناصر هو المعيار والمقياس للسلفية، ولمعرفة من هو سلفي ومن هو غير سلفي .. فكل قول قال به الشيخ ناصر أو وافق عليه فهو سلفي ومن السلفية، وإن لم يكن عليه هدي السلف الأول .. وكل قول لم يقل به الشيخ أو لم يوافق عليه فهو ليس سلفي ولا من السلفية في شيء .. وإن كان يقول به السلف الأول رضي الله عنهم أجمعين(1) !!
ـــــــــــــــــــ
(1) لعل من أبرز دعاة هذا الفريق من الناس .. الذين يأكلون باسم الشيوخ .. وينشرون كتبهم وأفكارهم باسم الشيوخ .. ويكذبون على الناس باسم الشيوخ .. علي الحلبي .. فانظر مثلاً ما يقول في مقدمة كتاب التحذير من فتنة التكفير:' إن مشايخنا الأجلاء هؤلاء ـ يعني الألباني، وابن باز، وابن عثيمين رحمهم الله ـ هم نجوم الهدى، ورجوم العِدى؛ من تمسك بغرسهم فهو الناجي، ومن ناوأهم وعاداهم فهو المظلم الداجي .. فالحكم الذي يتفق عليه مثل هؤلاء الأئمة الكبراء والعلماء الفقهاء لا يُبعد عن الصواب ـ كثيراً ـ من يدعي
أنه الإجماع، وأنه الحق، وأنه الهدى والرشاد؛ لأنهم أئمة الزمان، وعلماء العصر والأوان . فلعل المخالف لهم مفارق للجماعة، ومخالف عن حسن الاتباع وصواب الطاعة .. ' !!
وهذا الكلام فيه من الغلو ما فيه .. فهو أولاً زكاهم على الله .. فهو لم يقل نحسبهم كذا وكذا
ـــــــــــــــــــــــ
ولا نزكيهم على الله .. كما أمر بذلك الرسول r في الحديث الصحيح المتفق عليه فقال:' من كان منكم مادحاً أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلاناً، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا، أحسبه كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه '.
قد يرد علينا الحلبي الكذاب بقوله: إطراء مشايخنا هؤلاء ومدحهم لا يُخشى عليهم منه الفتنة .. وبالتالي مدحهم وإطراؤهم وعدمه سواء!
فنقول له قد جاء في صحيح البخاري عن أبي مُليكة قوله: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي r كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل.
ولا نظن أحداً من مشايخنا الفضلاء هؤلاء .. قالوا عن أنفسهم أو أحداً غيرهم قال عنهم أنهم أفضل أو مثل الصحابة الثلاثين هؤلاء رضي الله عنهم .
وفيه كذلك ـ أي قول الحلبي المتقدم ـ : أنه جعل اتفاق هؤلاء العلماء الثلاثة على شيء هو الإجماع الذي لا تجوز مخالفته .. فمن تبعه فقد نجى .. ومن خالفه فقد هلك !!
وهذه فرية عظيمة على العلم وأهل العلم .. وجهالة لا ينبغي لطويلب العلم أن يقع فيها .. فهذا الادعاء لم يتجرأ عليه أحد من أهل العلم أن يدعيه للأئمة الأربعة لو اتفقوا على شيء فاتفاقهم يعني الإجماع الذي يأثم مخالفه .. والأئمة الأربعة بيقين هم أفضل من هؤلاء العلماء الثلاثة .. وإجماعهم على شيء بيقين هو أقوى من إجماع هؤلاء العلماء الثلاثة .. ومع ذلك لم يتجرأ أحد من أهل العلم على تأثيم من يخالف الأئمة الأربعة من أهل العلم على أنه قد خالف الإجماع !!
وفيه كذلك: أن من مقتضى كلامه أنه جعل مثوى هؤلاء العلماء الجنة بيقين .. وهذا مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة التي تنص على أنه لا يُشهد لمعين من أهل القبلة بجنة ولا نار، إلا من جاء فيهم نص يفيد أنهم من أهل الجنة .. وهو إضافة إلى ذلك فيه من التألي على الله بغير علم .. نسأل الله تعالى أن يعفو عن الشيوخ ويغفر لهم ويرحمهم، ويُسكنهم فسيح جناته .. فهذا خير لهم من إطراء وتزلف، وغلو وتألي علي الحلبي!!
فإن قيل قد رميت الرجل بالكذب فما برهانك على ذلك ..؟!
أقول: لو كان كذب الرجل مقصوراً على الدرهم والدينار والمعاملات المادية والدنيوية لما عنيناه بالذكر، ولما رميناه بهذه الخصلة المشينة .. أما أن يكذب على أهل العلم وفي مسائل الإيمان والكفر ـ انتصاراً لمذهبه الخبيث في الإرجاء الذي لم يعد يعرف كيف يتملص منه ومن تبعاته، خوفاً على مستقبل كتبه ورواجها في بلاد الحرمين ـ فهذا مالا نرضاه ولا نسكت عليه، وإليك المثال التالي على سبيل البرهان والتدليل على ما رميناه به لا الحصر: قال في تعليقاته وتشويهاته على كتاب ' التحذير من فتنة التكفير ' ص74 ، نقلاً عن الشيخ ابن العثيمين قوله:' قد يكون ـ أي الذي يطبق قانوناً مخالفاً للشرع ـ الذي يحمله على ذلك خوفاً من أناسٍ آخرين أقوى منه إذا لم يطبق، فيكون هذا مداهناً لهم، فحينئذٍ نقول: هذا كالمداهن في بقية المعاصي ' انتهى نقله الأمين عن الشيخ ابن العثيمين رحمه الله !
وقد قدر الله أن ينقل نفس كلام الشيخ ابن العثيمين ' أبو أنس علي بن حسين أبو لوز ' في تعليقاته على كتاب ' فتنة التكفير ' ص28، فقال: قال الشيخ ابن العثيمين:' قد يكون الذي يحمله على ذلك
ــــــــــــــــــــ
خوفُ من أناس آخرين أقوى منه إذا لم يطبقه، فيكون هنا مداهناً لهم، فحينئذٍ نقول: هذا كافر، كالمداهن في بقية المعاصي ' انتهى.
أرأيت الفارق في النقل أيها القارئ .. الحلبي ينقل عن الشيخ قوله:[ فحينئذٍ نقول إن هذا كالمداهن في بقية المعاصي >، وأبو لوز ينقل عن الشيخ قوله:[ فحينئذٍ نقول هذا كافر، كالمداهن في بقية المعاصي >. والفرق بين المداهن العاصي، والمداهن الكافر فرق كبير يترتب عليه مسائل ومسائل .. ولو أثبت علي الحلبي كلمة ' كافر ' ولم يغيرها ويحرفها، لأبطل مذهبه الإرجائي كله ..!!
فإن قيل ـ وهذا من حق القارئ المنصف ـ لماذا يكون الحلبي هو الكذاب في نقله عن الشيخ ابن العثيمين وليس أبا لوز ..؟!
أقول الذي حملنا على الترجيح بأن الكذاب هو علي الحلبي وليس أبا لوز .. أن الأصل في المسلم العدالة والبراءة حتى يثبت في حقه الدليل الذي يطعن بعدالته .. فبالنسبة ' لأبي لوز ' لا نعرف عنه دليلاً يسمح لنا أن نطعن في عدالته .. فهو على البراءة الأصلية التي منحها له الإسلام .. أما علي الحلبي فقد عهدنا عليه الكذب من قبل على أهل العلم انتصاراً لهواه وما يميل إليه من مسائل .. لذا رجحنا أن يكون هو الكذاب .. وإليك هذا البرهان والدليل على سبيل المثال لا الحصر.
قال علي الحلبي في رسالته الصغيرة الحجم والشأن ' البيعة بين السنة والبدعة ' طبع المكتبة الإسلامية، ص36، ناقلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ قوله في إبطال شرعية البيعة الاستثنائية لغير الإمام العام كما زعم، من مجموع الفتاوى 28/18:' من أنه إذا كان مقصودهم بهذا الاتفاق والانتماء والبيعة التعاون على البر والتقوى، فهذا قد أمر الله به ورسوله، له ولغيره، دون ذلك الاتفاق، وإن كان المقصود به التعاون على الإثم والعدوان، فهذا قد حرمه الله ورسوله، فما قصد بهذا من خير، ففي أمر الله ورسوله بكل معروف، استغناء عن ذلك الاتفاق، وما قصد بهذا من شر فقد حرمه الله ورسوله ' ا- هـ .
قلت: ليس هذا هو نفس كلام ابن تيمية رحمه الله كما في الفتاوى 28/18، فشيخ الإسلام لم يتعرض قط لذكر البيعة أو الاتفاق، وكان رحمه الله يتكلم عن شرعية شد وسط التلميذ لمعلمه .. وإليك كلامه بتمامه كما في الفتاوى 28/18:' ولا يشد وسط التلميذ لمعلمه ولا لغير معلمه؛ فإن شد الوسط لشخصٍ معين وانتسابه إليه من بدع الجاهلية، ومن جنس التحالف الذي كان المشركون يفعلونه، ومن جنس تفرق قيس ويمن .. فإن كان المقصود بهذا الشد والانتماء التعاون على البر والتقوى فهذا قد أمر الله به ورسوله له ولغيره بدون هذا الشد، وإن كان المقصود به التعاون على الإثم والعدوان فهذا قد حرمه الله ورسوله، فما قصد بهذا من خير ففي أمر الله ورسوله بكل معروف استغناء عن أمر المعلمين، وما قصد بهذا من شر فقد حرمه الله ورسوله، فليس لمعلم أن يحالف تلامذته على هذا ' انتهى.
فتأمل الفارق بين نقل الحلبي عن ابن تيمية .. وبين حقيقة كلام ابن تيمية .. وكيف أن الحلبي قد قول ابن تيمية ما لم يقل .. فجعل قوله:' فإن كان المقصود بهذا الشد والانتماء التعاون ..' كالتالي:' من أنه إذا كان مقصودهم بهذا الاتفاق والانتماء والبيعة ..!!' وغير ذلك من التحريفات والتزويرات التي لا تخفى على
ومن آثار هذا الغلو ـ أو الإرهاب الفكري باسم الدين! ـ أن كثيراً من طلاب العلم والباحثين لا يجرؤون أن يتصدوا للشيخ ناصر في بعض ما أخطأ فيه، أو يُنصفوا الحق منه .. خشية أن يُرموا من هذا الفريق من الناس ـ الواسع الانتشار في الأمصار ـ بأنهم غير سلفيين، أو أنهم أعداء للسنة .. ولمنهج أهل السنة !!
وهذا الفريق من الناس ـ سواء علموا أم لم يعلموا ـ يطالهم قوله تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله (التوبة:31. كل بحسب ما فيه من الانحراف والتشبه بالذين نزلت فيهم هذه الآية الكريمة.
قال البغوي في التفسير 3/285: فإن قيل إنهم لم يعبدوا الأحبار والرهبان ـ بمعنى الركوع والسجود ـ قلنا: معناه أنهم أطاعوهم في معصية الله، واستحلوا ما أحلوا وحرموا ما حرموا، فاتخذوهم كالأرباب.
وعن عدي بن حاتم t قال: أتيت رسول الله r وفي عنقي صليب من ذهب فقال لي:' يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك '، فطرحته فلما انتهيت إليه وهو يقرأ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ( حتى فرغ منها قلت: إنا لسنا نعبدهم، فقال:' أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه ؟'، قال: قلت بلى، قال:' فتلك عبادتهم ' ا-هـ.
ــــــــــــــــــــــ
من يدقق بين القولين المنقولين عن ابن تيمية رحمه الله.
هذا مثال أيها القارئ .. لم نرد منه استقصاء كذبات هذا الرجل على أهل العلم، فالموضع هنا لم يخصص لذلك .. وإنما خصص لمذاهب الناس في الشيخ ناصر رحمه الله.
والعجيب في الأمر أن أتباع الحلبي من الشباب المتعصب المضلل .. رغم أنهم يعرفون أو سيعرفون كل ما تقدم بيانه عن هذا الرجل .. ومع ذلك يظلون يتابعونه، ويستأمنونه على دينهم ..؟؟!!
يشكون من الحزبية والتحزب الذي يقع به الناس ويقعون في أسوئه .. ويشكون من عصبية الناس للمذاهب والرجال على حساب الحق .. ويقعون في أسوئه .. وهذا كله يتم باسم السلفية واتباع السلف .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
ـ تنبيه: درج مؤخراً أن تصدر كتب وأبحاث .. بعناوين وأسماء لا تصح شرعاً، كقولهم:' التحذير من فتنة التكفير ' أو ' فتنة التكفير ' أو ' ظاهرة التكفير ' ونحو ذلك .. فهذه عناوين غير شرعية؛ لأن الكفر أو التكفير حكم شرعي أطلقه الشارع، وألزم به العباد .. وهو ظاهرة شرعية كأي حكم من أحكام الشريعة، لا يجوز وصفه بأنه فتنة، أو تحذر منه على أنه فتنة ..!!
ولو قالوا: التحذير من فتنة الغلو في التكفير .. أو من ظاهرة الغلو في التكفير .. لكان التعبير دقيقاً، ومقبولاً شرعاً !
قال ابن تيمية في الفتاوى 10/267: فمن جعل غير الرسول تجب طاعته في كل ما يأمر به وينهى عنه، وإن خالف أمر الله ورسوله فقد جعله نداً، وربما صنع به كما تصنع النصارى بالمسيح، فهذا من الشرك الذي يدخل صاحبه في قوله تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله ( ا- هـ.
هذا فريق .. وفريق آخر مقابل هذا الفريق قد غالى في مجافاة الشيخ ومعاداته: يتمثل هذا الفريق في أعداء الشيخ وخصومه من الصوفية، والأشاعرة، وغلاة التكفيريين .. وهؤلاء اختلفت إطلاقاتهم وأحكامهم في حق الشيخ؛ فهي تدور بين التفسيق، والتضليل، والتكفير، والتجهيل..!
نعم بلغ العداء والحقد، والجهل بفريق من الناس مبلغاً أوصلهم إلى تكفير الشيخ والعياذ بالله .. إلى حدٍ أنهم لو سمعوا من أحدٍ يترحم على الشيخ، أو يخصه بالرحمة عند ذكر اسمه لسرعان ما يبادرون إلى نهيه، والإنكار عليه .. على أنه كافر لا تجوز الرحمة عليه !!
.
ابن الوافي
12-09-2005, 11:56 PM
يتبع للبحث 11
ومن أبرز هؤلاء الظالمين المارق البوطي .. حيث يتهم الشيخ في كتابه السيء ' الجهاد في الإسلام ' ـ الذي جاء تشويهاً لمبدأ الجهاد في الإسلام، وخدمة كبيرة لطاغية الشام، وتبريراً لإجرامه بحق الإسلام والمسلمين في بلاد الشام ـ بأنه عميل لليهود .. وأنه رجل مشبوه من هذا الجانب .. وأن الذي حمله على القول بهجرة المسلمين من فلسطين ممن يتعرضون لفتنة وإرهاب اليهود .. هو خدمة اليهود .. وعلاقته المشبوهة باليهود ..!!
هذا هو قوله الظالم في الشيخ ناصر .. ما حمله عليه إلا الكبر، والحسد، والهوى وبغض الاتجاه السلفي بكل تشعباته .. بينما قوله في طاغية الشام الهالك يرقى إلى درجة يرفعه فيها إلى مقام الربوبية والألوهية .. وأن الطاغية بالنسبة له يعتبر المعلم والشيخ الأكبر الذي تعلم منه قدراً كبيراً من الإيمان واليقين(1)..!!
فتأمل الإنصاف المعدوم عند مثل هؤلاء الظالمين .. لكن لا غرابة من ذلك ما داموا قد تعلموا القدر الكبير من الإيمان واليقين من شيخهم الكبير طاغية الشام النصيري ..!!
وبين الفريق الذين غالوا في الولاء .. وهذا الفريق الذي غالى في الجفاء والعداء، يوجد فريق ثالث نهج في الشيخ ـ رحمه الله ـ منهج أهل الوسط والاعتدال، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم: لا إلى هؤلاء .. ولا إلى هؤلاء .. فشهد للشيخ بما له وما عليه .. فأنصفه وأنصف الحق منه .. أثبت فضله كعالم كبير من علماء الأمة، له جهود طيبة مباركة في خدمة الحديث والسنة، ومحاربة الشعوذة والبدعة، والتقليد الأعمى، وإحياء العمل بالدليل، والدليل الصحيح فقط .. لا ــــــــــــــــــ
(1) انظر مقالنا ' هذا هو البوطي فاحذروه ' وهو منشور في موقعنا على الإنترنت.
يجوز كفرانها أو نكرانها .. لا يجحدها إلا ظالم .. بل لا نحايد الصواب لو قلنا: أن الشيخ ـ رحمه الله ـ كان المجدد الأول لهذه المعاني الهامة في هذا الزمان، بعد أن كادت تندرس تعاليمها ومعالمها في كثير من الأمصار .. فجزاه الله عن الأمة والإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وفي مسائل العقيدة بما يخص علم الأسماء والصفات .. فقد نصر الشيخ مذهب السلف الصالح نصراً مؤزراً .. وأثبت بالدليل والبرهان بطلان مذهب الخلف من الأشاعرة والجهمية المعطلة .. ومن خلال مطالعتي ووقوفي على كلام الشيخ في هذا الجانب: وجدته أفضل ـ وليس من أفضل ـ من كتب وتكلم من علماء هذا العصر في هذا الجانب الهام من العقيدة والتوحيد .. هذه هي شهادتي .. وهذا هو قولي أثبته هنا إنصافاً للشيخ .. وإحقاقاً للحق والعدل الذي أُمرنا أن نصدع به ولو على أنفسنا.. وليس تزلفاً أو استرضاء لأحد من الناس .. أو طمعاً بما في أيديهم من حطام .. فمرضاة الناس غاية صعبة لا تدرك .. وقد زهدنا بها ـ بفضل الله ومنته ورحمته ـ منذ زمن طويل .. ومرضاة الله تعالى غاية سهلة تدرك لمن سهلها الله عليه .. نستشرف ونستعذب الموت في سبيلها !
ـ مآخذنا على الشيخ:
للشيخ أخطاء كنا نود أنه لم يقع فيها .. ولكن الكمال عزيز .. والمعصومون هم الأنبياء والرسل .. وما سواهم يُصيبون ويُخطئون .. يُحسنون ويُسيئون .. يؤخذ منهم ويُرد عليهم .. يُسألون عما يفعلون .. والذي لا يُسأل عما يفعل هو الله تعالى وحده.
وأبرز ما أخذناه على الشيخ موقفه من ' مسمى الإيمان ' .. مواقفه من مسائل الكفر والإيمان .. والوعد والوعيد.
ابن الوافي
12-09-2005, 11:58 PM
يتبــــــــع للبحث 11
فعلام الشيخ لم يرد علينا، أو يصحح لنا فهمنا عنه، أو يدافع عن نفسه ومعتقده في مسألة هامة لها مساس بالعقيدة والأصول؛ كمسألة مسمى الإيمان .. ؟!!
كل ذلك جعلنا نرجح أن مواقف الشيخ من مسائل الكفر والإيمان، والوعد والوعيد .. ليست عبارة عن هفوات .. أو مجرد إطلاقات يخطئ ويزل بها العالم .. يمكن تأويلها وغض الطرف عنها .. وإنما هي عبارة عن أصول وقواعد استدل لها بأدلة وشروح .. تبناها ودعا لها منذ أن كتب تعليقاته على متن الطحاوية قبل أكثر من خمس وعشرين عاما..!!
فإن قيل ـ وقد قيل ـ علام هذه الحدة والشدة على الشيخ، وهو مجرد خطأ في مسألة واحدة، وهي لا شيء بالنسبة لمجموع حسنات الشيخ ..؟!
أقول: ولكن أي مسألة هذه التي أخطأ فيها الشيخ .. ليتها كانت مسألة لها مساس في الفقه أو الفروع .. لهان الخطب، وألجمنا اللسان .. وكسرنا الأقلام .. ولكن القضية لها مساس بالأصول .. بمسائل الكفر والإيمان .. والوعد والوعيد .. الخطأ فيها يترتب عليه آثار سلبية وخطيرة على العباد والبلاد !
من آثار قول الشيخ في الإيمان .. اختلاف الأمة وانقسامها إلى فرق وأحزاب فيما يخص طواغيت الكفر الحاكمين في هذا الزمان .. الذين وقعوا في الكفر البواح من جميع طرقه، وفروعه
ومسالكه ..!!
فريق يرى الخروج عليهم .. وفريق لا يرى الخروج .. وفريق بينهما .. والذين يرون الخروج يضللون ويؤثمون من لا يرى الخروج .. والعكس كذلك .. وهذا مرده كله إلى قول الشيخ الخاطئ في الإيمان !!
من آثار قول الشيخ الخاطئ في الإيمان .. أننا وجدنا كثيراً من الشباب السلفي المعاصر يدخل في موالاة الطواغيت الظالمين، وبعضهم لا يتورع أن يعمل عندهم كجاسوس على المسلمين الموحدين .. ولو سألتهم أو نهيتهم عما هم فيه من باطل وضلال .. لاستدلوا عليك بأقوال الشيخ في الإيمان ..!!
اختلطت الأنساب .. وضاعت الحقوق .. حتى وجدنا الناس يزوجون بناتهم من أناس مرتدين لا يعرفون صلاة ولا صياما .. ولو نهيتهم أو حذرتهم من مغبة وخطأ ما هم عليه .. لردوا عليك بأقوال الشيخ ناصر في الإيمان، وأن الأعمال ليست شرطاً لصحة الإيمان .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
إذاً هي قضية ليست كتلك القضايا اليسيرة التي يمكن السكوت أو غض الطرف عنها .. أو مناقشتها على طريقة ' أين بعيرك الشارد يا خوال ' .. بل هي قضية كبيرة وهامة يجب أن تناقش على طريقة ' كأن حب الرمان يتفقأ من وجهه ' لصلتها بالعقيدة والتوحيد ..!
لأجل ذلك كله كانت تلك الحدة والشدة التي أخذت علينا .. وهي شدة ليست مُرادة لذاتها .. ولم نرد منها كذلك التجريح بشخص الشيخ، لا والله .. وإنما أردنا منها نصرة الحق وإنصافه، وأطر الناس إلى الحق الذي يرضي الله تعالى ورسوله r ولو كان ذلك بالسلاسل .. وإن سخط علينا الساخطون المرجفون المتزلفون !!
ثم أن الشيخ ذاته قد عُهدت عليه حدة شديدة مع مخالفيه أصاب في بعضها وأخطأ في بعضها الآخر .. فها هو يرمي ابن حزم ـ إمام وجبل من جبال العلم ـ بأنه جهمي جلد في الصفات .. ويقول عنه كما في السلسلة 6/1019، بعد أن نقل قول ابن حزم:' لا حجة لأحد دون رسول الله r ' فقال الشيخ ناصر معقباً عليه:' كلمة حق أريد بها باطل ..' ا- هـ. فحكم على باطن وقصد ابن حزم أنه أراد من مقولته باطلا ..؟!!
بل وصلت حدة الشيخ وشدته على من يخالفه أن يطعن ـ بطريقة غير مباشرة ـ بكبار الصحابة والتابعين، ويرميهم بأنهم التقوا مع الخوارج في بعض قولهم، كما يقول في رسالته حكم تارك الصلاة:' فلو قال قائل بأن الصلاة شرط لصحة الإيمان، وأن تاركها مخلد في النار؛ فقد التقى مع الخوارج في بعض قولهم هذا ..!!' ا- هـ.
وكلنا يعلم أن كبار الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين يقولون أن الصلاة شرط لصحة الإيمان، وأن تاركها كافراً كفراً مخرجاً من الملة ..!
فعلام لا يُقال أن الشيخ فيه حدة وشدة على كبار الصحابة وأهل العلم .. وينكر عليه قوله فيهم .. أم أن الصحابة وغيرهم من كبار التابعين وأهل العلم ليس لهم بواكي .. ولحومهم غير مسمومة ..؟!!
ومما ينبغي ذكره هنا ـ إتماماً للبحث والفائدة ـ أن نذكر بعض من تعقبنا في ردنا على الشيخ ناصر من الذين يتعصبون لاسم الشيخ وذكره .. ولو في الباطل!
فأقول: كنت ولا أزال أتمنى وأحب أن أقف على ردٍّ علمي ناصح يتعقبني فيما قلته في الشيخ لكي أستفيد .. وعسى أن يكون الحق في خلاف ما قلته وما أنا عليه .. فأتراجع عن قولي بكل نفس رضية طائعة تنشد الحق .. وماذا نريد غير الحق ؟!
ولكن بعد الزمن الطويل من نشر ردي على الشيخ وتعقبي عليه في مسألة الإيمان .. لم أجد ممن تعقبني في ردي على الشيخ: إلا الكذب، والظلم، والجهل، والافتراء، والعصبية العمياء لاسم الشيخ ..!!
نقبوا في جميع مؤلفاتي وأبحاثي، وما صدر عني .. فلم يجدوا مأخذاً ـ ولله الحمد والمنة والفضل ـ يأخذونه علينا، قد خالفنا فيه عقيدة أهل السنة والجماعة ..!
بحثوا ونقبوا فلم يجدوا ممسكاً أو سبيلاً صادقاً للطعن بنا .. يطفئ غيظ قلوبهم وأحقادهم، ولؤمهم، وحسدهم .. مما حملهم ذلك على الكذب، والتضليل، والتلبيس .. وهذا كله ونحن أحياء .. فكيف بعد الممات ..؟!!
وأضرب نموذجاً على هذا الظلم والكذب في مثالين:
المثال الأول: هو أبو مصعب سعد الدين بن محمد الكبي، مدير معهد الإمام البخاري للشريعة الإسلامية في عكار شمال لبنان .. كما هو يعرف عن نفسه!
يقول هذا الرجل في محاضرة له ـ مكتوبة ومسموعة، ومنشورة في موقع السراج المنير
على الإنترنت ـ بعنوان ' التحذير من جماعة التكفير ': ومن غلوهم في التكفير: أنهم يكفرون المداوم على الكبيرة كما في كتاب أبي بصير التكفيري، حيث يرد على المحدث الألباني عدم تكفيره من يداوم على أخذ الربا ويقول: الله يتوب علينا بدنا نعيش . قال أبو بصير التكفيري: لا تمنع من تكفيره، إذ لا تعتبر من موانع التكفير المعتبرة شرعاً [ الانتصار لأهل التوحيد 121 >. وكذلك يكفر المداوم على الزنا ويعتبر دوامه استحسان واستحلال قلبي ..ا-هـ.
هذا هو نقله عني .. وهذا هو ظلمه وافتراؤه وكذبه، وإليك أيها القارئ المنصف كامل كلام الشيخ في هذه المسألة، وكامل ردي عليه من نفس المصدر الذي عزى إليه الرجل .. لتعلم شدة ظلم هؤلاء الناس، وسهولة الكذب على أنفسهم ..!!
قال الشيخ ناصر: إذا استحل الربا بقلبه كما استحله بعمله فهو كفر ردة، وإلى جهنم وبئس المصير، أما إذا قال: الله يتوب علينا، وبدنا نعيش، ومن هذه الكلمات الفارغة هذه ..
قلت في تعقيبي على الشيخ كما في كتاب الانتصار ص121: قوله بدنا نعيش وغير ذلك من الكلمات الفارغة التي يستشهد بها الشيخ لا تبرر له الخطأ، ولا تمنع عنه لحوق الوعيد به في الدنيا والآخرة، ولو وقع في الكفر بسببها فهي لا تمنع من تكفيره بعينه، إذ لا تعتبر من موانع التكفير المعتبرة شرعاً. انتهى.
هذا هو كلام الشيخ ناصر .. وهذا هو كلامي .. فأين كلامي أنني أكفر المداوم على الكبيرة ..؟!!
ألا يوجد فرق بين قولي ' ولو وقع في الكفر بسببها ' أي بسبب هذه الأعذار والكلمات الواهية الفارغة .. وبين قوله عني بأني أكفر المداوم على الكبيرة ..؟!!
والكبي لم يكذب علي وحسب بل كذب على الشيخ ناصر وقوله ما لم يقل .. فقال عن الشيخ:' حيث يرد على المحدث الألباني عدم تكفيره من يداوم على أخذ الربا ..' !!
والشيخ ـ من خلال كلامه المتقدم ـ لم يكن يتكلم عن عدم كفر المداوم على أخذ الربا .. وإنما كان يتكلم متى يكفر آكل الربا ومتى لا يكفر .. والفرق بين كلام الشيخ وبين نقل الكبي عنه واضح وجلي ..!
اضبط النقل يا ' كبي ' .. فمن كان مديراً لمعهد الإمام البخاري .. عليه أن يتحلى بما عرف به هذا الإمام الكبير من الصدق والدقة في ضبط الروايات والأحاديث ..!
أما قوله عني:' وكذلك يكفر المداوم على الزنا، ويعتبر دوامه استحسان واستحلال قلبي ..' !!
أقول: هذا من الظلم والافتراء الذي نبرأ إلى الله منه .. وإليك ـ أيها القارئ المنصف ـ
تمام كلامي الذي قلته في ' الانتصار ' ص 126-127، الذي جاء في صدد الحديث عن أن الاستهانة في الصغائر قد تؤدي بصاحبها إلى الوقوع في الكبائر، والاستهانة في الكبائر قد تؤدي بصاحبها إلى الوقوع في الكفر .. وقولنا ' قد ' أي أحياناً تؤدي الاستهانة بصاحبها للوقوع في الكفر، وأحياناً لا تؤدي .. فتنبه لذلك .. فقلت:' إن الاسترسال في المعاصي والاستهانة بها قد تؤدي إلى ما هو أعظم منها، كما يقول أهل العلم: فالاستهانة بالصغائر والإكثار منها قد تؤدي بصاحبها إلى الوقوع في الكبائر، والإكثار من الكبائر والاستهانة بها قد تؤدي إلى الكفر والعياذ بالله '.
إلى أن قلت مستدلاً على هذا الكلام بالإدمان على شرب الخمر، والإدمان على الزنى .. وسأدع ما ذكرته عن المدمن على الخمر إلى حين الرد على المثال الثاني من الكذابين .. وسأقتصر هنا على ذكر ما قلته بخصوص الزاني .. وهو ما يناسب الرد على كلام الكذاب الكبي .. وإليك كلامي بتمامه:' الزاني عندما يزني أول مرة، تراه يقع في الندم والحرج الشديدين لوقوعه في الذنب، فإن عاد وزنى ثانية يقل عنده الحرج، وهكذا في الثالثة والرابعة حتى ينعدم عنده مطلق الحرج والندم، وينتقل الحرج عنده ـ مع التكرار ـ إلى سرور واستحسان لما يصنع، ولربما يصل به فجوره إلى أن يباهي الآخرين بفجوره وبما يصنع، ويعتبر ذلك من حقوقه الشخصية التي لا دخل لأحد فيها، فيقع بذلك في الكفر البواح ' انتهى.
هذا الذي قلته .. فأين قولي بأن المداوم على الزنى هو كافر لأنه مستحل ..؟!!
فهو يقع بذلك في الكفر عندما يصل به الحال إلى استحسان الزنى .. ويعتبر الزنى حقاً من حقوقه الشخصية التي لا دخل لأحد فيها .. وليس لأنه مداوم عن الكبيرة ؟!!
ثم تأمل قولي' ولربما يصل به فجوره ..' الذي يفيد احتمال أن يصل به فجوره إلى الكفر .. وهذا ليس لازماً على الدوام لاحتمال حصول الآخر؛ وهو أن لا يصل به فجوره إلى الكفر ' فربَّ ' حرف جر يفيد التكثير أو التقليل من الشيء .. ولا يفيد عموم ومطلق الشيء.
فهذا كله قد غفل عنه الكذاب الكبي مدير معهد الإمام البخاري ..!!
ثم الذي قلناه قاله قبلنا أهل العلم، قال ابن أبي العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية: النفاق والردة مظنتهما البدعة والفجور، كما ذكر الخلال في كتابه السنة بسنده إلى محمد بن سيرين، أنه قال: إن أسرع الناس ردةً أهل الأهواء، وكان يرى هذه الآية نزلت فيهم وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره ( ا- هـ.
وقال الشيخ ناصر في السلسلة 5/14: في تعليقه على إنكار ابن مسعود على أصحاب
الحلقات الذين كانوا يذكرون بالحصى .. وجاء في الأثر أن أصحاب هذه الحلقات أنفسهم هم ممن قاتل علياً t مع الخوارج في النهروان .. قال الشيخ ناصر معلقاً على ذلك:' من الفوائد التي تؤخذ من الحديث والقصة أن البدعة الصغيرة بريد إلى البدعة الكبيرة، ألا ترى أن أصحاب تلك الحلقات صاروا بعدُ من الخوارج الذين قتلهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، فهل من معتبر؟! ' ا- هـ.
قلت: والخلاف على كفر الخوارج خلاف معروف عند أهل العلم ..!
المثال الثاني: وهو الدكتور عبد الله الفارسي، كما يُعرف عن نفسه، وهو أكذب من الذي قبله ..!!
وإليك قوله الظالم فينا .. ثم يأتيك بعد ذلك التعقيب والرد عليه .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فقال تحت عنوان التنوير بحال المدعو' أبو بصير '، كما في مقاله المنشور في موقع ' أنا المسلم للحوار الإسلامي ' على الإنترنت: فكر الخوارج ـ أي الذي قولنا إياه ـ قال في كتابه المذكور أعلاه ـ وهو كتابنا انتصار لأهل التوحيد .. ملاحظات وردود على شريط الكفر كفران ـ ص126 و 127:' فتأمل قوله r ( مدمن خمر كعابد وثن ) وقوله ( لا يدخل الجنة مدمن خمر ): الإدمان على الشيء غالباً ما يتبعه استحسان لهذا الشيء .. الحديث يحمل عليه ـ هكذا ـ على ظاهره المكفر والمخرج له عن الملة. وكذلك الزاني ..'!!!!!!!!!!!!!!!!!! انتهى.
قلت: قبل أن أنشغل في الرد على هذا المفتري الظالم .. أود أن أشير إلى أن إشارات التعجب المثبتة أعلاه هي من صنيع الرجل .. حيث من عادته كلما كتب عبارة أو بضعة كلمات ـ لا تستحق استفهاماً ولا تعجباً ـ أن يضع بعدها عشرات إشارات التعجب تعبيراً عما في نفسه من حسد، وحقد وغيظ، ولؤم على عباد الله ..!
لكن العبارة المثبتة أعلاه تستحق ـ عما يبدو ـ هذا العدد الكبير من إشارات التعجب؛ لأنه وضعها تعجباً من جرأته على الكذب والظلم، وكأنه يقول: هاأنذا أكذب وأظلم بكل وقاحة وجرأة، ولا أستحي من الناس، ولا رب الناس .. ثم هو يتعجب من وقاحته وجرأته على الكذب والظلم؛ فيضع تلك الإشارات التعجبية على نفسه!
عودة إلى ما نقله هذا الكذاب المفتري الظالم عني فأقول: ما نقله هذا الرجل عني ليس هو كلامي .. وإنما هو كلام مبتور ومأخوذ من كلامي بطريقة خبيثة تظهر كلامي على غير حقيقته ومعناه الذي أردته، وإليك ـ أيها القارئ المنصف ـ كلامي بتمامه الذي جاء كتدليل على أن الاستهانة بالمعاصي والتهاون بها مع الاسترسال بها قد يؤدي إلى ما هو أكبر منها حيث قلت كما في نفس المصدر الذي عزى إليه ذاك المفتري، ص 126: فتأمل قوله r:' مدمن خمر كعابد وثن ' وقوله:' لا يدخل الجنة مدمن خمر '، ومثل هذا الوعيد الشديد لا يكون بحق من يشرب الخمر مرة أو مرتين؛ لأن الإدمان على الشيء غالباً ما يتبعه استحسان لهذا الشيء ويحصل له من الانقياد مالا يحصل لغيره، ولربما يصل الحال بصاحبه إلى أن يوالي ويعادي عليه، ويقاتل في سبيله ولأجله، وهذا نلاحظه عند مدمني المخدرات الذين يضحون بجميع ما يملكون في سبيل المخدرات، وتكون المخدرات بالنسبة لهم محور اهتماماتهم وحياتهم، ولا شك في أن المرء إذا وصل به الإدمان إلى هذه المرحلة فإن الحديث يُحمل عليه على ظاهره المكفر والمخرج له عن الملة . انتهى كلامي.
ابن الوافي
12-10-2005, 12:00 AM
يتبـــــع للبحث 11
هذا هو كلامي أيها القارئ، فأعد قراءته ثانية ثم تأمل حجم البتر، والتحريف، والتزوير الذي لجأ إليه هذا الرجل ..؟!
فالحديث يُحمل عليه على ظاهره إذا وصل الإدمان على الخمر بالمدمن موصلاً أدى به إلى أن يوالي فيه ويعادي فيه، ويقاتل في سبيله، ويضحي في سبيله كل ما يملك ـ من دين وعرض ومال وأرض ـ ويكون الخمر بالنسبة له محور اهتماماته وحياته .. فهذا الذي قلنا عنه يُحمل الحديث عليه على ظاهره !
ألا يوجد فرق كبير بينه وبين ما حاول إثباته وإلصاقه بنا الدكتور الفارسي ..؟!
ثم قولي ' إذا وصل به الإدمان .. ' يفيد أنه إذا لم يصل به الإدمان إلى ما تقدمت الإشارة إليه .. لا يُحمل الحديث عليه على ظاهره المكفر .
ويفيد كذلك أنه لا يستلزم بالضرورة أن كل مدمن على الخمر سيقع بما تقدم ذكره مما يستلزم التكفير .. وكذلك قولي ' غالباً ما يتبعه .. ولربما يصل الحال ..' الذي لا يفيد الجزم أن كل من أدمن سيقع في الاستحلال والكفر ..!
فكلامي واضح وصريح ولله الحمد .. لا غموض فيه ولا التواء .. ولكن الفارسي أبى إلا أن يحمله مالا يحتمل، ويقولنا مالا نقول، ويلزمنا زوراً وبهتاناً مذهب الخوارج الضلال .. !!
أما قوله عني ' وكذلك الزنى ' ومن دون أن يذكر تمام كلامي .. فقد تقدم الرد عليه عند الرد على الكذاب الأول مدير معهد الإمام البخاري ..!!
ثم أقول للفارسي: إن لي كلاماً محكماً صريحاً فصلاً ـ وفي مواضع عديدة من كتبي وأبحاثي، وردودي ـ أرد فيه على الخوارج تكفيرهم بالكبائر .. وأبرأ فيه إلى الله تعالى من قولهم واعتقادهم .. فعلام أغفلت عنه يا فارسي .. وغضضت الطرف عنه ـ مع علمك به ـ مادمت قد تصديت للحديث عن عقيدتي في أهل الكبائر ؟!!
ما الذي حملك على هذا الظلم يا فارسي .. البحث العلمي المنصف .. أم أنه الهوى، والحقد والحسد، والمرض، وحب صرف وجوه الناس إليك، وإشغالهم بك ..؟!!
سهل عليك يا فارسي أن تقول الآن ما تشاء .. وتكتب ما تشاء .. وتفتري على إخوانك ما تشاء .. ولكن عند الله تعالى يوم القيامة سيصعب عليك أن تجيب عن كل ما قدمت في حياتك من ظلم وافتراء على إخوانك ..!!
ومما قاله الدكتور الفارسي كذلك: أعطي مثلان ممن يروج لفكر التكفير .. [ فأتى على ذكر الشيخ سفر ـ حفظه الله ـ كمثال أول ممن يروج لفكر التكفير ..! >.
ثم عرض على ذكري كمثالٍ ثانٍ أروج لفكر التكفير فقال:' قال المدعو أبو بصير في رده السيئ على العلامة المحدث الألباني رحمه الله: وقال ابن القيم: وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى مالا يضاده، فالأول: كالسجود للصنم ... والحكم بغير ما أنزل الله ..' !!!! ص71، كيف جعل السجود للصنم والحكم بغير ما أنزل الله في النوع الأول فقط وابن القيم رحمه الله جعله في الثاني، وقال عنه' لا يخرج من الملة ' ؟؟؟؟!!!!!!!!!! انتهى.
هذا هو كلامه بما في ذلك إشاراته التعجبية والاستفهامية .. وأرد عليه في النقاط التالية:
1- هذا النقل عن ابن القيم ليس لي .. فأنا لم أنقل عن ابن القيم .. وإنما نقلت ما قاله الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في كتابه ' توحيد الخلاق ' صفحة 135، نقلاً عن ابن القيم .. فالناقل عن ابن القيم هو الشيخ سليمان .. وأنا ناقل عن الشيخ سليمان ..!
وبالتالي فإن الفارسي في حقيقته يرد على الشيخ سليمان آل الشيخ وليس علي .. ولكن لحقده، وجبنه وخوفه من أحباب الشيخ سليمان في الجزيرة وغيرها لم يتجرأ على ذكر اسم الشيخ .. واكتفى بذكر اسمي لعلمه أن أبا بصير سهل المنال .. وليس له بواكي !!
2- ما نقله الفارسي .. ليوهم أنه تعقبني في نقلي عن ابن القيم .. ليس هو نفس ما ذكرته في كتابي ' الانتصار لأهل التوحيد ..' كما نقلته عن الشيخ سليمان آل الشيخ .. وإنما حذف وبتر وزور كعادته التي جبل عليها .. فظلمني بذلك وظلم الشيخ سليمان آل الشيخ رحمه الله .. وإليك كلامي بتمامه كما في المصدر المذكور ص71، الذي سماه الفارسي بالرد السيئ على الشيخ ناصر ..!
قلت: قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى في كتابه ' توحيد الخلاق ' نقلاً عن ابن القيم: وههنا أصل آخر وهو أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد، فكفر الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكام دينه وما جاءت به رسله، وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه . وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى مالا يضاده، فالأول: كالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف وقتل النبي، وسبه والاستهزاء بما جاء به، والحكم بغير ما أنزل الله حيث كان فيه رد لنص حكم الله عياناً راضياً بذلك، وترك الصلاة عناداً وبغياً ا- هـ.[ انظر كتاب توحيد الخلاق، طبع دار طيبة، صفحة 135 >.
هذا الذي قلته ونقلته عن الشيخ سليمان .. وهذا الذي قاله الشيخ سليمان نقلاً عن ابن القيم كما في المصدر المذكور أعلاه .. فهل هكذا كان نقل الدكتور الفارسي عنا .. الجواب يعرفه كل قارئ منصف بأنه لا ..!
فهو كذب في نقله أكثر من مرة:
مرة لما قال: قال المدعو أبو بصير .. وقال ابن القيم .. والصواب: قال الشيخ سليمان آل الشيخ قال ابن القيم ..!!
ومرة لما بتر النقل بصورة تسيء لي، وللشيخ سليمان .. ولابن القيم رحمهما الله تعالى، وذلك عندما قال' والحكم بغير ما أنزل الله ' .. والصواب المثبت:' والحكم بغير ما أنزل الله حيث كان فيه رد لنص حكم الله عياناً راضياً بذلك ' فهذه الزيادة التي تعمد حذفها توضح صفة الحاكم الذي يرى الشيخ سليمان، وابن القيم كفره بسببها ..!!
ومرة لما قال عني:' كيف جعل السجود للصنم والحكم بغير ما أنزل الله في النوع الأول فقط، وابن القيم رحمه الله جعله في الثاني، وقال عنه: لا يخرج من الملة ..' !!
وأنا لم أجعل شيئاً من هذا كله .. وإنما الذي فعلته نقلت كلام الشيخ سليمان عن ابن القيم فقط ومن دون أي تعليق ..!!
ومرة لما كذب على ابن القيم وقوله ما لم يقل؛ وذلك عندما أظهر ابن القيم أنه لا يرى كفر الحاكم بغير ما أنزل الله ..!!
والصواب: أن ابن القيم ـ كغيره من أهل العلم ـ يقسم الحكم بغير ما أنزل الله إلى قسمين: قسم يكفر، وقسم لا يكفر، وإليك قوله كما في بدائع التفسير2/112: الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين؛ الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا كفر أصغر . وإن اعتقد أنه غير واجب، وأنه مخير فيه، مع تيقنه حكم الله، هذا كفر أكبر ا- هـ.
ومرة لما أوهم القراء أنني لا أرى التقسيم الذي تقدم ذكره عن ابن القيم .. حيث أنني أرى الحكم بغير ما أنزل الله على الاطلاق كفراً أكبر مخرجاً عن الملة .. وهذا بخلاف مذهبنا الذي أثبتناه في كثير من كتبنا وأبحاثنا .. ويعلم ذلك عنا من له أدنى دراية بكتبنا وما يصدر عنا .. فكيف بالباحثين ' أمثال الدكتور الفارسي ' الذي يبحث عن الهفوات في المياه العكرة .. لا شك أنه يعلم ذلك عنا يقينا .. ولكن حقده، وحسده، وكذبه المجبول عليه حمله على أن يخفي ذلك عنا ويقولنا ما لم نقل ولا نرى ..!
وقد أثبتنا ذلك التقسيم في كتابنا ' الانتصار لأهل التوحيد ..' صفحة 110-111، وهو لا شك من الكتب التي وقف عليها الفارسي، وقد فلاه صفحة صفحة عسى أن يجد فيه ما يشفي غليله وحقده .. ولكن أنىَّ !!
كل هذه الكذبات قد كذبها علينا الدكتور الفارسي في هذا النقل الذي أراد أن يتعقبنا فيه، والذي لا يتجاوز السطرين ..!!
مشكلتنا معك ـ يا فارسي ـ ومع من هم على شاكلتك .. ليس الخلاف على تقرير هذا التقسيم الثابت عن أهل العلم، فلا أحد يختلف معك ـ ومع من هم على نهجك وطريقتك ـ في الحكم بغير ما أنزل الله أن منه ما يكون كفراً أكبر، ومنه ما يكون كفر دوم كفر ..!
ولكن المشكلة الكبرى معكم تكمن في توصيف الحاكم الذي يكفر من الحاكم الذي لا يكفر .. تكمن في الخلاف على طواغيت الحكم والكفر والإجرام المعاصرين، الذين دخلوا في موالاة اليهود والنصارى، وحاربوا الله ورسوله، والمؤمنين .. من أي صنف هم .. هل هم من الصنف الذين كفروا كفراً أكبر، أم من الذين كفروا كفراً دون كفر .. هنا تكمن المشكلة معكم، وهنا يكمن موطن الخلاف والنزاع ..؟!!
3- زعم الفارسي أنه استطاع أن يتعقب الشيخ ناصر ـ في مسائل الإيمان ـ من تلقاء نفسه .. ومن دون أن يسبقه لذلك أحد قد استفاد منه، ومن تعليقاته، فقال عن الشيخ ناصر كما هو منشور في موقع ' أنا المسلم للحوار الإسلامي ' متسائلاً:' هل حذر سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله وسائر اللجنة معه من زلة العلامة الألباني رحمه الله ـ أي زلته في الإيمان ـ الذي يظهر من عدة أمور، أنه نعم فعلوا .. إلى أن قال: ولا شك أن قول الشيخ الألباني ' الكفر عمل القلب وليس عمل البدن '[ شريط الكفر كفران >. ونحوه من العبارات أخطاء جسيمة ومن أقوال غلاة المرجئة نسأل الله العافية، وواجب على من عرف الحق أن يجتنب مثل تلك الزلات إن كان ناصحاً لنفسه ويريد لنفسه الخير والنجاة ..!
وفي نفس الموضع يقول: وكون الشيخ رحمه الله ورضي عنه وافق في بعض عباراته بعض أقوال أهل الإرجاء لا يجعله ذلك مرجئاً والعياذ بالله! بل هو سني سلفي مجتهد مأجور إن شاء الله .. ا- هـ.
أقول: ألخص تعليقي على كلامه الساقط هذا في النقطتين التاليتين:
أولاً: كيف نوفق ـ يا فارسي ـ من كون الشيخ يقول بقول غلاة المرجئة ـ وليس بقول المرجئة وحسب ـ وأن الشيوخ يحذرون من زلته في الإيمان .. وبين قولك أن الشيخ ليس مرجئاً، وإنما هو سني سلفي في مسائل الإيمان ..؟!!
لعلك تريد أن تقول: أن الشيخ وإن قال بقول غلاة المرجئة .. إلا أنه هو بعينه ليس مرجئ لوجود الموانع التي تمنع من لحوق حكم الإرجاء به .. فإن كان هذا هو مرادك ـ ولا يُحمل كلامك إلا على هذا المحمل ـ فأظهر لنا هذه الموانع أيها الفحل الفارسي ..!!
ثانياً: من الذي عرَّفك ـ وعرف غيرك ـ على أن الشيخ يقول بقول غلاة المرجئة .. أليس كتابنا :' ملاحظات وردود على شريط الكفر كفران ' الذي تصفه بأنه سيئ .. والذي قمنا فيه بتفريغ الشريط، والرد عليه كلمة .. كلمة ؟؟!
حذار أن تكذب ـ كعادتك ـ وتقول للناس أنك ـ من خلال اجتهادك وبحثك وتنقيبك في آثار الشيخ ـ قد اكتشفت من تلقاء نفسك شريط ' الكفر كفران ' .. وأن الشيخ يقول فيه بقول غلاة المرجئة ..؟!!
فهلاّ أمسكت عن التشبع بما لم تعط .. ورددت الفضل إلى أهله ؟!
فهذا الذي تطلقه بحق الشيخ ناصر في هذه الأيام ـ وتشغل الشباب بك وبإطلاقاتك المتناقضة التي تنم عن الجبن والخوف ـ قد ذكرناه بصورة واضحة جلية، وصدعنا به ـ وتحملنا مسؤوليته وتبعاته ـ ناصحين مشفقين قبل وفاة الشيخ بست سنوات .. أما أنت فلم تتجرأ على التنفس فيما تزعم أنك اكتشفته من تلقاء نفسك إلا بعد وفاة الشيخ .. مما يرجح أنك لا تريد النصح .. وإنما تريد الشهرة، وصرف وجوه الناس إليك، وبأي ثمن ..!!
من خلال عبارات واهية محرفة ومزورة لفقتها علينا ـ هي عليك وليست لك ـ تجرأت بسببها على أن تقول في حقنا أننا من دعاة الترويج إلى فكر الخوارج والتكفير ..!!
والشيخ من خلال عباراته الصريحة والواضحة أنها من أقوال غلاة المرجئة ـ كما تقول ـ لم تتجرأ على القول بحقه أنه مرجئ .. بل هو سني سلفي مأجور كما زعمت ..؟!
هلاّ حملت نفسك على العدل والإنصاف يا فارسي ..؟!!
4- أما قولك عنا ـ يا فارسي ـ بأننا نروج التكفير .. لتنفر عنا الناس!!
نقول لك ـ ولمن كان على شاكلتك ممن يحذر من التكفير ـ بكل وضوح وحزم وجد، غير مترددين، ولا شاكين، ولا خائفين: نعم .. نحن من الدعاة إلى التكفير .. تكفير من كفرهم الله ورسوله من الطواغيت المجرمين .. دعاة إلى تكفير من يحاد الله ورسوله، ويحارب الإسلام والمسلمين .. تكفير من بدل شرع الرحمن بشرائع الكفر والطغيان .. تكفير من جعل من نفسه
نداً في خاصية التشريع أو في أي خاصية من خصوصيات الله تعالى وحده ..!!
المشكلة فيكم .. أنكم لم تحسنوا التمييز بين التكفير وبين الغلو في التكفير .. فحاربتم واستعديتم مطلق التكفير؛ بما في ذلك التكفير الذي ألزم الله تعالى به العباد، وشرعه في دينه ..!!
أما نحن ـ ولله الحمد والمنة والفضل كله ـ فإن الله تعالى قد هدانا إلى تكفير من يجب تكفيره شرعاً .. كما أنه تعالى قد هدانا إلى اعتزال ومحاربة الغلو في التكفير.
ـ خلاصة القول في الكذابين:
من خلال وقوفنا على كلام المخالفين من الكذابين الوضاعين .. نستخلص النتائج التالية:
1- أن كتبنا وأبحاثنا ـ ولله الحمد والمنة والفضل ـ وبخاصة منها كتابنا ' الانتصار لأهل التوحيد ..' هي نظيفة وخالية من أدنى مخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة .. الطائفة المنصورة الناجية؛ بدليل أن المخالفين لنا ـ على ما أتوا من جرأة على الكذب والتزوير، والتحريف .. وبعد البحث والتنقيب الطويل ـ لم يتمكنوا من أن يأخذوا علينا مأخذاً صحيحاً واحداً .. مما حملهم ذلك على الكذب والافتراء الذي قد تقدم الرد عليه ..!
2- من جرأة القوم على الكذب أنهم يكذبون علينا ونحن أحياء .. ومع علمهم المسبق أن كذبهم سيُعرف .. فكيف بهم بعد مماتنا .. لا شك أنهم سيكونون أكثر جرأة في الكذب علينا .. لذا ننصح إخواننا وكل منصف طالب للحق أن لا يقبل كلام أحد يُقال فينا إلا بعد مراجعة ما قالوه عنا من مصادرنا في كتبنا وأبحاثنا، وكلامنا المنشور والموثق .. وهي متوافرة بكثرة بين أيدي الإخوان ولله الحمد.
3- نستفيد كذلك أن الأمانة قد رقت وخفت عند الناس إن لم تكن قد فقدت ورُفعت، وأن الكذب هو السائد في أخلاق كثير من الناس بما في ذلك كثير من الدعاة في هذا الزمان .. نسأل الله تعالى السلامة والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة!!
لذا فإنني أنصح نفسي وإخواني من الشباب أن لا يُقبلوا على أي داعية أو شيخ ـ وإن تزي بزي الدعاة والمشايخ، وشُهر صيته واسمه! ـ يقلدونه دينهم إلا بعد أن يتثبتوا من عدالته وأخلاقه واستقامته .. هذا ما أنصح به نفسي وإخواني.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ابن الوافي
12-10-2005, 12:02 AM
لمحات عن حياة الرسول 32 موضوع
رجال حول الرسول 56 موضوع
عظماء في الإسلام24 موضوع
الإعجاز العلمي في القرآن والسنّه 23 موضوع
الآداب الإسلاميه 39 موضوع
الحج والعمره 14موضوع
البحث 12
تاريخ عصر الخلافة الراشدة
تاريخ عصر الخلافة الراشدة
عصر الخلافة الراشدة تعرض كغيره من فترات التاريخ لكثير من التشويه وخاصة من كتاب التاريخ واساتذة الجامعات وكثير منهم لم يدرس على اساتذة من المسلمين فيتعامل مع تاريخ الصحابة تعامله مع أي فترة تاريخية!
ومن القضايا التي يجدر بالمسلم معرفتها :
أولا: مكانة الصحابة رضوان الله عليهم والذي تعرض لتشويه مقصود من قبل الرافضة
ثانيا:عرض الأحداث في عصر الخلافة بطريقة تسيء لذلك الجيل الذي لم يشهد التاريخ له مثيلا
ثالثا: الخلط في المصادر والظن بأن كل مصدر متقدم فهو موثوق في خبره بدون النظر للتوجهات الفكرية لمؤلف الكتاب.
مصادر ومراجع موثوقة
لدراسة تاريخ الخلافة الراشدة
- الاصابة لابن حجر العسقلاني
تاريخ دمشق لابن عساكر ترجمة الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم:
طبقا ت ابن سعد تراجم الخلفاء الأربعة
أنساب الأشراف للبلاذري تراجم الخلفاء الأربعة
فضائل الصحابة من كتب السنة
الاستيعاب لابن عبدالبر
تاريخ الإسلام للذهبي
تاريخ الخلفاء للسيوطي
تهذيب البداية والنهاية للدكتور محمد بن صامل السلمي وهو في أربعة أجزاء:
أبو بكر- عمر - عثمان - علي رضي الله عنهم
ابن تيمية -منهاج السنة النبوية
تاريخ خليفة بن خياط
كتاب الشريعة لللأجري تحقيق الدكتور عبدالله بن عمر الدميجي ط/دار الوطن
منهج كتابة التاريخ الإسلامي محمد بن صامل السلمي
الولاية على البلدان في عصر الخلافة الراشدة عبدالعزيز بن إبراهيم العمري
عبدالله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة سليمان بن حمد العودة
فتنة مقتل عثمان محمد عبدالله الغبان
استشهاد عثمان ومعركة الجمل خالد محمد الغيث
تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة محمد امحزون
ابن الوافي
12-10-2005, 12:03 AM
البحث 13
تاريخ الدولة الأموية
تاريخ الدولة الأموية
الدولة الأموية داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم ((خير الناس أمتي ثم الذين يلونهم)) وقد تعرضت هذه الفترة لتشويه عجيب :
- .
ومن الكتب الهامة في التي تتعلق بتاريخ الدولة الأموية كتاب الدكتور عبدالشافي عبداللطيف وهو بعنوان العالم الإسلامي في العصر الأموي
وكتاب الدكتور يوسف العش الدولة الأموية
-معاوية بن أبي سفيان للدكتور خالد الغيث.
شروط كتابة التاريخ :
يشترط في كتابة التاريخ عدد من الشروط منها العلم بالحادثة التاريخية ثم العدل في التعامل معها
ويشترط في كاتب التاريخ الإسلامي معرفة أمور منها:
أولا أن يعتبر الأمة المسلمة وحدة واحدة من ادم إلى محمد صلى الله عليه وسلم
ابن الوافي
12-10-2005, 12:05 AM
البحث 14
مصادر الفقه الإسلامي
مصادر الفقه الإسلامي
مصادر الفقه الإسلامي هي :الأدلة التي نصبها الشارع دليلا على الأحكام ، وهذه الأدلة بعضها محل إجماع بين العلماء وهي الكتاب والسنة والإجماع ، والجمهور على اعتبار القياس دليلا رابعا . يضاف إلى تلك المصادر التبعية ومنها : الاستحسان والمصالح المرسلة والعرف وغيرها وقبل أن نتناول هذه المصادر بشيء من التفصيل ينبغي أن نبين أن هذه المصادر كلها في الحقيقة ترجع إلى مصدر واحد وهو الكتاب .
فكل مصدر بعد ذلك منبعث منه ويعتمد عليه ، ولذا كان الشافعي رحمه الله يقول : ( إن الأحكام لا تؤخذ إلا من نص أو حمل على نص ) ولا شيء عنده غير النص والحمل عليه ، وإن كان هو يضيق في معنى الحمل على النص فيقتصر على القياس ، وغيره من الأئمة يوسعون معنى الحمل على النص فيدمجون فيه كل المصادر التبعية الأخرى وسنتناول أولا المصادر الأصلية وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس ثم نتناول بعد ذلك أهم المصادر والتبعية وهي الاستحسان والاستصلاح والعرف .
المصادر الأصلية
أولا : الكتاب:
فأما الكتاب وهو القرآن فإنه هو الأصل في التشريع الإسلامي فقد بينت فيه أسس الشريعة وأوضحت معالمها في العقائد تفصيلا وفي العبادات والحقوق إجمالا. وهو في الشريعة الإسلامية كالدستور في الشرائع الوضعية لدى الأمم، وهو القدوة للنبي صلى الله عليه وسلم فمن بعده ولذا كان هو المصدر التشريعي الأصلي غير أن الكتاب بصفته الدستورية إنما يتناول بيان الأحكام بالنص الإجمالي ولا يتصدى للجزئيات وتفصيل الكيفيات إلا قليلا، لأن هذا التفصيل يطول به ويخرجه عن أغراضه القرآنية من البلاغة وغيرها فقد ورد فيه الأمر مثلا بالصلاة والزكاة مجملا،ولم يفصل فيه كيفية الصلاة ولا مقاديرها، ولم يفصل فيه كيفية الصلاة ولا مقاديرها ،بل فصلتها السنة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله . وكذلك أمر القرآن بالوفاء بالعقود ونص على حل البيع وحرمة الربا إجمالا ولكن لم يبين ما هي العقود والعهود الصحيحة المحللة التي يجب الوفاء بها وأما الباطلة أو الفاسدة التي ليست محلا للوفاء ، فتكفلت السنة أيضا ببيان أسس هذا التمييز على أن القرآن قد تناول تفصيل جزئيات الأحكام في بعض المواضع كما في المواريث وكيفية اللعان بين الزوجين وبعض الحدود العقابية والنساء والمحارم في النكاح ،ونحو ذلك من الأحكام التي لا تتغير على مر الأيام .
ولهذا الإجمال في نصوص القرآن ميزة هامة أخرى بالنسبة إلى أحكام المعاملات المدنية والنظم السياسية والاجتماعية فإنه يساعد على فهم تلك النصوص المجملة وتطبيقها بصورة مختلفة يحتملها النص فيكون اتساعها قابلا لمجاراة المصالح الزمنية وتنزيل حكمه على مقتضياتها بما لا يخرج عن أسس الشريعة ومقاصدها وعلى كل بهذا الإجمال في نصوص الكتاب كانت هذه النصوص محتاجة إلى بيان بالسنة النبوية ليمكن تطبيقها في الكيفيات والكميات ولتعرف حدودها في الشمول والاقتصار وتنزل عليها جزئيات الحوادث والأعمال .
لذلك جاء في القرآن إحالة عامة على السنة النبوية في هذه التفصيلات بقوله تعالى : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) ومن ثم كانت السنة مفتاح الكتاب . وقد اتفق المسلمون على أن القرآن مصدر من مصادر التشريع ، وأن أحكامه واجبة الاتباع ، وأنه المرجع الأول، ولا يلجأ أحد إلى غيره إلا إذا لم يجد ما يطلبه فيه ، وأن دلالته على الأحكام قد تكون قطعية إذا كان اللفظ الوارد فيه يدل على معنى واحد ولا يحتمل غيره وقد تكون ظنية إذا كان لفظه يحتمل الدلالة على أكثر من معنى
ثانيا : السنة:
أ/ يطلق لفظ السنة على ما جاء منقولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير . وهي بهذا المعنى مرادفة للفظ ( الحديث ) وقد نطلق على معنى الواقع العملي في تطبيقات الشريعة في عصر النبوة أي الحالة التي جرى عليها التعامل الإسلامي في ذلك العصر الأول .
ب/ والسنة تلي الكتاب رتبة في مصدرية التشريع من حيث إن بها بيان مجمله وإيضاح مشكله وتقييد مطلقه وتدارك ما لم يذكر فيه . فالسنة مصدر تشريعي مستقل مـن جهة لأنها قد يرد فيها من الأحكام ما لم يرد في القرآن ، كميراث الجدة ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بتوريث جدة المتوفى سدس المال
ولكن السنة من جهة أخرى يلحظ فيها معنى التبعية للقرآن لأنها علاوة على كونها بيانا وإيضاحا له ولا تخرج عن مبادئه وقواعده العامة حتى فيما تقرر من الأحكام التي لم يرد ذكرها في القرآن . فمرجع السنة في الحقيقة إلى نصوص القرآن وقواعده العامة والسنة بصورة عامة ضرورية لفهم الكتاب لا يمكن أن يستغني عنها في فهمه وتطبيقه،وإن كان فيها ما لا يتوقف عليه فهم الكتاب هذا التوقف .
ج/ و ا لسنة تنقل نقلأ بالرواية لا نقضاء عصر الرسالة ، وانقطاع مشافهة الرسول بوفاته صلى الله عليه وسلم، لا يقبل منها في تشريع الأحكام الفقهية إلا ما كان صحيح الثبوت بشرائط معينة شديدة . وقد تكلف علماء السنة بتمييز مراتب الأحاديث النبوية حيث قسموها إلى صحيح وحسن ( وهما يقبلان في تشريع الأحكام ) وضعيف أو موضوع (وهما غير مقبولين ) . ومن أشهر كتب السنة المعتمدة الصحيحان صحيح البخاري وصحيح مسلم والسنن الأربعة وهي لكل من أبى داود والنسائي والترمذى وابن ماجة .كما يحتل كل من موطأ مالك ومسند أحمد بن حنبل مكانة هامة عند الفقهاء والمحدثين .
هـ/ ولا خلاف في أن السنة مصدر للتشريع كما قدمنا ولكن رتبتها في ذلك تالية لرتبة الكتاب ، بمعنى أن الاحتجاج بالكتاب مقدم على الاحتجاج بالسنة فإن المجتهد يبحث عن الحكم في الكتاب أولا فإن وجده أخذ به وإن لم يجده تحول إلى السنة ليتعرف على الحكم فيها دل على هذا الترتيب ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ : ( كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال أقضي بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) الحديث وما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى القاضي شريح : ( أن اقض بما في كتاب الله فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ولا يعرف مخالف لهذا .
ثالثا : الإجماع:
أ / الإجماع هو اتفاق الفقهاء المجتهدين في عصر على حكم شرعي معين. ولا فرق بين أن يكون هؤلاء المتفقون من فقهاء صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام بعد وفاته ،أو من الطبقات التي جاءت بعدهم .
ب/ والإجماع حجة قوية في إثبات الأحكام الفقهية ومصدر يلي السنة في المرتبة . ودليل اعتباره في هذه المكانة من مصدرية التشريع مجموعة آيات وأحاديث تدل على أن إجماع الكلمة من أهل العلم والرأي حجة .
ج/ الإجماع في ذاته إذا انعقد على حكم لا بد أن يكون مستنداً إلى دليل فيه ،وإن لم ينقل الدليل معه ، إذ لا يعقل أن تجتمع كلمة علماء الأمة الموثوق بهم تشهيا بلا دليل شرعي . ولذلك إذا أراد المتأخرون معرفته إنما يبحثون عن وجوده وصحة نقله لا عن دليله إذ لو وجب البحث عن دليله لكانت العبرة للدليل لا للإجماع بينما هو في ذاته حجة .
رابعا : القياس:
القياس هو إلحاق أمر بآخر في الحكم الشرعي لاتحاد بينهما في العلة. والقياس يأتى في المرتبة الرابعة بعد الكتاب والسنة والإجماع من حيث حجيته في إثبات الأحكام الفقهية ، ولكنه أعظم أثراً من الإجماع لكثرة ما يرجع إليه من أحكام الفقه ، لأن مسائل الإجماع محصورة ولم يتأت فيها زيادة لانصراف علماء المسلمين في مختلف الأقطار عن مبدأ المشورة العلمية العامة ولتعذر تحققه بمعناه الكامل فيما بعد العصر الأول كما أوضحناه . أما القياس فلا يشترط فيه اتفاق كلمة العلماء بل كل مجتهد يقيس بنظره الخاص في كل حادثة لا نص عليها في الكتاب أو السنة ولا إجماع عليها .
ولا يخفى أن نصوص الكتاب والسنة محدودة متناهية ، والحوادث الواقعة والمتوقعة غير متناهية فلا سبيل إلى إعطاء الحوادث والمعاملات الجديدة منازلها وأحكامها في فقه الشريعة إلا عن طريق الاجتهاد بالرأي الذي رأسه القياس . فالقياس أغزر المصادر الفقهية في إثبات الأحكام الفرعية للحوادث وقد كان من أسلوب النصوص المعهودة في الكتاب والسنة أن تنص غالبا على علل الأحكام الواردة فيها ، والغايات الشرعية العامة المقصودة منها ليمكن تطبيق أمثالها وأشباهها عليها في كل زمن.
ونصوص الكتاب معظمها كلي عام وإجمالي كما رأينا فانفتح بذلك طريق قياس غير المنصوص على ما هو منصوص ، وإعطاؤه حكمه عند اتحاد العلة أو السبب فيهما .
ووقائع القياس في فقه الشريعة الإسلامية لا يمكن حصرها فإن منها يتكون الجانب الأعظم من الفقه ولا يزال القياس يعمل باستمرار في كل حادثة جديدة في نوعها لا نص عليها . ومن أمثلة ذلك أنه ورد في الشريعة نصوص كثيرة في أحكام البيع أكثر مما ورد بشأن الإجارة فقاس الفقهاء كثيرا من أحكام الإجارة على أحكام البيع لأنها في معناه إذ هي في الحقيقة بيع المنافع . وكذلك ورد في الشريعة الإسلامية نصوص وأحكام بشأن وصي اليتيم عينت وضعه الحقوقي ومسئوليته وصلاحيته ، فقاس الفقهاء على أحكام الوصي وأحكام متولي الوقوف للشبه المستحكم بين الوظيفتين كما قاسوا كثيرا من أحكام الوقف نفسه على أحكام الوصية .
المصادر التبعية
هناك مستندات أخرى شرعية لإثبات الأحكام الفقهية غير المصادر الأربعة الأساسية المتقدمة وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على اعتبارها مستندا صحيحا لإثبات الأحكام . غير أن تلك المصادر إن هي في الحقيقة تبعية متفرعة عن تلك المصادر الأربعة الأساسية فلذا لم يعدها معظم العلماء زائدة عليها بل اعتبرت راجعة إليها . وأهم تلك المصادر الفرعية التبعية مصدران :
أولا : الاستصلاح:
الاستصلاح هو بناء الأحكام الفقهية على مقتضى المصالح المرسلة وهي كل مصلحة لم يرد في الشرع نص على اعتبارها ولم يرد فيه نص على إلغائها .
فهي إنما تدخل في عموم المصالح التي تتجلى في اجتلاب المنافع واجتناب المضار تلك المصالح التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها بوجه عام ، ودلت نصوصها وأصولها على لزوم مراعاتها والنظر إليها في تنظيم سائر نواحي الحياة ولم يحدد الشارع لها أفرادا ولا أنواعا،ولذا سميت ( مرسله ) أي مطلقة غير محدودة فإذا كانت المصلحة قد جاء بها نص خاص بعينها ككتابة القرآن صيانة له من الضياع ، وكتعليم القراءة والكتابة ، فعندئذ تكون من المصالح المنصوص عليها لا من المصالح المرسلة ويعتبر حكمها ثابتاً بالنص لا بقاعدة الاستصلاح .وإذا قام الدليل على إلغاء مصلحة معينة كالاستسلام للعدو مثلا ، فقد يظهر أن فيه مصلحة حفظ النفس من القتل ، ولكن هذه المصلحة لم يعتبرها الشارع ، بل ألغاها لمصلحة ارجح منها وهي حفظ كرامة الأمة وعزتها ، وبالتالي فهي تعتبر مصلحة ملغاة لا مصلحة مرسلة. وعموما يمكن أن نقول إن العوامل التي تدعو الفقيه إلى الاستصلاح هي :
1/ جلب المصالح : وهي الأمور التي يحتاج إليها المجتمع لإقامة حياة الناس على أقوم أساس
2/ درء المفاسد : وهي الأمور التي تضر بالناس أفرادا أو جماعات سواء كان ضررها ماديا أو خلقيا .
3) سد الذرائع : أي منع الطرق التي تؤدي إلى إهمال أوامر الشريعة أو الاحتيال عليها أو تؤدى إلى الوقوع في محاذير شرعية ولو عن غير قصد.
4) تغير الزمان : أي اختلاف أحوال الناس وأوضاع العامة عما كانت عليه . فكل واحد من هذا العوامل الأربعة يدعو إلى سلوك طريق الاستصلاح باستحداث الأحكام المناسبة المحققة لغايات الشرع ومقاصده في إقامة الحياة الاجتماعية على أصلح منهاج .ومن أمثلة العمل بالاستصلاح ما أحدثه عمر بن الخطاب- الخليفة الثاني رضي الله عنه – من إنشاء الديوان لضبط عطاء الجند وأرزاقهم ومدة خدمتهم ، ثم عمت الدواوين في مصالح أخرى . ومن هذا القبيل أيضا في عصرنا الحاضر تنظيم السير في الطرق الداخلية والخارجية بأنظمة خاصة بعد حدوث السيارات ، منعا للدهس والاصطدام وصيانة لأرواح الناس .
ثانياً: العـرف :
العرف هو : الشيء المعروف المألوف المستحسن الذي تتلقاه العقول السليمة بالقبول ومنه قوله تعالى : (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) ويفهم من هذا التعريف أنه لا يتحقق وجود العرف في أمر من الأمور إلا إذا كان مطرداً بين الناس في المكان الجاري فيه أو غالبا بحيث يكون معظم أهل هذا المكان يرعونه ويجرون على وفقه كتعارف الناس اليوم مثلا في بلاد الشام على أن المهر الذي يسمى للمرأة في عقد النكاح يكون ثلثاه معجلا وثلثه مؤجلا إلى ما بعد الوفاة أو الطلاق، فيجب أن يتحقق في تكوين العرف اعتقاد مشترك بين الجمهور وهذا لا يكون إلا في حالة الاطراد أو الغلبة على الأقل وإلا كان تصرفا فرديا لا عرفا .
وإذا كان العرف والعادات إلى اليوم تعد في نظر الحقوقيين مصدرا من أهم المصادر للقوانين الوضعية ذاتها ، فيستمد منه واضعوها كثيرا من الأحكام المتعارفة ، ويبرزونها في صورة نصوص قانونية يزال بها الغموض والإبهام الذي لا يجليه العرف في بعض الحالات، فإن الشريعة الإسلامية كذلك جاءت فأقرت كثيراً من التصرفات والحقوق المتعارفة بين العرب قبل الإسلام وهذبت كثيرا ونهت عن كثير من تلك التصرفات ، كما أتت بأحكام جديدة استوعبت بها تنظيم الحقوق والالتزامات بين الناس في حياتهم الاجتماعية على أساس وفاء الحاجة والمصلحة والتوجيه إلى أفضل الحلول والنظم لأن الشرائع الإلهية إنما تبغي بأحكامها المدنية تنظيم مصالح البشر وحقوقهم فتقر من عرف الناس ما تراه محققاً لغايتها وملائما لأسسها وأساليبها.
ومعظم العلماء يستدلون على مكانة العرف الفقهية في بناء الأحكام الشرعية بأثر قد روى عن عبد الله بن مسعود وهو من كبار فقهاء صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ) والاجتهادات الفقهية في الإسلام متفقة على اعتبار العرف وإن كان بينها شيء من التفاوت في حدوده ومداه . وقد أقام الفقهاء – وخاصة منهم رجال المذهب الحنفي-كبير وزن للعرف في ثبوت الحقوق وانتهائها بين الناس في نواحي شتى من المعاملات وضروب التصرفات .
واعتبروا العرف والعادة أصلا هاماً ومصدراً عظيما واسعا نثبت الأحكام الحقوقية بين الناس على مقتضاه في كل ما لا يصادم نصا تشريعيا خاصا يمنعه فالعرف دليل شرعي كاف في ثبوت الأحكام- الإلزامية والالتزامات التفصيلية بين الناس حيث لا دليل سواه بل إنه يترك به القياس إذا عارضه لأن القياس المخالف في نتيجته للعرف الجاري يؤدى إلى حرج فيكون ترك الحكم القياسي والعمل بمقتضى العرف هو من قبيل الاستحسان المقدم على القياس . أما إذا عارض العرف نصا تشريعيا آمرا بخلاف الأمر المتعارف عليه كتعارف الناس في بعض الأوقات على تناول بعض المحرمات كالخمور وأكل الربا فعرفهم مردود عليهم لأن اعتباره إهمال لنصوص قاطعة ، واتباع للهوى وإبطال للشرائع .
أهم المراجع والمصادر
- المدخل الفقهي العام ( الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد ) / للأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء / الطبعة التاسعة / مطابع ألف باء – الأديب / دمشق / 1967 – 1968م .
- تاريخ الفقه الإسلامي / د . عمر سليمان الأشقر . مكتبة الفلاح / الكويت / 1402 / 1982م .
- المدخل للفقه الإسلامي ( تاريخه وقواعده – مبادئه العامة ) / د . عبد الله الدرعان / مكتبة التوبة / الرياض / 1413ه – 1993م
- تاريخ الفقه الإسلامي / د . أحمد فراج حسين / الدار الجامعية / بيروت / 1989 م
- دراسة تاريخية للفقه وأصوله والاتجاهات التي ظهرت فيها / د. مصطفى سعيد الخن / الشركة المتحدة للتوزيع / دمشق / 1404هـ 1984م
- المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية / د. عبد الكريم زيدان / مطبعة العالي بغداد / 1389هـ / 1969 م
- المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي وقواعد الملكية والعقود فيه / للأستاذ / محمد مصطفى شلبي / دار النهضة العربية / بيروت / 1401هـ 1981م
- الشريعة الإسلامية / بدران أبو العينين بدران مطبعة م . ك / الإسكندرية / 1393ه / 1973م
-أصول الفقه / محمد أبو زهرة / دار الفكر العربي .
- تاريخ الفقه الإسلامي / أشرف على مراجعته وتصحيحه وتهذيبه / محمد علي السايس / دار المعارف / 1986م
- تعريف عام بالعلوم الشرعية / د. محمد الرحيلي / دار طلاس / دمشق / 1988م
ابن الوافي
12-10-2005, 12:06 AM
البحث 15
مسائل الطهارة في البلاد غير الإسلامية
مسائل الطهارة في البلاد غير الإسلامية
المسألة الأولى:
حكم استعمال أواني الكفار**
حكم استمال أواني الكفار إذا تيقن طهارتها :
اتفق الفقهاء رحمهم الله تعالى على أنه إذا تيقن المسلم طهارة أواني الكفار ، فإنه يجوز له استعمالها(1)
قال النووي في المجموع بعد ذكره لجواز استعمال أواني الكفار إذا تيقن طهارتها: (ولا نعلم فيه خلافا)(2)
المسألة الثانية:
حكم استعمال أواني الكفار إذا لم يتيقن طهارتها :
اختلف الفقهاء في حكم استعمال المسلم لأواني الكفار إذا لم يتيقن طهارتها ولم يغسلها على ثلاثة أقوال هي :
القول الأول : أنه يجوز استعمالها مطلقاً .
وهذا القول وجه عند الشافعية(3) ، و المذهب عند الحنابلة (4)
القول الثاني : انه يكره استعمالها .
وهذا القول مذهب الحنفية (5) ، ومذهب الشافعية (6) ورواية عند الحنابلة (7).
القول الثاني أنه يكره استعمالها .
القول الثالث : أنه لا يجوز استعمالها إلا بعد غسلها.
وهذا القول مذهب المالكية(8) ، ووجه عند الشافعية (9)، ورواية عند الحنابلة (10).
الأدلة
أدلة القول الأول
الدليل الأول :
قال الله تعالى : ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) المائدة:5
وجه الدلالة:
أنه الله سبحانه وتعالى أباح لنا أكل طعام أهل الكتاب ، ومعلوم أن طعامهم يطبخونه في قدورهم ويباشرونه بأيديهم وهذا يدل على طهارة أوانيهم التي يطبخون بها ويستعملونها (11).
الدليل الثاني :
عن عمران بن حصين رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه توضؤوا من مزادة مشركة )(12).
وجه الدلالة أن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مزادة مشركة يدل على طهارتها وهي من أواني المشركين مما يدل على طهارة أوانيهم .
الدليل الثالث :
عن جابر بن عبد الله قال : كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بهم فلا يعاب علينا(13) .
وجه الدلالة :
حيث دل هذا الحديث على استمتاع المسلمين واستفادتهم من آنية المشركين ، ولم يعاب عليهم وهذا يدل على طهارتها .
الدليل الرابع:
عن أنس رضي الله عنه أن يهودياً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير، وإهالة سَنَخَةٍ (14) ، فأجابه (15).
وجه الدلالة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب اليهودي الذي دعاه إلى الطعام ، ومعلوم أن الطعام يطبخ ويقدم في أواني ، وهذا يدل على أن أواني الكفار طاهرة ؛ لان أكل النبي صلى الله عليه وسلم منها دليل على طهارتها؛ لأنها لو كانت نجسة لما أكل منها النبي صلى الله عليه وسلم.
الدليل الخامس :
عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه توضأ من ماء نصرانية في جرة نصرانية (16).
وجه الدلالة :
أن وضوء عمر بن الخطاب رضي الله عنه من ماء النصرانية الذي في جرتها دليل على طهارة آنيتها ؛ لأنها لو لم تكن طاهرة لم يصح الوضوء من الماء الموجود فيها ، وهذا دليل على طهارة أواني الكفار .
الدليل السادس:
أن الأصل في أوانهيم الطهارة ، فلا ينتقل عن الأصل إلا بدليل ، ولا دليل ينقل عن الأصل فيبقى (17).
أدلة القول الثاني :
الدليل الأول:
عن أبي ثعلبة الخشني قال : ' أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، إنا بأرض قوم من أهل الكتاب نأكل في آنيتهم ، وأرض صيد أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعلم أو بكلبي الذي ليس بمعلم ، فأخبرني ما الذي يحل لنا من ذلك قال : أما ما ذكرت أنك بأرض قوم من أهل لكتاب ، تأكلون في آنيتهم ، فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها ، وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها ، وأما ما ذكرت أنك بأرض صيد ، فما أصبت بقوسك فاذكر اسم الله عليه ثم كل ، وما أصبت بكلبك المعلم فاذكر الله عليه ثم كل ، وما أصبت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل (18) .
وجه الدلالة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل في آنية أهل الكتاب إلا إذا لم يوجد غيرها فإنها تغسل ثم تستعمل ، وهذا يدل على كراهية استعمالها مع وجود غيرها.
ونوقش من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول :
أن السؤال كان عن الآنية التي يطبخون فهيا لحم الخنزير ويشربون فيها الخمر كما جاء في رواية أبي داود (19) .
الوجه الثاني :
أن النهي عن استعمالها مع وجود غيرها محمول على الاستحباب (20) .
الوجه الثالث:
قال البيهقي : روى عن أبي ثعلبة الخشني ما دل على أن الأمر بالغسل قد وقع عند العلم بنجاسة آنيتهم(21) .
الدليل الثاني :
أن الكفار لا يتورعون عن النجاسة ولا تسلم آنيتهم من أطعمتهم وأدنى ما يؤثر ذلك الكراهة (22) .
يناقش : بأنه لا يسلم لكم أن الكفار لا يتورعون عن النجاسة ، بل إن منهم من يتورع عنها ، وقد تبين لنا من الأدلة السابقة كيف توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مزادة مشركة ، وكيف أجاب اليهودي الذي دعاه إلى خبز شعري وإهالة سنخة ، وهذا يدل على أنهم يتورعون عن النجاسة في الأواني فالأصل طهارة أوانيهم ما لم يثبت ويعلم يقيناً نجاستها.
أدلة القول الثالث :
الدليل الأول :
قال الله تعالى : ( إنما المشركون نَجَسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) التوبة:28
وجه الدلالة :
أن الله سبحانه وتعالى بين في هذه الآية نجاسة المشركين ، ومعنى هذا أنهم نجس وكل ما يباشروه من أوانٍ ونحوها ، فإنه يكون نجساً لنجاستهم فلا يصح استعماله قبل غسله.
نوقش :
بأن المراد بنجاسة المشركين في هذه الآية نجاسة اعتقادهم ودينهم المحرف، وليس المراد نجاسة أبدانهم وأوانيهم ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أدخلهم المسجد) واستعمل آنيتهم وأكل طعامهم (23).
الدليل الثاني :
عن أبي ثعلبة الخشني قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقلت يا رسول الله ، إنا بأرض قوم من أهل الكتاب نأكل في آنيتهم ، وأرض صيد أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعلم أو بكلبي الذي ليس بمعلم ، فأخبرني ما الذي يحل لنا من ذلك ، قال : أما ما ذكرت أنك بأرض قوم من أهل الكتاب ، تأكلون في آنيتهم ، فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها ، وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها ، وأما ما ذكرت أنك بأرض صيد فما أصبت بقوسك فاذكر اسم الله عليه ثم لك ، وما أصبت بكلبك المعلم فاذكر الله ثم كل ، وما صبت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل'(24).
وجه الدلالة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل في آنية أهل الكتاب إلا إذا لم يوجد غيرها فإنها تغسل ثم تستعمل . وهذا يدل على نجاستها؛ لأنها لو لم تكن نجسة لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسلها .
ونوقش من ثلاثة أوجه : سبق ذكرها (25) .
الترجيح:
بعد النظر في هذه المسألة والإطلاع على الأقوال الواردة فيها ، ومعرفة أدلة هذه الأقوال ، ومناقشة ما يحتاج إلى مناقشة من هذه الأدلة ، تبين لي –والله أعلم بالصواب- أن القول الراجح هو القول الأول – وهو أنه يجوز استعمال أواني الكفار إذا لم يعلم بنجاستها ولم يتيقن طاهرتها - ؛ وذلك لقوة أدلته وكثرتها وسلامتها من المناقشة ، ودلالتها الصحية على محل الخلاف ، ولضعف أدلة الأقوال الأخرى لو عدم سلامتها من المناقشة ، ولما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه من استعمال أواني الكفار في مناسبات كثيرة وعدم تحرزهم ن ذلك مما يدل على طهارتها والله أعلم بالصواب.
--------------------------------------------------------------------------------
*- أستاذ الفقه المشارك بجامعة الملك سعود/فرع القصيم
**ن/ع مجلة المجمع الفقهي العدد 13 /النسة الثالثة عشرة
(1) - انظر : المبسوط 1/97، حاشبة الدسوقي 1/66 ، الشرح الكبير للدردير1/61 ، المجموع 1/363 ، المقنع 1/155، الشرح الكبير لابن قادمة 1/155 ، الإنصاف 1/155 ، المغني 1/109 شرح منتهى الإرادات 1/26.
(2)- المجموع1/263.
(3)- حلية العلماء1/124.
(4)- المغني 1/109 ، الشرح الكبير لابن قدامة 1/155 ، شرح العمدة في الفقه 1/1109 ، المقنع 1/155، الإنصاف 1/155، شرح منتهى الإرادات 1/26.
(5)- البحر الرائق 8/223، المبسوط 24/27.
(6)- المهذب 1/12، المجموع 1/263 مغني المحتاج 1/31.
(7)- المغني 1/109 ، شرح العمدة في الفقه 1/119 ، الإنصاف 1/155، الفروع 1/100 .
(8)- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6/78، الكفار ص 178.
(9)- روضة الطالبين 1/27 ،حلية العلماء 1/124.
(10)- الفروع 1/100 ، الإنصاف 1/156.
(11)- المجموع1/264
(12)- رواه البخاري صحيح البخاري 1/881 ، كتاب التيمم ، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه عن الماء ، ورواه مسلم ، صحيح مسلم 1/474 وما بعدها ، كناب المساجد ومواضع الصلاة ، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها . والحديث طويل وفيه قصة.
(13)- رواه الإمام أحمد في المسند 3/379 ، وأبو داود ، سسن أبي داود 4/177، كتاب الأطعمة ، باب الأكل في آنية أهل الكتاب ، ورواه البيهقي ، السنن الكبرى 1/22 ، كتاب الطهارة ، باب التطهير في أواني المشركين إذا لم يعلم نجاسة . قال الألباني : هذا إسناد صحيح إرواء الغليل 1/76 ، وجاء في مسند الإمام أحمد تحقيق شعيب الأرنوؤط عن هذا الحديث قوله : ' إسناده قوي ' . انظر : الموسوعة الحديثية ، مسند الإمام أحمد 23/292.
(14)- الإهالة : الدسم ما كان والسَّنخةُ : المتغيرة . انظر :ليان العرب 3/27 باب الخاء المعجمة ، فصل السين المهملة ، مادة ( سنخ) . وقيل الإهالة ما أذبت من الشحم . وقيل : الإلهالة الشحم والزيت ، وقيل : كل دهن أو تدم به إهالة ، والإهالة الودك .. وقيل هو ما أذيب من الآلية والشحم . قيل : الدسم الجامد ، والسنخة : المتغير الريح . لسان العربي 11/23 ، حرف اللام ، فصل الهمزة ، مادة ( أهل) .
(15)- رواه الإمام أحمد في المسند 3/210 ، 270 ، قال الألباني : وإسناده صحيح على شرط الشيخين ' إرواء الغليل 1/71 ، وجاء في مسند الإمام أحمد تحقيق شعيب الأرنؤوط عن هذا الحديث قوله : إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبان –وهو ابن يزيد العطار –فمن رجال مسلم،انظر : المسوعة الحديثية ، مسند الإمام أحمد 20/424.
(16)- ذكره البخاري تعليقاً فقال : وتوضأ عمر بالحميم ومن بيت نصرانية . صحيح البخاري 1/56 ، كتاب الوضوء ، باب وضور الرجل مع أمرأته وفضل وضوء المرأة ، ورواه البيهقي . السنن الكبرى 1/22، كتاب الطهارة ، باب التطهر في أواني المشركين إذا لم يعلم نجاسة ، واللفظ له ، وقال النووي : ' صحيح رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح ، وذكره البخاري في صحيحه بمعناه تعليقاً ' المجموع 1/363.
(17)- انظر المجموع 1/356.
(18)- رواه البخاري ، صحيح البخاري 6/219 ، كتاب الذبائح والصيد ، باب صيد القوس ، ورواه مسلم ، صحيح اسلم 2/1522 ، كتاب الصيد والذبائح ، باب الصيد بالكلاب المعلمة ، واللفظ له.
(19)- روى أبو داود بسنده عن أبي ثعلبة الخشني أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا ، وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء وكلوا واشربوا ' سنن أبي داود 2/391، كتاب الأطعمة ، باب الأكل في آنية أهل الكتاب .
(20)- انظر : المجموع 1/265.
(21)- السنن الكبرى 1/33.
(22)- المغني 1/111.
(23)- انظر المجموع1/264-265.
(24)- سبق تخريجه .
(25)- سبق ذكر الأوجه الثلاثة .
ابن الوافي
12-10-2005, 12:07 AM
البحث 16
آثـــار الـحــج ومـقــاصدة
بسم الله الرحمن الرحيم
آثار الحج ومقاصده بين الواقع والمطلوب
إن للحج مقاصد شتى وأهدافا عظيمة منها :
1. الارتباط بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن أبينا إبراهيم وبناءه للبيت إلى نبينا محمد وتعظيمه لحرمة مكة، فيتذكر الحاج حين تردده في المشاعر وأداءه للشعائر تردد أولئك المطهرين في هذه البقاع الشريفة. فيرتبط في ذهنه سيرهم ويتجذر في قلبه الاقتداء بهم. روى مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَمَرَرْنَا بِوَادٍ فَقَالَ: أَيُّ وَادٍ هَذَا فَقَالُوا: وَادِي الأَزْرَقِ فَقَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى فَذَكَرَ مِنْ لَوْنِهِ وَشَعَرِهِ شَيْئًا لَمْ يَحْفَظْهُ دَاوُدُ وَاضِعًا إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي قَالَ ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى ثَنِيَّةٍ فَقَالَ أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ قَالُوا هَرْشَى أَوْ لِفْتٌ فَقَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ خِطَامُ نَاقَتِهِ لِيفٌ خُلْبَةٌ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي مُلَبِّيًا.
2. بياض اللباس ونقاؤه إشارة إلى طهارة الباطن ونقاء
القلب وبياض الرسالة والمنهج، وفيه طرح للزينة، وإظهار للمسكنة، وتذكر الموت حين يلبس الإحرام ذلكم اللباس الشبيه بالكفن فكأنه مستعد للقدوم على الله جل وعلا.
3. الإحرام من الميقات، التعبد والرق لله بطاعته والتشريع للشارع وحده، ووحدة الآمة وانتظامها وضبطها، أهمية الاجتماع والإتلاف، إدارك عناية الله وفضله حيث حدد له كل ما يعنيه في عبادته، وفيه هذا قطع للتردد والشك والوسوسة، ومنع للفرقة والاختلاف، فقد يقول قائل : إن الإحرام من هذا أفضل وآخر يقول : لا بل من هذا أكمل...
4. الحج شعار التوحيد من أو ل لحظة يتلبس به الحاج : قال جابر بن عبد الله : ' ثم أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ' رواه مسلم، وقال أنس في وصفه لإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ' لبيك عمرة لا رياء فيها ولا سمعة ' تربية النفس على توحيد الله والإخلاص له. فإن الحاج يبدأ حجه بالتوحيد، ولا يزال يلبي بالتوحيد، وينتقل من عمل إلى عمل بالتوحيد.
وتحمل التلبية معان عديدة منها :
• بمعنى إجابة بعد إجابة وكررت إيذانا بتكرير الإجابة، فتتضمن أجابة داع دعاك ومناد ناداك، ولا يصح في لغة ولا عقل إجابة من لا يتكلم ولا يدعو من أجابه.
• انقياد لك بعد انقياد مأخوذة من ' لبب الرجل ' إذا قبضت على تلابيبه، والمعنى : انقدت لك وسعت نفسي لك خاضعة ذليلة، كما يفعل بمن لبب بردائه وقبض على تلابيبه.
• أنها مأخوذة من لب بالمكان، إذا أقام به ولزمه، والمعنى أنا مقيم على طاعتك ملازم لها، فتتضمن التزام دوام العبودية.
• أن معناها حبا لك بعد حب من قولهم ' امرأة لَبًة ' إذا كانت محبة لولدها، ولا يقال لبيك إلا لمن تحبه وتعظمه.
• تتضمن الإخلاص مأخوذ من لب الشي، وهو خالصه، ومنه لب الرجل عقله وقلبه.
• تتضمن الاقتراب مأخوذة من الإلباب وهو الاقتراب، أي اقتراب إليك بعد اقتراب.
• أنها شعار التوحيد ملة إبراهيم، الذي هو روح الحج ومقصده، بل روح العبادات كلها والمقصود منها، ولهذا كانت التلبية مفتاح هذه العابدة التي يدخل فيها بها.
• وتشتمل التلبية على :
الحمد لله الذي هو من أحب ما يتقرب به العبد إلى الله.
وعلى الاعتراف لله بالنعمة كلها، ولهذا عرفها باللام المفيدة للاستغراق، أي النعم كلها لك، وأنت موليه والمنعم بها.
وعلى الاعتراف لأن الملك كلها لله وحده، فلا ملك على الحقيقية لغيره. (انظر مختصر تهذيب السنن لابن القيم 2335-339)
5. يشعر الحاج وهو يلبي بترابطه مع سائر المخلوقات حيث تتجاوب معه في عبودية الله وتوحيده، يقول الرسول : 'ما من ملب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من شجر وحجر حتى تنقطع الأرض من هنا وهنا' يعني عن يمينه وشماله. رواه ابن خزيمة والبيهقي بسند صحيح
6. تذكر الآخرة حين يجتمع الناس في صعيد واحد في عرفات وغيرها ليس بينهم تفاضل ولا تغاير الكل في هذا البلد سواء لا فضل لأحد على أحد فيه.
7. الحج شعار الوحدة فإن الحج جعل الناس سواسية في لباسهم وأعمالهم وشعائرهم وقبلتهم وأماكنهم، فلافضل لأحد على أحد: الملك والمملوك الغني والفقير الوجيه والحقير في ميزان واحد الخ.
فالناس سواسية في الحقوق والواجبات، وهم سواسية في هذا البيت لافضل للساكن فيه على الباد والمسافر فهم كلهم متساوون في البيت الحرام لافرق بين الألوان والجنسيات وليس لأحد أن يفرق بينهم.
وحدة في المشاعر ووحدة في الشعائر، وحدة في الهدف، وحدة في العمل، وحدة في القول 'الناس من آدم، وآدم من تراب لافضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى'
أكثر من مليوني مسلم يقفون كلهم في موقف واحد، وبلباس واحد، لهدف واحد، وتحت شعار واحد، يدعون ربا واحدا، ويتبعون نبيا واحدا.. وأي وحدة أعظم من هذه.
قال تعالى (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ))
8. تربية على القناعة في اللباس والسكن حيث يلبس خرقة من قطعيتين فتكفيه، ويسكن في مكان بقدر نومه فيغنيه.
9. إرهاب أهل الكفر والضلال بهذا الاجتماع العظيم للمسلمين فإنهم وإن كانوا مفترقين مختلفين فإن مجرد اجتماعهم على اختلافهم في وقت معين ومكان معين يدل على إمكان اجتماعهم في غيره.
10. بيان أهمية الاجتماع والتآلف بين المسلمين فإن كل إنسان تجده يسافر لوحده بينما عند الحج تجده مع مجموعه....
11. التعرف على أحوال المسلمين من خلال المصادر الموثوقة، حيث يسمع المسلم من أخيه مباشرة.
12. تبادل المنافع والخبرات بين المسلمين عامة.
13. اجتماع أهل الرأي والعلم والحل والعقد من جميع البلدان وتدارس أحوال المسلمين وحاجاتهم، وأهمية تضامنهم وتعاونهم.
جميع البلدان وتدارس أحوال المسلمين وحاجاتهم، وأهمية تضامنهم وتعاونهم.
14. تحقيق عبودية الله تعالى في وقوفه في المشاعر ورميه للجمار. مع تركه للحرم الذي هو أفضل من تلك البقاع
15. غفران الذنوب ' من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه '
قال الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني في قصيدته في ذكرى الحج:
وما زال وفد الله يقصد مكة
يطوف به الجاني فيغفر ذنبه
فمولى الموالي للزيارة قد دعا
نحج لبيت حجه الرسل قبلنا
فيا من أساء يا من عصى لو رأيتنا
وودعت الحجاج بيت إلهها
ووالله لولا أن نؤمل عودة
إلى أن يرى البيت العتيق وركناه
ويسقط عنه جرمه وخطاياه
أنقعد عنها والمزور هو الله
لنشهد نفعا في الكتاب وعدناه
وأوزارنا ترمى ويرحمنا الله
وكلهم تجري من الحزن عيناه
إليه لذقنا الموت حين فجعناه
16. فتح باب الأمل لأهل المعاصي وتربيتهم على تركها ونبذها في تلك المشاعر ؛ حيث يتركون كثيرا من عاداتهم السيئة خلال فترة الحج وفي المشاعر.
17. بيان أن الإسلام دين النظام ففي الحج ترتيب للمناسك والوقت فلا يتقدم شيء على الآخر كل عمل في مكانه وفي وقته المحدد له.
18. تربية النفس على النفقة في وجوه الخير والبعد عن الشح فالحاج يبذل الأموال الكثيرة من أجل الحج في الراحلة وفي الطريق وفي المشاعر.
19. اكتساب تقوى القلوب وصلاحها بتعظيم شعائر الله. يقول الله تعالى : ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب )
20. تربية للأغنياء بترك تميزهم في لباسهم وسكنهم ومساواتهم للفقراء في اللباس والمشاعر من طواف وسعي ورمي. وفي هذا تربية لهم على التواضع، ومعرفة حقارة الدنيا.
21. مداومة الحاج على الطاعة وذكر الله تعالى في أيام الحج وهو ينتقل من مشعر إلى مشعر ومن عمل إلى آخر وهذا بمثابة دورة سنوية مكثفة في طاعة الله وذكره
22. تربية النفس على الإحسان إلى الناس فيرشد الضال، ويعلم الجاهل، ويساعد الفقير، ويقف مع العاجز والضعيف.
23. التخلق بالأخلاق الحسنة من الحلم وتحمل الأذى من الخلق، فإن الحاج لابد له من أن يتعرض لمزاحمة أو مخاصمة أو غير ذلك. قال تعالى : ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج )
24. التربية على الصبر وتحمل المشقة من حر وطول طريق وبعد عن الأهل وتردد بين المشاعر وزحام فيها.
25. التدرب على ترك العادات والتقاليد والمألوفات، فإن الحاج ملزم بكشف رأسه وترك لباسه. وسيترك ما اعتاده من سكن وطعام وشراب.
26. في سعي الحاج بين الصفا والمروة يتذكر أن من أطاع الله وتوكل عليه واعتصم به فإنه لا يضيع ويرفع ذكره فهذه هاجر أم إسماعيل عليهما السلام لما قالت لإبراهيم : ' آلله أمرك بهذا ' قال : ' نعم ' قالت : اذهب فلن يضيعنا ' فرفع الله ذكرها وبدأ الناس يسعون مثلها بما فيهم الأنبياء عليهم السلام.
27. تربية النفس على عدم اليأس من روح الله مهما اشتدت الخطوب وعظمت الكروب فإن الله بيده الفرج فهذه أم إسماعيل كاد وليدها أن يهلك وبدأت تركض من جبل إلى آخر تتطلع للفرج فأتاها من حيث لا تحتسب إذ نزل الملك فضرب الأرض فخرج ماء زمزم.
28. ماء زمزم وما فيه من شفاء لأمراض القلوب والأبدان.
29. يتذكر الحاج أنه في هذه المشاعر في ضيافة الرحمن فاجتماع الحج لم تدع له حكومة ولاهيئة ولا ملك ولا رئيس، إنما دعا إليه رب العالمين، وجعله مقاما يلتقي فيه المسلمون على قدم المساواة لافضل فيه لأحد على أحد.قال تعالى : {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم..} وروى النسائي عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَفْدُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلاثَةٌ الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ.
30. الموالاة للمؤمنين يتمثل ذلك بقوله 'إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا'
31. موسم الحج هو الموسم الوحيد الذي تبرز فيه المفاصلة التامة مع أهل الشرك والكفر ويحضر عدم حضورهم بأي وجه كان. حيث حضر عليهم دخول منطقة الحرم في كل وقت مهما كان المقصد قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم }
أخرج البخاري أن أبا هريرة قال:' بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجة في المؤذنين، بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان'
ابن الوافي
12-10-2005, 12:09 AM
البحث 17
الحلال والحرام في الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلال والحرام في الإسلام
موضوع الحلال والحرام ، هو قوام الإسلام ، ودليل الإيمان ، وميزان الصدق عند الواحد الديان ، فلا إيمان بلا عمل ، ولا عمل إلا على مقتضى الأمر والنهي ، ولا التزام بأمر آمر ، ولا نهي ناهٍ إلا عن حب ، والحب دون اتباع كذب ونفاق ، ومن هنا كانت خطورة موضوع الحلال والحرام في الإسلام ، الذي هو شريعة خاتمة ، لبناء حضارة أمة ، هي خير أمةٍ أخرجت للناس ، لقد كانت جميع الرسالات السابقة تدريباً للبشرية على تقبل تلك الشريعة الخاتمة ، وتمهيداً لاكتمال الوعي في تلك الأمة المختارة ، فما من أمة عدلت عن تشريع الله إلا أخذت بالدمار والهلاك ، وما من فرد ، أهمل الأمر والنهي ، إلا اختل قوامه ، واضطرب حاله ، قال تعالى :
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الاسْلامَ دِينًا
الشريعة رحمة كلها ، عدل كلها ، مصلحة كلها ، حكمة كلها ، إنها تعليمات الصانع الخبير ، ' ولا ينبئك مثل خبير ' .
لقد أراد الإسلام بناء شخصية المسلم ، متميزةً عن الشخصيات الأخرى ، من خلال الحلال والحرام ، وقد اتجه الإسلام بأهله إلى بناء مجتمع الجسد الواحد ، والأخوة الإسلامية الصادقة التي تنتهي إلى الأخوة الإنسانية ، على هدى الحلال والحرام ، لقد احترم الإسلام الإنسان ، وأعلى قدره حينما نظر إلى الاقتصاد من خلال الإنسان كرامةً وكفايةً وأمناً ، لا من خلال قهره واستغلاله ، فكان الحلال والحرام صوناً لكرامة الإنسان ، فشرائع الإسلام صالحةٌ لاستيعاب كل المعاملات والقضايا العصرية ، لتضعها في مكانها من الحلال والحرام .
الحلال والحرام يتصل بأعمال القلوب ، كما يتصل بأعمال الجوارح ، والصحابة الكرام على جلالة قدرهم ، وعمق إيمانهم ، وقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أحرص الناس على رعاية أعمال القلوب ، حرصهم على رعاية أعمال الجوارح ، إن الإنسان لا يتحرك في أعماله سواءً أكانت فعلاً أو تركاً ، حركةً آليةً بلا دافع قلبي ، يدفعه إلى العمل ، وإلا كان جماداً لا روح فيه ، هذا الدافع القلبي هو الإرادة والنية ، وقد يدخله كثير من ألوان الخداع النفسي ، حتى يتحول عمل الطاعة إلى إثم ، ويتحول ترك الحرام إلى حرام .
إن أعمال القلوب دقيقة المأخذ ، تتقارب فيها حدود الحلال والحرام تقارباً لا يمكن التمييز بينها ، إلا بعد تأملٍ دقيق ، على هدى من علم شامل ، وفقه عميق ، كالنفاق المحرم ، والمباهاة المباحة ، كيف نميز بينهما ؟ .. وكالخوف من الله ، واليأس من رحمته .. كيف نفرق بينهما ؟ .. وكرجاء رحمته ، والغِرة به ، كإضمار ما يجب ستره ، بنية الدعوة إلى العمل بالقدوة ، ونية الإعجاب بالعمل والرغبة في ثناء الناس ، كيف نفرق بينهما ؟ .. وكالعجب والكبر ، والمهابة والوقار ..
إن الأعمال تحتاج إلى شروط صحةٍ من زاوية الأحكام الفقهية التي تتعلق بالجوارح ، وهذه الشروط موجودة في كتب الفقه ، وتحتاج أعمال الإنسان إلى شروط صحةٍ أخرى من زاوية قبوله عند الله ، وهذه تتعلق بمعرفة النفس وأحوالها مع ربها .
فالعمل مطلقاً ، والعمل الصالح بخاصة لا يُقبل عند الله إلا إذا كان خالصاً وصواباً ؛ خالصاً ما ابتُغي به وجه الله ، وهذا من عمل القلب ، وصواباً ما وافق السنة ، وهذا من عمل الجوارح ، وكل منهما شرط لازم غير كاف .
القاعدة الأولى : الأصل في الأشياء الإباحة .
إن أول مبدأ قرره الإسلام ، أن الأصل فيما خلق الله من أشياء ومنافع هو الحلُّ والإباحة ، ولا حرام إلا ما ورد فيه نص صحيح وصريح بتحريمه ، من الله في كتابه ، أو من رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ، فإذا لم يكن النص صحيحاً ، أو لم يكن صريحاً في الدلالة على الحرمة ، بقي الأمر على أصل الإباحة ، قال تعالى :
وما كان الله سبحانه وتعالى ، ليخلق هذه الأشياء ، ويسخرها للإنسان ، ويمنََّ عليه بها ، ثم يحرمه منها ، بتحريمها عليه ، كيف وقد خلقها ، وسخرها له ، وأنعم بها عليه ، والذي حرمه جل جلاله ، جزئيات منها بسبب وحكمة بالغة ، ومن هنا ضاقت دائرة المحرَّمات في شريعة الإسلام ضيقاً شديداً ، واتسعت دائرة الحلال اتساعاً بالغاً .
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
' ما أحل الله في كتابه فهو حلال ، وما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً .. وتلا قوله تعالى : ' وما كان ربك نسياً ' .
[ الحديث حسن أخرجه الحاكم ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وعزاه إلى البزار والطبراني في الكبير وأشار إلى حسنه0 >
إن أصل الإباحة تشمل الأفعال والتصرفات التي ليست من أمور العبادة ، ففي الأشياء والأفعال ، الأصل أنها مباحة ، ولا يُحرم شيئاً منها إلا بنص ، وفي العبادات الأصل هو الحظر ، ولا تُشَّرع عبادة إلا بنصٍ .
القاعدة الثانية : التحليل والتحريم ؛ من حق الله تعالى وحده .
التحليل والتحريم ، من حق الله تعالى وحده ، وليس من حق أحدٍ من خلقه ، أياً كانت درجته في دين الله ، أو دنيا الناس ، فمن فعل ذلك من بني البشر ، فقد تجاوز حدّه ، واعتدى على حق الربوبية في التشريع للخلق ، ومن رضي بعمله هذا واتبعه فقد جعله شريكاً لله ، وعُدَّ اتباعه هذا شركاً ، قال تعالى :
*
وكان السلف الصالح ، لا يصف شيئاً بأنه حرام ، مالم يكن في كتاب الله ، أو في سنة رسوله ، بيناً بلا تفسير ، وكانوا لا يطلقون الحرام إلا على ما عُلم تحريمه بالضرورة قطعاً يقيناً ، وكان أحمد ابن حنبل يقول حين يُسأل : ' أكرهه ، لا يُعجبني ، لا أحبه ، لا أستحسنه ' .
القاعدة الثالثة : تحليل الحرام ، وتحريم الحلال من أكبر الكبائر .
تحليل الحرام ، وتحريم الحلال يقترن بالشرك ، يقول عليه الصلاة والسلام ، فيما يرويه عن ربه : ' إني خلقت عبادي حُنفاء ، وإنهم أتتهم الشياطين ، فاجتالتهم عن دينهم ، وحرَّمت عليهم ما أحللت لهم وأمرَتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً '
[ أخرجه مسلم في صحيحه 8 - 151 ، وأحمد في مسنده 4-162 من حديث عياض بن صحار المجاشعي>
، وقد حارب النبي صلى الله عليه وسلم نزعة التنطع والتشدد ، من دون موجب ، وذمها ، وأخبر بهلاك أصحابها ، فقال عليه الصلاة والسلام :
' ألا هلك المتنطعون ، ألا هلك المتنطعون ، ألا هلك المتنطعون
[ أخرجه مسلم في صحيحه ( 6 /58 ) ورواه أبو داود (3992 ) وأحمد (3473) واللفظ لأبي داود وهو صحيح >
والتحريم يستطيعه كل إنسان ، حتى الجاهل ، لكن العلماء المتمكنين العاملين بعلمهم ، المخلصين في عملهم ، هم الذين يبينون للناس ما هو حلال وما هو حرام ، بالدليل والتعليل ، فالتبليغ مهمة الأنبياء والرسل ، والتبيين مهمة العلماء من بعدهم .
القاعدة الرابعة : الحلال طيب ، والحرام خبيث .
من حق الله تعالى ، لكونه خالقاً ومربياً ومسيراً ، ومنعماً على خلقه بنعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، من حقه أن يُحل لهم ، وأن يُحرّم عليهم ما يشاء ، كما له أن يتعبدهم بالتكاليف والشعائر بما يشاء ، فهو حق ربوبيته لهم ، ومقتضى عبوديتهم له ؛ ولكنه تعالى ، رحمة منه بعباده ، جعل التحليل والتحريم ، لأسباب معقولة ، راجعةٍ لمصلحة البشر أنفسهم ، فلم يحل سبحانه إلا طيباً ، ولم يحرم إلا خبيثاً ، قال تعالى :
يُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ
والطيبات هي الأشياء التي تستطيبها النفوس المعتدلة المتوازنة، ويستحسنها مجموع الناس ، ذوي الفطر السليمة ، استحساناً غير ناشئ عن أثر العادة ، فالعلاقة بين الحلال ونتائجه علاقة علمية ، أي علاقة سبب بنتيجة ، والعلاقة بين الحرام ونتائجة علاقة عليمة ، أي علاقة سبب بنتيجة .
القاعدة الخامسة : في الحلال ما يُغني عن الحرام .
من محاسن الشريعة الإسلامية ، أنها لم تُحرم شيئاً إلا عوضت خيراً منه ، مما يسد مسده ، ويغني عنه ، فالله تعالى ، لم يضيق على عباده من جانب ، إلا وسَّع عليهم من جانب آخر ، من جنسه ، فإنه سبحانه وتعالى ، لا يُريد بعباده عنتاً ، ولا إرهاقاً ، بل يُريد بهم اليُسرَ والخير والهداية والرحمة ، قال أحد العلماء : حرم الله عباده ، الاستقسام بالأزلام ، وعوضهم عنه دعاء الاستخارة ، حرم عليهم الربا ، وعوضهم التجارة الرابحة ، حرم عليهم القمار ، وأعاضهم عنه المسابقة في الدين ، حرم عليهم الحرير ، وأعاضهم عنه الملابس الفاخرة ، حرم عليهم الزنا ، وأعاضهم عنه الزواج الحلال ، حرم عليهم شرب المسكرات ، وأعاضهم عنها بالأشربة اللذيذة ، حرم عليهم الخبائث من المطعومات ، وأعاضهم عنها بالمطاعم الطيبات .
ليس في الدين حرمان ، كما يتوهم الجهلة ، فكل شهوة أودعها الله في الإنسان ، جعل لها قناةً نظيفةً تتحرك من خلالها ، وكل حاجة ، ألجأ الله إليها عباده ، جعل لهم ، أكثر من سبب لتحقيقها ، فالحلال يُغني عن الحرام ، أيما غناء .
القاعدة السادسة : ما أدى إلى حرام فهو حرام .
ومن المبادئ التي قررها الإسلام ، أنه إذا حرَّم شيئاً حرم ما يُفضي إليه من وسائل ، وسد الذرائع الموصلة إليه ، فإذا حرَّم الزنا ، حرم كل مقدماته ودواعيه ، من تبرج جاهلي ، وخلوة آثمة ، واختلاط عابث ، وصور فاضحة ، وأدب مكشوف ، وغناء فاحش فما أدى إلى حرام فهو حرام .
وقرر أيضاً أن إثم الحرام لا يقتصر على فاعله المباشر وحده ، بل تتسع الدائرة لتشمل كل من شارك فيه بجهد مادي أو أدبي ، كل يناله من الإثم على قدر مشاركته ، ففي الخمر لعن معها عشرة شاربها ، وعاصرها وحاملها ، والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها 000
القاعدة السابعة : التحايل على الحرام حرام .
وكما حرَّم الإسلام ، كل ما يفضي إلى المحرمات من وسائل ظاهرة ، حرم أيضاً التحايل على ارتكابها بالوسائل الخفية ، والحيل الشيطانية ، ومن الحيل الآثمة تسمية الشيء الحرام بغير اسمه ، وتغيير صورته مع بقاء حقيقته ، ولا ريب أنه لا عبرةَ بتغيير الاسم إذا بقي المسمى ، ولا بتغيير الصورة إذا بقيت الحقيقة ، فمن باع سلعةً ديناً لستة أشهر بمئة ، ثم اشتراها نقداً بثمانين ، وادعى أن هذا بيع وشراء ، نجيبه : بأنه لا عبرة لصورة البيع والشراء ، إنه أقرض ثمانين ليستردها مئة ، وهذا هو الربا بعينه .
ابن الوافي
12-10-2005, 12:10 AM
ينبــــــع للبحث 17
القاعدة الثامنة : النية الحسنة ، لا تبرر الحرام .
الإسلام يقدر الباعث الكريم ، والقصد الشريف ، والنية الطيبة ، في تشريعاته ، وتوجيهاته كلها ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :
' إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل مرئ ما نوى ' .
[وراه البخاري برقم 1 ، وأبو داود برق1882، وابن ماجه برقم 4217>
وبالنية الطيبة ، تصبح المباحات والعادات ، طاعات وعبادات ، فمن تناول غذاءه بنية حفظ الحياة ، وتقوية الجسد على طاعة الله ، وأداء واجبه نحو ربه وأمته ، كان طعامه وشرابه عبادة وقربة ، قال عليه الصلاة والسلام : ' 000 وفي بضع أحدكم صدقة ، قالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : أليس إن وضعها في حرام كان عليه وزر ؟ فكذلك إن وضعها في حلال كان له أجر '
[هو جزء من حديث طويل أوله : ذهب أهل الدثور بالأجور000 أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد >
وهكذا كل عمل مباح ، يقوم به المؤمن ، يدخل فيه عنصر النية ، فتحيله إلى عبادة .
أما الحرام فشيء آخر .. الحرام هو حرام ، مهما حسنت نية فاعله ، وشرف قصده ، ومهما كان هدفه نبيلاً ، لا يرضى الإسلام أبداً أن يُتخذ الحرام وسيلةً إلى غاية محمودة ، لأن الإسلام يحرص على شرف الغاية ، وطهر الوسيلة معاً ، ولا تقر شريعة الإسلام بحال مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ، أو مبدأ الوصول إلى الحق بالخوض في كثير من الباطل ، بل توجب شريعة الإسلام ، الوصول إلى الحق عن طريق الحق وحده ، فمن جمع مالاً من ربا ، أو سحت ، أو لهوٍ حرام ، ليبني مسجداً ، أو يُقيم مشروعاً خيرياً ، لم يشفع له نبل قصده ، لأن الحرام في الإسلام ، لا تؤثر فيه المقاصد والنيات ، فالله طيب ولا يقبل إلا طيباً .
القاعدة التاسعة : اتقاء الشبهات أولى .
من رحمة الله تعالى بالناس ، أنه لم يذرهم في ظلمة من أمر الحلال والحرام ، لقد بيَّن الحلال ، وفصل الحرام ، قال تعالى :
وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ
فأما الحلال البين فلا حرج في فعله ، وأما الحرام البين فلا رخصة في اتباعه ، وهناك منطقة بين الحلال البين والحرام البين ، هي منطقة الشبهات ، التي يلتبس بها أمر الحل بالحرمة على بعض الناس ، لا على جميعهم ، إما لاشتباهٍ في الأدلة عليه ، أو لاشتباه في تطبيق النص على الواقعة ، وقد جعل الإسلام من الورع أن يتجنب المسلم هذه الشبهات ، حتى لا يجرّه الوقوع فيها إلى مواقعة الحرام الصرف ، قال عليه الصلاة والسلام :
' الحلال بيِّن والحرام بيِّن ، وبينهما أمور مشتبهات لا يدري كثير من الناس ، أمن الحلال هي أم من الحرام ، فمن تركها استبراءً لدينه وعرضه ، فقد سلم ، ومن واقع شيئاً منها يوشك أن يُواقع الحرام ' .
[رواه البخاري برقم 50 ، ومسلم برقم 2996 ، والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي >
القاعدة العاشرة : الحرام حرام على الجميع .
الحرام في شريعة الإسلام يتسم بالشمول والاضطراد ، فليس هناك شيء حرام على الأعجمي ، حلال على العربي ، وليس هناك شيء محظور على الملون ، مباح للأبيض ، وليس هناك جواز أو ترخيص ، ممنوح لفئة من الناس ، تقترف باسمه ما طوع لها الهوى ، بل ليس للمسلم خصوصية تجعل الحرام على غيره حلالاً له ، كلا إن الله رب الجميع ، والشرع سيد الجميع ، فما أحل الله بشريعته فهو حلال للناس كافة ، وما حرَّم فهو حرام على الجميع كافة إلى يوم القيامة .
السرقة مثلاً حرام ، سواء أكان السارق ينتمي إلى المسلمين ، أو لا ينتمي ، وسواء أكان المسروق ينتمي إلى المسلمين ، أو لا ينتمي، والجزاء لازم للسارق ، أياً كان نسبه أو مركزه ، وهذا ما صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلنه حينما قال :
' إنما أهلك الذين من قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله ؛ لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ' .
[رواه مسلم في الحدود برقم 3197 ، والترمذي برقم 1350 ، وأحمد برقم 7797>
القاعدة الحادية عشرة : حول ضابط الكسب الحلال 0
وهي قاعدة مهمة جداً في الكسب ، إن الإسلام لا يُبيح لأبنائه أن يكتسبوا المال كيفما شاؤوا ، وبأي طرق أرادوا ، بل هو يفرِّق بين الطرق المشروعة ، باكتساب المعاش ـ نظراً إلى المصلحة الجماعية ـ وبين الطرق غير المشروعة ، وهذا التفريق ، يقوم على المبدأ الكلي وهو : إن جميع الطرق لاكتساب المال التي لا تحصل فيها المنفعة للفرد إلا بخسارة فرد غيره ، غير مشروعة .. وإن الطرق التي يتبادل فيها الأفراد المنفعة فيما بينهم بالعدل والتراضي مشروعة .. هذا المبدأ يبينه قوله تعالى :
لقد أشارت كلمة لا تأكلوا أموالكم ، ولم يقل الله عز وجل لا تأكلوا أموال غيركم ، لقد أشارت كلمة ' لا تأكلوا أموالكم ' في الآية إلى حقيقة أساسية ، وهي ما ينبغي أن يكون عليه المؤمنون من أخوة صادقة ، ومشاركة وجدانية حانية ، يجسدها شعور المؤمن الحق أن مال أخيه هو ماله ، من زاوية واحدة ، وهي وجوب الحفاظ عليه ، وصونه من التلف والضياع ، فلأن يمتنع عن أكله بالباطل من باب أولى ، وأن مال أخيه هو ماله ، من زاوية ثانية ، وهي أن المؤمن إذا أكل مال أخيه أضعفه ، وفي إضعافه إضعاف لذاته ، فالمؤمن إذا أكل ما أخيه فكأنما أكل ماله ، لذلك ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم :
' كل المسلم على المسلم حرام ، ماله ودمه وعرضه
[رواه مسلم في البر والصلة برقم 4650، والترمذي برقم 1850، وأبو داود في الأدب برقم 4238 ، وابن ماجه في
الفتن برقم 3923 ، وأحمد 7402>
* * *
أهمية هذه القواعد :
هناك في الدين حقائق ، يجب أن تُعلم بالضرورة ، وهي فرض عين على كل مسلم ، ذكراً كان أو أنثى ، بصرف النظر عن اختصاصه العلمي ، وعمله المهني ، ودوره الاجتماعي ، وحاله النفسي ، فإن لم يعلمها شقي ، وهلك في الدنيا والآخرة ، حقائق يجب أن تعلم بالضرورة .. نضرب على هذا مثلاً ، حينما يهبط إنسان من طائرة بالمظلة ، هناك حقائقُ كثيرة عن المظلة ، نوع قماشها ، مساحته ، شكله ، لونه ، نوع حبالها ، أطوالها ، أقطارها ، ألوانها ، وطريقة فتح المظلة ، فقد يجهل الذي يستخدم المظلة للهبوط من الطائرة نوع قماشها ، ومساحته ، وشكله ، ولونه ، ونوع حبالها وأطوالها ، وأقطارها ، وألوانها ، ويهبط سالماً .. أما إذا جهل طريقة فتح المظلة فلا بد من أن يصل إلى الأرض ميتاً ، طريقة فتح المظلة يجب أن تُعلم بالضرورة لأي مظلي ، والحلال والحرام جزء من الدين ، وهو من أخطر أجزائه ، وهو الذي ينبغي أن يُعلم بالضرورة لكل مسلم ، وحاجة المسلم إلى معرفة الحلال والحرام ، كحاجة المظلي إلى معرفة طريقة فتح المظلة .
* * *
قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد فتح خيبر الحجاج بن علاط السلمي ، فأسلم ، وكان غنياً كثير المال ، فقال يا رسول الله : إن مالي عند امرأتي أم شيبة بمكة ، ومتفرق في تجار مكة ، فاذن لي يا رسول الله ، أن آتي مكة ، لآخذ مالي ، قبل أن يعلموا بإسلامي ، عندئذ لا أقدر على أخذ شيء منه ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال الحجاج يا رسول الله : لا بد من أن أقول [ أي أتقول ، أذكر ما هو خلاف الواقع > حتى أحتال به لأخذ ماله ، فقال عليه الصلاة والسلام ، كمالاً منه ، ورحمة بالحجاج : قل ما شئت ، قال الحجاج فخرجت حتى إذا قدمت مكة ، وجدت بثنية البيضاء رجالاً من قريش يستمعون الأخبار ، ويسألون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد بلغهم أنه سار إلى خيبر ، وهي من أقوى قرى الحجاز ، وهم يتجسسون الأخبار من الركبان ، وكان بينهم تراهن عظيم على مئة بعير حول من سيغلب ، أهل خيبر أم رسول الله ، فلما رأوا الحجاج ولم يكونوا علموا بإسلامه ، قالوا : الحجاج والله عنده الخبر اليقين ؛ يا حجاج ، إنه قد بلغنا أن القاطع [يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم > قد سار إلى خيبر ، فقال الحجاج : عندي من الخبر ما يسركم ، فاجتمعوا عليه يقولون إيه يا حجاج ، قال الحجاج : فقلت لهم : لم يلق محمد وأصحابه قوماً يحسنون القتل مثلهم ، فهزم هزيمةً لم يُسمع بمثلها ، وأسر محمد ، وقالوا لا نقتله حتى نبعث به إلى مكة ، فنقتله بين أظهرهم ، بمن كان أصاب من رجالهم ، فانطلق هؤلاء الرجال فرحين أشد الفرح إلى أهل مكة ، فقيل لهم قد جاءكم الخبر ، هذا محمد ، إنما تنتظرون أن يُقدم به عليكم فيُقتل بين أظهركم ، ثم قال لهم الحجاج ، أعينوني على غرمائي أريد أن أقدم فأصيب من غنائم محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى هناك ، فجمعوا إليّ مالي على أحسن ما يكون ، ففشا ذلك بمكة ، وأظهر المشركون الفرح والسرور ، وانكسر من كان بمكة من المسلمين ، وسمع بذلك العباس بن عبد المطلب ، فجعل لا يستطيع أن يقوم ، من شدة حزنه من هذا الخبر ، ثم بعث العباس إلى الحجاج غلاماً ليقول له يا حجاج : الله أعلى وأجل من أن يكون الذي جئت به حقاً ، فقال الحجاج للغلام : اقرأ على أبي الفضل السلام ، وقل له : ليُخِلِ لي بعض بيوته ، لآتيه بالخبر على ما يسره ، واكتم عني ، فأقبل الغلام فقال : أبشر أبا الفضل ، فوثب العباس فرحاً كأن لم يمسه شيء ، وأخبره بذلك ، فأعتقه العباس رضي الله عنه لوجه الله : وقال لله علي عتق عشر رقاب على هذا الخبر السار ، فلما كان الظهر ، جاءه الحجاج ، فناشد العباس أن يكتم عنه ثلاثة أيام ، وقال إني أخشى الطلب ، فإذا مَضَتْ ثلاثٌ فأظهر أمرك ، وطالت على العباس تلك الأيام الثلاث ، وبعد مضي هذه الأيام الثلاث عمد العباس رضي الله عنه إلى حُلة فلبسها ، وتخلق بخلوقٍ [ أي تطيب بنوع من الطيب > وأخذ بيده قضيباً ، ثم أقبل يخطر حتى أتى مجالس قريش ، وهم يقولون ـ إذا مر بهم لا يصيبك ـ إلا الخير يا أبا الفضل ، هذا والله من التجلد بحرّ المصيبة ، قال : كلا والله الذي حلفتم به ، لم يصبني إلا خير ، بحمد الله ، أخبرني الحجاج أن خيبر فتحها الله على يد رسوله صلى الله عليه وسلم ، وجرت فيها سهام الله وسهام رسوله ، وتزوج رسول الله ، صلى الله عليه وسلم صفية بنت ملكهم ، وإنما قال لكم ذلك ليخلص ماله منكم ، وإلا فهو ممن أسلم ، فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين ، على المشركين فقال المشركون : ألا يا عباد الله ، انفلت عدو الله [ يعنون حجاجاً > أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ، ولم يلبثوا أن جاءهم الخبر بذلك .
[وقد ذكر هذه القصة ابن سعد في طبقاته >
تتصل هذه القصة ، من زاوية واحدة من زواياها ، بموضوع الحلال والحرام ، ويستنبط منها ثلاث حقائق 0
الحقيقة الأولى : تتعلق بسنة من سنن الله في خلقه ، وهي أن الله جل جلاله ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد 0
والحقيقة الثانية : تتعلق بخلق عظيم من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو رحمته بأصحابه ، وحرصه على مصالحهم 0
والحقيقة الثالثة : تتعلق بحكم فقهي في المال ، وهو أن حقوق العباد مبنية عل المشاححة ، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة 0
* * *
تطبيقاً لقول الله عز وجل : ' يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ' 0 هذه الشجرة المباركة ، الزيتونة ، تعد ثمرتها غذاء ووقاء ودواء ، فقد أهمل الطب الحديث البحث عما في غذاء الإنسان من فوائد وقائية ، وعلاجية ، وغذائية ، لكن في عام ألف وتسعمئة وستة وثمانين ، ظهرت أول دراسة موضوعية عن أثر زيت الزيتون في تخفيض شحوم الدم ، ثم أظهرت دراسة أخرى تبعتها ، أن أمراض شرايين القلب ، واحتشاء العضلة القلبية ، كانت نادرةً بل شبه معدومة في جزيرة كريت ، بسب أن أهل هذه الجزيرة يأكلون زيت الزيتون بكميات كبيرة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح :
' كلوا الزيت وادهنوا به ، فإنه يخرج من شجرة مباركة ' .
[رواه الترمذي في الأطعمة برقم 1774، وابن ماجه في الأطعمة برقم 3311 ، وأحمد في مسند المكيين برقم15475 وهو صحيح 0>
يقول العلماء : زيت الزيتون أسهل أنواع الزيوت هضماً ، وفيه قيمة وقائية وعلاجية وغذائية ، وقد أجمع الأطباء على أن هذا الزيت له تأثير علاجي عجيب ، من هذا التأثير ، أنه يمكن أن نستخدمه ، لخفض الكولسترول ، الضار في الإنسان ، ورفع الكولسترول النافع ، ويستخدم أيضاً ، لخفض الضغط المرتفع ، ويُستخدم أيضاً لمرضى السكر، ويستخدم لوقاية الشرايين والأوعية من تصلبها ، وفيه مادة تمنع تخثرالدم ، وتقي الشرايين من ترسب المواد الدهنية على جدرانها ، ومن التحليلات الدقيقة أن مئة غرام من زيت الزيتون فيه غرام بروتينات ، وأحد عشر غراماً من الدسم ، وفيه البوتاسيوم ، والكالسيوم ، والمنغنيزيوم ، والفوسفور، والحديد والنحاس، والكبريت ، وفيه ألياف ، وهو غني بأهم الفيتامينات المتعلقة بتركيب الخلايا ونشاطها ، والمتعلقة بالتناسل وبالعظام ، وهو غذاء للدماغ جيد ، وغذاء للأطفال ، وله تأثير في تفتيت الحصيات ؛ حصيات المرارة والمثاني ، وله أثر ملطفٌ للالتهابات والأمراض الجلدية ، هذا الزيت له أثر طيب ، ونافع حتى في الاستعمال الخارجي ، والنبي عليه الصلاة والسلام ، لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يُوحى . فهناك أحاديث كثير عن الزيت ، من أبرزها هذا الحديث :
' كلوا الزيت وادهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة '
ويكاد بلدنا الطيب بفضل الله تعالى ، أن يصل إلى المرتبة الأولى في العالم في زراعة شجرة الزيتون .
ختاماً لهذا الموضوع ، أضع بين أيديكم ، الحقيقة التالية ، يتفوق الإنسان في الدين ، لا بحجم ثقافته الدينية ، ولا بحجم عواطفه الجياشة ، نحو الإسلام والمسلمين ، ولا بحجم المظاهر الدينية التي يحيط بها نفسه ، ولكن يتفوق في الدين بمدى استقامته على منهج ربه ، قال تعالى :
' إن أكرمكم عند الله أتقاكم '
ويتفوق أيضاً ، بحجم عمله الصالح ، الذي يعود نفعه على المسلمين بخاصة ، وعلى الإنسانية بعامة ، قال تعالى :
' ولكل درجات مما عملوا '
هذه الاستقامة ، وهذا العمل الصالح ، لا يُقبلان عند الله في الآخرة إلا إذا بُنيا على معرفة بالله صحيحة ومتينة ، قال تعالى :
قيل لأحد العارفين ، من هو الولي ، أهو الذي يمشي على وجه الماء ، قال : لا ، قالوا أهو الذي يطير في الهواء ، قال : لا ، قال : الولي كل الولي ، الذي تجده عند الحرام والحلال ' أن يجدك حيث أمرك ، وأن يفتقدك حيث نهاك '
ابن الوافي
12-10-2005, 12:13 AM
البحث 18
الــــــــــــــــزواج
الزواج نعمة
امتن الله سبحانه وتعالى علينا في كتابه أن خلقنا معشر الرجال والنساء من نفس واحدة. وهذه النفس الواحدة هي آدم. والمنة في هذا أن نوع الرجال ليسوا خلقاً مستقلاً وكذلك نوع النساء ليس أصل خلقهم مستقلاً فلو كان النساء خلقن في الأصل بمعزل عن الرجال كأن يكون الله قد خلقهم من عنصر آخر غير الطين مثلاً أو من الطين استقلالاً لكان هناك من التنافر والتباعد ما الله أعلم به ولكن كون حواء قد خلقت كما جاء في الحديث الصحيح من ضلع من أضلاع آدم عليه السلام كان هذا يعني أن المرأة في الأصل قطعة من الرجل، ولذلك حن الرجل إلى المرأة وحنت المرأة إلى الرجل وتجانسا: حنين الشيء إلى مادته وتجانس المادة بجنسها.
ثم كان من رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعل التكاثر من التقاء الرجال والنساء لقاء يكون فيه الإفضاء الكامل، والالتصاق الكامل واللذة الكاملة وذلك ليحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم: [النساء شقائق الرجال>، فالرجل والمرأة وجهان لعملة واحدة. أو شقان لشيء واحد.
وهذا الخلق على هذا النحو من أعظم آيات الله سبحانه وتعالى، كما قال جل وعلا: {وهو الذي خلقكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون}.
ولذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى بمراعاة هذه الوحدة في الأصل عند تعامل الرجال والنساء فقال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}.
بل أمرنا بما هو أكبر من ذلك أن نتذكر نعمته في خلقنا على هذا النحو، وبأن خلق فينا هذا الميل من بعضنا لبعض وغرس في القلوب الحب والرحمة بين الزوجين كما قال سبحانه وتعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
وهكذا يصبح أمام المسلم أمور يجب أن يضعها نصب عينيه وهو يبحث في العلاقة بين الرجل والمرأة:
أولاً: أن الرجال والنساء جنس واحد وليسوا جنسين، فأصلهم واحد وهو آدم وزوجته قطعة منه، والرجال والنساء في الأرض بعضهم من بعض لا توجد نسمة إلا وفيها جزء من الرجل وجزء من المرأة وقد تحملت المرأة في الخلق والتكاثر ما لم يتحمل الرجل حيث كان رحمها مستقراً ومستودعاً للنطفة، ومكاناً لاكتمال الخلق من البويضة النطفة إلى الطفل. وقد تحمل الرجل في مقابل ما تحملت المرأة الكدح في سبيل العيش والرعاية وبهذا توزعت الاختصاصات وتحمل كل شق من هذا الجنس الواحد جانباً من جوانب استمرار الحياة وبقاء الحضارة: تحملت المرأة وهيأها الله أن تكون مستقراً ومستودعاً للنسل حتى يخرج إلى الحياة، وأن يكون الرجل مكافحاً وعاملاً وكادحاً في سبيل الحصول على الرزق وبهذا تكتمل الصورة الواحدة.
ثانياً: أن خلق الرجال والنساء على هذا النحو من أكبر آيات الله سبحانه وتعالى، ومن أعظم الأدلة على قدرته. وقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة إلى التفكير في هذا الخلق كما قال تعالى: {فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب}، والصلب في لغة العرب هو فقار الظهر (عند الرجل)، والترائب هي عظام الصدر، قال الفراء في هذه الآية (يعني صلب الرجل وترائب المرأة) والمعنى عند ذلك أنه من مجموع جسدي الرجل والمرأة بل ومن مخ عظامهما أوجدك الله أيها الإنسان. وذلك لتتم اللحمة والتعاطف والحب بين الأزواج والزوجات والآباء والأمهات والأبناء بعضهم مع بعض فمن فرق بين الذكر والأنثى لصفات الذكورة والأنوثة التي جعلها الله سبحانه وتعالى لازماً لاستمرار النوع والنسل فقد فرق بين الشيء نفسه وجنسه، ومن افتعل معركة بين ذكور الجنس البشري وإناثه فإنما هو مبطل يريد هدم الكيان البشري والوصول إلى الإباحية والشيوعية الجنسية، ومن قال بما قال به الرب سبحانه من توزيع الحقوق والوجبات على الجنسين اعتباراً بالذكورة والأنوثة فقد وافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها وأراد أن يعم السلام والخير بين الرجال والنساء.
انظر إلى قوله تعالى: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة، ورزقكم من الطيبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون}.
فالزوجة من النفس لأنها بضعة من الرجل، والأولاد وأولاد الأولاد من اجتماع الذكور والإناث، والراحة النفسية ومتاع الدنيا هو في الحب الحقيقي بين الزوج وزوجته وبين الأب والأم وأولادهما، وبين الأبناء وآبائهم وجدودهم، فكم يسعد الجد بأحفاده سعادة لا تعدلها سعادة الطعام الجيد والشراب اللذيذ، وصلة القرابة هذه وصلات النسب والتمتع بذلك لا يكون إلا في ظل النكاح الشرعي، وأما في أنكحة السفاح فإن أول حرمان لأصحابها هو حرمانهم من هذا الحب الشريف النقي بين الأرحام إذ مع السفاح واختلاط الأنساب لا أرحام وإنما يبغي لذة واحدة هي لذة الحيوان فهل يراد للبشر الذين كرمهم الله أن يكونوا كذلك؟..
حكم الزواج في الإسلام
الزواج شرعه الله سبحانه وتعالى لبقاء النسل، ولاستمرار الخلافة في الأرض كما قال الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}، والخليفة هنا هم الإنس الذين يخلف بعضهم بعضا في عمارة هذه الأرض وسكناها بدليل قوله تعالى بعد ذلك: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}، وقال تعالى أيضا: {وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض}، ولا يمكن أن نكون خلائف في الأرض إلا بنسل مستمر، وليس كل نسل مرادا لله سبحانه وتعالى ولكن الرب يريد نسلا طاهرا نظيفا، ولا يتحقق ذلك إلا بالزواج المشروع وفق حدود الله وهداه.
ولما كان الإسلام دين الفطرة، ودين الله الذي أراد عمارة الأرض على هذا النحو فإن الإسلام قد جاء بتحريم التبتل والحث على الزواج لكل قادر عليه ويدل على هذا أحاديث منها:
1- حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: [رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو آذن له لاختصينا>، والتبتل هو الانقطاع عن الزواج عبادة وتدينا وتقربا إلى الله سبحانه وتعالى بالصبر على ذلك والبعد عما في الزواج من متعة وأشغال ابتغاء رضوان الله سبحانه وتعالى، ومعنى هذا أن هذه العبادة غير مشروعة في الإسلام. بل قد جاء حديث آخر يبين أنها مخالفة لسنة الإسلام وهديه وهو الحديث الآتي:
2- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن ثلاثة نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: أصلي ولا أنام، وقال بعضهم: أصوم ولا أفطر، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني> (متفق عليه). وهذا صريح في أن هذه الشريعة أعني التبتل والرهبانية ليست من دين محمد صلى الله عليه وسلم في شيء.
وقد جاءت الأحاديث التي تحث على الزواج وتبين أن الزواج عون على طاعة الله ومرضاته من ذلك:
1- حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء> (رواه الجماعة).
وفي هذا الحديث ما يدل على أن الزواج معين على العفة وصون الجوارح عن زنا الفرج كما في الحديث:
[إن العين تزني وزناها النظر، وإن اليد تزني وزناها البطش، وإن الأذن تزني وزناها السمع، وإن الفرج يصدق هذا أو يكذبه>، وإعفاف النفس وصونها عن كل ذلك من أفضل ما تقرب به المتقربون إلى ربهم سبحانه وتعالى كما لا يخفى ما في ترك الزواج من الآثار السيئة النفسية المدمرة على كل من الرجل والمرأة وهو ما عبر عنه القرآن بالعنت حيث قال تعالى في شأن إباحة الزواج من الإماء: {ذلك لمن خشي العنت منكم}، وهو الإرهاق النفسي الذي يصاحب الكبت الجنسي.
2- ومن هذه الأحاديث أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم في معرض بيان ما يثاب به العبد وتكتب له به الحسنات: [وفي بضع أحدكم صدقة>، والبضع هو من المباضعة -والمباضعة: هي الجماع- قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: [أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له بها أجر>، وهذا الحديث غاية في بيان المراد في هذا الصدد وأن الزواج ليس من المباح الملهي وإنما هو من المباح الذي يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى.
3- وفي قوله صلى الله عليه وسلم: [دينار تنفقه على أهلك، ودينار تنفقه على مسكين، ودينار تنفقه في سبيل الله،أعظمها أجراً الذي تنفقه على أهلك> (رواه مسلم).
وفي هذا بيان أن النفقة على الأهل أحب النفقات وأعظمها أجراً عند الله سبحانه وتعالى وبالطبع هذا كله إذا ابتغى المسلم وجه الله سبحانه وتعالى لما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: [واعلم أنك لن تنفق نفقة صغيرة ولا كبيرة تبتغي بذلك وجه الله إلا أجرت عليها حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك> (متفق عليه).
وقد استدل ببعض الأحاديث المتقدمة من يرى وجوب الزواج وأن من تركه مع القدرة عليه فهو آثم وهذا رأي ابن حزم وقول من أقوال الإمام ابن حنبل وعموم الفقهاء والأئمة على استحباب ذلك ولكن لا يخفى مع هذا أن من تركه زهادة فيه وهو آمن على نفسه من الفتنة وانشغالاً بأعمال أخرى من البر والدعوة والجهاد فنرجو أن لا يكون مثل هذا آثماً بتركه.
حكمة الزواج وأهدافه
لماذا نتزوج:
سؤال ينبغي أن يسأله كل شاب وشابة لنفسه بل كل مريد للزواج قبل أن يقدم عليه. لماذا نتزوج؟ وما الحكمة من هذا الزواج؟
وهناك أربعة حكم أو أهداف اجعلها نصب عينيك قبل أن تقدم على الزواج.
1- النسل:
جعل الخالق سبحانه استمرار النوع الإنساني على الأرض منوطاً بالتزواج، واستمرار النوع هدف وغاية للخالق سبحانه وتعالى كما قال جل وعلا عن نفسه: {الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين}، ولذلك أيضاً جعل الله سبحانه وتعالى الإضرار بالنسل من أكبر الفساد في الأرض كما قال تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد}.
والنسل الذي يصلح لعمارة الأرض وخلافتها وسكناها هو النسل الذي يأتي بطريق نكاح لا بطريق سفاح، فالنسل السوي هو نسل النكاح. وأما نسل السفاح فهو مسخ يشوه وجه الحياة ويشيع فيها الكراهية والمقت. ولا يغيب عن بال قارئ مثقف في عصرنا ما يعانيه العالم الآن من أولاد السفاح الذين خرجوا إلى الأرض بأجسام بشرية وبنفوس حيوانية مريضة ملتوية، قد فقدت الحنان في طفولتها ولم تعرف الأرحام والأقارب فغابت عنها معاني الرحمة.
والنكاح بأصوله وحدوده وقواعده كما شرعه الله سبحانه وتعالى هو الوسيلة السليمة لاستمرار النوع الإنساني وبقائه وقد أمرنا سبحانه بابتغاء النسل عند معاشرة النساء حيث قال سبحانه: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن - علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم، فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم..} الآية، وابتغاء ما كتب الله هو طلب الولد (على وجه من وجوه التفسير لهذه الآية: {وابتغوا ما كتب الله لكم} أي من قيام رمضان فلا تنشغلوا بالمباح في ليلة من معاشرة النساء عن قيام ليلة وخاصة في العشر الأواخر كما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتزل نساءه فيهن) ولذلك جاء في حديث ابن عباس في الصحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما بولد لم يضره الشيطان أبداً>.
2- الإمتاع النفسي والجسدي:
يهيئ الزواج لكل من الرجال والنساء متعة من أعظم متع الدنيا وهذه المتعة تنقسم إلى قسمين: سكن وراحة نفسية، وإمتاع ولذة جسدية. قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الروم:21).
والسكن إلى المرأة يشمل سكن النفس وسكن الجسم والمودة والرحمة من أجمل المشاعر التي خلقها الله فإذا وجد ذلك كله مع الشعور بالحل والهداية إلى الفطرة ومرضاة الله سبحانه وتعالى كملت هذه المتعة ولم ينقصها شيء، وقد ساعد على ذلك بالطبع الأصل الأول للخلق، وغريزة الميل التي خلقها الله في كل من الذكر والأنثى للآخر وابتغاء هذا المتاع، والسكن بالزواج مطلوب شرعاً كما قال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها}، وهذا عن زينب رضي الله عنها والوطر هو حاجة الإنسان كالأرب، والاستمتاع بالنساء لا ينافي التعبد الكامل بل هذا النبي صلى الله عليه وسلم سيد العابدين والمتقين يقول: [حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة>. فمحبة الطيب والنساء لم تمنعه صلوات الله وسلامه عليه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم للعالمين وأن يكون سيد العابدين المتقين، ولذلك فقد وسع الله عليه في ذلك، حيث قال: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين..} الآية.
وبين سبحانه وتعالى أنه لا حرج ولا ضيق على النبي في هذا المباح والذي أوجب الله عليه بعضه أحياناً كما أوجب عليه أن يتزوج بزينب وأمره بذلك حيث قال: {فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها..} الآية، فالآمر بالزواج هنا هو الله سبحانه وتعالى وبين أنه لا حرج عليه في هذا حيث قال: {ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدراً مقدوراً}.
والشاهد من هذا كله أن متع الزواج الحسية والنفسية من خير ما خلق الله من متاع لعباده في الدنيا، وابتغاء هذا المتاع وفق تشريع الله وهديه من الأسباب التي توصل إلى مرضاة الله سبحانه.
3- بلوغ الكمال الإنساني:
الحكمة الثالثة من حكم الزواج هي بلوغ الكمال الإنساني فالرجل لا يبلغ كماله الإنساني إلا في ظل الزواج الشرعي الذي يتوزع فيه الحقوق والواجبات توزيعاً ربانياً قائماً على العدل والإحسان والرحمة لا توزيعاً عشوائياً قائماً على الأثرة وحب الذات وافتعال المعارك بين الرجال والنساء وأخذ الحقوق والتنصل من الواجبات بالشد والجذب والتصويت في (البرلمانات).
فالمتع الجسدية والنفسية تعمل عملها في نفس الإنسان وفكره وقواه النفسية والبدنية فيشعر بالرضا والسعادة والراحة النفسية والجسدية حيث تتصرف طاقته وغريزته بأنظف الطرق وأطهرها وحيث ينشأ بين الزوجين الوفاء والحب الحقيقي القائم على الود والرحمة والمشاركة، لا ذلك الميل الحيواني القائم على تفريغ الشهوة وبلوغ اللذة دون وجود الوفاء والرحمة. فمشاعر الزناة والزواني لا يمكن أن تكون كمشاعر الأزواج والزوجات فالأولى مشاعر حيوانية شهوانية حدها محدود بوجود هذه اللذائذ الحسية ومنته بانتهائها، ولا يمكن أن يكون فيها ومعها أي شعور بالاحترام والود والوفاء بل على العكس من ذلك، هناك شعور بالاحتقار والازدراء والامتهان احتقار الزواني لمن وافقته على عمله الخبيث، واحتقار الزانية لمن استغل حاجتها أو جمالها أو ضعفها الأنثوي وميلها الطبيعي. ولذلك فمشاعر الزناة والزواني متضاربة، ساقطة، ومشاعر الأزواج منسجمة سامية، وتلك المشاعر تولد العقد النفسية والانحلال الخلقي وضعف الوازع وهوان النفس، وأما مشاعر الأزواج النظيفة فإنها تورث الحب والرحمة وسمو النفس وحياة الضمير والقلب، وباختصار مشاعر الأزواج بناء ومشاعر الزناة والزواني مشاعر هدم. ولذلك سمى الزواج في الإسلام بناء. حيث إنه بناء نفسين وبناء أسرة.
ولذا فأبعد الناس عن الأمراض النفسية والعصبية هم أهل الاستقامة في هذا الشأن وأقرب الناس إلى الأمراض النفسية والعقد والامتهان هم أهل الانحراف والفساد.
ولذلك فالمجتمع السليم في أفراده ذكوراً وإناثاً هو مجتمع الزواج الشرعي، وبغير ذلك مجتمع الخنا والانحراف.
وتوزيع المسؤوليات في الزواج ينمي قدرة الرجل على القيام بالواجب ويجعل له هدفاً سامياً في الحياة وهو إسعاد زوجته أو حمايتها والسعي في سبيل أبنائه وذريته. وبالمسئوليات يتربى الرجال وكذلك بالمسئوليات الملقاة على الزوجة نحو الزوج تكمل شخصية المرأة. وقد دلت الإحصائيات الحديثة على أن المرأة لا تكمل نفسياً وجسدياً وعقلياً أيضاً إلا بعد المولود الثالث فإذا كانت هذه الزوجة التي رزقت بأولاد ثلاثة في ظل أسرة متماسكة وفي ظل تربية سليمة وأهداف نبيلة بلغت المرأة كمالها الإنساني الذي قدره الله لها. وبهذا نفسر التمزق والطيش وضعف الوازع والرغبة في الهدم التي تسيطر على العوانس ممن حرمن نعمة الزواج والأولاد ولذلك جاء الإسلام بالقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة فأمر المسلمين أمراً لازماً بتزويج العوانس والأرامل حيث قال تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله..} الآيات. والأيامى جمع أيم، والأيم هي التي مات زوجها، والأمر هنا للمسلمين عامة وأولي الأمر خاصة. فالعنوسة وكثرة الأيامى التي لا يتزوجن من أكبر مشكلات المجتمع - والشاهد أن المرأة التي حرمت نعمة الزواج أو حرمت نعمة الأولاد امرأة ناقصة خلقياً وفكرياً وعقلياً، وإن كان هذا أحياناً بظلم المجتمع. ولست بصدد البحث عن أسباب ذلك، ولكننا بصدد البحث في نتائج ذلك. والخلاصة أن الرجل لا يكمل عقله وتستقر نفسه إلا في ظل الزواج وكذلك الحال بالنسبة للمرأة.
والمشاركة لبناء الحياة.
ابن الوافي
12-10-2005, 12:14 AM
يتبــــــع للبحث 18
4- التعاون على بناء هذه الحياة:
هذه الحياة التي نعيشها على ظهر هذه الأرض تفرض علينا أن نعيش في مجتمع، والمجتمع بناء كبير يتكون من لبنات. والوحدة الأولى من وحدات هذا المجتمع هو الفرد رجلاً كان أم امرأة. والرجل والمرأة مستقلاً كلاً منهما عن الآخر لا يستطيع أي منهما العيش، بل كل منهما محتاج للآخر حاجة شق النواة للشق الثاني بل حاجة الشيء إلى نفسه، ولذلك لا يمكن أن نبني مجتمعاً سليماً إلا بتكوين لبنة سليمة، ولا نستطيع أن نقول إن الرجل بنفسه لبنة واحدة ولذلك كانت الأسرة هي اللبنة الأولى لبناء المجتمع السليم، وبتعاون الزوجين تبنى الحياة، ولذلك فعقد الزواج يشابه عقود الشركة من هذا الوجه. أعني المشاركة في بناء الحياة وتحمل أعبائها.
هذه أهداف أربعة اجعلها أمامك: النسل، والاستمتاع، وبلوغ الكمال الإنساني، والمشاركة لبناء الحياة.
كيف تختار شريك الحياة؟!
عرفنا مما سبق أنه يجب علينا أن نضع أربعة أهداف أمامنا ليكون زواجنا كاملاً وهذه الأهداف الأربعة هي: النسل، والإمتاع النفسي والجسدي، وبلوغ الكمال الإنساني، والتعاون على بناء الحياة، هذه الأهداف الأربعة قد نصل إليها جميعها وقد نحرم بعضها إما بشيء خارج عن إرادة الزوجين كالنسل وذلك أن العقم يعود غالباً إلى أسباب خلقية (بفتح الخاء وتسكين اللام) كما قال تعالى: {ويجعل من يشاء عقيماً}، وقد يعود التقصير في بلوغ الأهداف السابقة إلى أسباب من فعلنا كسوء الاختيار والانحراف الخلقي والجهل بطبيعة الحياة الزوجية.. الخ وهذا ما نحن بصدد بيان السبل التي تساعدنا على تجنبه.
أول ما يجب على كل من الرجل والمرأة معرفته هو مناط الاختيار. أعني ما الصفات التي يجب أن تتحلى بها المرأة حتى يرغب الرجل في الزواج بها؟ وما الصفات التي يجب أن يتحلى بها الرجل حتى ترغب المرأة في الزواج منه؟ وفيما يلي بعض صفات هي مناط الاختيار عند الناس جميعاً سنورد بحول الله كل صفة مبينين القيمة الحقيقية لها وأثرها في الحياة الزوجية.
أولاً: الأصل أو المعدن أو الأرومة:
لو نظرت إلى مجموعة مختارة من جميع أجناس الأرض وأشكالها لوجدت أنهم يختلفون في مظهرهم وخلقتهم اختلافاً بيناً فهناك الطويل والقصير والألوان على اختلاف درجاتها من الأسود والأبيض والأصفر.. وهناك اختلاف الأشكال والملامح والقسمات.. بل ليس هناك إنسان في الأرض يشبه إنساناً آخر من كل وجه بل لا بد أن يكون هناك اختلاف ما، ولذلك لا تشبه بصمة أصبع بصمة أخرى أبداً.
وهذا الاختلاف الظاهري الشكلي يبدو تافهاً جداً وقليلاً جداً إذا قارناه بالاختلاف النفسي والخلقي فنفوس الناس وصفاتهم الداخلية الخلقية تختلف اختلافاً عظيماً جداً. وأصدق وصف لاختلاف الناس هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: [الناس معادن كمعادن الذهب والفضة وخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا>، وفي الحديث فوائد عظيمة جداً أهمها: أن كرم الأصل في الجاهلية يساعد على التحلي الكامل بأخلاق الإسلام والقيام بتعاليمه. فالإنسان (خامة) منها النوع الجيد جداً الذي يتشكل بسهول ومن الناس خامات رديئة كالفضة المغشوشة أو المعدن المخلوط الذي لا يصلح مهما حاولت صناعته لشيء. وهناك فارق عظيم بين كرم الأصل، ونقاوته وشهرة العائلة والقبيلة فقد يشتهر غير الكرام وإنما المقصود المعدن البشري. والحق إن معرفة معادن الناس شيء عسير جداً ولا يفهمه إلا صيرفي ماهر، وهذا لا يستطيعه كل الناس ولكن الضابط في هذا هو اشتهار الناس بأخلاق معينة وصفات معروفة، قد تكون هذه الشهرة مبنية على معرفة حقيقية وحوادث ووقائع تفيد العلم اليقيني، وقد تكون مبنية على دعايات وإشاعات كاذبة. فالناس يقولون هؤلاء القوم كرماء شجعان، وأولئك بخلاء جبناء، وهؤلاء القوم تغلبهم نساؤهم، وأولئك يهينون زوجاتهم، وهؤلاء القوم نساؤهم عفيفات محصنات وأولئك نساؤهم مستهترات خليعات وهكذا. المهم أن أخلاق الشعوب والقبائل والفصائل مختلفة متباينة ولذلك وجب علينا النظر في أصول الناس قبل الإقدام على الزواج. وهذه القاعدة بالطبع قاعدة أغلبية وليست قاعدة كلية حتمية فقد يوجد الشجاع من القوم الجبناء، وقد توجد العفيفة المحصنة في القوم الذين لا يأبهون لميل نسائهم وانحراف رجالهم وعلى كل حال فالنظر في الأصول أمر دقيق جليل، ولا يجوز أن نأخذه على وجه العصبية والجاهلية وإنما يجب أن نأخذه على الأمر بحسن الاختيار، فبعض الشعوب وبعض القبائل يرفعون أنفسهم ويتعصبون لها على وجه التعصب والجهل والجاهلية ويمنعون أنفسهم ونساءهم من زواج الآخرين على زعم أنهم خير منهم وقد يكون عند الآخرين من الصفات النفسية والخلقية الطيبة ما ليس عند أولئك.
فنظرنا نحو الأصل يجب أن يكون هو النظر نحو (الخامة) والمعدن: الخامة التي تتوافر فيها الصفات الإنسانية الطيبة. باختصار يجب أن يبحث الرجل عن المرأة (الإنسان) ويجب أن تبحث المرأة عن الرجل (الإنسان). انظر عندما خطب أبو طلحة وهو مشرك كافر امرأة من المسلمين هي أم سليم قالت له: (يا أبا طلحة والله ما مثلك يرد ولكنك امرؤ كافر وأنا امرأة مسلمة ولا تحل لي فإن تسلم فهو مهري!!). فقول هذه المرأة الفقيهة: (والله ما مثلك يرد) معناه أن الرجل فيه الصفات الإنسانية التي تطمح المرأة في وجودها في الرجل ولكن منعها من الموافقة كفر. باختصار ليكون بحثنا أولاً عن الإنسان.
ثانياً: الدين:
الدين هو المنهاج الرباني الذي أنزل ليجعل من الإنسان إنساناً كاملاً في صفاته وأخلاقه وليجعل معاملته وتصرفاته في هذه الدنيا على أكمل الوجوه التي تحقق العدل والسعادة، وهذا الدين إذا التقى مع المعدن الإنساني الطيب ووافق القبول صنع الأعاجيب ولكنه إذا صادف المعدن الهش المغشوش صنع في صاحبه بالقدر الذي يحتمله ويطيقه إذا توفر القبول أيضاً.
والتدين الحقيقي شيء خفي لأن حقيقة الدين تتعلق بالقلوب أعظم مما تعلق بالظواهر دلالات وعلامات على الدين ولكنها ليست دلالات ظنية فليس كل من أعفى لحيته، وقص شاربه، ووقف في صفوف الصلاة مع المسلمين كان متديناً مؤمناً بل هذه ظواهر قد تدل على هذا وقد يكون هذا نوعاً من النفاق والمجاراة والاعتياد لا يغني قليلاً أو كثيراً في حقيقة الدين.
وكذلك بالنسبة للمرأة أيضاً فمع أن الحجاب فريضة إسلامية وظاهره يدل على الصلاح والدين والفقه إلا أنه ليس دليلاً قطعياً على ذلك ولكنه ظاهر فقط قد يكون نوعاً من النفاق والمجاراة والعادة أيضاً. والذي نعنيه هنا في اختيار الزوج الصالح والزوجة الصالحة البحث عن الدين الحقيقي أو كما قلنا آنفاً الدين الحقيقي لا يعمل على وجه القطع ولكن بغلبة الظن، وأداء الشعائر والحفاظ عليها قرائن ظاهرية إذ ضممنا بعضها إلى بعض قد نحصل على نتيجة حقيقية. وهذا أقوله حتى لا يتعثر بعض الشباب بالقشرة الخارجية لبعض الفتيات، ولا تتعثر أيضاً بعض الفتيات الطيبات الصالحات بالقشور الخارجية لبعض الرجال.
ولذلك كان سؤال عمر بن الخطاب عن الرجال هو التعامل بالدينار والدرهم. فقد سأل رجلاً فقال: هل تعرف فلاناً؟ قال: نعم. قال: هل عاملته بالدينار والدرهم؟ قال: لا. قال: إذن لا تعرفه. فمعرفة الدين الحقيقي لا يكون إلا بالمواقف والتعامل ومن أحرج المواقف التي تظهر الرجال المعاملة بالدينار والدرهم لأن النفوس مجبولة على حب المال فإذا تغلب الدين ومراقبة الله على النفس في هذه القضية دل هذا على وجود الدين. ولذلك يجب علينا في البحث عن الزواج أن نبحث عن حقيقة الدين وأن نأخذ من مجموع التصرفات والمعاملات هدايا ومرشدا إلى معرفة دين الرجل والمرأة.
ثالثاً: الحب:
يعلق كثير من راغبي الزواج أهمية بالغة على وجود الحب قبل الزواج. ويجعله بعضهم شرطاً أساسياً للزواج الناجح ويصمون الزواج الذي يعقد قبل الحب، بالفشل. وهذا الكلام يصدر عن هوى أو عن جهل بحقائق الزواج، وطبيعة الحياة بين الرجل والمرأة.
ويختلف مفهوم الناس لكلمة الحب اختلافاً كبيراً فبينما تصدق هذه الكلمة على ميل القلب الفطري والغريزي والمكتسب نحو شيء ما كحب الأبناء لآبائهم والعكس وميل الرجل الغريزي نحو المرأة والعكس، وكذلك على ميل الإنسان لبعض المحبوبات من المطعومات والملبوسات والمرئيات. أقول بينما تطلق اللفظة في اللغة على ميل القلب وراحته إلى شيء ما فإن هذه اللفظة تستعمل خطأ على الممارسات (الجنسية) خاصة بين الرجل والمرأة وخاصة في مجال العلاقات الآثمة وهذا منتهى الإفساد لهذه الكلمة الطيبة والتبديل لمعناها، فالاسم الصحيح للعلاقات الآثمة هو الزنا والبغاء. ووضع الكلمات الطاهرة الطيبة على المعاني الفاسدة يفسد اللغة والذوق وكذلك يهدم الدين والأخلاق ولذلك فإننا نرى أنه لا يجوز استعمال هذه اللفظة (الحب) إلا في معناها الصحيح.
والذين يسعون قبل عقد العقد الشرعي، والخطبة الشرعية إلى الحصول على الحب بمعناه الفاسد إنما يكتبون بأيديهم فساد حياتهم الزوجية ويهدمون أهم عامل من عوامل الحب الحقيقي بين الزوجين وهو الوفاء والإخلاص (وقد تكلمنا عن هذا مفصلاً في بحث البكارة).
ولا يتصور وجود الوفاء والإخلاص إلا بالطهارة والاستقامة الخلقية قبل الزواج وبعده.
بخلاف ذلك فالمرأة تسعد وتحب أن تكون مأخوذة ومحبوبة والرجل يجد سعادة فائقة إذا كان عند زوجته هو الرجل الوحيد في الدنيا، وأنه لا رجل غيره.. وما زال ولن يزال الرجل يتألم وتجرح كبرياؤه لو مدحت امرأته رجلاً غيره أو حتى استظرفت غيره أو استحسنت منه شيئاً.. والمعرفة الواسعة للرجل بالمرأة التي يريد الزواج بها وكذلك معرفة الفتاة معرفة كاملة أو شبه كاملة بالرجل الذي تريد الزواج به يفقد الزواج أحلى قضية فيه وهو هذا الاضطراب والخوف اللذيذ من ملاقاة المجهول فبالرغم من أن الإسلام أوجب على الرجل النظر إلى المرأة قبل الزواج وجعل رضا المرأة شرطاً في صحة العقد فإن النظر والرضا لا يعني أكثر من الاطمئنان إلى (الشكل) المطلوب، ويبقى الموضوع شيئاً آخر تماماً، والذين يريدون معرفة المرأة معرفة تامة قبل الزواج إنما يفرغون الزواج من معناه الحقيقي.
وباختصار يجب أن نفهم الحب بمعناه الحقيقي لغة وشرعاً، ويجب أن نبني البيوت على الحقائق لا على الأوهام والأماني التي يمني كل من الراغبين في الزواج بها أحدهما الآخر. ولا بأس بتاتاً أن يميل قلب رجل إلى امرأة يسمع عن صفاتها وأخلاقها وشمائلها وكذلك لا تعجب إذا أحبت امرأة رجلاً شاهدت وعلمت من صفاته وشمائله ما يدعوها إلى الزواج منه. ولكن لا يجوز بتاتاً -إذا أردنا زوجاً سليماً صحيحاً- أن تكون هناك ثمة علاقة بين رجل وامرأة يريدان الزواج أكثر من معرفة الصفات الحقيقية التي سيبني عليها الزواج، والعلاقات الآثمة التي تسبق الزواج ستكون حتماً هي العامل الأول في هدم السعادة الزوجية.
ويحسن هنا أن نشير إلى أن عقد الزواج الشرعي وإن كان يبيح للرجل الاستمتاع الكامل بزوجته فإنه لا يحسن هذا قبل إعلان (الدخول) الشرعي لما يترتب على هذا الإعلان من حقوق شرعية لكل من الرجل والمرأة سيأتي تفصيلها في مكانها من هذا البحث إن شاء الله تعالى.
والحب الكامل بين رجل وامرأة لا يمكن تصوره إلا بعد الزواج حيث تتاح الفرصة للمنافع المتبادلة ولترجمة الإخلاص والوفاء والتفاني في خدمة الغير إلى واقع فعلي. وأما قبل الزواج فإن الحب غالباً لا يكون إلا مجرد الميل الغريزي بين الرجل والمرأة، وقد يزيد من إشعال هذا الحب تلك الأماني الجميلة والأحلام المعسولة التي يمطر بها القادمان على الزوج أحدهما الآخر فأحلام اليقظة وبناء الآمال العريضة وإظهار التفاني والإخلاص الذي يقدمه كل من الرجل للمرأة والمرأة للرجل قبل الزواج تشعل الحب وتؤكد ميل القلب ولكن حرارة الحياة وجديتها ورتابة الحياة الزوجية وطول الألف والعشرة تهدم هذه الآمال والأحلام إذا لم يكن عند الزوجين المفهوم الصحيح لمعنى الحياة الزوجية، ولذلك يفاجأ كثيراً من الأزواج (الواقع المر) بعد دخول الحياة الزوجية ويرون تبدلاً عظيماً في أخلاق شريكة الحياة وقد يسأل كل منهما نفسه: هل هذا حقاً هو الإنسان الذي عرفته قبل الزواج؟! وذلك أنهم بنوا حياتهم على الأحلام والأماني لا على الواقع، ولذلك فالتعويل على هذه الأحلام هو من الغباء، والمجتمع المختلط قد يسر لكل من الرجل والمرأة التعرف والتقلب والصحبة والزمالة، ويسر أيضاً الخلوة الفاحشة، ولقد كانت ضريبة هذا هو النفور من الزواج وهدم الحياة الزوجية الحقيقية ففي الإحصائيات التي أخذت على طلاب بعض الجامعات ثبت أن أكثر من 90 بالمائة منهم لا يفكرون بتاتاً في زواج زميلة له في الجامعة وذلك أن الاختلاط الكامل بين الطلاب أفقد المرأة أخص صفاتها وأحظاها عند الرجل وهو شعور الرجل أنه قد فاز بشيء عزيز مكنون. ومهما قيل عن هذا الشعور بأنه بدائي أو أنه شعور بالامتلاك والمرأة ليست سلعة و.. و.. الخ. فإن الحقيقة أن الرجل بفطرته ما زال يشترط في المرأة أن تكون متاعاً خاصاً به وحده وأن تكون خالصة له من دون الناس.
رابعاً: المال والغنى:
ابن الوافي
12-10-2005, 12:15 AM
يتبــــــــــــــع للبحث 18
من الصفات التي لا غنى عنها مطلقاً، ولا اختلاف عليها بين الناس هو اشتراط الغنى في المتقدم للزواج، وأقل الغنى هو الكفاف والقيام بواجبات الزوجية. وقد فسر العلماء حديث الرسول: [يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج..> الحديث. أن المقصود بالباءة هو نفقات الزواج وإمكان إعاشة الرجل للمرأة. والإسلام يشترط في صحة عقد النكاح واستمرار قدرة الرجل على الإنفاق.
ولكن الناس ينظرون في الرجل الآن إلى كثرة المال لا مجرد الكفاف والغنى عن الناس وذلك بعد تعاظم الحياة المادية، وانفتاح الأساليب المذهلة للاستمتاع بالحياة واقتناء الزينة التي لا تقف عند حد في أثمانها أو أشكالها.. والمسلمون فقط من يسألون عن طالب الزواج الغني كيف اكتسب ماله؟.
وذلك بعد أن فسدت وسائل الكسب في العصر الراهن وأصبحت المقامرات والرياء وبيع الأعراض والذمم والرشاوي من أعظم وسائل الكسب في هذه الجاهلية الحديثة. ولا شك أن كل فتاة تريد السعادة الحقيقية يجب أن تعلم من أين اكتسب المتقدم للزواج بها ماله. فالرجل الشريف العفيف نظيف اليد هو أولى الناس بأن يؤسس بيتاً قائماً على الاستقرار والسعادة، وأصحاب الدخول والأموال القذرة يتعاملون مع زوجاتهم بنفس تعاملهم مع الدينار والدرهم ويقدرونهم بقدر منافعهم المادية فقط. باختصار تصبح المرأة عندهم كالسلعة تماماً. تفقد قيمتها بالقدم (وبروز الموديل الجديد) وبنضوب المنافع المادية وقد كان من علامات الشرف (علو المكانة والمنزلة) في الجاهلية القديمة الكسب.
وذلك أن المتكسب المكافح العامل لا يقارن مطلقاً مع العاجز الكسول العالة على غيره. ولذلك كان من أقسى أنواع الذم في الجاهلية هذا السب:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
أي المطعوم المكسو. وقد أتلفت الحياة الحاضرة قيمة الإنسان الحقيقية وذلك بالتوظيف الحكومي. فالوظائف الحكومية الهرمية والتي يراعي فيها كثيراً الغش والنفاق والمحسوبية، رفعت أناساً يستحقون الوضع، ووضعت أناساً يستحقون الرفعة، وأصبحت السمة الغالبة أن نرى كل إنسان في غير موضعه بل لا نكاد أن نرى إنساناً في موضعه الصحيح من هذا الهرم الوظيفي المغشوش.
ولذلك فالتعويل على معرفة القيمة الحقيقية للإنسان من خلال الحسب والمال أصبحت لاغية تماماً في عصر اختلطت فيه موازين الكسب والتوظيف، ومع ذلك لن نعدم أيضاً التقييم الحقيقي للرجال الذين يلتزمون بالعفاف وطهارة اليد.
وليس اشتراط الغنى بالنسبة للمرأة مطلوباً على النحو الذي يطالب به الرجل وخاصة في المجتمعات التي يستطيع الرجال أن يكسبوا ما يكفيهم بسهولة ويسر، ولكن في المجتمعات الفقيرة، حيث يصبح عمل المرأة وكسبها ومالها جزءاً أساسياً للمعيشة أصبحت المرأة مطالبة بالمشاركة والمساهمة اللازمة في نفقات العيش.. وهذا من أعظم فساد الحياة ومن أعظم البلاء الذي وفد إلينا من الحضارة الغربية المادية، وبذلك أصبح أمام المرأة عبئان: عبء الحمل والولادة وتربية الأولاد والعناية بشئون المنزل، وعبء الخروج للتكسب والإنفاق. والعجيب أن الذين يؤيدون خروج المرأة للعمل خارج البيت ليسوا قطعاً من الأمهات الذين لهم بيوت آمنة مستقرة وأولاد وإنما هم في جميع بقاع العالم إما أن يكن زوجات فاشلات أو عوانس مغبونات، وأما الأمهات الحقيقيات والزوجات الناجحات في كل بقاع العالم فيصرخن بأعلى أصواتهن أنه من الظلم للمرأة أن تطالب بوظيفتين وظيفة الفطرة (الحمل والإرضاع والتربية) ووظيفة المجتمع الظالم والقوانين الجائرة (المساهمة في نفقات الأسرة وما يسمى ببناء المجتمع الاقتصادي) وبالطبع فالرجال الذين لا يتسمون بالإنصاف والخلق يجادلون في خروج المرأة للعمل لمرض قلوبهم وإرضاء شهواتهم لا لنفع المرأة ونهضة المجتمع.
ولكن المشكلة الحقيقية في كل ذلك أن المجتمعات التي قطعت شوطاً بعيداً وراء الحضارة المادية قد جعلت خروج المرأة للعمل ضرورة حتمية أمام من يريد الزواج وذلك أن نفقات السكن والمعيشة لا يكفي لها راتب الزوج في المعتاد، وبذلك أصبح الشاب في خيار أن يستمر بلا زواج سنوات طويلة أو يعيش بما لا يتلاءم مع وضعه الاجتماعي والأخلاقي ويتزوج أو أن يتزوج من امرأة عاملة أو موظفة.
والذين يغامرون أو يغرون ويتزوجون من امرأة موظفة أو عاملة فهم يغامرون بسعادتهم واستقرار أسرهم، فالمرأة التي تدفع من راتبها على زوجها وأولادها لا يمكن أن تكون زوجة كاملة مطلقاً اللهم إلا إذا تحلت بأخلاق هائلة من الكرم وضبط النفس وعدم المن بالفضل، وهي صفات نادرة جداً في هذه الأيام. وعلى كل حال ليعلم الرجال الذين يمدون أيديهم لزوجاتهم أن هذا يجب أن يكون عن طيب نفس تماماً، وليحذر أن يكون هذا وسيلة من وسائل الاستذلال مستقبلاً. وقد عرفت عشرات الحالات لإخوان وأصدقاء كثيرين فشلت حياتهم الزوجية بسبب عمل وكسب زوجاتهم. هذا عدا المتاعب الهائلة التي تسببها امرأة عاملة منهكة لزوجها وأسرتها وذلك بما تلقيه في بيتها من هموم العمل ومتاعبه ومشكلاته. ولا يمكن أن نتصور بتاتاً كيف يمكن أن يكون هناك أسرة سعيدة حقاً في ظلال امرأة عاملة منهكة.
وأما الغنى الوراثي أو الذي حازته بغير طريق العمل اليومي فهو من المغريات لكثير من الرجال الذين يريدون الثروة السهلة الميسرة.. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك من أسباب طمع الرجال في النساء كما قال: [تنكح المرأة لأربع>، وعد من ذلك المال فيجب أن نعلم أيضاً أن هذا المال لا يجوز أن يكون مسوغاً للزواج بالمرأة إلا إذا كان في يد امرأة عفيفة كريمة النفس تنفق منه على بيتها ولا تمن بإنفاقها. هذا إذا كان الرجل راغباً في الزواج بالمرأة الغنية لا لأجل مالها فقط. أما إذا كان لا رغبة له إلا المال فقط وقد عبر إلى هذا المال بطريق الزواج فهذا شأن آخر. وما أظن أن عقد الزواج بهذه النية يكون صحيحاً مشروعاً، ولعل هذا أشبه بالنصب والاحتيال. وتحتاج المرأة الغنية أيضاً التي تريد الزواج إلى أن تتريث طويلاً في قبول المتقدم لها حتى تتحقق أنه يريد من الزواج أموراً أخرى غير ثروتها وغناها.
خامساً: الأخلاق:
عرفنا أننا يجب أن نبحث قبل الزواج عن (المعدن) النقي للإنسان وهذا المعدن صناعة إلهية ليست كسبية كما جاء في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لزيد الخير: [إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة>، قال: يا رسول الله خصلتان جبلت عليهما أم تخلقت بهما؟ قال: [بل جبلت عليهما..> الحديث. وهذا يعني أن هذا الصحابي قد خلق حليماً متأنياً قبل أن يكون مسلماً وهذه المعادن البشرية تتفاوت نقاوة وجودة. ثم الدين وعرفنا أن المقصود بالدين حقيقة الدين لا ظاهره فقط والدين عاصم من الظلم والانحراف ومقيم للزوجين -إن أقاماه- على سنن الخير والسعادة والصلاح.
وإذا اجتمعت هاتان الصفتان في رجل أو امرأة صنعت الأعاجيب فنقاوة المعدن إذا صادفت فقه الدين وتشربت أحكامه أخرج هذا ثماراً طيبة من الخلق الكامل والعفة والطهارة والاتزان والصدق والوفاء والتفاني في خدمة الآخرين والاعتراف بالجميل. وهذه الصفات كلها صفات لازمة ضرورية في الزوجين لكل زواج ناجح، وذلك أن الشذوذ والانحراف أو التقلب والتذبذب أو الجحود ونكران الجميل أو الكذب أو التعالي.. واحدة من هذه الصفات في أحد الزوجين كافية لهدم السعادة الزوجية ومورثة للشقاء والهموم، ونحن نكشف عن طبيعة معدن الإنسان (رجلاً كان أو امرأة) وطبيعة دينه بمعرفة هذه الأخلاق؛ فالأخلاق الطيبة هي نتاج طيب للمعدن الطيب والدين الصحيح السليم، وأما الأخلاق الخبيثة فهي أيضاً نتاج خبيث للمعدن الخبيث والدين الكاذب أو الدين الباطل. ولهذا قال تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك}. فعلى تفسير النكاح هنا بالزواج يكون المعنى لا يرغب في الزواج ممن اشتهرت بالزنا إلا مثيلها في هذا الخلق الذميم أو مشرك لا يقيم وزناً للأخلاق، وكذلك العكس لا ترغب المرأة في الزواج من رجل اشتهر بالفسق والفجور إلا أن تكون على شاكلته أو تكون مشركة لا دين يردعها عن مثل هذا النكاح. وأعم من هذه الآية قوله تعالى: {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات}. والآية على تفسير الطيبات والخبيثات بالزوجات، وعلى تفسير الطيبين والخبيثين بالأزواج، والخبث والطيبة هنا أوصاف للأخلاق الذميمة والطيبة وهذه الأخلاق كما أسلفنا القول ثمار للمعدن والدين.
سادساً: الجمال:
الجمال هو الصفة التي يبحث عنها كل من الرجل والمرأة عند الآخر. وهذه الصفة الظاهرية لها أثر عجيب في دوام العشرة وبقاء الألفة وبالرغم من أن الإنسان من حيث هو إنسان مخلوق في أحسن تقويم فإن التفاضل بين البشر في هذه الصفة متفاوت لدرجة كبيرة جداً.
ومع أن الناس أيضاً يتفقون على خطوط رئيسية للجمال إلا أنهم يختلفون أيضاً في الحكم على تفصيلاته وتفريعاته ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل>. وترك النبي صلوات الله وسلامه عليه مسألة ما يدعو الرجل إلى الزواج من امرأة متروكاً إلى الشخص.
ولقد شدد النبي في هذه الناحية أعني اشتراط الجمال أو على الأقل اشتراط القبول لشكل المرأة ووجهها فقد جاء في الحديث الصحيح أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه خطب امرأة من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [هل نظرت إليها؟> قال: لا. قال: [اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما>. وهذا أمر يقتضي الوجوب في الحديث الآخر إذا خطب أحدكم امرأة فلينظر إليها ومعلوم أن النظر هنا بحث عن الجمال والشكل. وليس عيباً ولا منافيا للدين والخلق والإحسان أن يرغب رجل عن زواج امرأة لأنها دميمة فقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إني أهب لك نفسي فرفع إليها نظره ثم ألقاه إلى الأرض وسكت ورغب النبي عن نكاحها لأنها لم تكن جميلة.. حتى أنه قام صحابي بجوار النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها.. فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم إياها على أن يعلمها سوراً من القرآن وكذلك ليس منافياً للدين والإحسان والخلق الكامل أن يشاهد رجل امرأة جميلة فيرغب في الزواج منها لذلك، وقد فعل هذا سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه فما تزوج جويرية بنت الحارث رضي الله عنها إلا لملاحتها وجمالها بعد أن رآها في السبي وكان زواجه منها خيراً عميماً على أهلها جميعاً. وما يريده الرجل في المرآة تريده أيضاً المرأة في الرجل وإن كانت المرأة بوجه عام مطلوبة لا طالبة إلا أنها أيضاً تنتظر أن يتقدم إليها الوسيم الجميل ولا ينافي الخلق الطيب والاستقامة للمرأة المسلمة أن ترفض رجلاً ليس بجميل وإن كان على دين وخلق، وقد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قيس بن شماس وزوجته لأنها كرهته لدمامته، وكذلك لا ينافي تقواها ودينها أن تطلب وترجو أن يتقدم إليها الوسيم الجميل.
وهذا الذي قدمنا بأدلته نسوقه للذين يظنون أن الدين لا يقيم اعتباراً لهذه القضية التي يظنونها من نتاج الفكر المادي وأهل الشهوات والدنيا. وهذا الفهم فهم خاطئ سخيف لأحكام الدين في هذه القضية.
ومع ذلك يجب علينا أن نضع قضية الجمال مكانها من حيث مجموع الصفات المثالية التي يبحث عن توفرها في الزوج الصالح والزوجة الصالحة، فالجمال حقاً شكل وظاهر ومع ذلك فهو مراد ومطلوب ومحبوب ومرغوب ديناً وطبعاً وإن كان الجمال في ذاته صفة وهبية من الخالق سبحانه وتعالى ولا كسب للإنسان غالباً فيه ولكننا أيضاً شرعاً وديناً في حرية وإباحة للتخير والمفاضلة وهذا من رحمة الله وتوفيقه. ولكن المنهي عنه شرعاً أن تغلب هذا الظاهر على الجوهر الأساسي للإنسان من الأصل والدين. بل يجب علينا أن نضع الجمال في المستوى والحد اللائق به والمتناسب مع الصفات العامة التي يجب علينا مراعاتها في اختيار شريك الحياة.
سابعاً: البكارة:
البكارة من (الصفات) المحببة في الزواج لدى الرجل والمرأة (يقال رجل بكر وامرأة بكر أي لم يسبق لهما زواج). وهذه الحالة نسميها صفة تجاوزاً. وقد جاء على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم الحض على زواج البكر كما في حديث جابر في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله ماذا تزوجت قال: ثيباً يا رسول الله (والثيب هي المرأة التي سبق لها زواج) فقال له الرسول: [هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك>.
وفي الحديث التعليل لزواج البكر بأنه للملاعبة والسبب أن البكر التي لم يسبق لها زواج تتفتح طاقاتها النفسية والعاطفية والجسدية على لقائها الأول مع الرجل سواء كان لقاء شرعياً أم سفاحاً، وشتان بين ما يخلقه لقاء النكاح ولقاء السفاح. فلقاء النكاح يورث الحب والألفة والتراحم ولقاء السفاح يورث البغضاء والندم والشعور بالإثم والألم من مواجهة المستقبل ويعرض المرأة إلى الاستذلال سواء تزوجت برجل آخر أو تزوجت بمن واقعها سفاحاً. وقد كان فعل الرب حازماً مع المرأة إذ جعل غشاء البكارة خاتماً ودليلاً على الطهارة والعفة وذلك أن رحم المرأة هو مستقر الولد، وأولاد السفاح من أعظم الفساد في الأرض.
والفلسفات المادية والحديثة والدراسات النفسية وخاصة المنحى (الفرويد) قد هون من شأن العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة زاعماً أنه ينبغي أن ينظر إليه كالنظر إلى الطعام والشراب وأنه لا يجوز أن نحيطه بسياج الأخلاق والدين والتقاليد والعادات التي تحدد من إشباع الإنسان في هذه الناحية. وزاعماً أيضاً أن الجنس هي الغريزة التي يدور الوجود كله عليها فالسموات والأرض والبشر ما خلقوا إلا لممارسة الجنس وإذا كان هذا هو غاية خلقهم فلا يجوز أن توضع حدود وعقبات أمام هذه الغاية. هذه هي خلاصة العقيدة الفرويدية التي صبغت وجه الحضارة الحديثة وكان لها أعظم الأثر في الثورة الجنسية التي يعيشها العالم في هذا العصر الراهن. وبالرغم من هذه الفلسفة الخائنة المغلوطة فإن الانحراف ما زال في جميع المجتمعات على السواء ينظر إليه باحتقار وازدراء حتى تلك المجتمعات المادية التي تركت الدين منذ مدة طويلة؛ وذلك أن نداء الفطرة ما زال يأبى هذا الانحراف ونحن -المسلمين- الذين لم تتدنس نفوسنا بعد، وما زال الدين حياً في نفوسنا يدعونا إلى الاستقامة والعفة، نمجد الفضيلة والعفاف ونزدري السقوط والانحراف.
المهم أن البكارة شيء محبب وصفة من الصفات التي يحرص عليها اللهم إلا إذا كانت هناك مصالح في الزواج ترجح صفة أخرى كما أقر رسول الله جابراً الذي تزوج ثيباً عندما قال: إن أبي قتل شهيداً في أحد وترك تسع بنات فلم أرد أن أضيف إليهن واحدة مثلهن وإنما أحببت أن أتزوج ثيباً تقوم عليهن وتمشطهن. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: [فنعم إذن>. والشاهد أن المرأة البكر أحظى لدى زوج يريد امرأة تبحث عن كنف ومرشد ورجل قوام عليها وهذه الحاجة الفطرية في المرأة عموماً ولكنها في البكر أشد.
ويبدو أن هذه القضية عكسية تماماً في الرجل البكر فهو أشد مراساً وأقسى طباعاً في معاملة زوجته وإن كان أحلى عشرة وأبهج حياة. وأما الرجل الثيب فإنه أطوع للمرأة وأضعف أمام رغباتها ولكنه مع ذلك أنكد عشرة وخاصة كلما تقدمت به السن وعلاه الشيب ولا يظنن ظان أن الضعف والطواعية للمرأة من أسباب سعادتها ولكنه في الحقيقة من أسباب شقائها وتعاستها. وهذا من قوانين الفطرة الصارمة التي لا تتخلف.
فالواجب علينا إذن أن نضع هذه الصفة (البكارة) في مكانها الصحيح أيضاً من الصفات المثالية التي ننشدها في الرجل والمرأة ولتعلم الفتاة أن مستقبل حياتها الزوجية مرهون بالمحافظة على الخاتم الذي وضعه الخالق البارئ. وأن التفريط في هذا الشيء العزيز الذي لا يرتق هو بمثابة خسارة لا تعوض. وإذا كان على المرأة أن تبحث عن الرجل البكر أيضاً فيجب أن يكون أيضاً بحيث يصلح مرشداً وهادياً وقواماً ولذلك فزواج الأقران (الذين في سن واحدة) من أفشل الزواج لأن الأسرة لا ينتظم أمرها إذا كان الزوجان ندين. وقانون الفطرة أن تسعد المرأة فيمن تجد عنده مع الحب والحنان والعطف والرعاية والقوامة والرجولة.
فالقوامة والرجولة صفتان أساسيتان لزواج سليم. (وسيأتي إن شاء الله تفصيل كامل لمعنى القوامة). وكذلك على الذين يتزوجون امرأة ثيباً ألا يتعلقوا بمستقبل وهمي من التطبع والامتاع النفسي والجسدي الذي يوجد لدى الأبكار وأن يعلق أمله فقط بالمنافع الممكنة من هذا الزواج وليس بالمنافع المستحيلة. وكذلك يستحسن أن تنصرف الفتاة عن زواج قرنها ومساويها في السن ما أمكن إلا أن تكون على استعداد للتنازل أحياناً عن فهمها وعلمها ورأيها مع تحققها أنه صواب حفاظاً على حياتها الزوجية. وأما اللاتي يقدمن للزواج من كبار السن من الرجال فيجب عليهن أيضاً أن تعرف الممكن الذي يستطيع الرجل أن يقدمه للمرأة من مال ومتاع ونحوه أو من فضائل أخروية كأن تقبل الزواج برجل كبير احتساباً لله لخدمته ورحمة لشيخوخته، وكما يفعل من يتزوج امرأة ليرعى عيالها أو يؤنس وحدتها ووحشتها، فليس الزواج للمنافع المادية الدنيوية فقط. لكنه أيضاً مجال واسع للمنافع الأخروية وطلب الحسنات والثواب والأجر من الله سبحانه وتعالى. والمهم أن الإنسان إذا عرف هدفه وغايته ولم يطالب بالمستحيل استراح وأراح وإنما إذا تعلق بالأوهام وطالب بالمستحيل وأقدم على الأمور بجهل عواقبها خاب أمله وضل سعيه.
ثامناً: الشرف والحسب:
ابن الوافي
12-10-2005, 12:17 AM
يتبــــــــــــع للبحث 18
جاء في الحديث الصحيح أن الحسب أحد الأسباب التي تغري الرجال بالزواج من النساء. والحسيبة هي المرأة الشريفة ذات المكانة والمنزلة، والشرف هنا يعني العلو والرفعة (ويستعمل الشرف عرفاً الآن بمعنى العفة وهو استعمال غير سليم) ولا يلزم من وجود الحسب وجود المال والغنى فالشرف والحسب يعني الشهرة والرفعة والسيادة وكان الناس وخاصة في جاهلية العرب يشتهرون ويبلغون أعظم منازل الشرف ولا مال لهم وإنما لكرم أصولهم وكريم شمائلهم وأخلاقهم. فحاتم الطائي مثلاً كان سيداً في قومه. ولم يكن غنياً، وبنو هاشم كانوا في القمة من أقوامهم شرفاً وحسباً ولم يكونوا أغنياء بمعنى الثراء والمال وكانت العرب تقدس الأخلاق وتعتني بالأصول القبلية ولا تقيس شرف الناس إلا بذلك، ولقد تغيرت هذه الموازين في جاهليتنا الحديثة وأصبح المال والثراء والمركز الوظيفي هي مقومات الشرف والمكانة وإليها ينسب الحسب في الوقت الراهن. وأما العناية بالأصول والقبائل فما زال معمولاً بها في البوادي أو القبائل التي تحضرت حديثاً، وكلما أوغل المجتمع في التحضر الحديث هدمت هذه الأعراف والتقاليد. وقد ناقشنا في البند السابق النظرة الصحيحة للثراء والغنى وما منزلة ذلك في زوج سعيد مثالي وعليه فالحسب الآن مرتبط بالنظرة إلى المال والمركز الوظيفي.
وأما الأعراف البدوية أو المتحضرة حديثاً فبالرغم من أنها امتداد لأعراف الجاهلية القديمة إلا أن هناك جوانب من الحق في هذه الأعراف والتقاليد لا ينبغي أن نساعد على محوها فبعض القبائل فقدت سمتها وباءت بالعار لدى القبائل لما كانت تمارسه من دعارة وسقوط خلقي وانحراف، وكان الامتناع عن الزواج والمصاهرة بهذه الأصول فيها جانب من جوانب الحق، كما أن قبائل (النَوَر والغَجَر) الطوافة لا يخفى على مطلع الأساليب التي كانت تتكسب بها من الدعارة والعرافة والسرقة ونحو ذلك، وكان وما زال الامتناع عن المصاهرة بهذه الأصول شيئاً مقرراً في الشريعة، وإن كانت وسائل الإعلام في بعض الدول تعمل جاهدة الآن على محو هذه التقاليد وهذا لإفساح المجال نهائياً أمام الانحراف.
والإسلام وإن جاء يدعو الناس إلى أن أصلهم واحد وأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى إلا أنه أخبر أيضاً بالأمر بالتنافس في الفضائل والبعد عن الرذائل والتقوى التي جاء الإسلام بالأمر بتحصيلها لا تحصل إلا إذا رافق الدين طبعاً نقياً، ونفساً صافية وخلقاً مساعداً وعلى كل حال ينبغي أن نضع الأحساب في موضعها الصحيح فالحسب والشرف بالمعنى الصحيح ينبغي أن يكون هو المعدن الطيب والخلق الكريم والدين (وقد ناقشنا هذا فيما سبق) وأما الشهرة التي انبنت على شيء آخر فهي بما لا يقيد به في الحسب والشرف.
والمرأة الحسيبة إذا لم يكن لها من الدين والخلق ما يعصمها عن التعالي على زوجها فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى النشوز أو التبعية وانهيار دور الرجل في بيته وكلاهما مدمر للحياة الاجتماعية. فالمرأة المتعالية عن زوجها (الناشز) لا يمكن أن يوصف زواجها بأنه ناجح أو أنها سعيدة. وكذلك المرأة التي تملك رجلاً قد تخلى عن دوره في منزله من حيث القوامة والرجولة لا يمكن أن تعيش سعيدة أيضاً وأشقى الرجال من يعيش مع امرأة متعالية عليه وغير راضي بذلك وكذلك من يعيش مع امرأة متعالية عليه وهو راض بذلك.
والرجل الحسيب لا شك أنه أحظى لدى المرأة وأحب إليها من رجل عاطل عن ذلك، ولكن هذا الحسب إذا لم يزينه الخلق الكريم والدين الصحيح فإنه ينقلب إلى إذلال للمرأة وتعالٍ عليها وذلك إذا لم تسامه شرفاً ومكانة. والنفوس في تطبعها بطابع الإسلام وتخلقها بأخلاقه ليست سواء ولذلك رأينا كيف رفضت زينب بنت حجة رضي الله عنها الزواج بأسامة وتزوجته كارهة ثم ضايقته حتى طلقها وما ذلك إلا لنفاستها عليه ونزول مكانته عندها وذلك بالرغم من كونه بكراً ولم تكن كذلك وعلى كل حال فيجب أن نراعي تلك الموازين كلها الخاصة بالحسب والمنزلة الاجتماعية عندما نقدم على الزواج. والإسلام فيه حل لكل هذه المشكلات ولكن نعيد القول ثانياً ليست كل النفوس سواء في التزامها بآداب الإسلام وأخلاقه، ونحن نتعامل مع البشر وللبشر قصورهم بآداب الإسلام وأخلاقه، ونحن نتعامل مع البشر وللبشر قصورهم وعجزهم وضعفهم وتقاليدهم وأعرافهم، وبالرغم من أن الدين يجب أن يصلح كل هذه الأمور إلا أن الدين ليس ضربة لازب، في إصلاح كل النفوس في كل الأحوال وكل الظروف، ولا نستطيع أن ننفي الدين عن رجل يسرت له امرأة متدينة صالحة ولكنها دميمة فقيرة لا حسب لها فأبى الزواج منها. وكذلك لا نستطيع أن ننفي الدين عن امرأة تقدم لها رجل مسلم صالح ولكنه دميم فقير لا حسب له فقالت لا أستطيع الزواج منه. ولذلك وضعنا كل هذه الاعتبارات والصفات التي أسميناها (مثالية) في الرجل والمرأة ليعلم إخواننا الشباب والشواب كيف يختارون لأنفسهم ومتى يقبلون ومتى يرفضون.
الخطبة
أحكامها وآدابها
الخطبة هي المقدمة والمدخل إلى عقد النكاح وهي في ذاتها عقد ابتدائي لإعلان القبول بالزواج بين طرفين، والخطبة المشروعة لا بد أن نتبع فيها ما يأتي:
1- النظرة إلى المرأة قبل الخطبة:
يجب على من وقع في قلبه امرأة أن ينظر إليها قبل التقدم لخطبتها وهذا النظر واجب للأحاديث الآتية:
1- حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما> أي أن إعجابك بها أحرى بأن تدوم العشرة بينكما. رواه الخمسة إلا أبا داود.
2- حديث أبي هريرة قال: خطب رجل امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً> رواه أحمد والنسائي.
وليس عندنا في السنة -على ما أعلم- تحديد لحدود هذا النظر وكيفيته فما يجوز للمرأة كشفه أمام الأجانب هو الوجه والكفان (على خلاف بين السلف والفقهاء) فهل النظر إلى هذا فقط أم إلى هذا وغيره؟ تشدد بعض الفقهاء، فقال بأن النظر للخطبة لا يجوز إلا للوجه والكفين فقط. ووسع آخرون إلى ما يبيحه العرف الإسلامي، ولا شك أن هذا إفراط وذاك تفريط، والوسط هو العدل. من ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
[إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل>. رواه أحمد وأبو داود وأخرجه الشافعي وعبدالرزاق والحاكم وصححه وقال الحافظ رجاله ثقات، قال الشوكاني.. وفي إسناده محمد بن إسحاق، وأعلنه ابن القطان بواقد بن عمرو.. فإن صح الحديث فهو حجة لأكثر من الوجه والكفين، وقد جاء عن بعض السلف أنهم نظروا عند الخطبة لأكثر من ذلك.
2- الخلوة ليست من المباحات:
هذا وليست الخلوة بالأجنبية جائزة، ولو رغب في زواجها للأحاديث الكثيرة التي جاءت بالنهي عن ذلك فمن ذلك حديث جابر عند أحمد: [من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم فإن ثالثهما الشيطان>، وحديث عقبة بن عامر في البخاري ومسند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إياكم والدخول على النساء> فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو فقال صلى الله عليه وسلم: [الحمو الموت>، ويشهد لهذين الحديثين حديث ابن عباس المتفق عليه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة إلا مع ذي محرم>.
فلهذه الأحاديث فإنه يجب أن يعلم أن الخلوة ليست بجائزة ولو لطالب الزواج إلا أن تكون الخلوة مع محرم للمرأة.
3- الخطبة على الخطبة:
يجوز إذا تقدم رجل لخطبة امرأة أن يتقدم ثان وثالث وأكثر من ذلك ما لم توافق على واحد منهم. فإن وافقت المرأة وأولياؤها على واحد من الخطاب فلا يجوز لأحد التقدم إلى الخطبة بعد ذلك لأن هذا منهي عنه نهياً شديداً وهو من أسباب نشر العداوة والبغضاء في المجتمع المسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: [لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك> رواه البخاري وفي رواية أخرى قال: [لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخطاب قبله أو يأذن له الخاطب> رواه أحمد والنسائي.
وأما لو وقع هذا فما الحكم؟
قال بعض الفقهاء يفسح نكاحها من الثاني (الذي خطب الرجل على خطبة أخيه) وترد إلى الأول. وجعلوا هذا من مبطلات عقد النكاح، وجعل البعض هذا غير مبطل للعقد ولكنه معاقب عليه شرعاً فعند هؤلاء لا يبطل العقد إن وقع وإن كان فاعل هذا يستحق التعزير والمجازاة.
ونرى أن الخطبة عقد جائز ولم يأت في الكتاب والسنة ما يدل على ترتب حقوق معينة بالفسخ فإذا وقعت الخطبة على الخطبة فلا نرى بطلان زواج الثاني وإن كنا نرى أنه ظالم وأنه يجب عليه الرجوع عن خطبته وأنه مستحق للعقوبة في الدنيا والآخرة وكذلك من وافقه من المرأة والأولياء، ولما كان الأصل في عقد الزواج التراضي كما سيأتي في شروط النكاح فإننا نرى أنه لا يجوز أن يعقد عقده مع الإكراه أبداً.
4- الخطبة في العدة:
هناك أوقات وحالات لا يجوز أن يتقدم فيها إلى خطبة النساء وهي:
(أ) عدة المطلقة طلاقاً رجعياً أو بائناً. فلا يجوز في عدة الطلاق أن يتقدم رجل بخطبة هذه المرأة حتى تنتهي عدتها وذلك أن (الرجعية) ما زالت معلقة بحبل الزواج طالما هي في العدة. وأما البائن وإن كان لا يجوز أن ترجع إلى زوجها إلا بعد نكاح آخر فإن هناك اتفاقاً على أنه لا يجوز ذلك ولم يأت في الكتاب والسنة ما يبيح ذلك. هذا ولا يجوز أيضاً التعريض بخطبتها.
(ب) عدة الوفاة. المرأة التي يتوفى عنها زوجها لا يجوز لأحد التقدم لخطبتها حتى تمر عليها أربعة أشهر وعشر أو تضع حملها إن كانت حاملاً. ولكن يجوز أن تشعر بالخطبة تعريضاً وتلميحاً لا تصريحاً.. كأن يقال لها: 'إني أبحث عن امرأة فاضلة وأود لو أنني وفقت لذلك' ونحو هذا من العبارات التي تفهم الرغبة في الزواج وليست نصاً صريحاً في الخطبة كما قال تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن، ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً، ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم}.. (البقرة).
تعقيب: من بدع الخطبة في العصر الراهن:
من الأحكام السابقة يظهر لنا أن الخطبة في الشريعة الإسلامية اتفاق على الزواج، وأنها لا تحل شيئاً من المخطوبة غير النظر إليها قبل الخطبة، وأنه لا يترتب على فسخها شيء من الحقوق، ولا يشترط لعقدها حضور شهود ولكن لو تمت بحضور شهود فلا بأس بذلك وأنه يستحسن أن يكون من الأولياء أعني ولي المرأة ونائباً عن الرجل وأن هذه الخطبة تمهيد لعقد الزواج الذي يتوقف على الحقوق والواجبات الخاصة بكل من الزوجين عليه.
والخطبة في شريعة المذاهب المحرفة غير ذلك فهم يعتبرونها عقد يبيح للخاطب كل شيء في مخطوبته إلا النكاح كالنظرة والخلوة والاستمتاع بكل شيء عدا النكاح ولذلك تعقد أمام الكاهن وبشهود وبتقديم مهر. ولأنه يقام في هذه الخطبة حفل كهنوتي خاص والحفلات من الأمور التي يقلد الناس فيه بعضهم بعضاً فإنه سرى إلى المسلمين عدوى هذا الاحتفال بالخطبة والعادات والتقاليد التي تصنع فيه كتبادل (الخواتم) والشراب ودفع مهر يسميه الناس (الشبكة)، ويصبح الخاطب بعد هذه الحفلة أشبه بالزوج يخلو بخطيبته ويسافر بها، بل ولا يستنكر الناس استمتاعه بها فيما عدا الجماع وذلك كالشرائع المحرفة سواء بسواء، وقد أدى هذا إلى فساد كبير فكثيراً ما تفسخ الخطبة من قبل الخاطب أو المخطوبة وحيث إنه لا يترتب على ذلك حقوق معروفة في الشريعة الإسلامية فإن المشاكل تحدث حول رد الهدايا، والشبكة وما قد يكون الخاطب قد خسره في أثناء فترة الخطبة التي قد تمتد عند بعض الناس إلى سنوات هذا عدا الفساد الذي كثيراً ما يحدث بالخلوة والتقاط الصور التي تكون أحياناً وسيلة إفساد وإضرار بالمرأة عند فسخ الخطوبة.
ولذلك فإننا نحذر إخواننا المسلمين من هذه العادات السيئة التي انتشرت فينا باتباعنا سنن الضالين في زواجهم وأن يكتفي في الخطبة بالإعلام والإشعار فقط وإظهار الموافقة من قبل أولياء المرأة، والاقتصار في الخطبة على ما لا يكلف الخاطب أو المخطوبة ما لا يندم بعضهم عليه عند الفسخ.
ولا يجوز قولاً واحداً للخاطب الاطلاع من خطيبته إلا على ما يجوز للأجنبي الاطلاع عليه.
ونرى أيضاً أن تبادل (الخواتم) من شريعة غير المسلمين وإن كانت قد انتشرت في المسلمين فليس انتشارها أبداً - دليلاً على جوازها.
وبهذا نعلم أنه لا يترتب على فسخ الخطبة آثار معينة على الرجل أو المرأة لأن الخطبة على النحو الإسلامي تكون مجرد اتفاق مبدئي على الزواج، فإذا ألغي فلا أثر يترتب عليه لأنه لم تحصل مخالطة أو مهر (هذا الذي يسمونه الشبكة) أو غير ذلك.
أما إذا كان الشخص قد تورط ودفع شيئاً من هذا عند الخطبة فنرى أنه لا يجوز للرجل أن يسترده إذا كان الفسخ منه لقوله صلى الله عليه وسلم: [العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه>، وهذه هبة لامرأة كان ينوي الزواج بها فإذا صرف نظره فلا يجوز له العود في هذه الهبة.
وأما إذا كان الفسخ من قبل المرأة فنرى أنه يجب عليها أن ترد ما أخذته منه إذ هل يستحل مالاً من صاحبه بغير عوض وبغير طيب نفس منه. وإذا كان الله قد أذن للرجل أن يأخذ المهر الذي دفعه لزوجته إذا كان طلب الطلاق منها فمن باب أولى أن ترد المخطوبة ما أخذته من الرجل ما دام أن الفسخ منها.
شروط عقد النكاح
مفهوم العقد:
العقد اتفاق ما بين طرفين يلتزم كل منهما تجاهه بواجبات معينة ولكل من الطرفين حقوق لدى الطرف الآخر ولكل عقد آثار تترتب عليه. فعقد البيع مثلاً يترتب على حصوله استمتاع المشتري بالسلعة، وانتفاع البائع بالثمن.
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}.. الآية.
مفهوم الشرط:
والشرط في إصطلاح العقود ولغة التشريع هو (الشيء) الذي لا بد من وجوده لصحة العقد. فإذا انتفى بطل العقد. كما سنعلم أن التراضي مثلاً بين الزوجين شرط لصحة العقد.. وكما نقول الوضوء شرط لصحة الصلاة.
مجمل شرط عقد النكاح:
نستطيع أن نجمل شروط عقد النكاح فيما يأتي: التراضي - الولي (للمرأة فقط) - والشهادة - والمهر - والعفة (الإحصان) - والكفاءة.. والصيغة الدالة على النكاح وهذه
ابن الوافي
12-10-2005, 12:18 AM
يتبــــــع للبحث 18
شروط سبعة وإليك تفصيلها وبيانها:
أولاً: التراضي:
عقد الزواج اختياري ولا يجوز فيه الإكراه بوجه من الوجوه وذلك أنه يتعلق بحياة الزوجين (الرجل والمرأة) ومستقبلهما وأولادهما ولذلك فلا يجوز أن يدخل طرف من طرفي العقد مكرهاً. أما بالنسبة للرجل فهذا مما لا خلاف فيه. وأما بالنسبة للمرأة فالأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: [الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها>. رواه الجماعة إلا البخاري عن ابن عباس. وفي رواية لأبي هريرة: [لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن>. قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: [أن تسكت> رواه الجماعة.
وعن عائشة قالت يا رسول الله: تستأمر النساء في أبضاعهن، قال: [نعم>، قلت: إن البكر تستأذن وتستحي. قال: [إذنها صماتها>. (رواه البخاري ومسلم).
وهذه الأدلة جميعها نص في أنه لا سبيل على المرأة بإجبار في النكاح ثيباً كانت أو بكراً وأن الفرق بينهما إنما هو الفرق في صورة الإذن فالثيب -عادة- لا تستحي من الكلام في الزواج، ولذلك فهي تخطب إلى نفسها أو ترضى وتأمر وليها بولاية عقد نكاحها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: [تستأمر> أي يطلب أمرها. وأما البكر فالغالب عليها الحياء ولذلك تخطب من وليها والولي يستأذنها فإن أذنت بمقال أو بسكوت يدل على الرضا تزوجت وإلا فلا.
ولقد خالف في هذا الحكم بعض الأئمة والفقهاء مستدلين بزواج النبي صلى الله عليه وسلم، بعائشة وهي ابنة ست سنين ولا تعي مثل هذا الإذن، ولا دليل في ذلك لاختصاص الني صلى الله عليه وسلم في الزواج بخصوصيات كثيرة كالزيادة على أربع، والزواج بغير ولي وشهود من أي امرأة تهب نفسها له لقوله تعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين..} الآية. وهذا الزواج بعائشة على هذا النحو من جملة خصوصياته جمعاً بين الأدلة.
واستدلوا كذلك بتفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين البكر والثيب في الإذن وقالوا إنه يجوز إجبار البكر على الزواج، وهذا خطأ فاحش لأن التفريق إنما هو في بيان صورة الرضى والإذن فقط. ويدل على خطأ القول بإجبار البكر ما رواه ابن عباس أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم. (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والدار قطني).
وكذلك ما رواه ابن عمر قال: 'توفي عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن أمية حارثة، وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون، قال عبدالله: وهما خالاي. فخطب إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون فزوجنيها، ودخل المغيرة بن شعبة يعني إلى أمها فأرغبها في المال، فحطت إليه، وحطت الجارية إلى هوى أمها، فأبتا، حتى ارتفع أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال قدامة بن مظعون يا رسول الله: ابنة أخي أوصى بها إلي فزوجتها ابن عمتها، فلم أقصر بها في الصلاح، ولا في الكفاءة، ولكنها امرأة وإنما حطت إلى هوى أمها. قال: فقال رسول الله: [هي يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها>. قال فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها فزوجوها المغيرة بن شعبة. (رواه أحمد والدارقطني).
وهذه جميعها أدلة صحيحة واضحة أنه لا يجوز الإجبار مطلقاً وخاصة مع اليتيمة التي قال الله في شأنها: {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع..} الآية. أي إن خفتم أن لا تعدلوا عند زواج اليتيمة في المهر وغيره فاتركوها إلى غيرها. وهذا حتى تنصف المرأة وتوضع حيث تريد لا حيث يشاء من يتولى أمرها ويتسلم ولايتها.
ثانياً: الولي:
ولاية المرأة بنفسها عقد الزواج مستنكرة فطرة وذوقاً، ووسيلة إلى الفساد والزنا باسم النكاح، ولذلك جاء الشرع باشتراط مباشرة عقد النكاح بواسطة ولي المرأة: أبوها، أو أخوها أو الأقرب بها، فالأقرب، ولا يكون ولياً للمرأة إلا أقرب الناس الأحياء إليها فالأب أولاً ثم الأخ وهكذا..
والأصل في اشتراط الولي قول النبي صلى الله عليه وسلم: [لا نكاح إلا بولي> وقوله: [أيما امرأة نكحت (أي تزوجت) بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له> (رواه الخمسة إلا النسائي).
واشتراط الولي يقول فيه ابن المنذر: إنه لا يعلم مخالفاً من الصحابة له وذهب أبو حنيفة من الفقهاء إلى عدم اعتبار الولي في النكاح.
والأحاديث السابقة ترد على هذا القول. واعتبر الإمام مالك رحمه الله الولي شرطاً في الرفيقة من النساء (ذات الشرف والمنصب) دون الوضيعة (التي تكون من ضعفة الناس وسقطهم) وهذا التفريق لا مسوغ له. بل قد يكون الاشتراط في الوضيعة ألزم منعاً للزنا والفساد..
ثالثاً: الشاهدان:
لا بد لصحة العقد أن يشهد عليه شاهدان عدلان، وقد جاء في هذا أحاديث لا يخلو واحد منها من مقال وضعف، ولكن عامة أهل العلم من المسلمين على العمل بذلك وبهذا أفتى ابن عباس وعلي وعمر رضي الله عنهم، ومن التابعين ابن المسيب والأوزاعي والشعبي، ومن الأئمة الأربعة أحمد والشافعي وأبوحنيفة. وهذا القول هو الموجب لحفظ الحقوق عند كل من الرجل والمرأة، وضبط العقود، ومن ألزم العقود بالضبط عقد النكاح ووقوعه بغير شهود مدعاة للفساد والتلاعب أو النسيان وضياع الحقوق ولذلك أصبح وكأنه معلوم من الدين بالضرورة ولا نرى أن يخالف في هذا أحد من أهل العلم..
رابعاً: المهر (الصداق):
اشتراط الشارع الحكيم لصحة عقد النكاح أن يكون هناك مهر مقدم من الرجل للمرأة. ولا يعنينا كثيراً البحث في فلسفة المهر وأنه عوض عن ماذا. ويهمنا الحكمة العظيمة منه فهو هدية للمرأة وتطييب لخاطرها، ولذلك فهو ملك لها ويجوز لها أن تتنازل عنه كله أو شيء منه لزوجها كما قال تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً} وهذه الآية قد جمعت أحكام الصداق فهو نحلة أي هدية وعطية كما نقول نحلت فلاناً كذا وكذا أي وهبته وتنازلت له. وهي نحلة واجبة للأمر الصريح بذلك في هذه الآية وقد جاء في السنة ما يقصد ذلك، وهو ملك للمرأة يجوز لها أن تتنازل لزوجها عن شيء منه ويحل لزوجها أكل ذلك دون حرج ما دام بسماح زوجته وإذنها. والنظر إلى المهر على هذا الأساس أكرم من النظر إليه على أنه ثمن لبضع المرأة، فالزواج ليس بيعاً وشراءً ولكنه رباط مقدس لاستمرار الحياة وتبادل المنافع وللتراحم والتآلف والحب، والبيع والشراء محله المشادة والغش والمناورة ولا يجوز أن يكون عقد الزواج كذلك ولذلك كان النظر إلى المهر على أنه نحلة وهدية هو الواجب لأن الهدية والعطية تكون بين الأحباب بعكس البيع والشراء.
ولما كان المهر هدية ونحلة لم يأت في الشرع تحديد لأقله وأكثره وإنما ترك للمقدرة والأريحية وقد زوج الرسول رجلاً وامرأة من المسلمين على تعليم آيات من القرآن الكريم وذلك لما لم يكن عنده شيء يصلح أن يكون مهراً حتى أن الرسول قال له: [التمس ولو خاتماً من حديد>، فلم يجد فزوجه إياها على أن يعلمها سوراً من القرآن.
وبالرغم من أن الشارع لم يحدد نهاية للمهور إلا أنه حبب للمسلمين الاقتصاد فيها ونهى عن المغالاة التي تؤدي إلى أوخم العواقب.
وقد جاوز الناس في زماننا حد المعقول في المهور وأصبح ينظر إلى المهر على أنه ثمن وغنيمة وصفقة يكسب من ورائها آباء البنات وبهذا عظمت المصيبة ووضع أمام الزواج عقبة كأناء (وسنناقش هذه المشكلة على حدة في مشكلات الزواج إن شاء الله تعالى) والمهم هنا بيان أن المهر شرط في صحة عقدة النكاح وأنه حق المرأة الخالص ولا يجوز لأبيها أن يأخذ منه إلا بإذن ابنته وكذلك لا يجوز للزوج أن يسترد شيئاً من المهر إلا بسماح زوجته، وأن المهر هدية ومنحة وليس ثمناً وعوضاً كما ذكر بعض الفقهاء ذلك وأن خير المهر ما كان أيسره وفي حدود الطوق والوسع.
خامساً: الإحصان:
اشترط الله سبحانه وتعالى على المسلم أن لا ينكح (يتزوج) إلا العفيفة المسلمة، والعفيفة الكتابية كما قال تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} والنكاح هنا بمعنى الزواج بدليل الحديث الآتي:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن مرتد بن أبي مرتد الغنوي كان يحمل الآساري بمكة (أي يفر بهم إلى المدينة) وكان بمكة بغي يقال لها عتاق، وكانت صديقته (أي في الجاهلية) قال: فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أنكح عتاقاً؟ قال: فسكت عني فنزلت {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} فدعاني فقرأها علي وقال: [لا تنكحها>. رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه.
وكذلك الأمر في الكتابية (اليهودية والنصرانية) كما قال الله تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}.. الآية. وهذا نص في أنه لا يجوز إلا المحصنة المؤمنة والمحصنة الكتابية، والمحصنة هنا يعني العفيفة سميت بالمحصنة كأن بينها وبين الفاحشة حصناً يمنعها عنها.
وهذا يعني أن المرأة المشهورة باقتراف الفاحشة أو الدعوة إليها لا يجوز لمسلم الزواج بها حتى على أمل أن تهتدي أو تتحصن بالزواج وكذلك الأمر بالنسبة للرجل الزاني المشهور بالفاحشة لا يجوز لمسلمة أن ترضى به زوجاً أو تسعى للزواج به.
سادساً: الكفاءة:
الكفاءة بين الزوجين شرط لصحة الزواج ومن الكفاءة أمور اعتمدها الشارع وجعلها أساساً، وأمور أخرى أهدرها الشارع، وأمور حسنها وأرشد إليها.
فمن الأمور التي جعلها الشارع شرطاً في الكفاءة اتفاق الدين بين الرجل والمرأة وذلك أن الدين هو المعيار الأساسي الذي يقدم به البشر في ميزان الله سبحانه وتعالى ولذلك كان النظر الأول في الكفاءة إليه وكان الشرك مانعاً إذا وجد في أحد الزوجين كما قال تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه}.. الآية.
إلا أن الله سبحانه وتعالى استثنى من هذا الحكم جواز نكاح الرجل المسلم بالكتابية يهودية كانت أو نصرانية كما قال تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن} فعلم بهذا النص المتأخر عن آية البقرة السابقة أن الكتابية مستثناة من جملة المشركين شريطة أن تكون عفيفة (محصنة) كما قدمنا والحكمة من هذا هو استمالة أهل الديانتين للدخول في الإسلام، وقد كان لها أكبر الأثر في دخول شعوب الشام ومصر في الإسلام وذلك بزواج العرب المسلمين من نسائهم ونشأة أولادهم على الإسلام.. وليس هذا مجال تفصيل هذا الحكم وآثاره. والمهم أنه حكم ثابت بالكتاب والسنة وباق إلى يوم القيامة مع وجوب معرفة محاذيره، وهي أن لا يتحول الأبناء إلى دين الأم بسبب ضعف شخصية الزوج أو سكنه في غير بلاد المسلمين وقد أصيب المسلمون من جراء هذا بشر مستطير، ومن الأمور التي اعتبرها الشارع أيضاً في الكفاءة الحرية.
فالعبد لا يتزوج إلا أمة مثله، وكذلك الحر لا يتزوج إلا حرة. ولكن الله استثنى من هذا أيضاً زواج الأمة المسلمة وهذا شرط بالحر المسلم إذا خشي العنت على نفسه ولم يستطع الزواج بمسلمة حرة. قال تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فأنكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان} ثم قال تعالى في آخر هذه الآية: {ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم} فعلم من هذه الآية جواز زواج الحر المسلم بالأمة المسلمة فقط في حالة الإعسار ولا يخفى أن علة هذا الحكم هو رفع الحرج عن بعض الذين ما كانوا يجدون ما يتزوجون به الحرائر وكذلك كره الله هذا الأمر لما فيه من اشتغال الزوجة بسيادة مالكها، واسترقاق أولادها أيضاً لأن الأولاد تبع للأم (وليس هذا مجال تفصيل هذا الحكم).
وأما الأمة الكتابية والمجوسية فلا يجوز الزواج بها قطعاً ولذلك لما قيل للإمام أحمد إن أبا ثور يجيز ذلك قال: (هو كاسمه) أي ثور.
وأما الأمور التي أهدرها الشارع في الكفاءة فهي المال واللون والجنس والقبيلة والمنزلة الاجتماعية فكل هذه الاعتبارات مهدرة، ولا تخدش عقد الزواج.
وقد ناقشنا سابقاً في الصفات المثالية كيف يختار الرجل زوجته المناسبة وكيف تختار المرأة زوجها المناسب وقد اعتمدنا في هذا على ما حسنه الشارع أو أثبتته التجارب الصحيحة السليمة. وبهذا يتضح ماذا نعني باشتراط الكفاءة في عقد النكاح.
سابعاً: الصيغة:
اشترط بعض العلماء وجود صيغة دالة على الإيجاب والقبول في عقد النكاح ومعنى الإيجاب: طلب الزوج من المرأة أو وكيلها الزواج ومعنى القبول: رضا الزوجة بصفة تدل على ذلك أو العكس كأن تقول المرأة أو وكيلها أرضي بك زوجاً فيقول الرجل وأنا قبلت. وشط بعض العلماء فجعل العربية شرط في الصيغة وأن الزواج لا يعقد إلا باللغة العربية. وشبهتهم في هذا أنه عبادة فاشترط ما ليس في كتاب الله فالزواج معاملة فيجوز عقده بالعربية وغيرها. وكذلك هو عقد اختياري فيجوز بكل ما تتم به العقود وما يدل على الرضا بالزواج وكل لفظ يدل على الزواج الشرعي ويحصل به إيجاب وقبول بين طرفي العقد فإنه يعتبر صيغة صحيحة لأن يعقد العقد بها.
وبهذا نكون قد أنهينا الشروط اللازمة لصيغة عقد النكاح.
ابن الوافي
12-10-2005, 12:20 AM
البحث 19
صـــلاة الجمعــــه
صلاة الجمعة
مكانة الجمعة في الإسلام
إن الجمعة يسعى إليها بالخشوع والطمأنينة والوقار لحضور هذا الخير والمشاركة فيه من الصلاة والذكر ، وسماع ما ينفعك في أمر دينك ودنياك؛ لقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
ثم بعد ذلك أمر سبحانه بما ينفع الإنسان في الدنيا والآخرة ، فقال: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أي اطلبوا الرزق والتمسوا الخير وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ حتى لا تشغلكم أنواع البيع والشراء ، وأنواع الملذات ، وأنواع الحاجات العاجلة عن ذكر الله سبحانه وتعالى وعن أسباب الفلاح ، فالفلاح في ذكر الله ، والقيام بأمر الله ، فلا ينبغي أن تطغى حاجات البدن على حاجات القلب والروح ، ولا تطغى حاجات القلب والروح على حاجات البدن والدنيا .
بل يراعى هذا وهذا ، فالمسلمون يقومون بهذا وهذا؛ تارة لأمور دنياهم وحاجاتهم ، فهذا يعمل في الزراعة في مزرعته ، والآخر في دكانه ومتجره ، والثالث في حاجات أخرى وأعمال أخرى مما أباح الله عز وجل ، حتى يشترك الجميع في أنواع المشاريع الخيرية والأعمال المباحة النافعة ، حتى يواسي الفقير وحتى يحسن إلى الناس .
وإذا جاءت الأوقات التي أوجب الله على الإنسان فيها شيئا بادر إلى طاعة الله وأداء ما أوجب الله عليه فلا تشغله حاجات عن حاجات ، بل يعطي كل مقام ما يليق به ويعطي كل حاجة ما يناسبها ، فهو حافظ لوقته مؤد لما أوجب الله عليه ، طالب للرزق ، ساع في أرض الله لطلب الحلال ، ومعلوم أن الصلاة هي عمود الإسلام والركن الثاني من أركانه . لقول النبي صلى الله عليه وسلم: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت متفق على صحته .
صلاة الجمعة ركعتان وهي فرض عين على كل مسلم بالغ عاقل حرّ ذكر مقيم غير معذور بعذر من أعذار تركها إذا كانوا أربعين مستوطنين. فلا تجب على الكافر الأصلي وجوب مطالبة في الدنيا، ولا تجب على الصبي ولا المجنون ولا العبد ولا الأنثى ولا المسافر وإن كان مسافة سفره دون مسافة القصر، ولا المعذور بعذر من أعذار تركها كالمريض مرضًا يشق معه الذهاب إلى مكان الجمعة.
وتجب على من نوى الإقامة في بلد الجمعة أربعة أيام كاملة، أي غير يومي الدخول والخروج فأكثر، لأنه بذلك ينقطع حكم السفر.
شرط الجمعة:
1) أن تكون في خطة أبنية أي في مكان معدود من البلد، ولو كانت الأبنية من خشب أو قصب أو سعف (غصون النخل)، فتصح في المسجد وفي الدار وفي الفضاء ضمن البلد، ولا تصح خارج الخطة.
2) وخطبتان قبلها يسمعهما الأربعون، ويشترط أن يكون كل واحد منهم مسلمًا بالغًا عاقلًا حرًّا ذكرًا مستوطنًا.
3) وأن تصلى جماعة بهم أي بالأربعين.
4) ووقت الظهر، فلا تصح قبله ولا بعده.
5) وأن لا تقارنها أخرى ببلد واحد وإن كبرت البلد، أي إذا لم يشق اجتماع أهل البلد، فإذا سبقت إحدى الجمعتين صحت وبطلت التي بعدها، وإذا لم تعلم السابقة بطلتا، وقال بعض أصحاب الشافعي: لا يصح تعدد الجمعة بوجه من الوجوه.
أركان الخطبتين:
1) حمد الله بلفظ: 'الحمد لله' أو: 'لله الحمد' أو: 'حمدًا لله' أو نحو ذلك.
2) والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بنحو: 'اللّهم صل على محمد' ويكفي: 'صلى الله على محمد'.
3) والوصية بالتقوى، بالحثّ على الطاعة والزجر عن المعصية أو أحدهما، ولا يشترط لفظ التقوى فيكفي نحو: 'أطيعوا الله'.
4) والآية مفهمة كاملة في إحداهما، والأفضل أن تكون في الخطبة الأولى في أخرها
5) والدعاء للمؤمنين الشامل للمؤمنات في الخطبة الثانية، ويسن ذكر المؤمنات، ولا يشترط التعميم بل لو خصّ من حضر أو أربعين منهم كفى.
شرائط الخطبتين:
1) الطهارة عن الحدثين الأكبر والأصغر، وعن النجاسة غير المعفوّ عنها في البدن والمكان وما يحمله من ثوب وغيره.
2) وستر العورة، وهي ما بين السرة والركبة.
3) والقيام فيهما للقادر، فإن عجز عن القيام خطب قاعدًا.
4) والجلوس بين الخطبتين، وأقلّ هذا الجلوس قدر الطمأنينة، وأكمله قدر سورة الإخلاص، وتندب قراءتها فيه.
5)والموالاة بين أركانهما، وبينهما وبين الصلاة.
6) وأن تكون أركان كلّ منهما بالعربية.
7) وأن تكونا بعد الزوال.
8) وسماع الأربعين لأركان الخطبتين.
9) وتقديم الخطبتين على الصلاة.
السنن :
1_ الغسل للجمعة ويدخل وقته بالفجر، ويكره تركه.
2_ ولبس الثياب البيض.
3_ والتطيّب.
4_هو تقليم الأظافر.
5_هوا لتبكير بالمشي لها من الفجر.
6_ والإنصات للخطيب، ومعنى الإنصات السكوت مع الاستماع، فإن ترك ذلك كان مكروهًا.
ومن دخل والإمام يخطب يصلي ركعتين خفيفتين ثم يجلس.
سجود التلاوة :
يستحب أن يسجد القارئ أو السامع أو المستمع سجود التلاوة بعد قراءة أو سماع آية من آيات السجدة، ما لم يطل الفصل عرفًا، فإن طال الفصل عرفًا فاتت ولم تُقضَ، فإن كان القارئ أو السامع محدِثًا فتطهر عن قرب سجد، وإلا فلا. وسجدة التلاوة تفتقر إلى شرائط الصلاة كطهارة وستر واستقبال القبلة وترك كلام الناس، وإلى دخول وقتها وهو من قراءة أو سماع آية السجدة جميعها. ولو سجد غير المصلي وجب أن يكبر للإحرام ناويًا السجود، وندب رفع يديه مع التكبير كإحرام الصلاة، ثم يهوي للسجود مكبرًا، ثم يرفع رأسه مكبرًا، ويجلس، ويشترط له السلام، ولا يشترط التشهد، فإن كان في الصلاة كبّر للهُوِيّ وللرفع من السجود ندبًا، ولا يسن لمن قرأ قاعدًا أن يقف ليسجد من القيام. ويستحب للإمام تأخيرها في السرية إلى الفراغ، لئلا يشوش على المأمومين إذا قصر الفصل.
سجود الشكر :
سجدة الشكر تستحب عند هجوم نعمة كحدوث ولد أو مال أو قدوم غائب أو نصر على عدو، وعند اندفاع نِقمة كنجاة من غرق أو حريق، ولا تستحب لاستمرار النعمة واندفاع النقمة. وهي كسجدة التلاوة المفعولة خارج الصلاة شروطًا وكيفية.
فائدة:
لا يجوز السجود بلا سبب بنية التقرب إلى الله تعالى، وكذلك لا يجوز السجود لشخص مسلم أو غيره ولو بنية التحية.
ابن الوافي
12-10-2005, 12:21 AM
البحث 20
الدعـــــــــــاء
ويشمل بحثين أود الفصل بينهما حتى تحصل الفائدة ويعم النفع ولا تتداخل الأمور والشروح بعضها مع بعض.
أولاً: في قول الحق سبحانه وتعالى ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ (البقرة:186).
1. سبب النـزول جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ).
2. أنه صلى الله عليه وسلم كان في غزوة فرفع أصحابه أصواتهم بالتكبير والتهليل فقال -صلى الله عليه وسلم- (إنكم لا تدعون أصمّ ولا غائباً إنما تدعون سميعاً بصيراً قريباً ).
أسئلة كثيرة سألها الناس للنبي صلى الله عليه وسلم ولكنها بمجموعها يمكن أن نقسمها قسمين:-
1- أسئلة تتعلق بالأصل –العقيدة- مثل يسألونك عن الروح – ويسألونك عن الجبال – ويسألونك عن ذي القرني- ويسألونك عن الساعة.
2- أسئلة تتعلق بالفروع – الأحكام- التي تلزمهم في حياتهم بعد الأيمان لضبط سلوكهم وِفق إيمانهم مثل: يسألونك ماذا ينفقون- يسألونك عن الشهر الحرام- يسألونك عن الأنفال- ويسألونك عن الخمر والميسر.
نرى مما سبق وأوردناه كأمثلة أنهم سألوه ولو استعرضنا الآيات بمعظمها فيكون بعد يسألونك (قل) يعني بلّغ جوابه عن سؤالهم وأما في هذه الآية فكان ابتدائها ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ ولم يقل قل أني قريب وهذه أول بشارة وتكريم لنا فلا يوجد بيننا وبين ربنا تبارك وتعالى في الدعاء والاستجابة وسيط.
﴿ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ أي أقبل عبادة من عبدني والدعاء بمعنى العبادة والإجابة بمعنى القبول يشرحه قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم -ما رواه أبو داود عن النعمان بن بشير أنه قال ( الدعاء هو العبادة قال ربكم ادعوني استجب لكم ) فسمى الدعاء عبادة وفيه قوله عز وجل ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ إدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ (غافر:60) أي يستكبرون عن دعائي والطلب مني.
بل أمرنا ربنا عز وجل بأن ندعوه مخلصين له الدين ووعدنا بالإستجابه لطلبنا ودعائنا. روى الليث بن حوشب عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول ( أعطيت أمتي ثلاثاً لم تعط إلا الأنبياء، كان الله إذا بعث نبياً قال ادعني استجب لك وقال لهذه الأمة ادعوني استجب لكم، وكان الله إذا بعث نبياً قال له : ما جعل عليك في الدين من حرج، وقال لهذه الأمة ما جعل عليكم في الدين من حرج، وكان إذا بعث النبي جعله شهيداً على قومه، وجعل هذه الأمة شهداء على الناس).
وكان خالد الرِّبعي يقول عجبت لهذه الأمة في قوله تعالى ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة وليس بينهما شرط قيل: مثل ماذا ؟قال له مثل قوله عز وجل ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ فها هنا شرط وقوله ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ﴾ فليس فيه شرط.
و رُب سائل يسأل .... ندعوا فلا يستجاب لنا .... يعني لا نرى أثر الدعاء والجواب ما رواه أبو سعيد الخدري – ولا عطر بعد عروس – أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ' ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها، إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخر له، وإما أن يكف عنه من السوء بمثلها ' قالوا ( إذن نكثر ) قال ( لله أكثر ).
وقال ابن عباس: ( كل عبد دعا استجيب له، فإن كان الذي يدعوا به رزقاً له في الدنيا أعطاه، وان لم يكن رزقاً له في الدنيا ذُخِرَ له ).
ابن الوافي
12-10-2005, 12:22 AM
البحـــــــــــــــث 21
العالم و المتعلم شريكان بالخير
' العالم والمتعلم شريكان في الخير'
حديث شريف
يهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بالعلم، ويرتفع ويسمو به سمواً عظيماً:
قال تعالى :{ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}
(المجادلة:11)
ويرتبط العلم في الإسلام بخدمة الناس والانتفاع به في أفعال الخير وصالحات الأعمال.
والعالم في الإسلام هو الذي يقرن علمه بالعمل الذي يؤدي إلى الصلاح والإصلاح، والبناء والعمران . . ويهدف إلى سبيل الرشد والخير، وطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وطالب العلم في نظر الإسلام شريك للعالم في الخير، ويدعو رسول الله صلي الله عليه وسلم الى طلب العلم، لأنه السبيل الأمثل لنموذج الحياة الأفضل، ولا شك أن طلب العلم والمعرفة والبحث عن الحقيقة يزيد من إيمان الإنسان إيماناً قوياً إذ يجعله يشهد بوحدانية الله عز وجل، وربوبيته وقدرته العظيمة . . فيقترب من اليقين ، ويميز بين الحق والباطل،ويفرق بين الصدق والكذب.
يقول الرسول صلي الله عليه وسلم :
'سارعوا في طلب العلم، فالحديث من صادق خير من الدنيا وما عليها من ذهب وفضة'
رواه الرافعي
وأشرف العلوم هو العلم الإسلامي، ومن أفضل ثماره المعرفة بمبادئ وأصول التربية الإسلامية الصحيحة التي تهدف إلى بناء الإنسان بناءاً سليماً صالحاً قوياً كما أراده الله عز وجل أن يكون ليستحق شرف الخلافة في الأرض.
إن هدف أي أمة تحرص على تقدمها وازدهارها هو إنشاء جيل قوي صالح متعلم مثقف واع بمفهوم التربية الإسلامية وما تنشئه من غرس للقيم والمبادئ والمثل العليا، فيسمو الإنسان بنفسه حيث خلقه الله عز وجل في أحسن تقويم، ويرتفع بمستوى مجتمعه بآداب التربية الإسلامية التي أصبحت طباعاً ملازمة له في سلوكه مما يجعله يؤثر في كل فرد من حوله وبذلك يكون هذا الإنسان قدوة صالحة يقتدى به.
ومما لا شك فيه أن للمؤسسات التعليمية من المدرسة إلى الجامعة دورها الكبير في إخراج هذا الجيل الصالح الواعي الذي يستطيع أن يحمل الأمانة ويقدر المسئولية ولن يتحقق ذلك إلا بما يلي:
1. إدخال مادة التربية الإسلامية في جميع المراحل التعليمية المختلفة، واعتبارها مادة أساسية لا يحق للطالب الانتقال إلى المرحلة التالية إلا بعد النجاح فيها.
2. بث الروح الإسلامية وفهم أصول الدين الإسلامي فهماً صحيحاً.
3. غرس مبادئ التربية الإسلامية في نفوس أبناءنا، وما تنشئه هذه التربية من قيم العدل، الإحسان، الطاعة، الإخاء ، المساواة، التعاون، العفو، الرحمة، المحبة، الاستقامة، كظم الغيظ، الوفاء، حب الخير، الأمانة، الصدق، الصبر، الصفح الجميل، إلى غير ذلك من الأخلاق الطيبة والأعمال الصالحة المستمدة من القرآن الكريم والسنة المحمدية الشريفة.
4. الأخذ في الاعتبار عند تدريس تعاليم الإسلام للأبناء مراعاة اختلاف أسلوب التعليم في المراحل التعليمية المختلفة، من مرحلة إلى أخرى، واختلاف الأعمار، وتفاوت مستوى التفكير العقلي للطالب.
5. الاهتمام بطريقة التعليم حيث يجب أن تتميز بالإطار المحبب المشوق حتى نضمن حب الأبناء لدينهم ومحاولة معرفتهم المزيد عنه.
6. العناية بربط مبادئ التربية الإسلامية بالسلوك العملي في الحياة، وبذلك نصل بالتربية إلى هدفها المنشود كسلوك وعلم وعمل وحياة وفكر وأخلاق.
إن الهدف الرئيسي للتربية الإسلامية هو ربط الإنسان بربه خالقه وفاطره، وآداب التربية الإسلامية هي آداب ربانية يعلِّمــها الله عز وجل لعبده حتى يقتدي بها فتصبح نبراساً يضيء له الطريق، ونوراً يبصره بحياته، وسبيلاً يجب اتباعه بما يتفق وعقيدة الإسلام.
إن الأزهر الشريف يعتبر رائداً ومناراً للإسلام، وهو القائد لرحلة الدعوة الإسلامية في الحياة، وربان سفينة تعاليم الإسلام التي تقود الإنسان إلى بر الأمان.
فليس هناك مجالٌ للشك في أن للأزهر الشريف أكبر الأثر وأعظم النفع في بناء التربية الإسلامية وذلك من خلال كونه أكبر جامعة إسلامية تهدف إلى:
1. تعليم أصول الدين الحنيف، وتوضيح أحكامه، وإظهار آدابه وأهدافه، والتعرف على أسرار شريعته.
2. نشر الدين والدعوة الإسلامية في مصر والعالم الإسلامي كله.
3. إحياء التراث الإسلامي القديم والمحافظة عليه.
4. العمل على نشر مفهوم التربية الإسلامية الصحيحة ومبادئها وأهدافها والشروط الواجب توافرها في المربي الصالح سواء في الأسرة أو المدرسة أو المجتمع ككل.
5. إنشاء المعاهد الدينية الأزهرية وتطوير رسالتها بحيث تشمل جميع أنشطة الحياة.
6. عقد الندوات الدينية القائمة على الحوار المفتوح والمناقشة الحرة البناءة للإجابة على أي تساؤل يحير أي فكر، معتدلاً كان أم منحرفاً يريد أن يتفقه في أمر دينه.
7. عقد المؤتمرات الإسلامية التـي تعالج الموضوعات الدينية، والعمل على نقل صورة حية كاملة عنها بواسطة وسائل الإعلام.
إلى غير ذلك من الأهداف الأخرى التـي يقوم بها الأزهر الشريف لخدمة الإسلام والمسلمين.
وبالتالي نضمن إخراج جيل مسلم مؤمن قوي عارف بربه سليم في معاملته وعلاقاته مع الآخرين مؤسساً تأسيساً دينياً صالحاً، لديه قاعدة عريضة من الإيمان الإلهي وما يستتبعه من قيم ومثل عليا، وسمو في الأخلاق، ورقي في الآداب.
مما سبق تتضح لنا حقيقة هامة وهي أن الأزهر الشريف لا يعتبر جامعة علمية الغرض منها تلقي العلم الإسلامي فحسب، وإنما يتسع دورها ليشمل العلم والعمل معاً، حيث تخدم المسلمين بتعليمهم الدين الإسلامي، وتعمل على نشر الدعوة الإسلامية في كل مكان، وما يتبع ذلك من تعاليم وآداب وأحكام.
وبناءاً على هذا الدور الخطير المؤثر الفعال الذي يقوم به الأزهر
فإننا نناشده بما يلي:
1. أن يكون له صوت عال، وكلمة حق، ومقولة عدل في القضاء على الانحراف والفساد، ومحاربة الدعاوى المغرضة التي تسيء إلى الإسلام.
2. تضافر الجهود مع المؤسسات التعليمية الأخرى للعمل على خطة مدروسة لتنمية التربية الإسلامية وما تنشئه من غرس للقيم والمبادئ والمثل العليا، والأخلاق الكريمة، والآداب الحميدة المستمدة من النبع الفياض القرآن الكريم.
3. الإشراف على مناهج التربية الإسلامية في المراحل التعليمية المختلفة مع مراعاة التطور العلمي والمادي والحضاري في المجتمع.
4. الإكثار من الندوات الدينية التي تبين مفهوم الدين الإسلامي مفهوماً صحيحاً سليماً.
5. زيادة أوجه التعاون بين مصر ودول العالم الإسلامي في المجالات الإسلامية وذلك عن طريق التوحيد في كلمة الدين، وعقد المؤتمرات الدينية، وتدعيم المراكز الإسلامية في هذه الدول.
6. الإكثار من إنشاء المكتبات الإسلامية المتخصصة التـي تضم:
-المخطوطات الإسلامية وبيان ما حقق منها وما لم يُحقّق بعد حتى يتسنى للباحثين المهتمين بها دراستها وتحقيق ما يختارونه منها.
-الكتب الدينية التي تحتوي على جميع فروع وأقسام الدين الإسلامي والتي تناسب جميع الأعمار. مع مراعاة التوزيع الجغرافي لهذه المكتبات وخبرة القائمين عليها وعمل نظام موحد للاستعارة من هذه المكتبات حيث أن الكثير من الباحثين المهتمين بالموضوعات الإسلامية لا يتسنى لهم الوقت للانتظام والتواجد صباحاً في هذه المكتبات نظراً لظروف عملهم.
-العمل على إنشاء موسوعة تضم جميع الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة حيث حدث الآن خلط بين الأحاديث القوية الصحيحة والأحاديث الضعيفة، مما ينشئ التباساً في دراسة الباحث للأحاديث النبوية ، ومما يساعد على تكوين فكر خاطئ في دراسته لجانب يعتبر من الجوانب الإسلامية الهامة والتـي قد تؤثر في أبحاثه وموضوعاته التي يقوم بدراستها الآن، والتـي سوف ينادي بها في المستقبل.
- حث الشباب وتشجيعهم على المعرفة والبحث وذلك بطرح المسابقات الدينية في صورة أبحاث تعالج الموضوعات الإسلامية الهامة، وتقرير جوائز تشجيعية لأفضل الأبحاث مع العمل على نشر هذه الأبحاث الفائزة.
- تبني الأفكار الصالحة والأخذ بيدها إلى طريق العلم والمعرفة وتشجيعها والإعلان عنها وبذلك يكون هناك حافز دائم للقراءة والبحث في الأمور الدينية مما يحمي شبابنا من الأفكار الضالة والمفاهيم الخاطئة، والطريق مفتوح وواسع لكل اجتهاد في الإسلام يهدف إلى الخير، وينشد البناء والتقدم.
- العمل على ربط الموضوعات التي تعالجها التربية الإسلامية بالسلوك الإنساني في الحياة، فالأخلاق بيئة صالحة للحياة العملية، فلابد من ربطها بالعلاقات الإنسانية التي تقوم على ربط علاقة الإنسان بربه، وصلته به سبحانه وتعالى.
نحن في حاجة إلى القلوب التـي تصلح وتغير، والعقول التـي تنمي وتقوي، والصدور الواسعة التي تتبنى كل فكر صالح، وتقوم كل فكر طالح . . نحن في أشد الحاجة إلى النفوس المؤمنة السليمة المستقيمة التي تعمل من أجل إعلاء كلمة الحق ورفعة الإسلام.
إن التربية الإسلامية هدف أساسي ومطلب ضروري في حياة كل فرد . .
كيف نريد أن ننشئ جيلاً قوياً صالحاً قادراً على حمل الأمانة ما لم يكن
هذا الجيل قد أخذ حظه الوافي من التربية الإسلامية وما تنشئه هذه التربية من القيم والمثل والمبادئ التـي تسمو بالإنسان وتؤثر فيه تأثيراً كبيراً فيصبح إنساناً لا يقبل إلا الإيمان حياة . . والحب طريق . . والخير سلوك . . والعلم غاية . . والخلق سبيل إلى العمل الصالح مما يساعد
على بناء المجتمع بناءاً سليماً قوياً صالحاً، ومما يحقق الأمن
والاستقرار والسعادة والرفاهية لكل فرد في المجتمع.
نحن قلوب تتعطش إلى الصفاء والنقاء، ولا ترتوي إلا من العلم والإيمان.
اللهم لا تجعل في قلوبنا مكاناً للحقد والحسد والكراهية،واجعل قلوبنا مليئة بالإيمان بك .. بصيرة بطريق النور.. نابضة بالحب والخير .. متحلية بالخلق الكريم .. مزودة بالعلم القويم على الصراط المستقيم..
فننعم بالسلام الروحي الممدود، والاطمئنان القلبـي المشهود، والأمن
النفسي المنشود
محبة الرحمن
12-11-2005, 11:35 AM
جزاكم الله خيرا اخي الكريم
تقبل تحياتي
جعلاني للابد
12-20-2005, 02:33 PM
مشكور اخوي على اللمحات الجميله
ابن الوافي
03-02-2006, 12:23 AM
اشكر كل من محبة الرحمن و جعلاني للبد على المرور و انشاء الله كل الاعضاء يستفيدو من هذي البحوث
شهيدة الفلوجة
07-29-2006, 09:13 PM
شكرا والله يعطيك العافية
vBulletin® v3.8.11, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir