الهااشمي
11-01-2009, 10:52 AM
سرُّ الحياة
زينب حفني
جميعنا بلا استثناء نتلقّى ضربات في أجسادنا من حيثُ لا ندري. ونتعرّض لكدمات تترك أثراً على وجوهنا. وجميعنا نُصاب بالإحباط بين حين وآخر حين تخذلنا الحياة في أحلام ربّيناها في حجرنا ليالي طويلة، مُعلنة تمردها وتخليها عنّا. وجميعنا نشهق ونبكي بأعلى صوتنا حين تقسو علينا الحياة، وتضنُّ علينا بمباهجها، مقفلة أبوابها في وجوهنا، مُطبقة بعنف على أعناقنا دون أن تدع لنا مجالا للتنفّس. وجميعنا كذلك نُصفّق طربا حين تبسط الأيام أيديها لنا وتُعطينا بسخاء لا حدود له. وجميعنا أيضاً نرقص فرحاً حين تفتح لنا الحياة خزائنها عن آخرها لننهل منها ما نريد عن طيب خاطر منها.
كلنا كذلك وبلا استثناء تذوقنا طعم اللوعة، وتجرعنا ألم الفراق. فلا يُوجد شخص لم يفقد أحباء على قلبه غيّبهم الموت في لحظة خاطفة، تاركين برحيلهم غصة في فؤاده، وفراغاً كبيراً لم تستطع دوّامة الحياة أن تزيح صورهم عن ذاكرته، بل زادهم البعاد حضوراً. كما لا يُوجد فرد لم يُعانِ من ضياع أعزاء عليه وهم لا يزالون أحياء يرزقون، لكنهم خيّبوا ظنه، فرمى ذكراهم بطول ذراعه على قارعة الطريق دون ذرة أسف أو ندم!
إن حياة الإنسان لا تسير على وتيرة واحدة، فهي قائمة على الابتسام والحزن، على السعادة والشقاء، على الأمل والخيبة، على الحقيقة والواقع. هي مثل الأرجوحة التي كنّا نلعبها ونحن صغار، ونتركها تعلو بنا ثم تهبط وسط ضحكاتنا الطفوليّة الصافية التي تخترق أفضية المكان.
هناك أمور تُفاجئ بها الحياة الناس على حين غرة منهم، تستلزم منهم حينها التحلّي بالصبر، والتسلّح بالقوة لمواجهة مرارة واقعهم، خاصة إذا شعر أحدهم بأن شمعة حياته تذوي أمام ناظريه دون أن يملك القدرة على منع مشيئة القدر! وهذا ينطبق على العديد من البشر الذين تُصيبهم أمراض مستعصية فتعيقهم عن ممارسة حياتهم الطبيعية، ليقرؤوا خبر نعيهم صبيحة كل يوم في العيون المحيطة بهم.
الحياة كلها عِبر كما يقولون. فلماذا لا يتعلّم الإنسان من مآسي الآخرين، ليدرك مقدار ضآلة آلامه مقارنة بغيره؟! لماذا يكتفي بالنظر إلى أعماقه البائسة، ولا يتطلّع إلى تلك البقاع الحالكة السواد، الغارقة في دموع البشر البائسين؟! لماذا النفس البشرية قصيرة النظر دوماً حين يرتبط الأمر بتجاربها المريرة، دون أن تلتفت لذلك الشق الصغير الذي يتسرّب منه شعاع من النور، لتدرك كم هي محظوظة بهذه المنّة الإلهية؟! لماذا يُهدر الإنسان وقته في النحيب على ما ضاع من يديه، دون أن يتعلّم فن الحفر في الصخر حتّى وإن تقصّفت أظافره؟! أليست الحياة كلها محطات عابرة، يستمتع الإنسان أثناء سيره بجمال الطريق، وإنْ كان بعضه سالكاً وبعضه الآخر وعراً، وأن هناك محطة أخيرة سينزل عندها مهما طال أمد رحلته؟!
*نقلا عن جريدة "الاتحاد" الإماراتية
زينب حفني
جميعنا بلا استثناء نتلقّى ضربات في أجسادنا من حيثُ لا ندري. ونتعرّض لكدمات تترك أثراً على وجوهنا. وجميعنا نُصاب بالإحباط بين حين وآخر حين تخذلنا الحياة في أحلام ربّيناها في حجرنا ليالي طويلة، مُعلنة تمردها وتخليها عنّا. وجميعنا نشهق ونبكي بأعلى صوتنا حين تقسو علينا الحياة، وتضنُّ علينا بمباهجها، مقفلة أبوابها في وجوهنا، مُطبقة بعنف على أعناقنا دون أن تدع لنا مجالا للتنفّس. وجميعنا كذلك نُصفّق طربا حين تبسط الأيام أيديها لنا وتُعطينا بسخاء لا حدود له. وجميعنا أيضاً نرقص فرحاً حين تفتح لنا الحياة خزائنها عن آخرها لننهل منها ما نريد عن طيب خاطر منها.
كلنا كذلك وبلا استثناء تذوقنا طعم اللوعة، وتجرعنا ألم الفراق. فلا يُوجد شخص لم يفقد أحباء على قلبه غيّبهم الموت في لحظة خاطفة، تاركين برحيلهم غصة في فؤاده، وفراغاً كبيراً لم تستطع دوّامة الحياة أن تزيح صورهم عن ذاكرته، بل زادهم البعاد حضوراً. كما لا يُوجد فرد لم يُعانِ من ضياع أعزاء عليه وهم لا يزالون أحياء يرزقون، لكنهم خيّبوا ظنه، فرمى ذكراهم بطول ذراعه على قارعة الطريق دون ذرة أسف أو ندم!
إن حياة الإنسان لا تسير على وتيرة واحدة، فهي قائمة على الابتسام والحزن، على السعادة والشقاء، على الأمل والخيبة، على الحقيقة والواقع. هي مثل الأرجوحة التي كنّا نلعبها ونحن صغار، ونتركها تعلو بنا ثم تهبط وسط ضحكاتنا الطفوليّة الصافية التي تخترق أفضية المكان.
هناك أمور تُفاجئ بها الحياة الناس على حين غرة منهم، تستلزم منهم حينها التحلّي بالصبر، والتسلّح بالقوة لمواجهة مرارة واقعهم، خاصة إذا شعر أحدهم بأن شمعة حياته تذوي أمام ناظريه دون أن يملك القدرة على منع مشيئة القدر! وهذا ينطبق على العديد من البشر الذين تُصيبهم أمراض مستعصية فتعيقهم عن ممارسة حياتهم الطبيعية، ليقرؤوا خبر نعيهم صبيحة كل يوم في العيون المحيطة بهم.
الحياة كلها عِبر كما يقولون. فلماذا لا يتعلّم الإنسان من مآسي الآخرين، ليدرك مقدار ضآلة آلامه مقارنة بغيره؟! لماذا يكتفي بالنظر إلى أعماقه البائسة، ولا يتطلّع إلى تلك البقاع الحالكة السواد، الغارقة في دموع البشر البائسين؟! لماذا النفس البشرية قصيرة النظر دوماً حين يرتبط الأمر بتجاربها المريرة، دون أن تلتفت لذلك الشق الصغير الذي يتسرّب منه شعاع من النور، لتدرك كم هي محظوظة بهذه المنّة الإلهية؟! لماذا يُهدر الإنسان وقته في النحيب على ما ضاع من يديه، دون أن يتعلّم فن الحفر في الصخر حتّى وإن تقصّفت أظافره؟! أليست الحياة كلها محطات عابرة، يستمتع الإنسان أثناء سيره بجمال الطريق، وإنْ كان بعضه سالكاً وبعضه الآخر وعراً، وأن هناك محطة أخيرة سينزل عندها مهما طال أمد رحلته؟!
*نقلا عن جريدة "الاتحاد" الإماراتية