المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ((( عيون الأثر الجزء الأول والثاني )))


اسير الصحراء
05-28-2006, 05:55 AM
ذكر نسب سيدنا و نبينا رسول الله صلى الله عليه و سلم

محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، و يدعى شيبة الحمد ، ابن هاشم ، و هو عمرو العلا ، بن عبد مناف ، و اسمه المغيرة ، بن قصي ، و يسمى زيداً ، و يدعى مجمعاً أيضاً قال الشاعر :
أبوكم قصي كان يدعى مجمعاً به جمع الله القبائل من فهر
ابن كلاب ، بن مرة ، بن كعب ، بن لؤي ، بن غالب ، بن فهر ، بن مالك بن النضر ، بن كنانة ، بن خزيمة ، بن مدركة ، بن إلياس ، بن مضر ، بن نزار ، بن معد ، ابن عدنان .
هذا هو الصحيح المجمع عليه في نسبه ، و ما فوق ذلك مختلف فيه . و لا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل نبي الله ابن إبراهيم خليل الله عليهما السلام ، و إنما الخلاف في عدد من بين عدنان و إسماعيل من الآباء ، فمقل و مكثر ، و كذلك من إبراهيم إلى آدم عليهما السلام لا يعلم ذلك على حقيقته إلا الله تعالى . روينا عن ابن سعد : " أخبرنا هشام ، أخبرني أبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا انتسب لم يجاوز معد بن عدنان بن أدد ، ثم يمسك و يقول : كذب النسابون . قال الله عز وجل : " وقرونا بين ذلك كثيرا " [ الفرقان : 38 ] " . و قال ابن عباس : لو شاء رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعلمه لعلمه . و عن عائشة رضي الله عنها : ما وجدنا أحداً يعرف ما وراء عدنان و لا قحطان إلا تخرصاً . و قد روي نحو ذلك عن عمر و عكرمة و غير واحد .
و و الذي رجحه بعض النسابين في نسب عدنان أنه ابن أد ، بن أدد ، بن اليسع ، ابن الهميسع ، بن سلامان ، ابن نبت ، بن حمل ، بن قيذار ، بن الذبيح إسماعيل ، بن الخليل إبراهيم ، بن تارح ـ و هو آزر ـ بن ناحور ، بن ساروح ، بن أرغو ، بن فالخ ، بن عابر ، بن شالخ ، بن أرفخشذ ، بن سام ، بن نوح ، بن لمك ، بن متوشلخ ، بن أخنوخ ـ و هو إدريس النبي عليه السلام ـ بن يارد ، بن مهلعيل بن قنان ، بن أنوش ، بن شيث ـ و هو هبة الله ـ بن آدم ، عليهما أفضل السلام و السلام .
" أخبرنا أحمد بن إبراهيم الفاروثي الإمام بدمشق ، أنبأنا الحسين بن علي العلوي ببغداد ، أنبأنا ابن ناصر قراءة عليه و أنا أسمع ، أنبأنا أبو الطاهر بن أبي الصقر الأنباري ، أنبأنا القاضي أبو البركات أحمد بن عبد الواحد بن الفضل الفراء ، أنبأنا الشريف أبو جعفر محمد بن عبد الله بن طاهر الحسيني ، حدثنا أبو سليمان أحمد بن محمد المكي بالمدينة سنة تسع و تسعين و مائتين ، حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري ، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن ابن أبي ذئب ، عمن لا يتهم ، عن عمرو بن العاصي ، فذكر حديثاً و فيه : ثم قال : يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله اختار العرب على الناس ، و اختارني على من أنا منه ثم قال : أنا محمد بن عبد الله . . . حتى بلغ النضر بن كنانة ثم قال : فمن قال غير هذا فقد كذب " .
و به " عن عبد العزيز بن محمد ، عن ابن أبي ذئب ، عن جبير بن أبي صالح ، عن ابن شهاب عن سعد بن أبي وقاص ، قال : قيل : يا رسول الله ! قتل فلان ـ لرجل من ثقيف ـ فقال : أبعده الله إنه كان يبغض قريشاً " .
و روينا من طريق مسلم ، " حدثنا محمد بن مهران الرازي ، و محمد بن عبد الرحمن بن سهم ، جميعاً عن الوليد ، قال ابن مهران : حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي ، عن أبي عمار شداد : أنه سمع واثلة بن الأسقع يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، و اصطفى قريشاً من كنانة ، و اصطفى من قريش بني هاشم و اصطفاني من بني هاشم " . و العرب على ست طبقات : شعب و قبيلة و عمارة و بطن و فخذ و فصيلة . و سميت الشعوب لأن القبائل تشعبت منها . و سميت القبائل لأن العمائر تقابلت عليها ، فالشعب يجمع القبائل و القبيلة تجمع العمائر ، و العمارة تجمع البطون ، و البطن تجمع الأفخاذ ، و الفخذ تجمع الفصائل ، فيقال : مضر شعب رسول الله صلى الله عليه و سلم و كنانة قبيلته ، و قريش عمارته ، و قصي بطنه ، و هاشم فخذه ، و بنو العباس فصيلته . هذا قول الزبير ، و قيل : بنو عبد المطلب فصيلته ، و عبد مناف بطنه ، و سائر ذلك كما تقدم . و قيل : بعد الفصيلة العشيرة و ليس بعد العشيرة شيء . و قيل الفصيلة هي العشيرة ، و قيل غير ذلك .

اسير الصحراء
05-28-2006, 05:56 AM
ذكر تزويج عبد الله بن عبد المطلب ـ آمنة بنت عبد مناف بن زهرة بن كلاب ـ و كانت في حجر عمها وهيب بن عبد مناف

ذكر تزويج عبد الله بن عبد المطلب ـ آمنة بنت عبد مناف بن زهرة بن كلاب ـ و كانت في حجر عمها وهيب بن عبد مناف
قال الزبير : و كان عبد الله أحسن رجل مرئي في قريش قط ، و كان أبوه عبد المطلب قد مر به فيما يزعمون على امرأة من بني أسد بن عبد العزى ، و هي أخت ورقة بن نوفل ، و هي عند الكعبة . فقالت له : أين تذهب يا عبد الله ؟ قال : مع أبي . قالت : لك مثل الإبل التي نحرت عنك ـ و كانت مائة ـ وقع علي الآن . قال : أنا مع أبي و لا أستطيع خلافه و لا فراقه . و أنشد بعض أهل العلم في ذلك لعبد الله بن عبد المطلب :
أما الحرام فالممات دونه و الحل لا حل فأستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه يحمي الكريم عرضه و دينه
أخبرنا الإمام العلامة أبو العباس أحمد بن إبراهيم الواسطي سماعاً بدمشق ، أنبأنا الأمير أبو محمد الحسن بن علي العلوي ببغداد سماعاً عليه ، قال : أخبرنا الحافظ أبو الفضل محمد ابن ناصر بن محمد بن علي السلامي قراءة عليه و أنا أسمع ، قال : أنبأنا أبو الطاهر بن أبي الصقر ، أنبأنا القاضي أبو البركات أحمد بن عبد الوهاب الفراء ، أنبأنا الشريف أبو جعف محمد بن عبد الله الحسيني ، حدثنا أبو بكر الخضر بن داود بمكة ، حدثنا الزبير بن بكار ، حدثني سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : " لقد جاءكم رسول من أنفسكم " [ التوبة : 128 ] . قال : أحدكم من أنفسكم ، لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية . قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " خرجت من نكاح و لم أخرج من سفاح " . و روينا عن ابن سعد قال : أنبأنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، عن أبيه ، قال : كتبت للنبي صلى الله عليه و سلم خمسمائة أم ، فما وجدت فيهن سفاحاً و لا شيئاً مما كان من أمر الجاهلية .
و روينا مرفوعاً " من حديث ابن عباس و عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم : خرجت من نكاح غير سفاح " .
رجع إلى الأول : فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهيب بن عبد مناف بن زهرة و هو يومئذ سيد بني زهرة سناً و شرفاً ، فزوجه آمنة بنت وهب ، و هي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسباً و موضعاً ، فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه فوقع عليها ، فحملت برسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم خرج من عندها فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت ، فقال لها ما لك : لا تعرضين علي اليوم ما عرضت بالأمس ؟ فقالت له : فارقك النور الذي كان معك ، فليس لي بك اليوم حاجة . و قد كانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل أنه كائن في هذه الأمة نبي . قال أبو عمر : كان تزوجها و عمره ثلاثون سنة ، و قيل خمس و عشرون ، و قيل بينهما ثمانية و عشرون عاماً . و تزوج عبد المطلب في ذلك المجلس هالة بنت وهيب بن عبد مناف فولدت له حمزة و المقوم و حجلاً و صفية أم الزبير ، قال محمد بن السائب الكلبي : لما تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة أقام عندها ثلاثاً ، و كانت تلك السنة عندهم إذا دخل الرجل على امرأته في أهلها .

اسير الصحراء
05-28-2006, 05:56 AM
ذكر حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق ، و يزعمون فيما يتحدث الناس ـ و الله أعلم ـ أن أمه كانت تحدث أنها أتيت حين حملت به ، فقيل لها : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ، فإذا وقع إلى الأرض فقولي : أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ، ثم سميه محمداً . و من طريق محمد بن عمر : عن علي بن زيد ، عن عبد الله بن وهب بن زمعة ، عن أبيه ، عن عمته ، قالت : كنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما حملت به أمه آمنة بنت وهب كانت تقول : ما شعرت بأني حملت به ، و لا وجدت له ثقلة كما تجد النساء ، إلا أني نكرت رفع حيضتي ، و ربما كانت تقول : أتاني آت و أنا بين النائم و اليقظان فقال : هل شعرت أنك حملت ؟ فكأني أقول : ما أدري . فقال : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة و نبيها . و ذلك يوم الاثنين . . الحديث ، و فيه : و أمهلني حتى دنت ولادتي أتاني فقال : قولي ، أعيذه بالواحد . و عن الزهري قال : قالت آمنة : لقد علقت به فما وجدت له مشقة حتى وضعته .

اسير الصحراء
05-28-2006, 05:57 AM
ذكر وفاة عبد الله بن عبد المطلب
قال ابن إسحاق : ثم لم يلبث عبد الله بن عبد المطلب أن هلك و أم رسول الله صلى الله عليه و سلم حامل به . هذا قول ابن إسحاق . و غيره يقول : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان في المهد حين توفي أبوه ، رويناه عن الدولابي . و ذكر ابن أبي خثيمة : أنه كان ابن شهرين . و قيل ابن ثمانية و عشرين شهراً ـ و قبره في المدينة في دار من دور بني عدي بن النجار كان خرج إلى المدينة يمتار تمراً ـ و قيل : بل خرج به إلى أخواله زائراً و هو ابن سبعة أشهر . و في خبر سيف بن ذي يزن : مات أبوه و أمه ، فكفله جده و عمه . و روى ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، قال : بعث عبد المطلب ابنه عبد الله يمتار له تمراً من يثرب فمات بها و هو شاب عند أخواله ، و لم يكن له ولد غير رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و الذي رجحه الواقدي ـ و قال : هو أثبت الأقاويل عندنا في موت عبد الله و سبيه ـ أنه كان خرج إلى غزة في عير من عيرات قريش يحملون تجارات ، ففرغوا من تجارتهم و انصرفوا فمروا بالمدينة و عبد الله بن عبد المطلب يومئذ مريض ، فقال : أنا أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار ، فأقام عندهم مريضاً شهراً ، و مضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن عبد الله ، فقالوا : خلفناه عند أخواله بني عدي بني النجار و هو مريض ، فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي و دفن في دار التابعة . قيل : كان بينه و بين ابنه عليه الصلاة و السلام ثمانية و عشرون عاماً . و قد تقدم في تزويج عبد الله آمنة ما حكي عن السلف في ذلك .

اسير الصحراء
05-28-2006, 05:57 AM
ذكر مولد رسول الله صلى الله عليه و سلم
و ولد سيدنا و نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول عام الفيل . قيل : بعد الفيل بخمسين يوماً . و قال الزبير : حملت به أمه صلى الله عليه و سلم في أيام التشريق في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى . و ولد صلى الله عليه و سلم في الدار التي تدعى لمحمد بن يوسف أخي الحجاج : يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان .
و قيل : بل يوم الاثنين في ربيع الأول ليلتين خلتا منه . قال أبو عمر : و قد قيل : لثمان خلون منه . و قيل : إنه أول اثنين من ربيع الأول . و قيل : لاثنتي عشرة ليلة خلت منه عام الفيل . و قيل : إنه ولد في شعب بني هاشم . و روي عن ابن عباس قال : ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفيل . أخبرناه أبو المعالي أحمد بن إسحاق فيما قرأت عنه ، قلت : قال أخبركم الشيخان أبو الفرج الفتح بن عبد الله بن علي بن عبد السلام ، و أبو العباس أحمد بن أبي الحسين بن أبي الفتح بن صرما [ ح ] قال : و قرأت على الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد الحنبلي الزاهد بسفح قاسيون ، قال : قلت له أخبركم أبو البركات داود بن أحمد بن محمد البغدادي ، قالوا : أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي سماعاً عليه ، قال أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن النقور ، قال أخبرنا أبو الحسين علي بن عمر السكري ، قال : أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا حجاج بن محمد ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : و ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفيل . و عن قيس بن مخرمة قال : ولدت أنا و رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفيل فنحن لدان . و قيل : بعد الفيل بشهر , و قيل : بأربعين يوماً ، و قيل بخمسين يوما . و ذكر أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي قال : كان قدوم الفيل مكة لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم . و قد قال ذلك غير الخوارزمي و زاد : يوم الأحد . قال : و كان أول محرم تلك السنة يوم الجمعة . قال الخوارزمي : و ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك بخمسين يوما يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول ، و ذلك يوم عشرين من نيسان . قال : و بعث نبيا يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول سنة إحدى و أربعين من عام الفيل ، فكان من مولده إلى أن بعثه الله أربعون سنة و يوم ، و من مبعثه إلى أول المحرم من السنة التي هاجر فيها اثنتا عشرة سنة و تسعة أشهر و عشرون يوماً ، و ذلك ثلاث و خمسون سنة تامة من عام الفيل .
و ذكر ابن السكن : من حديث عثمان بن أبي العاص عن أمه فاطمة بنت عبد الله أنها شهدت ولادة النبي صلى الله عليه و سلم ليلاً . فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نور ، و إني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول لتقعن علي . و يقال : و ضعت عليه جفنة فانفلقت عنه فلقتين فكان ذلك من مبادئ أمارات النبوة في نفسه . و ذكر ابن أبي خيثمة عن أبي صالح السمان قال : قال كعب : إنا لنجد في كتاب الله : محمد عليه الصلاة و السلام مولده بمكة ، و عن عبد الملك بن عمير قال : قال كعب : إني أجد في التوراة : عبدي أحمد المختار مولده بمكة . و حكى أبو الربيع بن سالم أن بقي بن مخلد ذكر في تفسيره : أن إبليس لعنه الله رن أربع رنات : رنة حين لعن ، و رنة حين أهبط ، و رنة حين ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و رنة حين نزلت فاتحة الكتاب .
أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الدمشقي بقراءتي عليه قلت له : أخبركم الشيخان أبو عبد الله محمد بن نصر بن عبد الرحمن بن محمد بن محفوظ القرشي ، و الأمير سيف الدولة أبو عبد الله محمد بن غسان بن غافل بن نجاد الأنصاري قراءة عليهما و أنت حاضر في الرابعة ، قالا : أخبرنا الفيه أبو القاسم علي بن حسن الحافظ قراءة عليه و نحن نسمع ، قال : أخبرنا المشائخ أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد بن الفتح بن علي الفقيه ، و أبو الفرج غيث بن علي بن عبد السلام بن محمد بن جعفر بن الأرمنازني الصوري الخطيب ، و أبو محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر بن العباس الوكيل بدمشق ، قالوا : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان ابن أبي الحديد السلمي ، أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد أخبرنا أبو بكر ابن جعفر بن محمد بن سهل الخرائطي ، حدثنا علي بن حرب ، حدثنا أبو أيوب يعلى ابن عمران من آل جرير بن عبد الله البجلي ، قال : حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه ــ و أتت له خمسون و مائة سنة ــ قال : لما كان ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتجس إيوان كسرى و سقطت منه أربع عشرة شرفة ، و خمدت نار فارس و لم تخمد قبل ذلك بألف عام ، و غاضت بحيرة ساوة ، و رأى الموبذان إبلاً صعابا تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة و انتشرت في بلادها ، فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك فصبر عليه تشجعاً ، ثم رأى أن لا يدخر ذلك عن مرازبته ، فجمعهم و لبس تاجه و جلس على سريره ، ثم بعث إليهم فلما اجتمعوا عنده قال : أتدرون فيما بعثت إليكم ؟ قالوا : لا إلا أن يخبرنا الملك . فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النيران ، فازداد غماً إلى غمه ، ثم أخبرهم ما رأى و ما هاله . فقال الموبذان : و أنا ـ أصلح الله الملك ـ قد رأيت في هذه الليلة رؤيا ، ثم قص عليه رؤياه في الإبل . فقال : أي شيء يكون هذا يا موبذان ؟ قال : حدث يكون في ناحية العرب ـ و كان أعلمهم في أنفسهم ـ فكتب عند ذلك : من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر أما بعد : فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه ، فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغساني ، فلما ورد عليه قال له : ألك علم بما أريد أسألك عنه ؟ قال : ليخبرني الملك أو ليسألني عما أحب فإن كان عندي منه علم و إلا أخبرته بمن يعلمه . فأخبره بالذي وجه إليه فيه .
قال : علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح . قال : فأته فاسأله عما سألتك عنه ثم ائتني بتفسيره . فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح ، و قد أشفى على الضريح ، فسلم عليه و كلمه فلم يرد عليه سطيح جواباً ، ثم أنشأ يقول :
أصم أم يسمع غطريف اليمن ؟ .
في أبيات ذكرها . قال : فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول : عبد المسيح على جمل مشيح إلى سطيح و قد أوفى على الضريح ، بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان و خمود النيران و رؤيا الموبذان ، رأى إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة و انتشرت في بلادها ، يا عبد المسيح ! إذا كثرت التلاوة ، و ظهر صاحب الهراوة ، و فاض وادي السماوة ، و غاضت بحيرة ساوة ، و خمدت نار فارس ، فليس الشام لسطيح شاماً ، يملك منهم ملوك و ملكات على عدد الشرفات ، و كل ما هو آت آت ، ثم قضى سطيح مكانه ، فنهض عبد المسيح إلى راحلته و هو يقول :
شمر فإنك ماضي الهم شمير لا يفزعنك تفريق و تغيير
إن يمسك ملك بني ساسان أفراطهم فإن ذا الدهر أطوار دهارير
فربما ربما أضحوا بمنزلة تهاب صولهم الأسد المهاصير
منهم أخو الصرح بهرام و إخوته و الهرمزان و سابور و سابور
و الناس أولاد علات فمن علموا أن قد أقل فمحقور و مهجور
و هم بنو الأم إما إن رأوا نشبا فذاك بالغيب محفوظ و منصور
و الخير و الشر مقرونان في قرن فالخير متبع و الشر محذور
فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بما قال له سطيح فقال كسرى إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكاً كانت أمور و أمور . فملك منهم عشرة في أربع سنين ، و ملك الباقون إلى خلافة عثمان رضي الله عنه
قال ابن إسحاق : فلما وضعته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب : أنه قد ولد لك غلام فانظر إليه ، فأتاه و نظر إليه ، و حدثته بما رأت حين حملت به و ما قيل لها فيه و ما أمرت أن تسميه ، فيزعمون أن عبد المطلب أخذه فدخل به الكعبة فقام يدعوا الله و يتشكر له ما أعطاه ، ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها . و ولد صلى الله عليه و سلم معذوراً مسروراً ، أي مختوناً مقطوع السرة ، و وقع إلى الأرض مقبوضة أصابع يده مشيراً بالسبابة كالمسبح بها ، حكاه السهيلي .
أخبرنا أبو حفص عمر بن عبد المنعم الدمشقي بقرأتي عليه بعربيل ـ قرية بغوطة دمشق ـ أخبركم أبو القاسم بن الحرستاني قراءة عليه و أنت حاضر في الرابعة فأقر به ، أخبرنا جمال الإسلام أبو الحسن علي بن مسلم السلمي أبو النصر الحسين بن محمد ابن طلاب ، حدثنا ابن جميع ، حدثنا عمر بن موسى بالمصيصة ، حدثنا جعفر ابن عبد الواحد قال : قال لنا صفوان بن هبيرة و محمد بن البرساني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : و لد النبي صلى الله عليه و سلم مسروراً مختونا .

اسير الصحراء
05-28-2006, 05:58 AM
ذكر تسمية محمداً و أحمد صلى الله عليه و سلم
روينا عن أبي جعفر محمد بن علي من طريق ابن سعد قال : أمرت آمنة و هي حامل برسول الله صلى الله عليه و سلم أن تسميه أحمد . و روينا عن ابن إسحاق فيما سلف أنها أتيت حين حملت به فقيل لها : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ، و فيه : ثم سميه محمداً .
و روينا من طريق الترمذي ، " حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن لي أسماء : أنا محمد ، و أنا أحمد ، و أنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، و أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، و أنا العاقب الذي ليس بعدي نبي " و صححه ، و قال : في الباب عن حذيفة . و روى حديث جبير البخاري و مسلم و النسائي ، و سيأتي الكلام على بقية الأسماء إن شاء الله تعالى .
و ذكر أبو الربيع بن سالم قال : و يروى أن عبد المطلب إنما سماه محمداً لرؤيا رآها ، زعموا أنه رأى في منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء و طرف في الأرض و طرف في المشرق و طرف في المغرب ، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور ، و إذا أهل المشرق و المغرب يتعلقون بها ، فقصها فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق و المغرب و يحمده أهل السماء و الأرض ، فلذلك سماه محمد مع ما حدثته به أمه .
و روينا عن أبي القاسم السهيلي رحمه الله قال : لا يعرف في العرب من تسمى بهذا الاسم قبله صلى الله عليه و سلم إلا ثلاثة ، طمع آباؤهم حين سمعوا بذكر محمد صلى الله عليه و سلم و يقرب زمانه و أنه يبعث بالحجاز أن يكون ولداً لهم ، ذكرهم ابن فورك في كتاب الفصول و هم : محمد بن سفيان بن مجاشع جد الفرزدق الشاعر ، و الآخر محمد بن أحيحة بن الجلاح ابن الحريش بن حججبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن مالك بن الأوس ، و الآخر محمد ابن حمرانم و هو من ربيعة ، ذكر معهم محمداً رابعاً أنسيته . و كان آباء هؤلاء الثلاثة قد وفدوا على بعض الملوك الأول ، و كان عنده علم بالكتاب الأول ، فأخبرهم بمبعث النبي صلى الله عليه و سلم و باسمه ، و كان كل واحد منهم قد خلف امرأته حاملا ، فنذر كل واحد منهم إن ولد له ولد ذكر أن يسميه محمداً ففعلوا ذلك .
و روينا عن القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله في تسميته صلى الله عليه و سلم محمداً و أحمد ، قال : ثم في هذين الاسمين من بدائع آياته و عجائب خصائصه أن الله جل اسمه حمى أن يسمى بهما أحد قبل زمانه ، أما أحمد الذي أتى في الكتب و بشرت بها الأنبياء ، فمنع الله تعالى بحكمته أن يسمى به أحمد غيره ، و لا يدعى به مدعو قبله ، حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك ، و كذلك محمد أيضا لم يسم به أحد من العرب و لا غيرهم إلى أن شاع قبيل وجوده الله و ميلاده : أن نبيا يبعث اسمه محمد ، فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو و الله أعلم حيث يجعل رسالته ، و هم : محمد بن أحيحة ابن الجلاح الأوسي ، محمد بن مسلمة الأنصاري ، و محمد بن براء البكري ، و محمد بن سفيان بن مجاشع ، و محمد ، و محمد بن حمران بن خزاعي السلمي لا سابع لهم . و يقال : إن أول من سمي به محمد بن سفيان ، و اليمن تقول : بل محمد بن اليحمد الأزدي . ثم حمى الله كل من تسمى به أن يدعى النبوة أو يدعيها أحد له ، حتى تحققت التسميتان له ، و لم ينازع فيهما . و الله أعلم .

اسير الصحراء
05-28-2006, 05:58 AM
ذكر الخبر عن رضاعه صلى الله عليه و سلم و ما يتصل بذلك من شق الصدر
روينا عن ابن سعد ، أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال : حدثني موسى ابن شيبة ، عن عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك ، عن برة بنت أبي تجراة قالت : أول من أرضع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثويبة بلبن ابن لها يقال له مسروح أياما ، قبل أن تقدم حليمة ، و كانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب و بعده أبا سلمة بن عبد الأسد .
" أخبرنا أبو العباس الساوي بقراءة والدي عليه : أخبرنا أبو روح المطهر بن أبي بكر البيهقي سماعاً عليه ، قال : أخبرنا أبو بكر الطوسي ، قال : أخبرنا أبو علي الخشنامي أخبرنا أحمد بن الحسن النيسابوري ، أخبرنا محمد بن أحمد ، أخبرنا محمد بن يحيى ، حدثنا محمد ابن عبيد ، حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي قال : قلت يا رسول الله : ما لك لا تتوق في قريش و لا تتزوج إليهم ؟ قال : و عندك قلت : نعم ابنة حمزة . قال : تلك ابنة أخي من الرضاعة " .
قرأت على أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي بسفح قاسيون أخبرك أبو نصر موسى بن عبد القادر الجيلي قراءة عليه و أنت تسمع ، " أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد ابن البناء قال : أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد الزينبي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن علي الوراق ، حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، حدثنا أبو موسى عيسى بن حماد زغبة ، أخبرنا الليث ، عن هشام بن عروة ، عن عروة ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم حبيبة أنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : هل لك في أختي ابنة أبي سفيان و فيه قالت : فو الله لقد أنبئت أنك تخطب درة بنت أبي سلمة . قال : ابنة أبي سلمة ؟ قالت : نعم . قال : فو الله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي ، إنها لابنة أخي من الرضاعة ، أرضعتني و إياها ثويبة ، فلا تعرضن علي بناتكن و لا أخواتكن .. " الحديث .
و ذكر الزبير أن حمزة أسن من النبي صلى الله عليه و سلم بأربع سنين ، و حكى أبو عمر نحوه ، و قال : و هذا لا يصح عندي ، لأن الحديث الثابت أن حمزة و عبد الله بن عبد الأسد أرضعتهما ثويبة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إلا أن تكون أرضعتهما في زمانين . قلت : و أقرب من هذا ما روينا عن ابن إسحاق من طريق البكائي أنه كان أسن من رسول الله صلى الله عليه و سلم بسنتين ، و الله أعلم .
و استرضع له من بني سعد بن بكر امرأة يقال لها حليمة بنت أبي ذؤيب ، و كانت تحدث أنها خرجت من بلدها مع زوجها و ابن لها ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر . قالت : و في سنة شهباء لم تبق لنا شيئاً . قالت : فخرجت علىأتان لي قمراء ، معنا شارف لنا و الله ما تبض بقطرة لبن ، و ما ننام ليلتينا أجمع مع صبينا الذي معنا من بكائه من الجوع ، ما في ثديي ما يغنيه ، و ما في شارفنا في ما يغذيه ، و لكنا نرجو الغيث و الفرج ، فخرجت على أتاني فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفاً و عجفاً ، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء ، فما منا إمرأة إلا و قد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم ، و ذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي ، فكنا نقول : يتيم ! ما عسى أن تصنع أمه وجده ؟ فكنا نكرهه لذلك ، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا ، غيري ، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي : و الله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي و لم آخذ رضيعا ، و الله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه . قال : لا عليك أن تفعلي ، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة . قالت : فذهبت إليه فأخذته ، و ما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره ، فلما أخذته رجعت به إلى رحلي ، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن ، و شرب حتى روي ، و شرب معه أخوه حتى روي ، ثم ناما و ما كنا ننام معه قبل ذلك ، فقام زوجي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل ، فحلب منها ما شرب و شربت حتى انتهينا رياً و شبعاً ، فبتنا بخير ليلة يقول صاحبي حين أصبحنا : تعلمي و الله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة . قلت : و الله إني لأرجو ذلك ، ثم خرجت و ركبت أتاني و حملته عليها معي ، فو الله لقطعت بالركب ما يقدر علي شيء من حمرهم ، حتى إن صواحبي ليقلن لي يا بنت أبي ذؤيب ويحك اربعي علينا ، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها ؟ فأقول لهن : بلى و الله إنها لهي . فيقلن : و الله إن لها لشأنا . قالت : ثم قدمنا منازلنا من بني سعد و لا أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها ، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعاً لبناً ، فنحلب و نشرب و ما يحلب إنسان قطرة لبن و لا يجدها في ضرع ، حتى كان الحاضر من قومنا يقولون لرعيانهم : ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب ، فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن ، و تروح غنمي شباعاً لبناً ، فلم نزل نتعرف من الله الزيادة و الخير حتى مضت سنتاه و فصلته ، و كان يشب شباباً لا يشبه الغلمان ، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاماً جفراً . فقدمنا به على أمه و نحن أحرص شيء على مكثه فينا لما نرى من بركته ، فكلمنا أمه ، و قلت لها : لو تركت بني عبدي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة ، فلم يزل بها حتى ردته معنا فرجعنا به ، فو الله إنه بعد مقدمنا به بأشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا ، إذ أتانا أخوه يشتد فقال لي و لأبيه : ذاك أخي القرشي عبد الله قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض ، فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه . قالت : فخرجت أنا و أبوه نحوه فوجدناه قائما منتقعاً وجهه ، قال : فالتزمته و التزمه أبوه فقلنا : ما لك يا بني ؟ قال : جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقا بطني فالتمسا فيه شيئاً لا أدري ما هو . قالت : فرجعنا به إلى خبائنا ، و قال لي أبوه : يا حليمة ! لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به . قالت : فاحتملناه فقدمنا به على أمه . فقالت : ما أقدمك يا ظئر ؟ و لقد كنت حريصة عليه و على مكثه عندك . قلت : قد بلغ الله يا بني ، و قضيت الذي علي و تخوفت الأحداث عليه فأديته عليك كما تحبين . قالت : ما هذا شأنك فأصدقيني خبرك . قالت : فلم تدعني حتى أخبرتها . قالت : أفتخوفت عليه الشيطان ؟ قلت : نعم . قالت : كلا و الله ما للشيطان عليه سبيل و إن لبني لشأنا أفلا أخبرك خبره ؟ قلت : بلى . قالت : رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام ، ثم حملت به فو الله ما رأيت من حمل قط كان أخف منه و لا أيسر منه ، و وقع حين ولدته و إنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء ، دعيه عنك و انطلقي راشدة .
قال السهيلي : و ذكر غير ابن إسحاق في حديث الرضاع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يقبل إلا على ثديها الواحد ، و تعرض عليه الآخر فيأباه ، كأنه قد أشعر أن معه شريكاً في لبانها ، و كان مفطوراً على العدل مجبولاً على جميل المشاركة و الفضل صلى الله عليه و سلم .
و يروى أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا له : يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك . قال : " نعم ، أنا دعوة أبي إبراهيم و بشارة عيسى بن مريم عليهما الصلاة و السلام ، و رأت أمي حين حملت بي أنه قد خرج منها نور أضاء له قصور الشام ، و استرضعت في بني سعد بن بكر ، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهماً لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجاً ، فأخذاني فشقا بطني ، ثم استخرجا قلبي فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي و بطني بذلك الثلج حتى أنقياه ، ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني بعشرة فوزنتهم ، ثم قال : زنه بمائة من أمة فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بهم فوزنتهم . فقال : دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنها " .
و في رواية : " فاستخرجا منه مغمز الشيطان و علق الدم " . و فيها : " و جعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن " .
شرح الغريب :
قوله في هذا الخبر : " و ما في شرفنا ما يغذيه " . قيل بالدال المهملة من الغذاء و قيل بالمعجمة . و قال أبو القاسم : و هو أتم من الأنصار على ذكر الغذاء دون العشاء . و عند بعض الناس : يعذبه : و معناه ما يقنعه حتى يرفع رأسه و ينقطع عن الرضاع ، يقال منه : عذبته و أعذبته إذا قطعته عن الشرب و نحوه ، و العذوب ، و جمعه عذوب بالضم ، و لا يعرف فعول جمع على فعول غيره ، قاله أبو عبيد . انتهى كلام السهيلي رحمه الله . و أنشدني أبي رحمه الله لبعض العرب يهجو قوماً بات ضيفهم :
بتنا عذوباً و بات البق يلبسنا نشوي القرح كأن لاحي بالوادي
و ذكر فعول على فعول غير عذوب ، و حكي ذلك عن كتاب ليس لابن خالويه .
و قوله : " أدمتة بالركب " حبستهم و كأنه من الماء الدائم و هو الواقف . و يروى أذمت : أي الأتان ، أي جاءت بما تذم عليه ، أو يكون من قولهم : بئر ذمة : أي قليلة الماء .
و قوله : " يسوطانه " . يقال : سطت اللبن أو الدم أو غيرهما أسوطه ، إذا ضربت بعضه ببعض ، و [ المسوط ] : عود يضرب به .
و قوله : " مغمز الشيطان " : هو الذي يغمزه الشيطان من كل مولود إلا عيسى بن مريم و أمه لقول أمها حنة : " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " [ آل عمران : 36 ] و لأنه لم يخلق من مني الرجال و إنما خلق من نفخة روح القدس . قال السهيلي : و لا يدل هذا على فضل عيسى عليه الصلاة و السلام على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ، لأن محمداً عندما نزع ذلك منه مليء حكمة و إيماناً بعد أن غسله روح القدس بالثلج و البرد .
و قد روي أنه عليه الصلاة و السلام ليلة الإسراء أتي بطست من ذهب ممتلئ حكمة و إيماناً فأفرغ في قلبه ، و أنه غسل قلبه بماء زمزم ، فوهم بعض أهل العلم من روى ذلك ذاهباً في ذلك إلى أنها واقعة واحدة متقدمة التاريخ على ليلة الإسراء بكثير . قال السهيلي : و ليس الأمر كذلك بل كان هذا التقديس و هذا التطهير مرتين : الأولى في حال الطفولية ليبقى قلبه من مغمز الشيطان ، و الثانية : عندما أراد الله أن يرفعه إلى الحضرة المقدسة ، و ليصلي بملائكة السماوات ، و من شأن الصلاة الطهور ، فقدس باطناً و ظاهراً و ملئ قلبه حكمة و إيماناً وقد كان مؤمناً ، و لكن الله تعالى قال : " ويزداد الذين آمنوا إيمانا " [ المدثر : 31 ] .
رجع إلى الأول : و انطلق به أبو طالب ، و كانت حليمة بعد رجوعها من مكة لا تدعه أن يذهب مكاناً بعيداً ، فغفلت عنه يوماً في الظهيرة ، فخرجت تطلبه حتى تجده مع أخته . فقالت : في هذا الحر ؟ فقالت أخته يا أمه ما وجد أخي حراً ، رأيت غمامة تظل عليه إذا وقف وقفت و إذا سار سارت ، حتى انتهى إلى هذا الموضع . تقول أمها : أحقاً يا بنية ؟ قالت : إي و الله . قال : تقول حليمة : أعوذ بالله من شر ما يحذر على ابني . فكان ابن عباس يقول : رجع إلى أمه و هو ابن خمس سنين . و كان غيره يقول : رد إليها و هو ابن أربع سنين ، و هذا كله عن الواقدي .
و قال أبو عمر : ردته ظئره حليمة إلى أمه بعد خمس سنين و يومين من مولده ، و ذلك سنة ست من عام الفيل ، و أسلمت حليمة بنت أبي ذؤيب ، و هو عبد الله بن الحارث ابن شجنة بن جابر بن رزام بن ناضرة بن قبيصة بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن .
قال أبو عمر : روى زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، قال : جاءت حليمة ابنة عبد الله أم النبي صلى الله عليه و سلم من الرضاعة إلى النبي صلى الله عليه و سلم يوم حنين فقام إليها و بسط لها رداءه فجلست عليه ، و روت عن النبي صلى الله عليه و سلم و روى عنها عبد الله بن جعفر .
قرئ على أبي العباس أحمد بن يوسف الصوفي و أنا أسمع منه سنة ست و سبعين قال : أخبرنا أبو روح البيهقي سماعاً عليه سنة خمس و ستمائة ، قال : أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن علي الطوسي قراءة عليه و نحن نسمع ، أخبرنا أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن النيسابوري ، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد الميداني ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن خالد بن فارس ، حدثنا أبو عاصم النبيل ، عن جعفر بن يحيى بن ثوبان ، عن عمه عمارة ، عن أبي الطفيل ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم لحماً بالجعرانة و أنا غلام شاب ، فأقبلت امرأة ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم بسط لها رداءه ، فقعدت عليه . فقال : من هذه ؟ قال : أمه التي أرضعته .
هكذا روينا في هذا الخبر ، و كذا حكى أبو عمر بن عبد البر عن حليمة بنت أبي ذؤيب أنها أسلمت و روت . و من الناس من ينكر ذلك ، و حكى السهيلي أنها كانت وفدت على النبي صلى الله عليه و سلم قبل ذلك بعد تزويجه خديجة تشكو إليه السنة و أن قومها قد أسنتوا ، فكلم لها خديجة فأعطتها عشرين رأساً من غنم و بكرات .
و ذكر أبو إسحاق بن الأمين في استدراكه على أبي عمر : خولة بنت المنذر بن زيد ابن لبيد بن خداش التي أرضعت النبي صلى الله عليه و سلم . و ذكر غيره فيهن أيضاً أم أيمن بركة حاضنته عليه الصلاة و السلام .

اسير الصحراء
05-28-2006, 05:59 AM
ذكر الخبر عن وفاة أمه آمنة بنت وهب و حضانة أم أيمن له و كفالة عبد المطلب إياه
قال ابن إسحاق : فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أمه و جده عبد المطلب في كلاءة الله و حفظه ينبته الله نباتاً حسناً ، لما يريد به من كرامته ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم ست سنين توفيت أمه آمنة بالأبواء بين مكة و المدينة .
قال أبو عمر بن عبد البر : و قيل : ابن سبع سنين . قال : و قال محمد بن حبيب في المحبر : توفيت أمه صلى الله عليه و سلم و هو ابن ثمان سنين . و قال : و توفي جده عبد المطلب بعد ذلك بسنة و أحد عشر شهراً ، سنة تسع من عام الفيل . و قيل : إنه توفي جده عبد المطلب و هو ابن ثمان سنين .
رجع إلى ابن إسحاق : قال : و كانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم ، فماتت و هي راجعة إلى مكة فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم مع جده عبد المطلب ، و كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة ، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه ، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً ، فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتي و هو غلام جفر حتى يجلس عليه ، فيأخذه أعمامه ليؤخره عنه ، فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم : دعوا بني فو الله إن له لشأناً ، ثم يجلسه معه عليه ، و يمسح ظهره بيده . و يسره ما يراه يصنع .
قرأت على أحمد بن محمد المقدسي الزاهد ، أخبرك أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان ، عن محمد بن عبد الباقي ، عن أحمد بن الحسن ، قال أبو إسحاق : و أخبرنا أحمد بن محمد بن علي بن صالح ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين ، قالا : أخبرنا أبو علي بن شاذان ، أخبرنا ابن درستويه قال : أخبرنا يعقوب بن سفيان : حدثنا ابو الحسن مهدي بن عيسى ، أخبرنا خالد بن عبد الله الواسطي ، عن داود بن أبي هند ، عن العباس بن عبد الرحمن عن كندير ابن سعيد ، عن أبيه قال : حججت في الجاهلية فبينا أنا أطوف بالبيت ، إذا رجل يقول :
رد إلي راكبي محمداً اردده رب و اصطنع عندي يدا
قال : قلت : من هذا ؟ قال : عبد المطلب بن هاشم بعث ابن ابنه في إبل له ضلت و ما بعثه في شيء إلا جاء به ، قال : فما برحت حتى جاء و جاء بالإبل معه . قال : فقال له : يا بني حزنت عليك حزناً لا يفارقني بعده أبداً .
قالوا : و كانت أم أيمن تحدث تقول : كنت أحضن رسول الله صلى الله عليه و سلم فغفلت عنه يوماً فلم أدر إلا بعبد المطلب قائماً على رأسي يقول : يا بركة ! قلت لبيك . قال : أتدري أين وجدت ابني ؟ قلت : لا أدري . قال : وجدته مع غلمان قريباً من السدرة . لا تغفلي عن ابني ، فإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه الأمة ، و أنا لا آمن عليه منهم و كان لا يأكل طعاماً إلا قال علي بابني فيوتى به إليه .
و روينا عن ابن سعد قال : أخبرنا هشام ابن محمد بن السائب الكلبي ، قال : حدثني الوليد بن عبد الله بن جميع الزهري ، عن ابن لعبد الرحمن بن موهب بن رباح الأشعري حليف بني زهرة ، عن أبيه ، قال : حدثني مخرمة بن نوفل الزهري ، قال : سمعت أمي رفيقة بن أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف تحدث ـ و كانت لدة عبد المطلب ـ قالت : تتابعت على قريش سنون ذهبن بالأموال و أشفين على الأنفس . قالت : فسمعته قائلاً يقول في المنام : يا معشر قريش ! إن هذا النبي المبعوث : منكم ، و هذا إبان خروجه . و به يأتيكم الحيا و الخصب ، فانظروا رجلاً من أوسطكم نسباً طوالاً عظاماً ، أبيض ، مقرون الحاجبين ، أهدب الأشفار ـ جعداً ، أسهل الخدين ، رقيق العرنين ، فليخرج هو و جميع ولده ، و ليخرج منكم من كل بطن رجل رجل ، فتطهروا و تطيبوا ، ثم استلموا الركن ، ثم ارقوا إلى رأس أبي قبيس ، ثم يتقدم هذا الرجل فيستسقي و تؤمنون ، فإنكم ستسقون . فأصبحت فقصت رؤياها عليهم ، فنظروا فوجدوا هذه الصفة صفة عبد المطلب ، فاجتمعوا إليه ، و خرج من كل بطن منهم رجل ، ففعلوا ما أمرتهم به ، ثم علوا على أبي قيس ، و معهم النبي صلى الله عليه و سلم و هو غلام . فتقدم عبد المطلب و قال : لا هم ! هؤلاء عبيدك و إماؤك و بنو إمائك وقد نزل بنا ما ترى ، و تتابعت علينا هذه السنون ، فذهبت بالظلف و الخف و الحافر ، و أشفت على الأنفس ، فأذهب عنا الجدب و ائتنا بالحيا و الخصب ، فما برحوا حتى سالت الأودية ، و برسول الله سقوا ، فقالت رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف :
بشيبة الحمد أسقي الله بلدتنا و قد فقدنا الحيا و اجلوذ المطر
فجاد بالماء جوني له سبل دان فعاشت به الأنعام و الشجر
مناً من الله بالميمون له طائره و خير من بشرت يوماً به مضر
مبارك الأمر يستسقي الغمام به ما في الأنام له عدل و لا خطر

اسير الصحراء
05-28-2006, 05:59 AM
ذكر وفاة عبد المطلب و كفالة أبي طالب للنبي صلى الله عليه و سلم
ثم إن عبد المطلب بن هاشم هلك عن سن عالية مختلف في حقيقتها ، قال أبو الربيع ابن سالم : أدناها فيما انتهى إلي و وقفت عليه : خمس و تسعون سنة ، ذكره الزبير ، و أعلاها فيما ذكره الزبير أيضاً عن نوفل بن عمارة ، قال : كان عبيد بن الأبرص ترب عبد المطلب ، و بلغ عبيد مائة و عشرين سنة ، و بقي عبد المطلب بعده عشرين سنة . و كانت وفاته سنة تسع من عام الفيل ، و للنبي صلى الله عليه و سلم يؤمئذ ثمان سنين ، و قيل : بل توفي عبد المطلب و هو ابن ثلاث سنين . حكاه أبو عمر .
و بقي رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد مهلك جده عبد المطلب مع عمه أبي طالب ، و كان عبد المطلب يوصيه به فيما يزعون ، و ذلك أن عبد الله أبا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبا طالب أخوان لأب و أم ، فكان أبو طالب هو الذي يلي رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد جده ، فكان إليه و معه .
و ذكر الواقدي أن أبا طالب كان مقلاً من المال ، و كانت له قطعة من الإبل تكون بعرنة ، فيبدو إليها فيكون فيها ، و يؤتى بلبنها إذا كان حاضراً بمكة ، فكان عيال أبي طالب إذا أكلوا جميعاً أو فرادى لم يشبعوا ، و إذا أكل معهم النبي صلى الله عليه و سلم شبعوا ، فكان أبو طالب إذا أراد أن يغديهم أو يعشيهم يقول : كما أنتم حتى يأتي ابني . فيأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فيأكل معهم فيفضلون من طعامهم ، و إن كان لبنا شرب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيأكل معهم فيفضلون من طعامهم ، و إن كان لبناً شرب رسول الله صلى الله عليه و سلم أولهم ثم يناول القعب فيشربون منه فيروون من عند آخرهم من القعب الواحد ، و إن كان أحدهم ليشرب قعباً وحده ، فيقول أبو طالب : إنك لمبارك . و كان الصبيان يصبحون شعثاً رمصاً ، و يصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم دهيناً كحيلاً .
و قالت أم أيمن ـ و كانت تحضنه ـ ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم شكا جوعاً قط و لا عطشاً ، و كان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربة ، فربما عرضنا عليه الغداء فيقول : أنا شبعان .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:00 AM
ذكر سفره صلى الله عليه و سلم مع عمه أبي طالب إلى الشام و خبره مع بحيرا الراهب و ذكر نبذة من حفظ الله تعالى لرسوله عليه الصلاة و السلام قبل النبوة
قال أبو عمر : سنة ثلاث عشرة من الفيل . و شهد بعد ذلك بثمان سنين يوم الفجار سنة إحدى و عشرين . و قال أبو الحسن الماوردي : خرج به عليه الصلاة و السلام عمه أبو طالب إلى الشام في تجارة له و هو ابن تسع سنين . و ذكر ابن سعد بإسناد له عن داود بن الحصين : أنه كان ابن اثنتي عشرين سنة .
قال ابن إسحاق : ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام فلما تهيأ للرحيل صب به رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما يزعمون فرق له أبو طالب ، و قال : و الله لأخرجن به معي و لا يفارقني و لا أفارقه أبداً أو كما قال . فخرج به معه ، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام ، و بها راهب يقال له بحيرا في صومعة له ، و كان انتهى إليه علم أهل النصرانية ، و لم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب ، إليه يصير عملهم عن كتاب فيها ـ فيما يزعمون ـ يتوارثوه كابراً عن كابر . فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا ، و كانوا كثيراً ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم و لا يعرض لهم ، حتى كان ذلك العام ، فلما نزلوا به قريباً من صومعته صنع لهم الطعام كثيراً ، و ذلك فيما يزعمون عن شيء رآه و هو في صومعته ، يزعمون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم في الركب حين أقبلوا و غمامة تظله من بين القوم ، ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة منه ، فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة و تهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى استظل تحتها ، فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته ، و قد أمر بذلك الطعام فصنع ، ثم أرسل إليهم : إني قد صنعت لكم طعاماً يا معشر قريش و أحب أن تحضروا كلكم صغيركم و كبيركم ، و عبيدكم و حركم ، فقال له رجل منهم : و الله يا بحيرا إن بك اليوم لشأناً ، ما كنت تصنع هذا بنا و قد كنا نمر بك كثيراً ، ما شأنك اليوم ؟ قال له بحيرا : صدقت ، قد كان ما تقول ، و لكنكم ضيف ، و قد أحببت أن أكرمكم و أصنع لكم طعاماً فتأكلوا منه كلكم ، فاجتمعوا إليه و تخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم ، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرف و يجد عنده ، فقال : يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي . قالوا له : يا بحيرا ما تخلف عن طعامك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام ، و هو أحدث القوم سناً ، فتخلف في رحالهم . قال : لا تفعلوا : ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم . فقال رجل من قريش : و اللات و العزى إن كان للؤماً بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا . ثم قام إليه فاحتضنه و أجلسه مع القوم ، فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظاً شديداً ، و ينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته ، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم و تفرقوا ، قام إليه بحيرا ، فقال له : يا غلام ! أسألك بحق اللات و العزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ـ و إنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما ـ فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تسألني باللات و العزى سيئاً فو الله ما أبغضت شيئاً قط بغضهما . فقال له بحيرا : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسالك عنه فقال له : سلني عما بدا لك . فجعل يسأله عن أشياء من حاله : من نومه ، و هيئته ، و أموره . و يخبره رسول الله صلى الله عليه و سلم فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته . ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه من صفته التي عنده ، فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال ماهذا الغلام منك ؟ قال : ابني . قال : ما هو بابنك و ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً . قال فإنه ابن أخي . قال : فما فعل أبوه ؟ قال : مات و أمه حبلى به . قال : صدقت ، فارجع بابن أخيك إلى بلده و احذر عليه يهود ، فو الله لئن رأوه و عرفوا منه ما عرفت ليبغنه شراً ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم ، فأسرع به إلى بلاده . فخرج به عمه أبو طالب سريعاً حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام ، فزعموا أن نفراً من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل ما رأى بحيرا في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب ، فأرادوه فردهم عنه بحيرا في ذلك ، و ذكرهم الله تعالى ، و ما يجدون في الكتاب من ذكره و صفاته ، و أنهم إن أجمعوا لما أرادوا لم يخلصوا إليه ، حتى عرفوا ما قال لهم و صدقوه بما قال ، فتركوه و انصرفوا عنه .
قو له : فصب به رسول الله صلى الله عليه و سلم ، الصبابة : رقة الشوق ، و صببت أصب . و عند بعض الرواة فضبث به : أي لزمه . قال السهيلي .
و روينا من طريق الترمذي : حدثنا الفضل بن سهل العباس الأعرج البغدادي ، حدثنا عبد الرحمن بن غزوان أبو نوح ، قال : أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي بكر ابن أبي موسى ، عن أبيه ، قال : خرج أبو طالب إلى الشام و خرج معه النبي صلى الله عليه و سلم في أشياخ من قريش ، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم ، فخرج إليهم الراهب ، و كانوا قبل ذلك يورون به فلا يخرج إليهم و لا يلتفت . قال : فهم يحلون رحالهم ، فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله ، ثم قال : هذا سيد العالمين ، هذا رسول رب العالمين ، يبعثه الله رحمة للعالمين . فقال الأشياخ من قريش : ما علمك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم على العقبة لم يبق شجر و لا حجر إلا خر ساجداً ، و لا يسجدان إلا لنبي ، و إني لأعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ، ثم رجع فصنع لهم طعاماً ، فلما أتاهم به و كان هو في رعية الإبل . قال : أرسلوا إليه . فأقبل و عليه غمامة تظله ، فلما دنا من القوم و جدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة ، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه ، فقال : انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه . قال : فبينما هو قائم عليهم و هو يناشدهم أن لا يذهبوا إلى الروم ، فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه . فالتفت فإذا سبعة قد أقبلوا من الروم ، فاستقبلهم فقال : ما جاء بكم ؟ قالوا : جئنا ، إن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس ، و إنا قد أخبرنا خبره بعثنا إلى طريقك هذا . فقال هل خلفكم أحد هو خير منكم ؟ قالوا : إنما اخترنا خيرة بعثنا لطريقك هذا . قال : أفرأيتم أمر أراد الله أن يقضيه ، هل يستطيع أحد من الناس رده ؟ قالوا : لا . قال : فبايعوه و أقاموا معه . قال : أنشدكم بالله أيكم وليه ؟ قالوا : أبو طالب . فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب ، و بعث معه أبو بكر بلالاً ، و زوده الراهب من الكعك و الزيت . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
قلت : ليس في إسناد هذا الحديث إلا من خرج له في الصحيح ، و عبد الرحمن بن غزوان أبو نوح لقبه انفرد به البخاري . و يونس بن أبي إسحاق انفرد به مسلم .
و مع ذلك ففي متنه نكارة و هي إرسال أبي بكر مع النبي صلى الله عليه و سلم بلالا . و كيف و أبو بكر حينئذ لم يبلغ العشر سنين فإن النبي صلى الله عليه و سلم أسن من أبي بكر بأزيد من عامين ، و كانت للنبي صلى الله عليه و سلم تسعة أعوام على ما قاله أبو جعفر محمد بن جرير الطبري و غيره ، أو اثنا عشر على ما قاله آخرون ، و أيضاً فإن بلالاً لم ينتقل لأبي بكر إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين عاماً ، فإنه كان لنبي خلف الجمحيين ، و عندما عذب في الله على الإسلام اشتراه أبو بكر رضي الله عنه رحمة له و استنفاذاً له من أيديهم ، و خبره بذلك مشهور . و قوله : فبايعوه ، إن كان المراد بحيرا على مسالمة النبي صلى الله عليه و سلم فقريب ، و إن كان غير ذلك فلا أدري ما هو .
رجع إلى خبر ابن إسحاق : و كان صلى الله عليه و سلم يحدث عما كان الله يحفظه به في صغره أنه قال : " لقد رأيتني في غلمان من قريش ، ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان ، كلنا قد تعرى و أخذ إزاراً و جعله على رقبته يحمل عليها الحجارة ، فإني لأقبل معهم كذلك و أدبر إذ لكمني لاكم ما أراه لكمة وجيعة ، ثم قال : شد عليك إزارك . قال : فأخذته فشددته علي ، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي ، و إزاري علي من بين أصحابي " .
قال السهيلي : و هذه القصة إنما وردت في الحديث الصحيح في خبر بنيان الكعبة ، كان صلى الله عليه و سلم يحمل الحجارة و إزاره مشدودة عليه ، فقال له العباس : يا ابن أخي ، لو جعلت إزارك على عاتقك ، ففعل ، فسقط مغشياً عليه . ثم قال : " إزاري إزاري " فشد عليه إزاره ، و قام يحمل الحجارة . و في حديث آخر : أنه لما سقط ضمه العباس إلى نفسه ، و سأله عن شأنه ، فأخبره أنه نودي من السماء : أن اشدد عليك إزارك يا محمد . قال : و إنه لأول ما نودي . قال : و حديث ابن إسحاق إن صح محمول على أن هذا الأمر كان مرتين : في حال صغره . و عند بنيان الكعبة .
و ذكر البخاري عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : " ما هممت بسوء من أمر الجاهلية إلا مرتين " .
و قد قرأت على أبي عبد الله بن أبي الفتح الصوري بمرج دمشق : " أخبركم أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن الحرستاني سماعا عليه ، قال : أخبرنا أبو محمد طاهر بن سهل ابن بشر بن أحمد الإسفرايني ، قال : أخبرنا أبو الحسين محمد بن مكي بن عثمان الأزدي ، أخبرنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق الحلبي ، حدثنا أبو عبد الله الحسين ابن إسماعيل المحاملي ببغداد ، حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق . قال : و حدثني محمد بن عبد الله بن قيس بن مخرمة ، عن الحسن بن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما هممت بقبيح مما يهم به أهل الجاهلية إلا مرتين من الدهر ، كلتاهما عصمني الله عز و جل منهما : قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في غنم لأهله يرعاها : أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان . قال : نعم . فخرجت فلما جئت أدنى دار من دور مكة سمعت غناء و صوت دفوف و مزامير ، فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : فلان تزوج فلانة لرجل من قريش تزوج امرأة من قريش ، فلهوت بذلك الغناء و بذلك الصوت حتى غلبتني عيني فنمت ، فما أيقظني إلا مس الشمس ، فرجعت إلى صاحبي . فقال : ما فعلت ؟ فأخبرته . ثم فعلت الليلة الأخرى مثل ذلك ، فخرجت فسمعت مثل ذلك ، فقيل لي مثل ما قيل لي ، فسمعت كما سمعت حتى غلبتني عيني فما أيقظني إلا مس الشمس ، ثم رجعت إلى صاحبي فقال لي ما فعلت ؟ فقلت : ما فعلت شيئاً . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و الله ما هممت بغيرهما بسوء مما يعمله أهل الجاهلية حتى أكرمني الله عز و جل بنبوته " .
و ذكر الواقدي عن أم أيمن قالت : كانت بوانة صنماً تحضره قريش ، و تعظمه و تنسك له و تحلق عنده ، و تعكف عليه يوماً إلى الليل في كل سنة ، فكان أبو طالب يحضره مع قومه ، و يكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحضر ذلك العيد معهم ، فيأبى ذلك . قالت : حتى رأيت أبا طالب غضب عليه ، و رأيت عماته غضبن يومئذ أشد الغضب و جعلن يقلن : إن لنخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا ، و يقلن : ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيداً و لا تكثر لهم جمعاً ؟ ! فلم يزالوا به حتى ذهب ، فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع مرعوباً فزعاً ، فقلنا : ما دهاك ؟ قال : " إني أخشى أن يكون بي لمم " . فقلنا : ما كان الله عز و جل ليبتليك بالشيطان ، و كان فيك من خصال الخير ما كان ، فما الذي رأيت ؟ قال : " كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح بي : وراءك يا محمد لا تمسه . قالت : فما عاد إلى عيد لهم حتى تنبأ صلى الله عليه و سلم " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:00 AM
ذكر رعيته صلى الله عليه و سلم الغنم
روينا عن محمد بن سعد : " أخبرنا سويد بن سعيد و أحمد بن محمد الأزرقي ، قالا : حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشي ، عن جده سعيد يعني ابن عمرو ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما بعث الله نبياً إلا راعي غنم . قال له أصحابه : و أنت يا رسول الله ؟ قال : و أنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط " .
و روينا عن ابن سعد قال : " أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا زهير ، حدثنا أبو إسحاق قال : كان من بين أصحاب الإبل و أصحاب الغنم تنازع ـ فاستطال أصحاب الإبل ، قال : فبلغنا ـ و الله أعلم ـ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : بعث موسى و هو راعي الإبل ، و بعث داود و هو راعي غنم ، و بعثت و أنا راعي غنم أهلي بأجياد " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:01 AM
شهوده صلى الله عليه و سلم يوم الفجار ثم حلف الفضول
قال السهيلي : و الفجار بكسر الفاء بمعنى المفاجرة كالقتال و المقاتلة ، و ذلك أنه كان قتالاً في الشهر الحرام ، ففجروا فيه جميعاً ، فسمي الفجار ، و كانت للعرب فجارات أربعة ذكرها المسعودي ، آخرها فجار البراض ، و هو هذا ، و كان لكنانة و لقيس فيه أربعة أيام مذكورة : يوم شمظة و يوم العبلاء ، و هما عند عكاظ . و يوم الشرب و هو أعظمها يوما و فيه قيد حرب بن أمية و سفيان و أبو سفيان ابنا أمية أنفسهم كي لا يفروا فسموا العنابس . و يوم الحريرة عند نخلة . و يوم الشرب انهزمت قيس إلا بني نصر منهم فإنهم ثبتوا . و كان انقضاء أمر الفجار على يدي عتبة بن ربيعة ، و ذلك أن هوازن تواعدوا مع كنانة للعام المقبل بعكاظ فجاؤوا للوعد ، و كان حرب بن أمية رئيس قريش و كنانة ، و كان عتبة بن ربيعة يتيماً في حجره ، فضن به حرب و أشفق من خروجه معه ، فخرج عتبة بغير إذنه فلم يشعروا إلا و هو على بعيره بين الصفين ينادي : يا معشر مضر ، علام تفانون ؟ فقالت له هوازن : ما تدعو إليه ؟ قال : الصلح على أن ندفع لكم دية قتلاكم و تعفوا عن دمائنا . قالوا : و كيف ؟ قال : ندفع لكم رهناً منا ، قالوا : و من لنا بهذا ؟ قال : أنا . قالوا : و من أنت ؟ قال : أنا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس . فرضوا به و رضيت به كنانة ، و دفعوا إلى هوازن أربعين رجلا فيهم حكيم بن حزام ، فلما رأت بنو عامر بن صعصعة الرهن في أيديهم عفوا عن الدماء و أطلقوهم و انقضت حرب الفجار ، و زعم أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يقاتل فيها .
و روينا عن ابن سعد : أن النبي صلى الله عليه و سلم شهدها و له عشرون سنة و قال : " قال عليه الصلاة و السلام : قد حضرته مع عمومتي و رميت فيه بأسهم ، و ما أحب أني لم أكن فعلت " . و شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حلف الفضول منصرف قريش من الفجار . قال محمد بن عمر : و كان الفجار في شوال ، و هذا الحلف في ذي القعدة و كان أشرف حلف كان قط ، و أول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب ، فاجتمعت بنو هاشم و زهرة و بنو أسد بن عبد العزى في دار ابن جدعان ، فصنع لها طعاماً فتعاقدوا و تعاهدوا بالله لنكونن مع المظلوم حتى يؤدي إليه حقه ما بل بحر صوفة . و قال عليه الصلاة و السلام : " ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم و أني أغدر به ـ بعينه ـ " .
قال محمد بن عمر : و لا نعلم أحداً سبق بني هاشم بهذا الحلف .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:01 AM
ذكر سفره عليه الصلاة و السلام إلى الشام مرة ثانية و تزويجه خديجة بعد ذلك
قال ابن إسحاق : و لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خمساً و عشرين سنة تزوج خديجة بنت خويلد فيما ذكره غير واحد من أهل العلم .
و قال ابن عبد البر : و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الشام في تجارة لخديجة سنة خمس و عشرين ، و تزوج خديجة بعد ذلك بشهرين و خمسة و عشرين يوماً في عقب صفر سنة ست و عشرين ، و ذلك بعد خمس و عشرين سنة و شهرين و عشرة أيام من يوم الفيل .
و قال الزهري : كانت سن رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم تزوج خديجة إحدى و عشرين سنة .
قال أبو عمر : و قال أبو بكر بن عثمان و غيره ، كان يومئذ ابن ثلاثين سنة . قالوا : و خديجة يومئذ بنت أربعين سنة .
و روينا عن أبي بشر الدولابي ، قال : و حدثني ابن البرقي أبو بكر ، عن ابن هشام ، عن غير واحد ، عن أبي عمرو بن العلاء ، قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم خديجة و هو ابن خمس و عشرين سنة .
و روينا عن أبي الربيع بن سالم ، قال : و ذكر الواقدي بإسناد له إلى نفيسة بنت منية أخت يعلى بنت منية ، قال و قد رويناه أيضاً من طريق أبي علي بن السكن ، و حديث أحدهما داخل في حديث الآخر مع تقارب اللفظ ، و ربما زاد أحدهما الشيء اليسير على الآخر ، و كلاهما ينمي إلى نفيسة قالت : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خمساً و عشرين سنة و ليس له بمكة اسم إلا الأمين ، لما تكامل فيه من خصال الخير ، قال أبو طالب : يا ابن أخي ! أنا رجل لا مال لي و قد اشتد الزمان علينا و ألحت علينا سنون منكرة ، و ليس لنا مادة و لا تجارة ، و هذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام ، و خديجة بنت خويلد تبعث رجالاً من قومك في عيرانها فيتجرون لها و يصيبون منافع ، فلو جئتها فوضعت نفسك عليها لأسرعت إليك و فضلتك على غيرك ، لما يبلغها عنك من طهارتك ، و إن كنت لأكره أن تأتي الشام و أخاف عليك من يهود ، و لكن لا نجد من ذلك بداً ، و كانت خديجة بني خويلد امرأة تاجرة ذات شرف و مال كثير و تجارة ، و تبعث بها إلى الشام ، فتكون عيرها كعامة عير قريش ، و كانت تستأجر الرجال و تدفع إليهم المال مضاربة ، و كانت قريش قوماً تجاراً ، و من لم يكن تاجراً من قريش فليس عندهم بشيء . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " فلعلها ترسل إلي في ذلك " . فقال أبو طالب : إني أخاف أن تولي غيرك ، فتطلب أمراً مدبراً ، فافترقا .
و بلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له ، و قبل ذلك ما بلغها من صدق حديثه و عظم أمانته و كرم أخلاقه ، فقالت : ما علمت أنه يريد هذا ، ثم أرسلت له فقالت : إنه دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك و عظم أمانتك و كرم أخلاقك ، و أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك . ففعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و لقي أبا طالب فذكر له ذلك ، فقال : إن هذا لرزق ساقه الله إليك . فخرج مع غلامها ميسرة حتى قدم الشام ، و جعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدم الشام ، فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريباً من صومعة راهب يقال له نسطورا ، فاطلع الراهب إلى ميسرة و كان يعرفه ، فقال : يا ميسرة ! من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ فقال ميسرة : رجل من قريش من أهل الحرم . فقال له الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي . ثم قال له : في عينيه حمرة ؟ فقال ميسرة : نعم لا تفارقه . قال الراهب : هو هو ، و هو آخر الأنبياء ، و يا ليت أني أدركه حين يؤمر بالخروج . فوعى ذلك ميسرة .
ثم حضر رسول الله صلى الله عليه و سلم سوق بصرى فباع سلعته التي خرج بها ، و اشترى فكان بينه و بين رجل اختلاف في سلعة ، فقال الرجل : احلف باللات والعزى . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ما حلفت بهما قط " . فقال الرجل : القول قولك . ثم قال لميسرة ـ و خلا به ـ يا ميسرة ! هذا نبي ، و الذي نفسي بيده ، إنه لهو تجده أحبارنا منعوتاً في كتبهم .
فوعى ذلك ميسرة . ثم انصرف أهل العير جميعاً ، و كان ميسرة يرى رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كانت الهاجرة و اشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس و هو على بعيره ، قال : و كان الله عز وجل قد ألقى على رسول الله صلى الله عليه و سلم المحبة من ميسرة ، فكان كأنه عبد لرسول الله صلى الله عليه و سلم . فلما رجعوا و كانوا بمر الظهران تقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة ، و خديجة في علية لها ، معها نساء فيهن نفسية بنت منية ، فرأت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين دخل و هو راكب على بعيره و ملكان يظلان عليه ، فأرته نساءها فعجبن لذلك ، و دخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فخبرها بما ربحوا ، فسرت بذلك ، فلما دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت ، فقال لها ميسرة : قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام ، و أخبرها بقول الراهب نسطور ، و قول الآخر الذي خالفه في البيع .
قالوا : و قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم بتجارتها ، فربحت ضعف ما كانت تربح ، و أضعفت له ما سمت له ، فلما استقر عندها هذا ، و كانت امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من الكرامة و الخير ، و هي يومئذ أوسط نساء قريش نسباً و أعظمهن شرفاً ، و أكثرهن مالاً و كل قومها كان حريصاً على نكاحها لو يقدر عليه ، فعرضت عليه نفسها ، فقالت له فيما يزعمون : يا ابن عم ! إني قد رغبت فيك لقرابتك و سطتك في قومك و أمانتك و حسن خلقك و صدق حديثك ، فلما قالت ذلك له ، ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، حتى دخل على خويلد ابن أسد فخطبها إليه ، فتزوجها .
قال أبو الربيع : هكذا ذكر ابن إسحاق . و ذكر الواقدي و غيره من حديث نفيسة ، أن خديجة أرسلتها إليه دسيساً فدعته إلى تزويجها .
قلت : و قد روينا ذلك عن ابن سعد ، قال : أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ، حدثنا موسى بن شيبة ، عن عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أم سعد بنت سعد بن الربيع ، عن نفيسة بنت منية ، قالت : كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة جلدة شريفة ، مع ماأراد الله بها من الكرامة و الخير ، و هي يومئذ أوسط نساء قريش نسباً ، و أعظمهم شرفاً ، و أكثرهم مالاً ، و كل قومها كان حريصاً على نكاحها لو قدر على ذلك ، قد طلبوها و بذلوا لها الأموال ، فأرسلتني دسيساً إلى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام ، فقلت : يا محمد ! ما يمنعك أن تزوج ؟ قال : ما بيدي ما أتزوج به . قلت : فإن كفيت ذلك ، و دعيت إلى المال و الجمال و الشرف و الكفاءة ، ألا تجيب ؟ قال : فمن هي ؟ قلت : خديجة . قالت : فكيف لي بذلك ؟ قالت : قلت علي . قال : فأنا أفعل . فذهبت فأخبرتها ، فأرسلت إليه أن ائت لساعة كذا و كذا ، فأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها ، فحضر و دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم في عمومته ، فزوجه أحدهم ، فقال عمرو بن أسد : هذا الفحل لا يقدع أنفه . و تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ابن خمس و عشرين سنة ، و هي يومئذ بنت أربعين سنة ، ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة .
و ذكر ابن إسحاق أن أباها خويلد بن أسد هو الذي أنكحها من رسول الله صلى الله عليه و سلم و كذلك و جدته عن الزهري و فيه : و كان خويلد أبوها سكران من الخمر ، فلما كلم في ذلك أنكحها ، فألقت عليه خديجة حلة و ضمخته بخلوق ، فلما صحا من سكره قال : ما هذه الحلة و الطيب ؟ فقيل له : أنكحت محمداً خديجة ، و قد ابتنى بها . فأنكر ذلك ثم رضيه و أمضاه .
و قال محمد بن عمر : الثبت عندنا المحفوظ من أهل العلم أن أباها خويلد بن أسد مات قبل الفجار و أن عمها عمرو بن أسد زوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم . و رأيت ذلك عن غير الواقدي . و قد قيل إن أخاها عمرو بن خويلد هو الذي أنكحها منه . و الله أعلم .
و روينا عن بشر الدولابي ، قال : " حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب الزهري ، قال : فلما استوى رسول الله صلى الله عليه و سلم و بلغ أشده ، و ليس له كبير مال ، استأجرته خديجة بنت خويلد إلى سوق حباشة ، و هو سوق بتهامة ، و استأجرت معه رجلاً آخر من قريش . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يحدث عنها : ما رأيت من صاحبة لأجير خيراً من خديجة ، ما كنا نرجع أنا و صاحبي إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبؤه لنا " .
و روينا عن أبي بشر محمد بن أحمد بن حماد ، قال : و حدثني أبو أسامة الحلبي ، حدثنا حجاج بن أبي منيع ، حدثنا جدي ، عن الزهري قال : تزوجت خديجة بنت خويلد بن أسد قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلين : الأول منهما عتيق بن عايذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم فولدت له جارية ، و هي أم محمد بن صيفي المخزومي ، ثم خلف على خديجة بعد عتيق بن عايذ أبو هالة التميمي ، و هو من بني أسد بن عمرو ، فولدت له هند بن هند .
كذا وقع في هذه الرواية : عتيق بن عايذ . و الصواب عابد ، قاله الزبير . و سمى الزبير الجارية التي ولدتها منه : هنداً .
و اسم أبي هالة : هند بن زرارة بن النباش بن غذي بن خبيب بن صرد بن سلامة ابن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم ، فيما رويناه عن الدولابي : حدثنا أبو الأشعث أحمد ابن المقدام العجلي ، حدثنا زهير بن العلاء ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة بن دعامة ، فذكره .
قال ابن إسحاق : و كانت خديجة قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، و كان ابن عمها ، و كان نصرانياً قد تتبع الكتب ، و علم من علم الناس ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب ، و ما كان يرى منه إذ كان الملكان يظلانه . فقال ورقة : لئن كان هذا حقاً يا خديجة إن محمداً لنبي هذه الأمة ، قد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر ، هذا زمانه . أو كما قال .
قال : فجعل ورقة يستبطئ الأمر ، و له في ذلك أشعار ، منها ما رواه يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق :
أتبكر أم أنت العشية رائح و في الصدر من إضمارك الحزن قادح
لفرقة قوم لا أحب فراقهم كأنك عنهم بعد يومين نازح
و أخبار صدق خبرت عن محمد يخبرها عنه إذا غاب ناصح
بأن ابن عبد الله أحمد مرسل إلى كل من ضمت عليه الأباطح
و ظني به أن سوف يبعث صادقا كما أرسل العبدان هود و صالح
في أبيات ذكرها .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:02 AM
ذكر بنيان قريش الكعبة شرفها الله تعالى
و لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خمساً و ثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة . قال موسى بن عقبة : و إنما حمل قريشاً على بنائها أن السيل كان أتى من فوق الردم الذي صنعوه ، فأخربه ، فخافوا أن يدخلها الماء ، و كان رجل يقال له مليح سرق طيب الكعبة ، فأرادوا أن يشيدوا بنيانها ، و أن يرفعوا بابها حتى لا يدخل إلا من شاؤوا ، و أعدوا لذلك نفقة و عمالاً ، ثم عمدوا إليها على شفق و حذر من أن يمنعهم الله الذي أرادوا .
قال ابن إسحاق : ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنيانها ، كل قبيلة تجمع على حدة ، ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن ، فاختصموا فيه ، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى ، حتى تحاورا و تخالفوا و أعدوا للقتال ، فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً ، ثم تعاقدوا هم و بنو عدي الموت ، و أدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة ، فسموا لعقة الدم ، فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمساً ثم إنهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا و تناصفوا ، فزعم بعض أهل الرواية أن أبا أمية ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، و كان عامئذ أسن قريش كلها ، قال : يا معشر قريش ، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم .
ففعلوا ، فكان أول داخل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلما رأوه قالوا : هذا الأمين ، رضينا ، هذا محمد . فلما انتهى إليهم و أخبروه الخبر . قال صلى الله عليه و سلم : هلم إلي ثوباً . فأتى به ، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده . ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، ثم ارفعوه جميعاً ، ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده صلى الله عليه و سلم ، ثم بنى عليه .
و حكى السهيلي : أنها كانت تسع أذرع من عهد إسماعيل ، يعني ارتفاعها ، و لم يكن لها سقف ، فلما بنتها قريش قبل الإسلام زادوا فيها تسع أذرع ، فكانت ثماني عشرة ذراعاً ، و رفعوا بابها عن الأرض ، فكان لا يصعد إليها إلا في درج أو سلم ، و أول من عمل لها غلقا تبع ، ثم لما بناها ابن الزبير زاد فيها تسع أذرع فكانت سبعاً و عشرين ذرعاً ، و على هذا هي إلى الآن .
و كان بناؤها في الدهر خمس مرات ، الأولى : حين بناها شيث بن آدم ، و الثانية : حين بناها إبراهيم على القواعد الأولى ، و الثالثة حين بنتها قريش قبل الإسلام بخمسة أعوام ، و الرابعة : حين احترقت في عهد ابن الزبير بشررة طارت من أبي قبيس ، فوقعت في أستارها ، فاحترقت . و قيل : إن امرأة أرادت أن تجمرها فطارت شرارة من المجمرة في أستارها فاحترقت ، فشاور ابن الزيبر في هدمها من حضره ، فهابوا هدمها ، و قالوا : نرى أن تصلح ما وهى و لا تهدم . فقال : لو أن بيت أحدكم احترق لم يرض له إلا بأكمل إصلاح ، و لا يكمل إصلاحها إلا بهدمها ، فهدمها حتى انتهى إلى قواعد إبراهيم ، فأمرهم أن يزيدوا في الحفر ، فحركوا حجراً منها فرأوا تحته ناراً و هولاً أفزعهم ، فأمرهم أن يقروا القواعد و أن يبنوا من حيث انتهى الحفر . و في الخبر أنه سترها حين وصل إلى القواعد ، فطاف الناس بتلك الأستار ، فلم تخل من طائف ، حتى لقد ذكر أن يوم قتل ابن الزبير اشتدت الحرب و اشتغل الناس فلم ير طائف يطوف بالكعبة إلا جمل يطوف بها . فلما استتم بنيانها ألصق بابها بالأرض و عمل لها خلفاً ، أي باباً من ورائها ، و أدخل الحجر فيها ، و ذلك لحديث حدثته به خالته عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " ألم تري قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم حين عجزت بهم النفقة ؟ . ثم قال عليه الصلاة و السلام : لولا حدثان قومك بالجاهلية لهدمتها و جعلت لها خلفاً ، و ألصقت بابها بالأرض ، و لأدخلت الحجر فيها " أو كما قال عليه الصلاة و السلام . قال ابن الزبير : فليس بنا اليوم عجز عن النفقة ، فبناها على مقتضى حديث عائشة .
فلما قام عبد الملك بن مروان قال : لسنا من تخليط أبي خبيب بشيء ، فهدمها و بناها على ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم : فلما فرغ من بنائها جاءه الحارث بن أبي ربيعة المعروف بالقباع ، و هو أخو عمر بن أبي ربيعة الشاعر و معه رجل آخر ، فحدثاه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحديث المتقدم ، فندم و جعل ينكت في الأرض بمخصرة في يده و يقول : و ددت أني تركت أبا خبيب و ما تحمل من ذلك . فهذه المرة الخامسة .
فلما قام أبو جعفر المنصور أراد ان يبنيها على ما بناها ابن الزبير ، و شاور في ذلك . فقال له مالك بن أنس ، أنشدك الله ياأمير المؤمنين و أن تجعل هذا البيت ملعبة للملوك بعدك ، لا يشاء أحد منهم أن يغيره إلا غيره ، فتذهب هيبته من قلوب الناس ، فصرفه عن رأيه فيه .
و قد قيل : إنه بني في أيام جرهم مرة أو مرتين ، لأن السيل كان قد صدع حائطه و لم يكن ذلك بنياناً ، و إنما كان إصلاحاً لما وهى منه و جداراً يبنى بينه و بين السيل ، بناه عامر الجارد .
و كانت الكعبة قبل أن يبنيها شيث عليه السلام خيمة من ياقوتة حمراء يطوف بها آدم و يأنس بها ، لأنها أنزلت إليه من الجنة . و كان قد حج إلى موضعها من الهند . و قد قيل أيضاً : إن آدم هو أول من بناها . ذكره ابن إسحاق في غير رواية البكائي . و في الخبر أن موضعها كان غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله السموات و الأرض ، فلما بدأ الله يخلق الأشياء خلق التربة قبل السماء ، فلما خلق السماء و قضاهن سبع سماوات دحى الأرض ، أي : بسطها ، و ذلك قوله سبحانه و تعالى " والأرض بعد ذلك دحاها " [ النازعات : 30 ] . و إنما دحاها من تحت مكة ، و لذلك سميت أم القرى . و في التفسير : أن الله سبحانه حين قال للسماوات و الأرض " ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " [ فصلت : 11 ] لم يجبه بهذه المقالة إلا الأرض الحرم ، فلذلك حرمها . و في الحديث " أن الله حرم مكة قبل أن يخلق السماوات و الأرض " الحديث .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:02 AM
ذكر شيء مما حفظ عن الأحبار و الرهبان و الكهان و عبدة الأصنام من أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم سوى ما تقدم
قال ابن إسحاق : و كانت الأحبار من يهود ، و الرهبان من النصارى ، و الكهان من العرب ، قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل مبعثه لما تقارب من زمانه . أما الأحبار من يهود و الرهبان من النصارى فعما وجدوا في كتبهم من صفته و صفة زمانه ، و ما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه . و أما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين فيما تسترق من السمع ، إذ كانت لا تحجب عن ذلك ، و كان الكاهن و الكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره ، و لا تلقي العرب لذلك فيه بالاً ، حتى بعثه الله و وقعت تلك الأمور التي كانوا يذكروان فعرفوها ، فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم و حضر مبعثه حجبت الشياطين عن السمع و حيل بينها و بين المقاعد التي كانت تقعد فيها لاستراقه ، فرموا بالنجوم ، فعرف الجن ذلك لأمر حدث من أمر الله في العباد . يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم حين بعثه يقص عليه خبرهم إذ حجبوا : " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا * وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا * وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا * وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا * وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا * وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا * وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا * وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا " [ الجن : 1 ـ 10 ].
فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها منعت من السمع قبل ذلك لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم من الله فيه لوقوع الحجة وقطع الشبهة ، فآمنوا به وصدقوا ثم " ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم " [ الأحقاف : 29 ـ 30 ]. و قول الجن " وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن " الآية [ الجن : 6 ] هو أن الرجل من العرب من قريش و غيرهم كان إذا سافر فنزل بطن واد من الأرض ليبيت فيه قال : إني أعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة من شر ما فيه .
و ذكر أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم حين رمي بها ثقيف ، و أنهم جاؤوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أمية أحد بني علاج ، و كان أدهى العرب و أمكرها رأياً . فقالوا له : يا عمرو ! ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم ؟ قال : بلى ، فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها في البر و البحر ، و يعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم هي التي يرمى بها ، فهو و الله طي هذه الدنيا و هلاك هذا الخلق الذي فيها ، و إن كانت نجوماً غيرها و هي ثابتة على حالها ، فهذا لأمر أراد الله بهذا الخلق .
و قد روى أبو عمر النمري من طريق أبو داود ، حدثنا وهب بن بقية ، عن خالد ، ح و حدثنا محمد بن العلاء ، عن ابن إدريس ، كلاهما عن حصين ، عن عامر الشعبي ، قال : لما بعث النبي صلى الله عليه و سلم رجمت الشياطين بنجوم لم يكن يرجم بها قبل . فأتوا عبد يا ليل بن عمرو الثقفي ، فقالوا : إن الناس قد فزعوا ، و قد أعتقوا رقيقهم و سيبوا أنعامهم لما رأوا في النجوم . فقال لهم : و كان رجلاً أعمى ، لا تعجلوا و انظروا ، فإن كانت النجوم التي تعرف فهي عند فناء الناس ، و إن كانت لا تعرف فهو من حدث .
فنظروا فإذا هي نجوم لا تعرف . فقالوا : هذا من حدث . فلم يلبثوا حتى سمعوا بالنبي صلى الله عليه و سلم .
و روينا من طريق مسلم ، " حدثنا الحسن بن علي الحلواني ، و عبد بن حميد ، قال حسن : حدثنا يعقوب ، و قال عبد : حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، حدثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، قال : حدثني علي بن حسين أن عبد الله بن عباس قال : أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم من الأنصار ، أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم رمي بنجم فاستنار ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا ؟ قالوا : الله و رسوله أعلم ، كنا نقول : ولد الليلة رجل عليم و مات رجل عظيم . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فإنها لا يرمى بها لموت أحد و لالحياته ، و لكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمراً سبح حملة العرش ، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا ، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش : ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ماذا قال . فيستخبر بعض أهل السماوات بعضاً حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا ، فتخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم ، و يرمون ، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ، و لكنهم يقذفون فيه ويزيدون " .
أخبرنا أبو محمد بن إسماعيل المسكي قراءة عليه و أنا أسمع ، أخبرنا أبو عبد الله بن أبي المعالي بن محمد بن الحسين نزيل الاسكندرية سماعاً ، أخبرنا أحمد بن محمد الشافعي قراءة عليه و أنا أسمع ، أخبرنا أحمد بن علي بن الحسين ، أخبرنا الحسن بن أحمد ، أخبرنا عبد الله ابن حعفر ، أخبرنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا يوسف بن حماد المعني ، حدثنا عبد الأعلى ، عن محمد بن إسحاق ، ح و روينا من طريق البكائي عن ابن إسحاق ، و معناهما واحد ، و هذا اللفظ للبكائي عن ابن إسحاق ، قال : و حدثني صالح بن إبراهيم ، عن محمود بن لبيد ، عن سلمة بن سلامة بن وقش ، و كان من أصحاب بدر ، قال : كان لنا جار من يهود من بني عبد الأشهل ، فذكر القيامة و البعث و الحساب و الميزان و الجنة و النار ، فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثاً كائن بعد الموت فقالوا له : ويحك يا فلان ! أوترى هذا كائناً أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم ؟ ! قال : نعم و الذي يحلف به ، و لود أن بحظه من تلك النار أعظم تنور في داره يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه بأن ينجو من تلك النار غداً . فقالوا له : و يحك يا فلان ! و ما آية ذلك ؟ قال : نبي مبعوث من نحو هذه البلاد و أشار بيده إلى مكة و اليمن . فقالوا : و متى نراه ؟ فنظر إلي و أنا من أحدثهم سناً فقال : إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه . قال سلمة : فو الله ماذهب الليل و النهار حتى بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه و سلم و هو بين أظهرنا ، فآمنا به و كفر به بغياً و حسداً ، فقلنا له : و يحك يا فلان : ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت ؟ قال : بلى و لكن ليس به .
و روينا عن محمد بن سعد ، قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني الحجاج بن صفوان ، عن أبي حسين ، عن شهر بن حوشب ، عن عمرو بن عبسة السلمي قال : رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية ، و ذلك أنها باطل ، فلقيت رجلاً من أهل الكتاب من أهل تيماء ، فقلت : إني امرؤ ممن يعبد الحجارة ، فينزل الحي ليس معهم إله ، فيخرج الرجل منهم فيأتي بأربعة أحجارفينصب ثلاثة لقدره ويجعل أحسنها إلهاً يعبده ، ثم لعله يجد ما هو أحسن منه قبل أن يرتحل فيتركه و يأخذ غيره إذا نزل منزلاً سواه ، فرأيت أنه إله باطل لا ينفع و لا يضر ، فدلني على خير من هذا . فقال : يخرج من مكة رجل يرغب عن آلهة قومه و يدعو إلى غيرها ، فإذا رأيت ذلك فاتبعه ، فإنه يأتي بأفضل الدين . فلم يكن لي همة منذ قال لي ذلك إلا مكة ، فآتي فأسأل هل حدث ؟ فيقال لا . ثم قدمت مرة فسألت ، فقالوا : حدث فيها رجل يرغب عن آلهة قومه ، و يدعو إلى غيرها ، فشددت راحلتي برحلها ، ثم قدمت منزلي الذي كنت أنزل بمكة ، فسألت عنه فوجدته مستخفياً ، و وجدت قريشاً عليه أشداء ، فتلطفت له حتى دخلت عليه ، فسألته فقلت : أي شيء أنت ؟ قال : نبي . قلت : و من أرسلك ؟ قال : الله . قلت : و بم أرسلك ؟ قال : بعبادة الله وحده لا شريك له ، و بحقن الدماء ، و بكسر الأوثان ، و صلة الرحم ، و أمان السبيل . فقلت : نعم ما أرسلت به ، قد آمنت بك و صدقتك . أتأمرني أن أمكث معك أو أنصرف ؟ فقال : ألا ترى كراهة الناس ما جئت به ، فلا تستطيع أن تمكث ، كن في أهلك ، فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجاً فاتبعني ، فمكثت في أهلي حتى إذا خرج إلى المدينة سرت إليه فقدمت المدينة ، فقلت : يا نبي الله ! تعرفني ؟ قال : " نعم أنت السلمي الذي أتيتني بمكة " ذكر باقي الحديث .
و روينا عن ابن إسحاق قال : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن رجال من قومه قالوا : إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله لنا و هداه ، ما كنا نسمع من أخبار يهود ، كنا أهل شرك أصحاب أوثان ، و كانوا أهل كتاب ، عندهم علم ليس لنا ، و كانت لا تزال بيننا و بينهم شرور ، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن يقتلكم قتل عاد و إرم ، فكنا كثيراً نسمع ذلك منهم ، فلما بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه و سلم أجبناه حين دعانا إلى الله عز وجل ، و عرفنا ما كانوا يتواعدوننا به ، فبادرناهم إليه فآمنا به و كفروا ، ففي ذلك نزلت هذه الآيات في البقرة " ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين " [ البقرة : 89 ] .
و ذكر الواقدي عن عطاء بن يسار ، قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم في التوراة . قال : أجل ، و الله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن ، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً و حرزاً للأميين ، أنت عبدي و رسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ و لا غليظ و لا سخاب في الأسواق ، و لا يدفع السيئة بالسيئة ، و لكن يعفو و يغفر ، و لن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ، يفتح بها أعيناً عمياً ، وآذاناً صماً ، و قلوباً غلفاً . قال عطاء : ثم لقيت كعب الأحبار فسألته فما اختلفا في حرف .
و روينا عن ابن إسحاق قال : و حدثني عاصم بن عمر ، عن شيخ من بني قريظة ، قال : قال لي : هل تدري عم كان إسلام ثعلبة بن سعية ، و أسيد بن سعية ، و أسيد بن عبيد ، نفر من هذل ، إخوة قريظة ، كانوا معهم في جاهليتهم ، ثم كانوا ساداتهم في الإسلام ؟ قال : قلت : لا . قال : فإن رجلاً من يهود من أهل الشام يقال له ابن الهيبان ، قدم علينا قبل الإسلام بسنين ، فحل بين أظهرنا ، لا و الله ما رأينا رجلاً قط لا يصلي الخمس أفضل منه ، فأقام عندنا فكنا إذا قحط المطر قلنا له : اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا . فيقول : لا و الله حتى تقدموا بين يدي نجواكم صدقة . فنقول له : كم ؟ فيقول : صاعاً من تمر أو مدين من شعير ، فنخرجها ، ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقي لنا ، فو الله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب و نسقى ، قد فعل ذلك غير مرة و لا مرتين و لاثلاث ، ثم حضرته الفاة عندنا ، فلما عرف أنه ميت قال : يا معشر يهود ! ما ترونه أخرجني من أمر الخمر و الخمير إلى أرض البؤس و الجوع ، فقلنا : أنت أعلم .
قال : فإنما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه ، و هذه البلدة مهاجره ، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه ، و قد أظلكم زمانه ، فلا تسبقن إليه يا معشر يهود ، فإنه يبعث بسفك الدماء ، وسبي الذراري و النساء ممن خالفه ، فلا يمنعنكم ذلك منه ، فلما بعث الله و رسوله محمداً صلى الله عليه و سلم و حاصر بني قريظة ، قال هؤلاء الفتية ـ و كانوا شباناً أحداثاً ـ : يا بني قريظة ، و الله إنه للنبي الذي عهد إليكم فيه ابن الهيبان . فقالوا : ليس به . قالوا : بلى و الله إنه لهو بصفته ، فنزلوا و أسلموا ، فأحرزوا دماءهم و أموالهم و أهليهم .
و ذكر الواقدي عن النعمان السبئي، قال : و كان من أخبار يهود باليمن ، فلما سمع بذكر النبي صلى الله عليه و سلم قدم عليه ، فسأله عن أشياء . ثم قال : إن أبي كان يختم على سفر يقول : لا تقرأه على يهود حتى تسمع بنبي قد خرج بيثرب ، فإذا سمعت به فافتحه . قال نعمان : فلما سمعت بك فتحت ذلك السفر فإذا فيه صفتك كما أراك الساعة ، و إذا فيه ما تحل و ما تحرم ، و إذا فيه أنك خير الأنبياء ، و أمتك خير الأمم ، و اسمك أحمد صلى الله عليك و سلم ، و أمتك الحمادون ، قربانهم دمائهم ، وأناجيلهم صدورهم ، لا يحضرون قتالاً إلا جبريل معهم ، يتحنن الله عليهم كتحنن الطير على أفراخه ، ثم قال لي : إذا سمعت به فاخرج إليه و آمن به وصدق به ، فكان النبي صلى الله عليه و سلم يحب أن يسمع أصحابه حديثه ، فأتاه يوماً فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : يا نعمان ! حدثنا . فابتدأ النعمان الحديث من أوله ، فرئي رسول الله صلى الله عليه و سلم يبتسم ثم قال : أشهد أني رسول الله . و يقال : إن النعمان هذا هو الذي قتله الأسود العنسي ، و قطعه عضواً عضواً و هو يقول : أشهد أن محمداً رسول الله و أنك كذاب مفتر على الله عز وجل ، ثم حرقه بالنار .
أخبرنا الشخان أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي ، و أبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب قراءة على الأول و أنا أسمع ، و بقراءتي على الثاني ، قالا : أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد الدارقزي قراءة عليه ، قال الأول : و أنا الخامسة ، و قال الثاني : و أنا أسمع . قال : أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني ، قال : أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزاز ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، حدثنا محمد بن يونس حدثنا يعقوب بن محمد الزهري ، حدثنا عبد العزيز بن عمران ، عن عبد الله بن جعفر ، عن أبي عون ، عن المسور بن مخرمة ، عن ابن عباس ، عن أبيه العباس ابن عبد المطلب ، قال : قال لي أبي عبد المطلب بن هاشم : خرجت إلى اليمن في رحلة الشتاء والصيف ، فنزلت على رجل من اليهود يقرأ الزبور ، فقال : يا عبد المطلب بن هاشم ! ائذن لي أنظر في بعض جسدك . قال : قلت انظر ما لم يكن عورة . قال : فنظر في منخري ، قال : أجد في إحدى منخريك ملكاً و في الأخرى نبوة ، فهل لك من شاعة ؟ قال : قلت : و ما الشاعة ؟ قال : الزوجة . قال : قلت : أما اليوم فلا . قال : فإذا قدمت مكة فتزوج . قال : فقدم عبد المطلب مكة فتزوج هالة بنت وهيب بن زهرة ، فولدت له حمزة وصفية ، و تزوج عبد الله آمنة بنت وهب ، فولدت له رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فكانت قريش تقول : فلج عبد الله على أبيه .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:03 AM
خبرإسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه
روينا عن ابن إسحاق ، قال حدثني عاصم ، عن محمود ، عن ابن عباس قال : حدثني سلمان الفارسي من فيه ، قال : كنت رجلاً فارسياً من أهل أصبهان من قرية يقال لها جي ، و كان أبي دهقان قريته ، و كنت أحب خلق الله إليه ، و لم يزل حبه إياي حتى حبسني في بيت كما تحبس الجارية ، و اجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها ، لا يتركها تخبو ساعة ، و كانت لأبي ضيعة عظيمة ، فشغل في بنيان له يوماً فقال لي : يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي ، فاذهب إليها فاطلعها و أمرني فيها ببعض ما يريد ، ثم قال لي : و لا تحتيس عني فإنك إن احتبست عني كنت أهم إلي من ضيعتي ، و شغلتني عن كل أمر من أمري . فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها ، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى ، فسمعت أصوائهم فيها يصلون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس ، لحبس أبي إياي في بيته ، فلما سمعت أصوائهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون ، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ، و رغبت في أمرهم و قلت هذا و الله خير من الذي نحن عليه ، فو الله ما برحتهم حتى غربت الشمس ، و تركت ضيعة أبي فلم آتها ، ثم قلت لهم أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام . فرجعت إلى أبي و قد بعث في طلبي ، و شغلته عن عمله كله ، فلما جئته قال : أي بني أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قلت : يا أبت ! مررت بالناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فو الله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس . قال : أي بني ! ليس في ذلك الدين خير ، دينك و دين آبائك خير منه . فقلت له : كلا و الله ، إنه لخير من ديننا . قال : فخافني ، فجعل في رجلي قيداً ، ثم حبسني في بيته .
رحلته في طلب الحق :
و بعثت إلى النصاري ، فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم . فقدم عليهم تجار من النصارى فأخبروني ، فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم و أرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم . قال : فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم . قال : فلما أرادوا الرجعة أخبروني بهم ، فألقيت الحديد من رجلي ، ثم قدمت معهم حتى قدمت الشام .
مع أسقف الشام :
فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين علماً ؟ قالوا الأسقف في الكنيسة . فجئته فقلت له : إني قد رغبت في هذا الدين ، و أحببت أن أكون معك ، فأخدمك في كنيستك ، و أتعلم من علمك ، و أصلي معك . قال : ادخل فدخلت معه . فكان معه . فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة و يرغبهم فيها ، فإذا جمعوا إليه شيئاً منها اكتنزه لنفسه و لم يعطه المساكين ، حتى جمع سبع قلال من ذهب و ورق ، فأبغضته بغضاً شديداً لما رأيته يصنع ، ثم مات و اجتمعت النصارى ليدفنوه . قلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة و يرغبكم فيها ، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ، و لم يعط المساكين منها شيئاً . فقالوا لي : و ما علمك بذلك ؟ قلت : أنا أدلكم على كنزه . فأريتهم موضعه ، فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهباً و ورقاً ، فلما رأوها قالوا : و الله لا ندفنه أبداً ، فصلبوه و رموه بالحجارة .
و جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه ، فما رأيت رجلاً لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه و أزهد في الدنيا ، و لا أرغب في الآخرة و لا أدأب ليلاً و نهاراً منه ، فأحببته حباً لم أحبه شيئاً قبله ، فأقمت معه زماناً ، ثم حضرته الوفاة ، فقلت له : يا فلان ! إني قد كنت معك و أحببتك حباً شديداً قبلك ، و قد حضرك من الأمر ما ترى فإلى من توصي بي ؟ و بم تأمرني ؟ فقال : أي بني ! و الله ما أعلم أحداً على ما كنت عليه ، و لقد هلك الناس ، و بدلوا و توكوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلاً بالموصل ، و هو فلان ، و هو على ما كنت عليه .
مع أسقف الموصل :
فلما مات و غيب لحقت بصاحب الموصل ، فقلت له : يا فلان ! إن فلاناً أوصاني عند موته أن ألحق بك ، و أخبرني أنك على أمره . فقال لي : أقم عندي ، فأقمت عنده ، فوجدته خير رجل ، على أمر صاحبه ، فلم يلبث أن مات ، فلما حضرته الوفاة قلت : يا فلان ! إن فلاناً أوصى بي إليك و أمرني باللحوق بك ، و قد حضرك من أمر الله ما ترى ، فإلى من توصي بي ؟ و بم تأمرني ؟ قال : يا بني و الله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه إلا رجلاً بنصيبين ، و هو فلان ، فالحق به .
مع أسقف نصيبين :
فلما مات و غيب لحقت بصاحب نصيبين ، فأخبرته خبري و ما أمرني به صاحبي فقال أقم عندي ، فأقمت عنده ، فوجدته على أمر صاحبه ، فأقمت مع خير رجل ، فو الله ما لبث أن نزل به الموت ، فلما حضر قلت له : يا فلان ؟ إن فلاناً كان أوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي بي ؟ و بم تأمرني ؟ قال : يا بني و الله ما أعلم بقي أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلاً بعمورية من أرض الروم فإنه على مثل ما نحن عليه ، فإن أحببت فأته .
مع أسقف عمورية :
فلما مات و غيب لحقت بصاحب عمورية فأخبرته خبري . فقال : أقم عندي ، فأقمت عند خير رجل ، على هدي أصحابه و أمرهم ، و اكتسبت حتى كانت لي بقرات و غنيمة ، ثم نزل به أمر الله ، فلما حضر قلت له : يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي ؟ و بم تأمرني ؟ قال : أي بني ! و الله ما أعلمه أصبح على مثل ما كنا عليه أحد من الناس ، أمرك أن تأتيه ، و لكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب ، مهاجره إلى أرض بين حرتين بينهما نخل ، به علامات لا تخفي ، يأكل الهدية ، و لا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة ، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل . ثم مات و غيب .
إلى وادي القرى :
فمكثت بعمورية ما شاء الله أن مكث ، ثم مر بي نفر من كلب تجار ، فقلت لهم : احملوني إلى أرض العرب و أعطيكم بقراتي هذه و غنيمتي هذه ، فقالوا : نعم . فأعطيتهموها و حملوني معهم ، حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني ، فباعوني من رجل يهودي ، فكنت عنده ، فرأيت النخل ، فرجوت أن يكون البلدة التي وصف لي صاحبي و لم يحق في نفسي .
في المدينة :
فبينا أنا عنده إذا قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة ، فابتاعني منه ، فحملني إلى المدينة ، فو الله ماهو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي ، فأقمت بها .
و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ، ثم هاجر إلى المدينة ، فو الله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل له فيه بعض العمل ، و سيدي جالس تحتي ، إذا أقبل ابن عم له حتى وقف عليه . فقال : يا فلان ! قاتل الله نبي قيلة ، و الله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي . فلما سمعتها أخذتني العرواء ، حتى ظننت أني ساقط على سيدي ، فنزلت عن النخلة فحعلت أقول لابن عمه ذلك : ماتقول ؟ فغضب سيدي و لكمني لكمة شديدة ، ثم قال : ما لك و لهذا ؟ أقبل على عملك . فقلت : لا شيء ، إنما أردت أن أستثبته عما قال .
لقاءه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم :
و قد كان عندي شيء جمعته ، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو بقباء ، فدخلت عليه ، فقلت له : إنه قد بلغني أنك رجل صالح و معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة ، و هذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم ، فقربته إليه . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه : " كلوا " ، و أمسك يده فلم يأكل . فقلت في نفسي هذه واحدة ، ثم انصرفت عنه ، فجمعت شيئاً ، و تحول رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ، ثم جئته ، فقلت : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة و هذه هدية أكرمتك بها ، فأكل رسول الله صلى الله عليه و سلم و أمر أصحابه فأكلوا معه ، فقلت في نفسي ، هاتان ثنتان . ثم جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة رجل من أصحابه ، علي شملتان لي ، و هو جالس في أصحابه ، فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ؟ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه و سلم استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي ، فألقى الرداء عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته ، فأكببت عليه أقبله و أبكي . فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : تحول ، فتحولت فجلست بين يديه ، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس . فـأعجب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يسمع ذلك أصحابه .
مكاتبته :
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته رسول الله صلى الله عليه و سلم بدر و أحد . قال سلمان : ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : " كاتب سلمان ! " فكاتبت صاحبي على ثلثمائة نخلة أحييها له بالفقير ، و أربعين أوقية ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أعينوا أخاكم " ، فأعانوني بالنخل ، الرجل بثلاثين ودية ، و الرجل بعشرين ودية ، و الرجل بخمس عشرة ، و الرجل بعشر ، يعين الرجل بقدر ما عنده ، حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية . فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : اذهب يا سلمان ففقر لها ، فإذا فرغت فأتني أكن أنا أضعها بيدي ، ففقرت ، و أعانني أصحابي ، حتى إذا فرغت جئته فأخبرته ، فخرج معي إليها ، فجعلنا نقرب إليه الودي و يضعه رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده حتى فرغت ، فو الذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة ، فأديت النخل و بقي علي المال ، فأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن ، فقال : ما فعل الفارسي المكاتب ؟ فدعيت له ، فقال : " خذ هذه فأدها مما عليك يا سلمان " . قلت : و أين تقع هذه يا رسول الله مما علي ؟ قال : خذها فإن الله سيؤدي بها عنك . فأخذتها فوزنت لهم منها ، و الذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية ، فأوفيتهم حقهم ، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الخندق حراً ثم لم يفتني معه مشهد .
و ذكر أبو عمر في خبر سلمان ، من طرق زيد بن الحباب ، قال : " حدثني ابن واقد ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، أن سلمان أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و فيه : فاشتراه رسول الله صلى الله عليه و سلم من قوم من اليهود بكذا و كذا درهماً ، و على أن يغرس لهم كذا و كذا من النخل ، يعمل فيها سلمان حتى تدرك ، فغرس رسول الله صلى الله عليه و سلم النخل كله إلا نخلة غرسها عمر ، فأطعم النخل كله إلا تلك النخلة التي غرسها عمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من غرسها ؟ قالوا : عمر . فقلعها و غرسها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأطعمت من عامها " .
و ذكر البخاري رحمه الله حديث سلمان كما ذكره ابن إسحاق ، غير أنه ذكر أن سلمان غرس بيده ودية واحدة ، و غرس رسول الله صلى الله عليه و سلم سائرها ، فعاشت كلها إلا التي غرس سلمان . هذا معنى حديث البخاري رحمه الله .
عود للحديث عن رحلته إلى المدينة :
و عن سلمان أنه قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم حين أخبره بخبره : أن صاحب عمورية قال له : إئت كذا و كذا من أرض الشام فإن بها رجلاً بين غيضتين ، يخرج في كل سنة من هذه الغيضة إلى هذه الغيضة مستجيزاً ، يعترضه ذوو الأسقام ، فلا يدعو لأحد منهم إلا شفي ، فسله عن هذا الدين الذي تبتغي فهو يخبرك عنه . قال سلمان : فخرجت حتى جئت حيث وصف لي ، فوجدت الناس قد اجتمعوا بمرضاهم هناك ، حتى خرج لهم تلك الليلة مستجيزاً من إحدى الغيضتين إلى الأخرى ، فغشيه الناس بمرضاهم لا يدعو لمريض إلا شفي ، و غلبوني عليه فلم أخص إليه حتى دخل الغيضة التي يريد أن يدخل إلا منكبه ، فتناولته . فقال : من هذا ؟ و التفت إلي ، فقلت : يرحمك الله ! أخبرني عن الحنيفية دين إبراهيم ؟ قال : إنك لتسأل عن شيء ما يسأل عنه الناس اليوم ، قد أظلك نبي يبعث بهذا الدين من أهل الحرم فأته فهو يحملك عليه . ثم دخل . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لئن كنت صدقت لقد لقيت عيسى بن مريم " .
رواه ابن إسحاق عن داود بن الحصين قال حدثني من لا أتهم ، عن عمر بن عبد العزيز ، قال : قال سلمان ، فذكره .
قيل : إن الرجل المطوي الذكر في هذا الإسناد هو الحسن بن عمارة ، فإن يكنه فهو ضعيف عندهم قاله السهيلي . و قال : و إن صح هذا الحديث فلا نكارة في متنه ، فقد ذكر الطبري أن المسيح عليه السلام نزل بعدما رفع ، و أمه و امرأة أخرى عند الجزع الذي فيه الصليب تبكيان ، فكلمهما و أخبرهما انه لم يقتل ، و أن الله رفعه و أرسله إلى الحواريين و وجههم إلى البلاد . و إذا جاز أن ينزل مرة جاز أن ينزل مرارا ، و لكن لا يعلم به أنه هو حتى ينزل النزول الظاهر فيكسر و يقتل الخنزير كما جاء في الصحيح ، و الله أعلم .
و يروى أنه إذا نزل تزوج امرأة من جذام و يدفن إذا مات في روضة النبي صلى الله عليه و سلم .
و قوله : " فقر لثلمائة ودية " معناه : حفر .
و قوله : " أحييها له بالفقير " قيل : الوجه بالتفقير .
" و قطن النار " خازن النار و خادمها .
" و العرواء " : الرعدة . و رأيت بخط جدي رحمه الله فيما علقه على نسخته بكتاب السيرة الهشامية من حواشي كتاب أبي الفضل عياض بن موسى و غيره ، قال الصدقي : العرواء : الحمي النافض ، و البرحاء : الحمى الصالب ، و الرحضاء : الحمى التي تأخذ بالعروق ، و المطواء : التي تأخذ بالتمطي ، و الثوباء : التي تأخذ بالتثاؤب .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:03 AM
ذكر خبر زيد بن نفيل
و ذكر ابن إسحاق في خبر زيد بن عمرو بن نفيل قال : و كان زيد قد أجمع الخروج من مكة ليضرب في الأرض ، يطلب الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام ، فكانت امرأته صفية بنت الحضرمي كلما رأته تهيأ للخروج و أراده آذنت به الخطاب بن نفيل ، و كان الخطاب وكلها به فقال : إذا رأيته هم بأمر فآذنيني به . ثم خرج يطلب دين إبراهيم عليه السلام و يسأل الرهبان و الأحبار حتى بلغ الموصل و الجزيرة كلها ، ثم أقبل فجال الشام كلها حتى إذا انتهى إلى راهب بميفعة من الأرض البلقاء كان ينتهي إليه علم أهل النصرانية فيما يزعمون ، فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام فقال : إنك لتطلب ديناً ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم ، و لكن قد أظلك زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها ، يبعث بدين إبراهيم الحنيفية ، فالحق به فإنه مبعوث الآن ، هذا زمانه . و قد كان زيد شام اليهودية و النصرانية فلم يرض منها شيئاً ، فخرج سريعاً حين قال له ذلك الراهب ما قال يريد مكة ، حتى إذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:05 AM
خبر رسول الله صلى الله عليه و سلم من الإنجيل
قال ابن إسحاق : و كان فيما بلغني عما كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله من الإنجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، مما أثبت لهم يحنس الحواري حين نسخ لهم الإنجيل ، من عهد عيسى بن مريم إليهم في رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال : من أبغضني فقد أبغض الرب ، و لولا أني صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي ما كانت لهم خطيئة ، و لكن من الآن بطروا و ظنوا أنهم يعزونني ، و أيضاً للرب ، و لكن لا بد أن تتم الكلمة التي في الناموس أنهم أبغضوني مجاناً ، أي باطلاً ، فلولا قد جاء المنحمنا ، هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الرب ، روح القسط هذا الذي من عند الرب خرج ، فهو شهيد علي و أنتم أيضاً ، لأنكم قديماً كنتم معي في هذا قلت لكم : لكي لا تشكوا .
و المنحمنا بالسريانية هو محمد صلى الله عليه و سلم ، و هو بالرومية البرقليطس .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:06 AM
خبر سليمان عليه السلام
أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقدسي حضوراً في الرابعة بقراءة والدي رحمه الله عليه بالقاهرة ، و أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح بقراءتي عليه بمرج دمشق ، قالا : " أخبرنا أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب ، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي ، أخبرنا أبو القاسم يوسف بن أحمد بن محمد المهرواني بانتقاء أبي بكر الخطيب البغدادي الحافظ عليه ، قال : أخبرنا أبو سهل محمود ابن عمر العكبري ، حدثنا أبو صالح سهل بن إسماعيل الموسوي ، حدثنا أبو العباس عبد الله ابن وهب الغزي بالرملة ، حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني ، حدثنا شيخ بن أبي خالد البصري ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كان نقش خاتم سليمان بن داود عليهما السلام : لا إله إلا الله محمد رسول الله " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:06 AM
خبر تميم الداري
و روينا عن محمد بن سعد ، قال : أخبرنا محمد بن عمر ، حدثني العطاف بن خالد ، عن خالد بن سعيد ، قال : قال تميم الداري : كنت بالشام حين بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فخرجت إلى بعض حاجتي فأدركني الليل ، فقلت : أنا في جوار عظيم هذا الوادي ، فلما أخذت مضجعي إذا مناد ينادي لا أراه : عذ بالله ، فإن الجن لا تجير أحداً على الله . فقلت : أيم تقول ؟ فقال : قد خرج رسول الأميين رسول الله ، و صلينا خلفه بالحجون و أسلمنا و اتبعناه ، و ذهب كيد الجن ، و رميت بالشهب ، فانطلق إلى محمد فأسلم . فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب ، فسألت راهباً به و أخبرته الخبر ، فقال : صدقوك ، نجده يخرج من الحرم ، و مهاجره الحرم ، و هو خير الأنبياء فلا تسبق إليه . قال تميم : فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلمت .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:07 AM
خبر قس بن ساعدة الإيادي
قرئ على الشيخة الأصيلة أمة الحق شامية ابنة الإمام الحافظ أبي علي الحسن بن محمد ابن محمد بن محمد البكري ، و أنا أسمع بالقاهرة ، قالت : " أخبرنا أبو محمد عبد الجليل بن أبي غالب بن أبي المعالي بن مندوية الأصبهاني قراءة عليه و أنا أسمع سنة عشر و ستمائة ، قال : أخبرنا أبو المحاسن نصر بن المظفر بن الحسين البرمكي الجرجاني سماعاً عليه سنة تسع و أربعين و خمسمائة ، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن النقور ، أخبرنا أبو الحسين علي ابن عمر بن محمد بن الحسن الحربي ، حدثنا أبو القاسم عبد الله محمد بن عبد العزيز البغوي ، حدثنا محمد بن حسان بن خالد السمتي أبو جعفر سنة ثمان و عشرين و مائتين ، و فيها توفي . حدثنا محمد بن الحجاج اللخمي ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن ابن عباس قال : قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : أيكم يعرف القس بن ساعدة الإيادي ؟ قالوا : كلنا يا رسول الله يعرفه . قال : فما فعل ؟ قالوا : هلك . قال : ما أنساه بعكاظ على جمل أحمر ، و هو يقول : أيها الناس اجتمعوا و اسمعوا و عوا ، من عاش مات ، و من مات فات ، و كل ما هو آت آت ، إن في السماء لخبراً ، و إن في الأرض لعبراً ، مهاد موضوع و سقف مرفوع ، و نجوم تمور و بحار لا تغور ، أقسم قس قسماً حتماً : لئن كان في الأمر رضى ليكونن سخطاً ، إن لله لديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ، ما لي أرى الناس يذهبون و لا يرجعون ، أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا ؟ . ثم قال : أيكم يروي شعراً ابن عباس فأنشدوه :
في الذاهبين الأوليـ ن من القرون لنا بصائر
لما رأيت موارداً للموت ليس لها مصادر
و رأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر و الأكابر
لا يرجع الماضي إلي و لا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محالـ ـة حيث صار القوم صائر "
و قرأت على أبي الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني بدمشق ، أخبركم أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قراءة عليه و أنتم تسمعون ، قال : أخبرنا الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي قراءة عليه و أنا أسمع ، أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن ، حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي ، حدثنا أبو العباس الوليد بن سعيد بن حاتم بن عيسى الفسطاطي بمكة من حفظه ، و زعم أن له خمساً و تسعين سنة في ذي الحجة سنة ست و ستين و ثلثمائة على باب إبراهيم ، أخبرنا محمد بن عيسى بن محمد الأخباري ، حدثنا أبو عيسى بن محمد بن سعيد القرشي ، حدثنا علي بن سليمان ، عن سليمان بن علي ، عن علي بن عبد الله ، عن عبد الله بن عباس قال : قدم الجارود بن عبد الله ، و كان سيداً في قومه على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : و الذي بعثك بالحق لقد وجدت صفتك في الإنجيل ، و لقد بشر بك ابن البتول ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله و أنك محمد رسول الله . قال : فآمن الجارود و آمن من قومه كل سيد . فسر النبي بهم ، و قال : " يا جارود ! هل في جماعة وفد عبد القيس من يعرف لنا قساً ؟ " قالوا : كلنا نعرفه يا رسول الله ، و أنا من بين يدي القوم كنت أقفو أثره ، كان من أسباط العرب ، فصيحاً ، عمر سبعمائة سنة ، أدرك من الحواريين سمعان ، فهو أول من تأله من العرب ، كأني أنظر إليه يقسم بالرب الذي هو له ، ليبلغن الكتاب أجله ، و ليوفين كل عامل عمله ، ثم أنشأ يقول :
هاج للقلب من جواه ادكار و ليال خلالهن نهار
في أبيات آخرها :
و الذي قد ذكرت دل على اللـ ـه نفوساً لها هدى و اعتبار
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " على رسلك يا جارود ، فلست أنساه بسوق عكاظ على جمل أورق ، و هو يتكلم بكلام ما أظن أني أحفظه " . فقال أبو بكر : يا رسول الله ! فإني أحفظه ، كنت حاضراً ذلك اليوم بسوق عكاظ ، فقال في خطبته : يا أيها الناس ! اسمعوا و عوا ، و إذا وعيتم فانتفعوا ، إنه من عاش مات و من مات فات و كل ما هو آت آت ، مطر و نبات و أرزاق و أقوات ، و آباء و أمهات و أحياء و أموات ، جمع و أشتات و آيات بعد آيات ، إن في السماء لخبراً و إن في الأرض لعبراً ، ليل داج ، و سماء ذات أبراج ، و أرض ذات رتاج ، و بحار ذات أمواج ، ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون ، أرضوا بالمقام فأقاموا ، أم تركوا هناك فناموا ؟ أقسم قس قسماً لا حانثاً فيه و لا آثماً أن لله دينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ، و نبياً قد حان حينه و أظلكم آو إنه ، فطوبى لمن آمن به فهداه ، و ويل لمن خالفه و عصاه . ثم قال : تباً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية و القرون الماضية يا معشر إياد ! أين الآباء و الأجداد ؟ و أين المريض و العواد ؟ و أين الفراعنة الشداد ؟ أين من بنى و شيد ؟ و زخرف و نجد . و غره المال و الولد ؟ أين من بغى و طغى ، و جمع فأوعى ، و قال أنا ربكم الأعلى ؟ ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً ، و أطول منكم آجالا و أبعد منكم آمالاً ؟ طحنهم الثرى بكلكله ، و مزقهم بتطاوله ، فتلك عظامهم بالية و بيوتهم خاوية ، عمرتها الذئاب العاوية ، كلا بل هو الله الواحد المعبود ، ليس بوالد و لا مولود ، ثم أنشأ يقول :
في الذاهبين الأوليـ ـن من القرون لنا بصائر
لما رأيت موارداً للموت ليس لها مصادر
و رأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر و الأكابر
لا يرجع الماضي إلي و لا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محا لة حيث صار القوم صائر
قال : ثم جلس و قام رجل أشدق أجش الصوت ، فقال : لقد رأيت من قس عجباً ، خرجت أطلب بعيراً لي حتى إذا عسعس الليل و كاد الصبح أن يتنفس ، هتف بي هاتف يقول :
يا أيها الراقد في الليل الأحم قد بعث الله نبياً في الحرم
من هاشم أهل الوفاء و الكرم يجلو دجنات الليالي و البهم
قال : فأردت طرفي فما رأيت شخصا ، فأنشأت أقول :
يا أيها الهاتف في داجي الظلم أهلاً و سهلاً بك من طيف ألم
بين هداك الله في لحن الكلم من ذا الذي تدعو إليه يغتنم
قال : فإذا أناة بنحنحة و قائل يقول : ظهر النور ، و بطل الزور ، و بعث الله محمداً صلى الله عليه و سلم بالحبور ، صاحب النجيب الأحمر ، و التاج و المغفر ، و الوجه الأزهر ، و الحاجب الأقمر ، و الطرف الأحور ، صاحب قول شهادة أن لا إله إلا الله ، فذلك محمد المبعوث إلى الأسود و الأحمر ، أهل المدر و الوبر ، ثم أنشأ يقو ل:
الحمد لله الذي لم يخلق الخلق عبث و لم يخلنا سداً من بعد عيسى و اكترث
أرسل فينا أحمداً خير نبي قد بعث صلى عليه الله ما حج له ركب و حث
قال : و لاح الصباح ، و إذا بالفنيق يشقشق إلى النوق ، فملكت خطامه و علوت سنامه ، حتى إذا لغب فنزل في روضة خضرة ، فإذا أنا بقس بن ساعدة في ظل شجرة ، و بيده قضيب من أراك ينكت به في الأرض و هو يقول :
يا ناعي الموت و الملحود في جدث عليهم من بقايا بزهم خرق
دعهم فإن لهم يوماً يصاح بهم فهم إذا انتبهوا من نومهم فرقوا
حتى يعودوا بحال غير حالهم خلقا جديداً كما من قبله خلقوا
منهم عراة و منهم في ثيابهم منها الجديد و منها المنهج الخلق
قال : فدنوت منه فسلمت عليه فرد علي السلام ، فإذا أنا بعين خرارة في أرض خوارة ، و مسجد بين قبرين ، و أسدين عظيمين يلوذان به ، و إذا بأحدهما قد سبق الآخر إلى الماء ، فتبعه الآخر يطلب الماء فضربه بالقضيب الذي في يده ، و قال : ارجع ثكلتك أمك حتى يشرب الذي ورد قبلك ، فرجع ثم ورد بعده . فقلت له : ما هذا القبران ؟ قال : هذان قبرا أخوين كانا لي يعبدان الله عز و جل معي في هذا المكان ، لا يشركان بالله شيئاً ، فأدركهما الموت فقبرتهما و ها أنا بين قبريهما حتى ألحق بهما ، ثم نظر إليهما و جعل يقول :
خليلي هبا طالما قد رقدتما أجدكما لا تقضيان كراكما
أم تعلما أني بسمعان مفرداً و ما لي فيه من خليل سواكما
مقيم على قبريكما لست بارحاً طوال اليالي أو يجيب صداكما
أبكيكما طول الحياة و ما الذي يرد علي ذي لوعة إن بكامكا
كأنما و الموت أقرب غائب بروحي في قبريكما قد أتاكما
أمن طول نوم لا تجيبان داعياً كأن الذي يسقي العقار سقاكما
فلو جعلت نفس لنفس وقاية لجدت بنفسي أن تكون فداكما
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " رحم الله قساً إني لأرجو أن يبعثه الله عز و جل أمة وحده " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:07 AM
خبر سواد بن قارب : و كان يتكهن في الجاهلية ، و كان شاعراً ثم أسلم
قرأت على أبي عبد الله بن أبي الفتح بن وثاب الصوري بالزعيزعية بمرج دمشق ، قلت له : أخبركم الشيخان المؤيد هشام بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد البغدادي نزيل أصبهان و أم حبيبة عائشة بنت معمر بن الفاخر القرشية إجازة ؟ قالا : أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي قراءة عليه و نحن نسمع بأصبهان ، قال : أخبرنا أبو نصر إبراهيم بن محمد بن علي الأصبهاني الكسائي ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم بن المقرئ ، قال : أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي ، قال : حدثنا يحيى بن حجر بن النعمان السامي ، قال : حدثنا علي بن منصور الأنباري ، عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم جالساً إذ مر به رجل ، فقيل ، يا أمير المؤمنين ! أتعرف هذا المار ؟ قال : و من هذا ؟ قالوا : هذا سواد بن قارب الذي أتاه رئيه بظهور النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : فأرسل إليه عمر رضي الله عنه ، فقال له : أنت سواد بن قارب ؟ قال : نعم . قال أنت الذي أتاك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : نعم . قال : فأنت على ما كنت عليه من كهانتك ؟ قال : فغضب ؟ و قال : ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت يا أمير المؤمنين . فقال عمر : سبحان الله ؟ ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك ، فأخبرني بإتيانك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال : نعم يا أمير المؤمنين بينا أنا ذات ليلة بين نائم و اليقظان ، إذ أتاني رئيي فضربني برجله ، و قال : قم يا سواد ابن قارب فاسمع مقالتي ، و اعقل إن كنت تعقل ، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو الله عز و جل و إلى عبادته ، ثم أنشأ يقول :
عجبت للجن و تطلابها و شدها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ما صادق الجن ككذابها
فارحل إلى الصفوة من هاشم ليس قداماها كأذنابها
قال : قلت : دعني أنام فإني أمسيت ناعساً ، فلما كانت الليلة الثانية أتاني فضربني برجله ، و قال : قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي ، و اعقل إن كنت تعقل ، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله عز و جل و إلى عبادته ، ثم أنشأ يقول :
عجبت للجن و تخبارها و شدها العيس بأكوارها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ما مؤمن الجن ككفارها
فارحل إلى الصفوة من هاشم بين روابيها و أحجارها
قال : قلت : دعني أنام فإني أمسيت ناعساً ، فلما كانت الليلة الثالثة أتاني فضربني برجله ، و قال : قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي ، و اعقل إن كنت تعقل ، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله عز و جل و إلى عبادته ، ثم أنشأ يقول :
عجبت للجن و تجساسها و شدها العيس بأحلاسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ما خير الجن كأنجاسها
فارحل إلىالصفوة من هاشم و اسم بعينيك إلى راسها
فقمت فقلت : قد امتحن الله قلبي ، فرحلت ناقتي ، ثم أتيت المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم و
صحبه حوله ، فدنوت فقلت : اسمع مقالتي ، يا رسول الله . قال : هات . فأنشأت أقول :
أتاني نجيي بعد هدء و رقدة و لم يك فيما قد بلوت بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة أتالك رسول من لؤي بن غالب
فشمرت من ذيلي الإزار و وسطت بي الذعلب الوجناء بين السباسب
فأشهد أن الله لا رب غيره و أنك مأمونه على كل غالب
و أنك أدنى المرسلين وسيلة إلى الله يا بن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل و إن كان فيما جاء شيب الذوائب
و كن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة سواك بمغن عن سواد بن قارب
قال : ففرح رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه بمقالتي فرحاً شديداً ، حتى رؤي الفرح في وجوههم .
قال : فوثب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فالتزمه و قال : قد كنت أشتهي أن أسمع هذا الحديث منك ، فهل يأتيك رئيك اليوم ؟ قال : أما منذ قرأت القرآن فلا ، و نعم العوض كتاب الله من الجن ، ثم أنشأ عمر يقول : كنا يوماً في حي من قريش يقال لهم آل ذريح و قد ذبحوا عجلا لهم ، و الجزار يعالجه ، إذ سمعنا صوتاً من جوف العجل و لا نرى شيئا : يا آل ذريح ، أمر نجيح ، صائح يصيح بلسان فصيح ، يشهد أن لا إله إلا الله .
و قد روينا خبر سواد هذا من طريق البخاري ، حدثنا يحيى بن سليمان ، حدثني ابن وهب ، حدثني عمر أن سالمات حدثه عن عبد الله بن عمر فذكر الخبر أخصر مما سقنا و في الألفاظ اختلاف .
قال السهيلي : و لسواد بن قارب هذا مقام حميد في دوس حين بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم .
قال : و من هذا الباب خبر سوداء بنت زهرة بن كلاب ، و ذلك أنها حين ولدت و رآها أبوها زرقاء شيماء أمر بوأدها ، و كانوا يئدون من البنات ما كانت على هذه الصفة ، فأرسلها إلى الحجون لتدفن هناك ، فلما حفر لها الحافر و أراد دفنها ، سمع هاتفاً يقول : لا تئد الصبية ، و خلها في البرية . فالتفت فلم ير شيئاً ، فعاد لدفنها ، فسمع الهاتف يسجع بسجع آخر في المعنى ، فرجع إلى أبيها و أخبره بما سمع . فقال : إن لها شأناً و تركها ، فكانت كاهنة قريش ، فقالت يوماً لبني زهرة ، إن فيكم نذيرة أو تلد نذيراً ، فاعرضوا علي بناتكم ، فعرضن عليها ، فقالت : في كل واحدة منهن قولاً ظهر بعد حين ، حتى عرضت عليها آمنة بنت وهب فقالت : هذه النذيرة أو ستلد نذيراً . و هو خبر طويل ذكر الزبير يسيراً منه . و ذكره بطوله أبو بكر النقاش ، رحمه الله تعالى .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:07 AM
ذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم قومه و غيرهم إلى الإسلام
قال ابن إسحاق : ثم دخل الناس في الإسلام أرسالاً من الرجال و النساء حتى فشا ذكر الإسلام بمكة ، و تحدث الناس به ، ثم إن الله عز و جل أمر رسوله صلى الله عليه و سلم أن يصدع بما جاءه منه ، و أن ينادي في الناس بأمره و يدعو إليه ، و كان مدة ما أخفى رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره و استسر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهاره ثلاث سنين فيما بلغني من مبعثه ، ثم قال الله تعالى له : " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين " [ الحجر : 94 ] ثم قال : " وأنذر عشيرتك الأقربين * واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين " [ الشعراء : 215 ـ 216 ] . " وقل إني أنا النذير المبين " [ الحجر : 89 ] . فلما بادى رسول الله صلى الله عليه و سلم قومه بالإسلام و صدع به كما أمره الله ، لم يبعد منه قومه و لم يردوا عليه حتى ذكر آلهتهم و عابها ، فلما فعل ذلك أعظموه و ناكروه و أجمعوا خلافه و عداوته صلى الله عليه و سلم إلا من عصم الله منهم بالإسلام ، و هم قليل مستخفون ، و حدب على رسول الله صلى الله عليه و سلم عمه أبو طالب و منعه و قام دونه .
و مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم مظهراً له ، لا يرده عنه شيء ، فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه من فراقهم و عيب آلهتهم ، و رأزا أن عمه أبو طالب قد حدب عليه و قام دونه و لم يسلمه لهم ، مشى رجال من أشرافهم إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا و عاب ديننا و سفه أحلامنا و ضلل آباءنا ، فإما أن تكفه عنا و إما أن تخلي بيننا و بينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه ، فقال لهم أبو طالب قولاً رفيقاً ، وردهم رداً جميلاً ، فانصرفوا عنه ، و مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم على ما هو عليه يظهر دين الله و يدعوا إليه ، ثم شري الأمر بينه و بينهم ، حتى تباعد الرجال و تضاغنوا ، و أكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم بينها ، فتذامروا عليه و حض بعضهم بعضاً عليه .
ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى ، فقالوا له : يا أبا طالب إن لك سناً و شرفاً و منزلة فينا ، و إنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا ، و إنا و الله لا نصبر على هذا من شتم آباءنا و تسفيه أحلامنا و عيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله و إياك في ذلك ، حتى يهلك أحد الفريقين أو كما قال . ثم انصرفوا عنه فعظم عل أبي طالب فراق قومه و عداوتهم و لم يطب نفساً بإسلام رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا خذلانه . و ذكر أن أبا طالب لما قالت له قريش هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال له : يا ابن أخي إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا و كذا ـ للذي قالوا له ـ فأبق علي و على نفسك و لا تحملني من الأمر مالا أطيق . فظن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء ، و أنه خاذله و مسلمه ، و أنه قد ضعف عن نصرته و القيام معه ، فقال له : " يا عم و الله لو وضعوا الشمس على يميني و القمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته " . ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه و سلم فبكى ، ثم قام فلما ولى ناداه أبو طالب فقال له : أقبل يا ابن أخي . فأقبل عليه ، فقال : اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشيء أبداً .
ثم إن قريشاً حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه و سلم و إسلامه ، و إجماعه لقراقهم في ذلك و عداوتهم ، مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة ، فقالوا له : يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتىً من قريش و أجمله فخذه فلك عقله و نصره ، و اتخذه ولداً ، و أسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك و دين آبائك ، و فرق جماعة قومك و سفه أحلامهم ، فنقتله فإنما هو رجل كرجل . قال : و الله لبئس ما تسومونني ، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم و أعطيكم ابني تقتلونه ، هذا و الله ما لا يكون أبداً .
فقال المطعم بن عدي : و الله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك و جهدوا على التخلص مما تكرهه ، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً . فقال له أبو طالب و الله ما أنصفوني و لكنك قد أجمعت خذلاني و مظاهرة القوم علي ، فاصنع ما بدا لك ، فحقب الأمر ، و تنابذ القوم ، و بادى بعضهم بعضاً .
قال : ثم إن قريشاً تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذين اسلموا معه ، فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم و يفتنونهم عن دينهم ، و منع الله تعالى منهم رسوله بعمه أبي طالب ، و قد قام أبو طالب حين رأى قريشاً يصنعون ما يصنعون في بني هاشم و بني المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه و سلم و القيام دونه ، فاجتمعوا إليه و أقاموا معه و أجابوه إلى ما دعاهم إليه ، إلا ما كان من أبي لهب .
روينا عن أبي بكر الشافعي ، " حدثنا إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام ، حدثنا محمد بن المنكدر ، أنه سمع ربيعة بن عباد أو عباد الدؤلي يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف على الناس في منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة ، يقول : يا أيها الناس إن الله يأمركم أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئاً " . قال و وراءه رجل يقول : يا أيها الناس إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم . فسألت من هذا الرجل ؟ فقيل أبو لهب .
قال ابن إسحاق : ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش و كان ذا سن فيهم ، و قد حضر الموسم فقال لهم : يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم و إن وفود العرب ستقدم عليكم ، و قد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأياً و لا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً . قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس فقل ، و أقم لنا رأياً نقول فيه . قال : بل أنتم فقولوا أسمع . قالوا : نقول كاهن . قال : و الله ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن و لا بسجعه . قالوا فنقول : مجنون . قال و الله ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون و عرفناه فما هو بحنقه و لا تخالجه و لا وسوسته . قالوا : فنقول شاعر . قال : ما هو بشاعر ، لقد عرفنا الشعر كله رجزه و هزجه و قريضه و مقبوضه و مبسوطه ، فما هو بالشعر . قالوا : فنقول : ساحر ، قال : ما هو بساحر ، قد رأينا السحار و سحرهم ، فما هو بنفثه و لا عقده . قالوا : فما تقول يا أبا عبد شمس ؟ قال : و الله إن لقوله لحلاوة ، و إن أصله لعذق و إن فرعه لجناة ، و ما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا أعرف أنه باطل ، و إن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر ، جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء و أبيه و بين المرء و أخيه و بين المرء و زوجه و بين المرء و عشيرته . فتفرقوا عنه بذلك ، فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه ، و ذكروا له أمره ، و صدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها .
قوله : لعذق بفتح العين المهملة و سكون الذال إستعارة من النخلة التي ثبت أصلها و هو العذق . و رواية ابن هشام : لغدق بغين معجمة و كسر الدال المهملة من الغدق ، و هو الماء الكثير . قال السهيلي : و رواية ابن إسحاق أفصح لأنها استعارة تامة تشبه آخر الكلام بأوله .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:09 AM
ذكر ما لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم من أذى قومه و صبره و ما من الله به من حمايته له
أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقدسي ، و أبو محمد عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني قراءة عليهما و أنا حاضر ، فالأول قال : أخبرنا أبو اليمن الكندي ، و الثاني قال : أخبرنا أبو علي بن أبي القاسم البغدادي ، قالا : أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا ابن حسون ، أخبرنا أبو القاسم السراج هو موسى بن عيسى بن عبد الله ، حدثنا محمد ابن محمد بن سليمان ، حدثنا أبو طاهر أحمد بن عمر بن السرح ، حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني الليث بن سعد ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن أبان بن صالح ، عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن العباس بن عبد المطلب قال : كنت يوماً في المسجد فأقبل أبو جهل فقال : إن لله علي إن رأيت محمداً أن أطأعلى عنقه ، فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى دخلت عليه فأخبرته بقول أبي جهل ، فخرج غضبان حتى دخل المسجد ، فعجل أن يدخل من الباب ، فاقتحم من الحائط . فقلت هذا يوم شر نبشته ، فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأ : " اقرأ باسم ربك الذي خلق " [ العلق : 1 ] حتى بلغ شأن أبي جهل " كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى " [ العلق : 6 ـ 7 ] قال : فقال إنسان لأبي جهل : يا أبا الحكم ! هذا محمد . فقال أبو جهل : ألا ترون ما أرى ؟ و الله لقد سد أفق السماء علي ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم آخر السورة سجد .
قرأت على الإمام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم بن علي أحمد بسفح قاسيون ، "أخبركم أبو بركات داود بن أحمد بن محمد البغدادي قراءة عليه و أنت تسمع ، فأقر به ، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف ، أخبرنا أبو الغنائم عبد الصمد بن علي بن محمد بن المأمون ، أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدار قطني ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سعيد البزاز ، و محمد بن هارون الحضرمي قالا : حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا عبد السلام هو ابن حرب ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزل " تبت يدا أبي لهب " جاءت امرأة لهب إلى النبي صلى الله عليه و سلم و معه أبو بكر رضي الله عنه ، فلما رآها قال : يا رسول الله إنها امرأة بذية ، فلو قمت لا تؤذيك . قال : إنها لن تراني . فجاءت فقالت يا أبا بكر صاحبك هجاني . قال : لا ، و ما يقول الشعر . قالت : أنت عندي تصدق و انصرفت . قلت : يا رسول الله ! لم ترك ؟ قال : لا ، لم يزل ملك يسترني منها بجناحه " . قرأت على أبي عبد الله محمد بن عثمان بن سلامة بدمشق ، "أخبرك أبو القاسم الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن بن محمد بن البن الأسدي قراءة عليه و أنت تسمع ، فأقر به : أخبرنا جدي ، أخبرنا القاسم بن أبي العلاء ، أخبرنا أبو محمد بن أبي نصر ، أخبرنا خثيمة ، حدثنا هلال يعني ابن العلاء الرقي ، حدثنا سعيد بن عبد الملك ، حدثنا محمد ابن سلمة ، عن أبي عبد الرحيم ، عن زيد هو ابن أبي أنيسة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو ابن ميمون الأودي ، حدثنا عبد الله بن مسعود ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسجد الحرام ، و رفقة من المشركين من قريش ، و نبي الله صلى الله عليه و سلم يصلي و قد نحر قبل ذلك جزور ، ، و قد بقي فرثه و قذره ، فقال أبو جهل : ألا رجل يقوم إلى هذا القذر يلقيه على محمد . و نبي الله صلى الله عليه و سلم ساجد ، إذ انبعث أشقاها ، فقام فألقاها عليه . قال عبد الله : فهبنا أن نلقيه عنه ، حتى جاءت فاطمة رضي الله عنها فألقته عنه ، فقام فسمعته يقول ، و هو قائم يصلي : اللهم اشدد وطأتك على مضر ، سنين كسني يوسف ، عليك بأبي الحكم بن هشام ـ و هو أبو جهل ـ و عتبة بن ربيعة ، و شيبة بن ربيعة ، و الوليد بن عتبة ، و عقبة ابن أبي معيط ، و أمية بن خلف و رجل آخر . ثم قال : رأيتهم من العام المقبل صرعى بالطوي طوي بدر ، صرعى بالقليب " .
و أخبرنا ابن الواسطي فيما قرأت عليه ، أخبرنا ابن ملاعب أخبرنا الأرموي ، أخبرنا ابن المأمون ، أخبرنا الدارقطني ، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن صالح الأزدي ، حدثنا الزبير بن بكار ، حدثني أبو يحيى هارون بن بكر بن عبد الله الزهري ، عن عبد الله بن سلمة ، عن عبد الله بن عروة بن الزبير ، قال : حدثني عمرو بن عثمان بن عفان ، عن أبيه عثمان بن عفان ، قال : أكثر ما نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه و سلم أني رأيته يوماً ـ قال عمرو : فرأيت عيني عثمان بن عفان زرفتا من تذكر ذلك ـ قال عثمان بن عفان : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف بالبيت و يده في يد أبي بكر ، و في الحجر ثلاثة نفر جلوس : عقبة بن أبي معيط ، و أبو جهل بن هشام ، و أمية بن خلف ، فمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما حاذاهم أسمعوه بعض ما يكره ، فعرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه و سلم ، فدنوت منه حتى وسطته ، فكان بيني و بين أبي بكر ، و أدخل أصابعه في أصابعي حتى طفنا جميعاً ، فلما حاذاهم قال أبو جهل : و الله لا نصالحك ما بل بحر صوفة ، و أنت تنهى أن نعبد ما كان يعبد آباؤنا . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أنا ذلك " . ثم مضى عنهم ، فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك ، حتى إذا كان في الشوط الرابع ناهضوه ، و وثب أبو جهل يريد أن يأخذ بمجامع ثوبه ، فدفعت في صدره ، فوقع على استه ، و دفع أبو بكر أمية بن خلف ، و دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم عقبة بن أبي معيط ، ثم انفرجوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو واقف ، ثم قال : " أما و الله لا تنهون حتى يحل بكم عقابه عاجلاً " . قال عثمان : فو الله ما منهم رجل إلا و قد أخذه أفكل و هو يرتعد ، فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : بئس القوم أنتم لنبيكم ، ثم انصرف إلى بيته و تبعناه خلفه ، حتى انتهى إلى باب بيته و وقف على السدة ، ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال : " أبشروا فإن الله عز و جل مظهر دينه ، و متم كلمته ، و ناصر نبيه ، و إن هؤلاء الذين ترون مما يذبح الله بأيديكم عاجلًا " ، ثم انصرفنا إلى بيوتنا ، فو الله لقد رأيتهم قد ذبحهم الله بأيدينا .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:10 AM
خبر إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه
و من ذلك خبر إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه :
روينا عن ابن إسحاق : حدثني رجل من أسلم ، و كان واعية ، أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه و سلم عند الصفا فآذاه و شتمه ، و نال منه بعض ما يكره ، من العيب لدينه و التضعيف لأمره ، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و مولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك ، ثم انصرف عنه ، فعمد إلى نادي قريش فجلس معهم ، ، فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحاً سيفه راجعاً من قنص له ، و كان صاحب قنص يرميه و يخرج له ، و كان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة ، و كان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف و سلم و تحدث معهم ، و كان أعز فتى في قريش و أشده شكيمة ، فلما مر بالمولاة و قد رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بيته . قالت له : يا أبا عمارة ، لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفاً من أبي الحكم بن هشام ، وجده ها هنا جالساً فآذاه و سبه و بلغ منه ما يكره ، ثم انصرف عنه و لم يكلمه محمد . فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته ، فخرج يسعى و لم يقف على أحد معداً لأبي جهل إذا لقيه أن يقع به ، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم فأقبل نحوه ، حتى إذا قام على رأسه ، رفع القوس فضربه بها ، فشجه شجة منكرة ، ثم قال : أتشتمه ؟ فأنا على دينه ، أقول ما يقول ، فرد علي ذلك إن استطعت . فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل ، فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة فإني و الله قد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً . و تم حمزة على إسلامه ، و على ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم من قوله . فلما أسلم حمزة علمت قريش أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد عز و امتنع ، و أن حمزة سيمنعه ، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه .
و روينا عن ابن إسحاق قال : حدثني يزيد بن أبي زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : حدثت أن عتبة بن ربيعة ـ و كان سيداً ـ قال يوماً و هو جالس في نادي قريش و النبي صلى الله عليه و سلم جالس في المسجد وحده : يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه و أعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها ، فنعطيه أيها شاء و يكف عنا ، و ذلك حين أسلم حمزة ، و رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثرون و يزيدون ، فقالوا : بلى يا أبا الوليد ، فقم إليه فكلمه ، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : يا ابن أخي ، إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة ، و المكان في النسب و إنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم و سفهت به أحلامهم ، و عبت به آلهتهم و دينهم ، و كفرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها . قال : فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : " قل يا أبا الوليد أسمع " . قال : يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أمولنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، و إن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك ، و إن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا ، و إن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب ، و بذلنا فيه أموالنا ، حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه ، أو كما قال له . حتى إذا فرغ عتبة و رسول الله صلى الله عليه و سلم يسمع منه ، قال : " أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ " قال : نعم . قال : " فاسمع مني " . قال : أفعل . " قال : " حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون " " [ فصلت : 1 ـ 4 ] . ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها يقرأها عليه ، فلما سمعها عتبة منه ، أنصت لها ، و ألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليها يسمع منه ، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى السجدة منها ، فسجد . ثم قال : " قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت و ذاك " . فقام عتبة إلى أصحابه ، فقال بعضهم لبعض يحلف بالله : لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ، فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي أني سمعت قولاً و الله ما سمعت مثله قط ، و الله ما هو بالشعر و لا بالسحر ، و لا بالكهانة ، يا معشر أطيعوني و اجعلوها بي ، خلوا بين هذا الرجل و بين ما هو فيه ، فاعتزلوه ، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، و إن يظهر على العرب فملكه ملككم ، و عزه عزكم ، و كنتم أسعد الناس به . قالوا : سحركم و الله يا أبا الوليد بلسانه . قال : هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لم .
و روينا عن الطبراني ، " حدثنا القاسم بن عياش بن حماد أبو محمد الجهني الحذاء الموصلي ، حدثنا محمد بن موسى الحرشي ، حدثنا أبو خلف عبد الله بن عيسى الخزاز ، حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن قريشاً دعت رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أن يعطوه مالاً فيكون أغنى رجل بمكة ، و يزوجوه ما أراد من النساء . فقالوا : هذا لك عندنا يا محمد و كف عن شتم آلهتنا و لا تذكرها بسوء ، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة و لك فيها صلاح . قال : ما هي ؟ قالوا : تعبد آلهتنا سنةً ـ اللات و العزى ـ و نعبد إلهك سنة . قال : حتى أنظر ما يأتيني من ربي . فجاء الوحي من عند الله عز وجل من اللوح المحفوظ : " قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون " [ الكافرون : 1 ـ 2 ] السورة و أنزل الله عز وجل " قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون " " بل الله فاعبد وكن من الشاكرين " [ الزمر : 64 و 66 ] " .
و روينا " من طريق الترمذي ، حدثنا عبد بن حميد ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس [ سندع الزبانية ] قال : قال أبو جهل : لئن رأيت محمداً يصلي لأطأن على عنقه . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لوفعل لأخذته الملائكة عياناً " .
قال : " حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي ، فجاء أبو جهل ، فقال : ألم أنهك عن هذا ؟ فانصرف النبي صلى الله عليه و سلم ، فزبره ، فقال أبو جهل : إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني .
فأنزل الله تعالى : " فليدع ناديه * سندع الزبانية " [ العلق : 17 ـ 18 ] قال ابن عباس : و الله لودعا ناديه لأخذته زبانية الله " .
=====

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:11 AM
و روينا عن ابن عباس ، من طريق محمد بن إسحاق ، اجتماع قريش و عرضهم على النبي صلى الله عليه و سلم ما عرضوا عليه من أموالهم و غير ذلك ، و قوله عليه الصلاة و السلام : " ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ، و لا الشرف فيكم ، و لا الملك عليكم ، و لكن الله بعثني إليكم رسولاً ، و أنزل علي كتاباً ، و أمرني أن أكون لكم بشيراً و نذيراً ، فبلغتكم رسالات ربي و نصحت لكم ، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا و الآخرة ، و إن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم " ، أو كما قال صلى الله عليه و سلم . فقالوا له : فسل ربك أن يسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا ، و ليبسط علينا بلادنا ، و ليخرق فيها أنهاراً كأنهار الشام و العراق ، و ليبعث لنا من مضى من آبائنا ، و ليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب ، فإنه كان شيخ صدق ، فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل ؟ و فيه : قالوا له : سل ربك أن يبعث معك ملكاً يصدقك بما تقول و يراحعنا عنك ، و اسأله فليجعل لنا جناناً و قصوراً و كنوزاً من ذهب و فضة يغنيك بها عما تراك تبتغي ، فإنك تقوم بالأسواق و تلتمس المعاش . و ذكر قولهم : فأسقط السماء علينا كسفاً كما زعمت أن ربك إن شاء فعل . و قال قائلهم : نحن نعبد الملائكة ، و هي بنات الله . و قال قائلهم : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله و الملائكة قبيلاً . و قال : إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن ، و إنا و الله لن نؤمن بالرحمن أبداً . فلما قالوا له ذلك . قام رسول الله صلى الله عليه و سلم عنهم و معه عبد الله بن أبي أمية المخزومي و هو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب ، فقال : و الله لانؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً ، ثم ترقى فيه و أنا أنظر إليك حتى تأتيها ثم تأتي معك بصك معه أربعة من الملائكة يشهدون لك كما تقول ، و ايم الله أن لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك .
و قال أبو جهل : يا معشر قريش إني أعاهد الله لأجلسن له غداً بحجر ما أطيق حمله أو كما قال ، فإذا سجد في صلاته فضحت به رأسه ، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني ، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم . قالوا : و الله لا نسلمك لشيء أبداً فامض لما تريد ، فلما أصبح أبو جهل أخذ حجراً كما وصف ، ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه و سلم ينتظره ، و غدا رسول الله صلى الله عليه و سلم كما كان يغدو ، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه و سلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع منهزماً منتقعاً لونه مرعوباً قد يبست يداه على حجره ، حتى قذف الحجر من يده ، و قامت إليه رجال من قريش ، فقالوا له : مالك يا أبا الحكم ؟ قال : قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة ، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل لا و الله ما رأيت مثل هامته و لا قصرته و لا أنيابه بفحل قط ، فهم بي أن يأكلني . قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " ذلك جبريل لودنا لأخذه " .
و ذكر في الخبر بعث قريش النضر بن الحارث بن كلدة ، و بعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود و قالوا لهما : سلاهم عن محمد و صفا لهم صفته ، و أخبراهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول ، و عندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء ، فخرجا حتى قدما المدينة ، و سألا أحبار يهود ، فقالت لهما : سلوا عن ثلاث ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، و إن لم يفعل فالرجل متقول . سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول : ما كان من أمرهم ؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب . و سلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض و مغاربها . ما كان نبؤه ؟ و سلوه عن الروح : ما هو ؟ فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي و إن لم يفعل فهو رجل متقول .
فأقبل النضر و عقبة فقالا : قد جئناكم بفصل ما بينكم و بين محمد ، فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما يذكرون ، فقال عليه الصلاة و السلام : " أخبركم غداً ، و لم يستثن " . فانصرفوا ، فمكث رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما يذكرون خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحياً ، و لا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة و قالوا : وعدنا محمد غداً و اليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه . حتى أحزن رسول الله صلى الله عليه و سلم مكث الوحي عنه ، و شق عليه ما يتكلم به أهل مكة ، ثم جاءه جبريل من الله بسورة أصحاب الكهف ، قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لقد احتبست عني يا جبريل ، فقال : " وما نتنزل إلا بأمر ربك " [ مريم : 64 ] الآية . و افتتح السورة بحمده وء ذكر نبوة رسوله عليه الصلاة و السلام ، و فيها ذكر الفتية الذين ذهبوا و هم أصحاب الكهف ، و ذكر الرجل الطواف و هو ذو القرنين ، و قال فيما سألوه عنه من الروح " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " " [ الإسراء : 85 ] الحديث بطوله و أنا اختصرته .
قال : و حدثت عن ابن عباس أنه قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ، قالت أحبار يهود : يا محمد أرأيت قولك " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " [ الإسراء : 85 ] إيانا تريد أم قومك ؟ قال : " كلاً " . قالوا : فإنك تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها بيان كل شيء . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنها في علم الله قليل ، و عندكم من ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه " . قال : فأنزل الله عليه فيما سألوه عنه في ذلك " ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم " [ لقمان : 27 ] أي : إن التوراة في هذا من علم الله قليل .
قال : و أنزل الله فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال و تقطيع الأرض و بعث من مضى من آبائهم من الموتى " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا " [ الرعد : 31 ] أي لا أصنع من ذلك الأمر إلا ما شئت . و أنزل الله عليه فيما سألوه أن يأخذ لنفسه " قالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا * أو يلقى إليه كنز " إلى " وكان ربك بصيرا " [ الفرقان : 7 ـ 20 ] .
و أنزل الله فيما قال عبد الله بن أبي أمية " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب " إلى قوله " قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا " [ الإسراء : 90 ـ 93 ] .
و أنزل عليه في قولهم إنما يعلمك رجل باليمامة يقال له : الرحمن : " كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن " [ الرعد : 30 ] .
و أنزل عليه فيما قال أبو جهل ، و ما هم به " أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى " [ العلق : 9 ـ 10 ] حتى آخر السورة .
و أنزل عليه فيما عرضوا من أموالهم " قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد " [ سبأ : 47 ] . فلما جاءهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بما عرفوا من الحق حال الحسد بينهم و بين اتباعه .
فقال قائلهم : لا تسمعوا لهذا القرآن و الغوا فيه لعلكم تغلبون ، أي : اجعلوه لغواً و باطلاً و اتخذوه هزواً لعلكم تغلبونه بذلك فإنكم إن ناظرتموه أو خاصمتموه غلبكم . فقال أبو جهل يوماً و هو يهزأ برسول الله صلى الله عليه و سلم و ما جاء به من الحق يا معشر قريش يزعم محمد أن جنود الله الذين يعذبونكم في النار و يحبسونكم فيها تسعة عشر ، و أنتم الناس كثرة و عدداً ، أفيعجز كل مائة رجل منكم عن رجل منهم ؟ فأنزل الله عز و جل في ذلك من قوله " وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا " [ المدثر : 31 ] إلى آخر القصة . فلما قال ذلك بعضهم لبعض جعلوا إذا جهر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالقرآن و هو يصلي يتفرقون عنه و يأبون أن يستمعوا له ، فكان الرجل منهم إذا أراد ان يستمع من رسول الله صلى الله عليه و سلم بعض ما يتلو من القرآن و هو يصلي استرق السمع دونهم فرقاً منهم ، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع منه ذهب خشية أذاهم فلم يستمع ، و إن خفض رسول الله صلى الله عليه و سلم صوته فظن الذي يستمع أنهم لا يسمعون شيئاً من قراءته و سمع هو شيئاً دونهم أصاخ له يستمع منه ، و روي عن داود بن الحصين ، عن عكرمة عن ابن عباس إنما نزلت هذه الآية " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " [ الإسراء : 110 ] في ذلك .
قال أبو عمر : و كان المجاهرون بالظلم لرسول الله صلى الله عليه و سلم و لكل من آمن به :
من بني هاشم : عمه أبو لهب ، و ابن عمه أبا سفيان بن الحارث .
و من بني عبد شمس : عتبة و شيبة ابني ربيعة ، و عقبة بن أبي معيط ، و أبا سفيان بن حرب ، و ابنه حنظلة ، و الحكم بن أبي العاص بن أمية ، و معاوية بن المغيرة بن العاص بن أمية .
و من بني عبد الدار : النضر بن الحارث .
و من بني أسد بن عبد العزى : الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ، و ابنه زمعه ، و أبا البختري العاص بن هشام .
و من بني زهرة : الأسود بن عبد يغوث .
و من بني مخزوم : أبا جهل بن هشام ، و أخاه العاص بن هشام ، و عمهما الوليد بن المغيرة ، و ابنه أبا قيس بن الوليد بن المغيرة ، و ابن عمه قيس بن الفاكه بن المغيرة ، و زهير ابن أبي أمية بن المغيرة أخا أم سلمة ، و أخاه عبد الله بن أبي أمية ، و الأسود بن عبد الأسد أخا أبي سلمة ، و صيفي بن السائب .
و من بني سهم : العاص بن وائل ، و ابنه عمراً ، و ابن عمه الحارث بن قيس بن عدي ، و نبيهاً و منبهاً ابني الحجاج .
و من بني جمح : أمية و أبياً ابني خلف بن وهب بن حذافة بن جمح ، و أنيس بن معير أخا بني محذورة . و الحارث بن الطلاطلة الخزاعي ، و غدي بن الحمراء الثقفي .
فهؤلاء كانوا أشد على المؤمنين مثابرة بالأذى ، و معهم سائر قريش ، فمنهم من يعذبون ـ ممن لا منعة له و لا جوار ـ من قومه ، و منهم من يؤذون .
و لقي المسلمون من كفار قريش و حلفائهم من الأذى و العذاب و البلاء عظيماً ، و رزقهم الله من الصبر على ذلك عظيماً ، ليدخر لهم ذلك في الآخرة ، و يرفع به درجاتهم في الجنة . و الإسلام في كل ذلك يفشو و يظهر في الرجال و النساء . و أسلم الوليد بن الوليد ابن المغيرة ، و سلمة بن هشام أخو أبو جهل ، و أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، و جماعة أراد الله هداهم .
و أسرف بنو جمح على بلال بالأذى و العذاب ، فاشتراه أبو بكر الصديق منهم و اشترى أمة حمامة ، فأعتقهما ، و أعتق عامر بن فهيرة . و روي أن قحافة قال لابنه أبي بكر : يا بني أراك تعتق قوماً ضعفاء فلو أعتقت قوماً جلداء يمنعوك ، فقال : يا أبت إني أريد ما أريد . فقيل : فيه نزلت " وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد " [ الليل : 17 ـ 19 ] إلى آخر السورة .
====

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:11 AM
و ذكر الزهري أن أبا سفيان بن حرب و أبا جهل بن هشام و الأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يصلي من الليل في بيته ، فأخذ كل رجل منهم مجلساً يستمع فيه ، و كل لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق ، فتلاوموا و قال بعضهم لبعض : لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً ، ثم انصرفوا ، حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد رجل منهم إلى مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا مرة ، ثم انصرفوا ، حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض : لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود ، فتعاهدوا على ذلك ، ثم تفرقوا ، فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ، ثم ذهب حتى أتى أبا سفيان في بيته ، فقال : أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد . فقال : يا أبا ثعلبة : و الله لقد سمعت أشياء أعرفها و أعرف ما يراد بها ، و سمعت أشياء ما عرفت معناها و لا ما يراد بها . قال الأخنس : و أنا و الذي حلفت به ، ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل ، فدخل عليه بيته ، فقال : يا أبا الحكم ! ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ ! قال ماذا سمعت ؟ تنازعنا و نحن و بنو عبد مناف الشرف ، أطعموا فأطعمنا ، و حملوا فحملنا ، و أعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاذينا على الركب ، و كنا كفرسي رهان ، قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء ، فمتى ندرك هذه ! و الله لا نؤمن به أبداً ، و لا نصدقه ، فقام عنه الأخنس و تركه .
و ذكر ابن إسحاق حديث الإراشي و الإراشي هذا اسمه : كهلة الأصغر بن عصام بن كهلة الأكبر بن وهب ، بن ذئبان بن سيلان ، بن مودع بن عبد الله ، و هو الذي ابتاع منه أبو جهل الإبل و مطله بأثمانها ، و دلالة قريش إياه على رسول الله صلى الله عليه و سلم لينصفه من أبي جهل استهزاء ، لما يعلمون من العداوة بينهما . قال : و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى جاءه فضرب عليه بابه ، فقال : من هذا ؟ فقال : محمد . فخرج إليه و ما في وجهه من رائحة ، قد انتقع لونه . فقال : " أعط هذا حقه " . قال : نعم لا تبرح حتى أعطيته الذي له ، فدفعه إليه . فذكر له الإراشي ذلك ، فقالوا لأبي جهل : ويلك ! ما رأينا مثل ما صنعت . قال : ويحكم ! و الله ما هو إلا أن ضرب على بابي و سمعت صوته فملئت رعباً ، ثم خرجت إليه و إن فوق رأسه لفحلاً من الإبل ما رأيت مثل هامته . و لا قصرته و لا أنيابه لفحل قط ، و الله لو أبيت لأكلني .
و ذكر الواقدي عن يزيد بن رومان ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في المسجد معه رجال من أصحابه ، أقبل رجل من بني زبيد يقول : يا معشر قريش ! كيف تدخل عليكم المادة أو يجلب إليكم جلب ، أو يحل تاجر بساحتكم ، و أنتم تظلمون من دخل عليكم في حرمكم ؟ يقف على الحلق حلقة حلقة حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في أصحابه ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " و من ظلمك ؟ " فذكر أنه قدم بثلاثة أجمال كانت خيرة إبله ، فسامه بها أبو جهل ثلث أثمانها ، ثم لم يسمه بها لأجله سائم . قال : فاكسد علي سلعتي و ظلمني . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " و أين أجمالك ؟ " قال : هي هذه بالحزورة . فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم معه و قام أصحابه ، فنظر إلى الجمال فرأى الجمال فرهاً ، فساوم الزبيدي حتى ألحقه برضاه ، فأخذها رسول الله صلى الله عليه و سلم فباع جملين منها بالثمن ، و أفضل بعيراً باعه و أعطى أرامل بني عبد المطلب ثمنه ، و أبو جهل جالس في ناحية من السوق لا يتكلم ، ثم أقبل إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : " يا عمرو ! إياك أن تعود لمثل ما صنعت بهذا الأعرابي فترى مني ما تكره " . فجعل يقول : لا أعود يا محمد ، لا أعود يا محمد ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أقبل عليه أمية بن خلف و من حضر من القوم ، فقالوا : ذللت في يدي محمد ، فإما أن تكون تريد أن تتبعه ، و إما رعب دخلك منه ، قال : لا أتبعه أبداً ، إن الذي رأيتم مني ، لما رأيت معه ، لقد رأيت رجالاً عن يمينه و شماله معهم رماح يشرعونها إلي ، لو خالفتهم لكانت إياها ، أي لأتوا علي نفسي .
قال أبو عمر : و كان المستهزئون الذي قال الله فيهم : " إنا كفيناك المستهزئين " [ الحجر : 95 ] عمه أبو لهب ، و عقبة بن معيط ، و الحكم بن أبي العاصي ، و الأسود بن المطلب بن أسد بن زمعة ، و الأسود بن عبد يغوث ، و العاص بن وائل ، و الوليد بن المغيرة ، و الحارث بن الغيطلة السهمي . فكان جبريل مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فمر بهما من المستهزئين الوليد بن المغيرة ، و الأسود بن المطلب ، و الأسود بن عبد يغوث ، و الحارث ابن الغيلطة ، و العاص بن وائل واحدا بعد واحد ، فشكاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى جبريل ، فقال : كفيتكهم . فهلكوا بضروب من البلاء و العمى قبل الهجرة .
و فيما لقي بلال و عمار و المقداد و خباب و سعد بن أبي وقاص و غيرهم ممن لم تكن له منعة من قومه من البلاء و الأذى . ما يطول ذكره .
قرأت على أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي بالصالحية ، أخبركم أبو نصر موسى ابن الشيخ عبد القادر الجيلي قراءة عليه ، أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن البنا ، أخبرنا أبو نصر الزينبي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن علي بن خلف ، أخبرنا أبو بكر بن أبي داود ، حدثنا أبو موسى عيسى بن حماد زغبة ، عن الليث بن سعد ، عن هشام ، عن أبيه ، أنه قال : مر بورقة بن نوفل على بلال و هو يعذب ، يلصق ظهره برمضاء البطحاء في الحر ، و هو يقول : أحد أحد . فقال : يا بلال صبراً ، يا بلال صبراً ، لم تعذبونه فو الذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتخذنه حناناً . يقول : لأتمسحن به .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:12 AM
ذكر انشقاق القمر
قال الله تعالى : " اقتربت الساعة وانشق القمر " [ القمر : 1 ] .
و روينا من طريق البخاري : " حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن شعبة و سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر ، عن ابن مسعود ، قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فرقتين ، فرقة فوق الجبل و فرقة دونه . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اشهدوا " .
و ذكر القاضي عياض رحمه الله ، قال : و رواه عنه مسروق ، أنه كان بمكة ، و زاد : فقال كفار قريش : سحركم ابن أبي كبشة . فقال رجل منهم : إن محمداً إن كان سحر القمر فإنه لا يبلغ من سحره أن يسحر الأرض كلها ، فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا هذا ، فسألوا فأخبرهم أنهم رأوا مثل ذلك .
و حكى المسرقندي ، عن الضحاك نحوه ، و قال : فقال أبو جهل : هذا سحر فابعثوا إلى أهل الآفاق حتى تنظروا أرأوا ذلك أم لا ؟ فأخبر أهل الآفاق أنهم رأوه منشقاً . فقالوا يعني الكفار : هذا سحر مستمر .
و روينا من طريق الترمذي ، حدثنا عبد بن حميد : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أنس قال : سأل أهل النبي صلى الله عليه و سلم آية فانشق القمر بمكة مرتين ، فنزلت " اقتربت الساعة وانشق القمر " إلى قوله " سحر مستمر " [ القمر : 1 ـ 2 ] . يقول ذاهب .
قال الترمذي : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سليمان بن كثير ، عن حصين ، عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه ، قال : انشق القمر على عهد النبي صلى الله عليه و سلم حتى صار فرقتين على هذا الجبل و على هذا الجبل ، فقالوا : سحرنا محمد . فقال بعضهم : لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر الناس كلهم . و روي عن ابن عباس و ابن عمر و حذيفة و علي رضي الله عنهم .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:12 AM
ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة
و كانت الهجرة إلى أرض الحبشة مرتين ، فكان عدد المهاجرين في المرة الأولى اثني عشر رجلاً و أربع نسوة ، ثم رجعوا عندما بلغهم عن المشركين سجودهم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عند قراءة سورة [ والنجم ] و سيأتي ذكر ذلك ، فلقوا من المشركين أشد مما عهدوا ، فهاجروا ثانية ، و كانوا ثلاثة و ثمانين رجلاً ، إن كان فيهم عمار ، ففيه خلاف بين أهل النقل . و ثماني عشرة امرأة ، إحدى عشرة قرشيات و سبعاً غرباء ، و بعثت قريش في شأنهم إلى النجاشي مرتين ، الأولى عند هجرتهم ، و الثانية عقيب وقعة بدر ، و كان عمرو بن العاص رسولاً في المرتين ، و معه في إحداهما عمارة بن الوليد ، و في الأخرى عبد الله بن أبي ربيعة المخزوميان .
و روى عبد الرزاق ، " عن معمر ، عن الزهري ، قال : فلما كثر المسلمون و ظهر الإيمان أقبل كفار قريش على من آمن من قبائلهم يعذبونهم و يؤذونهم ليردوهم عن دينهم . قال : فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لمن آمن به : تفرقوا في الأرض فإن الله تعالى سيجمعكم . قالوا : إلى أين نذهب ؟ قال : إلى ها هنا . و أشار بيده إلى أرض الحبشة ، فهاجر إليها ناس ذوو عدد ، منهم من هاجر بأهله ، و منهم من هاجر بنفسه ، حتى قدموا أرض الحبشة " . فكان أول من خرج عثمان بن عفان ، معه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم . و قد قيل إن أول من هاجر إلى أرض الحبشة حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود أخو سهيل بن عمرو . و قيل : هو سليط بن عمرو . و أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة هارباً عن أبيه بدينه ، و معه امرأته سهلة بنت سهيل مسلمة مراغمة لأبيها ، فارة عنه بدينها ، فولدت له بأرض محمد بن أبي حذيفة . و مصعب بن عمير . و عبد الرحمن بن عوف . و أبو سلمة بن عبد الأسد و معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية . و عثمان بن مظعون . و عامر بن ربيعة ، حليف آل الخطاب ، و معه امرأته ليلى أبي خيثمة بن غانم العدوية . و أبو سبرة بن أبي رهم العامري ، و امرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو ، و لم يذكرها ابن إسحاق فهي خامسة لهن . و سهيل بن بيضاء و هو سهيل بن و هب بن ربيعة الفهري . و عبد الله بن مسعود الهذلي . فخرجوا متسللين سراً حتى انتهوا إلى الشعيبة ، منهم الراكب و منهم الماشي ، فوفق الله لهم سفينتين للتجار حملوهم فيهما بنصف دينار ، و كان مخرجهم في رجب من السنة الخامسة من النبوة ، فخرجت قريش في آثارهم حتى جاؤوا البحر من حيث ركبوا فلم يجدوا أحداً منهم .
ثم خرج جعفر بن أبي طالب في المرة الثانية و معه امرأته أسماء بنت عميس فولدت له هناك بنيه : محمداً و عبد الله و عوناً . و عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية ، و معه امرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكناني ، و أخوه خالد بن سعيد و معه امرأته أمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة الخزاعية فولدت له هناك ابنه سعيداً و ابنته أم خالد و اسمها أمة . و عبيد الله بن جحش ، و معه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فتنصر هناك ثم توفي على النصرانية ، و تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم أم حبيبة كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
و أخوه عبد الله بن جحش . و قيس بن عبد الله حليف لبني أمية بن أمية بن عبد شمس ، معه امرأته بركة بنت يسار مولاة أبي سفيان بن حرب . و معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي حليف لبني العاص بن أمية . و عتبة بن غزوان بن جابر المازني حليف بني نوفل . و يزيد ابن زمعة بن الأسود . و عمرو بن أمية بن الحارث بن أسد . و الأسود بن نوفل بن خويلد ابن أسد . و طليب بن عمير بن وهب أبي كبير بن عبد قصي . و سويبط بن سعد بن حرملة ـ و يقال : حريملة ـ بن مالك العبدري . و جهم بن قيس بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار العبدري ، معه امرأته أم حرملة بنت عبد الأسود بن خزيمة من خزاعة و ابناه عمرو بن جهم و خزيمة بن جهم . و أبو الروم بن عمير أخو مصعب بن عمير . و فراس بن النضر بن الحارث بن كلدة . و عامر بن أبي وقاص أخو سعد . و المطلب بن أزهر بن عبد عوف ، معه امرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة السهمية ، ولدت له هناك عبد الله بن المطلب . و عبد الله بن مسعود الهذلي و هو حليف له فنسب إليه ، و هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة البهراني . و الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، و معه امرأته ريطة بنت الحارث التيمية ، فولدت له هناك : موسى و زينب و عائشة و فاطمة . و عمرو بن عثمان بن عمرو التيمي عم طلحة .
و شماس بن عثمان بن الشريد المخزومي ، و اسمه عثمان بن عفان . و هبار بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال المخزومي ، و أخوه عبد الله بن سفيان . و هشام بن أبي حذيفة بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم . و عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي . و معتب بن عوف بن عامر الخزاعي ، و بعض الناس يقول : معتب ، حليف بني مخزوم . و السائب ابن عثمان بن مظعون ، و عماه قدامة و عبد الله ابنا مظعون . و حاطب و حطاب ابنا الحارث ابن معمر الجمحي ، و مع حاطب زوجه فاطمة بنت المجلل العامري ، و ولدت له هناك محمداً و الحارث ابني حاطب ، و مع حطاب زوجه فكيهة بنت يسار . و سفيان بن معمر بن حبيب الجمحي ، و معه ابناه جابر و جنادة و أمهما حسنة و أخوهما لأمهما شرحبيل بن حسنة ، و هو شرحبيل بن عبد الله بن المطاع الكندي ، و قيل إنه من بني الغوث بن مر أخي تميم ابن مر . و عثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب بن حذافة بن جمح . و خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي السمي ، و سهم بن عمرو بن هصيص و أخوه عبد الله و قيس ابنا حذافة .
و رجل من بني تميم اسمه سعيد بن عمرو ، و كان أخا بشر بن الحارث بن قيس بن عدي لأمه . و هشام بن العاص أخو عمرو و عمير بن رئاب بن حذيفة السهمي . و أبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي و إخوته الحارث ومعمر و سعيد و السائب و بشر و أخ لهم من أمهم من تميم يقال له سعيد بن عمرو . و محمئة بن جزء الزبيدي حليف بني سهم . و معمر بن عبد الله بن نضلة ، و يقال ابن عبد الله بن نافع بن نضلة العدوي . و عروة بن عبد العزى بن حرثان العدوي . و عن مصعب الزبيري عروة بن أبي أثاثة بن عبد العزى ، أو عمرو بن أبي أثاثة . و عدي بن نضلة بن عبد العزى العدوي ، و ابنه النعمان . و مالك بن ربيعة بن قيس العامري ، و امرأته عمرة بنت أسعد بن وقدان بن عبد شمس العامرية . و سعد ابن خولة من أهل اليمن حليف لبني عامر بن لؤي . و عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى و عبد الله بن سهيل بن عمرو و عماه سليط و السكران ابنا عمرو العامريون ، و امرأته سودة بنت زمعة . و أبو عبيدة بن الجراح . و عمرو بن أبي سرح بن ربيعة . و عياض بن زهير ابن أبي شداد . و عثمان بن غنم بن زهير بن أبي شداد . و سعد بن عبد قيس بن لقيط ابن عامر الفهريون . و عمار بن ياسر و فيه خلاف بين أهل السير .
و قال بعض أهل السير : إن أبا موسى الأشعري كان فيمن هاجر إلى أرض الحبشة و ليس كذلك ، و لكنه خرج في طائفة من قومه من أرضهم باليمن يريد المدينة فركبوا البحر فرمتهم الريح إلى أرض الحبشة ، فأقام هناك حتى قدم مع جعفر بن أبي طالب .
فلم نزل هؤلاء بأرض الحبشة أمنوا على دينهم ، و أقاموا بخير دار عند خير جار ، و طلبتهم قريش عنده فكان ذلك سبب إسلامه .
قرأت على الإمام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم بن علي الحنبلي بالصالحية ، أخبركم أبو الحسن علي بن النفيس بن بورنداز ، أخبرنا أبو القاسم محمود بن عبد الكريم ، أخبرنا أبو بكر ابن ماجة ، أخبرنا أبو جعفر ، عن أبي جعفر أحمد بن محمد بن المرزبان ، عن محمد بن إبراهيم ابن يحيى بن الحكم الحزوري ، عن محمد بن سليمان لوين ، حدثنا حديج بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عتبة ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى النجاشي ثمانين رجلاً ، منهم عبد الله بن مسعود ، و جعفر ، و عبد الله بن عرفطة ، و عثمان بن مظعون رضي الله عنهم ، و بعثت قريش عمرو بن العاص ، و عمارة بن الوليد بهدية ، فقدما على النجاشي ، فدخلا عليه و سجدا له ، و ابتدراه فقعد واحد عن يمينه و الآخر عن شماله ، فقالا : إن نفراً من بني عمنا نزلوا أرضك ، فرغبوا عنا و عن ملتنا ، قال : و أين هم ؟ قالوا : بأرضك ، فأرسل في طلبهم ، فقال جعفر رضي الله عنه : أنا خطيبكم اليوم ، فاتبعوه ، فدخل فسلم ، فقالوا : ما لك لا تسجد للملك ؟ قال : إنا لا نسجد إلا لله عز و جل . قالوا . و لم ذاك ؟ قال : إن الله تعالى أرسل فينا رسولاً و أمرناً أن لا نسجد إلا لله عز و جل ، و أمرنا بالصلاة و الزكاة ، قال عمرو بن العاص : فإنهم يخالفونك في ابن مريم و أمه . قال : فما تقولون في ابن مريم و أمه ؟ قال : نقول كما قال الله عز و جل : روح الله و كلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول التي لم يمسها بشر و لم يفرضها ولد . قال : فرفع النجاشي عوداً من الأرض فقال : يا معشر الحبشة و القسيسين و الرهبان ! ما تزيدون على ما يقولون ، أشهد أنه رسول الله ، و أنه الذي بشر به عيسى في الإنجيل ، و الله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته فأكون أنا الذي حمل نعليه و أوضئه ، قال : أنزلوا حيث شئتم . و أمر بهدية الآخرين فردت عليهما .
قال : و تعجل عبد الله بن مسعود فشهد بدراً .
و قال : إنه لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم موته استغفر له .
و لعمارة بن الوليد مع عمرو بن العاص في هذا الوجه خبر مشهور ، ذكره أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني و غيره . و قال عمرو يخاطب عمارة :
إذا المرء لم يترك طعاماً يحبه و لم ينه قلباً غاوياً حيث يمما
قضى وطراً منه و غادر سبة إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
لم يذكر ابن إسحاق مع عمرو إلا عبد الله بن أبي ربيعة في رواية زياد . و في رواية ابن بكير لعمارة بن الوليد ذكر .
فأقام المهاجرون بأرض الحبشة عند النجاشي في أحسن جوار ، فلما سمعوا بمهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة رجع منهم ثلاثة و ثلاثون رجلاً و من النساء ثماني نسوة ، فمات منهم رجلان بمكة و حبس بمكة سبعة نفر ، و شهد بدراً منهم أربعة و عشرون رجلاً ، فلما كان شهر ربيع الأول و قيل المحرم سنة سبع من هجرة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ، كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى النجاشي كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام ، و بعث به مع عمرو بن أمية الضمري ، فلما قرئ عليه الكتاب أسلم ، و قال : لو قدرت أن آتيه لآتيته ، و كتب إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ففعل ، و أصدق عنه تسعمائة دينار و كان الذي تولى التزويج خالد بن سعيد بن العاص بن أمية ، و كتب إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبعث إليه من بقي عنده من أصحابه و يحملهم ، ففعل ، فجاؤوا حتى قدموا المدينة ، فيجدون رسول الله صلى الله عليه و سلم في خيبر ، فشخصوا إليه فوجدوه قد فتح خيبر فكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم المسلمين أن يدخلوهم في سهمانهم ففعلوا .
و كان سبب رجوع الأولين الاثني عشر رجلاً و من ذكر معهم من النساء فيما روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ يوماً على المشركين " والنجم إذا هوى " حتى بلغ " أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى " [ النجم : 1 ـ 20 ] ألقى الشيطان كلمتين على لسانه [ تلك الغرانيق العلى و إن شفاعتهن لترجى ] فتكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم بهما ، ثم مضى فقرأ السورة كلها فسجد ، و سجد القوم جميعاً ، و رفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه ، و كان شيخاً كبيراً لا يقدر على السجود ، و يقال : إن أبا أحيحة سعد بن العاص أخذ تراباً فسجد عليه ، و يقال كلاهما فعل ذلك ، فرضوا بما تكلم به رسول الله صلى الله عليه و سلم و قالوا : قد عرفنا أن الله يحيى و يميت و يخلق و يرزق ، و لكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده ، فأما إذا جعلت لها نصيباً فنحن معك ، فكبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه و سلم من قولهم ، حتى جلس في البيت ، فلما أمسى " أتاه جبريل فعرض عليه السورة ، فقال جبريل : ما جئتك بهاتين الكلمتين . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قلت على الله ما لم يقل ، فأوحى الله إليه " وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليل " . إلى قوله " ثم لا تجد لك علينا نصيرا " [ الإسراء : 73 ـ 75 ] " قالوا : ففشت تلك السجدة في الناس ، حتى بلغت أرض الحبشة ، فقال القوم عشائرنا أحب إلينا ، فخرجوا راجعين ، حتى إذا كانوا دون مكة بساعة من نهار لقوا ركباً من كنانة ، فسألوهم عن قريش . فقال الركب : ذكر محمد آلهتهم بخير فتابعه الملأ ، ثم ارتد عنها ، فعاد لشتم آلهتهم ، و عادوا له بالشر ، فتركناهم على ذلك . فائتمر القوم في الرجوع إلى أرض الحبشة ، ثم قالوا : قد بلغنا مكة فندخل فننظر ما فيه قريش ، و يحدث عهداً من أراد بأهله ثم يرجع ، فدخلوا مكة ، و لم يدخل أحد منهم إلا بحوار ، إلا ابن مسعود فإنه مكث يسيراً ، ثم رجع إلى أرض الحبشة . قال الواقدي : و كانوا خرجوا في رجب سنة خمس فأقاموا شعبان و شهر رمضان ، و كانت السجدة في سهر رمضان ، فقدموا في شوال سنة خمس .
قال السهيلي : ذكر هذا الخبر يعني خبر هذه السجدة موسى بن عقبة و ابن إسحاق من غير طريق البكائي ، و أهل الأصول يدفعون هذا الحديث بالحجة ، و من صححه قال فيه أقوالاً : منها أن الشيطان قال ذلك و أشاعه ، و الرسول لم ينطق به ، و هذا جيد لولا أن في حديثهم أن جبريل قال لمحمد : ما أتيتك بهذا . و منها أن النبي صلى الله عليه و سلم قالها من قبل نفسه و عنى بها الملائكة أن شفاعتهم لترتجي ، و منها أن النبي صلى الله عليه و سلم قالها حاكياً عن الكفرة ، و أنهم يقولون ذلك ، فقالها متعجباً من كفرهم . قال : و الحديث على ما خيلت غير مقطوع بصحته .
قلت : بلغني عن الحافظ عبد العظيم المنذري رحمه الله أنه كان يرد هذا الحديث من جهة الرواية بالكلية ، و كان شيخنا الحافظ عبد المؤمن الدمياطي يخالفه في ذلك . و الذي عندي في هذا الخبر أنه جار مجرى ما يذكر من أخبار هذا الباب من المغازي و السير . و الذي ذهب إليه كثير من أهل العلم الترخص في الرقائق ، و ما لا حكم فيه من أخبار المغازي ، و ما يجري مجرى ذلك ، و أنه يقبل فيها ما لا يقبل في الحلال و الحرام لعدم تعلق الأحكام بها و أما هذا الخبر فينبعي بهذا الاعتبار أن يرد ، لما يتعلق به ، إلا إن يثبت بسند لا مطعن فيه بوجه ، و لا سبيل إلى ذلك ، فيرجع إلى تأويله .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:13 AM
ذكر إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قرأت على عبد الرحيم بن يوسف المزي ، أخبركم أبو حفص بن طبرزذ ، قال : " أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي ، أخبرنا أبو علي الحسن بن غالب الحربي ، حدثنا أبو عبد الله محمد ابن أحمد المالكي القاضي ، حدثنا الحسين بن إسحاق ، حدثنا أبو علقمة عبد الله بن عيسى الفروي ، حدثنا عبد المالك بن الماجشون ، عن الزنجي بن خالد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب " . و قرأت على أبي الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو الفراء بسفح قاسيون ، أخبركم أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي فأقر به ، قال : أخبرنا الشيخان الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر الحسيني ، و أبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد بن البن الأسدي ، قالا : أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن أبي العلاء ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر التميمي ، أخبرنا أبو خيثمة بن سليمان ، حدثنا محمد بن عوف ، حدثنا سفيان الطائي ، قال : قرأت على إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، قال : ذكره أسامة بن زيد ، عن أبيه ، عن جده أسلم ، قال : قال لنا عمر بن الخطاب : أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامي ؟ قلنا : نعم . قال : كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فبينا أنا في يوم حار شديد الحر بالهاجرة في بعض طرق مكة إذ لقيني رجل من بعض قريش ، فقال لي أين تذهب يا ابن الخطاب ؟ أنت تزعم أنك هكذا ، و قد دخل عليك هذا الأمر في بيتك ! قال : قلت : و ما ذاك ؟ قال : أختك قد صبأت ، قال فرجعت مغضباً ، و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجمع الرجل و الرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة، فيكونان معه و يصيبان من طعامه ، قال : و قد ضم إلى زوج أختي رجلين ، قال : فجئت حتى قرعت الباب ، فقيل : من هذا ؟ قلت : ابن الخطاب . قال : و كان القوم جلوساً يقرؤون صحيفة معهم ، قال : فلما سمعوا صوتي تبادروا و اختفوا ، و تركوا أو نسوا الصحيفة من أيديهم ، قال : فقامت المرأة ففتحت لي .
قال : فقلت لها : يا عدوة نفسها قد بلغني أنك قد صبأت . قال : فأرفع شيئاً من يدي فأضربها به . قال : فسال الدم . قال : فلما رأت المرأة الدم بكت ثم قالت : يا ابن الخطاب ! ما كنت فاعلاً فافعل ، فقد أسلمت . قال : فدخلت و أنا مغضب . قال : فجلست على السرير ، فنظرت ، فإذا بكتاب في ناحية البيت . فقلت : ما هذا الكتاب أعطينه . فقالت : لا أعطيكه ، لست من أهله ، أنت لا تغتسل من الجنابة و لا تطهر ، و هذا لا يمسه إلا المطهرون ، قال : فلم أزل بها حتى أعطتنيه ، فإذا فيه " بسم الله الرحمن الرحيم " قال : فلما مررت بالرحمن الرحيم ذعرت و رميت بالصحيفة من يدي . قال : ثم رجعت إلي نفسي فإذا فيها " سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " [ الحديد : 1 ] قال : فكلما مررت بالاسم من أسماء الله عز و جل ذعرت ، ثم ترجع إلي نفسي حتى بلغت " آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " حتى بلغ إلى قوله : " إن كنتم مؤمنين " [ الحديد : 7 ـ 8 ] قال : فقلت أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله ، فخرج القوم يتباردون بالتكبير استبشاراً بما سمعوا مني ، و حمدوا الله عز و جل ، ثم قالوا : يا ابن الخطاب أبشر ، فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا يوم الاثنين ، فقال : " اللهم أعز الإسلام بأحد الرجلين ، إما بأبي جهل بن هشام ، و إما بعمر بن الخطاب " ، و إنا نرجو أن تكوني دعوة رسول الله صلى الله عليه و سلم لك فأبشر . قال : فلما أن عرفوا مني الصدق ، قلت لهم : أخبروني بمكان رسول الله صلى الله عليه و سلم . قالوا : هو في بيت في أسفل الصفا و صفوه . قال : فخرجت حتى قرعت الباب . قيل : من هذا ؟ قلت : ابن الخطاب . قال : قد عرفوا شدتي على رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يعلموا إسلامي . قال : فما اجترأ أحد منهم أن يفتح الباب . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " افتحوا له فإن يرد الله به خيراً يهده " . قال : ففتحوا لي و أخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من النبي صلى الله عليه و سلم . فقال : " أرسلوه " . قال : فأرسلوني ، فجلست بين يديه . قال : " فأخذ بمجمع قميصي فجبذني إليه . ثم قال : أسلم يا ابن الخطاب ، اللهم اهده " . قال : قلت : أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله . فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بطرق مكة . قال : و قد كان الرجل إذا أسلم استخفى ، ثم خرجت فكنت لا أشاء أن أرى رجلاً إذا أسلم ضرب إلا رأيته ، قال : فلما رأيت ذلك قلت لا أحب أن لا يصيبني ما يصيب المسلمين ، قال : فذهبت إلى خالي و كان شريفاً فيهم ، فقرعت الباب عليه . فقال : من هذا ؟ قلت : ابن الخطاب . قال : فخرج إلي فقلت له : أشعرت أني قد صبأت . قال : نعم . فقلت : نعم ! قال : لا تفعل . قال : قلت : بلى قد فعلت . قال : لا تفعل . فأجاف الباب دوني و تركني . قال قلت : ما هذا بشيء ؟ قال : فخرجت حتى جئت رجلاً مع عظماء قريش فقرعت عليه الباب . قال : من هذا ؟ قلت : عمر بن الخطاب . قال فخرج إلي . فقلت له : أشعرت أني قد صبأت . فقال : أو فعلت ؟ قلت : نعم . قال : فلا تفعل . قلت : قد فعلت . قال : لا تفعل . ثم قام فدخل فأجاف الباب دوني . قال : فلما رأيت ذلك انصرفت . فقال لي رجل : تحب أن يعلم إسلامك ؟ قال : قلت : نعم . قال : فإذا جلس الناس في الحجر و اجتمعوا أتيت فلاناً ـ رجلاً لم يكن يكتم السر ـ فاصغ إليه ، فقل له فيما بينك و بينه : إني قد صبأت . فإنه سوف يظهر عليك ذلك و يصيح و يعلنه . قال : فلما اجتمع الناس في الحجر جئت إلى الرجل ، فدنوت منه فأصغيت إليه فيما بيني و بينه ، فقلت : أعلمت أني قد صبأت . قال : فقال : أصبأت ؟ قلت : نعم . قال : فرفع صوته بأعلاه ، فقال : ألا إن ابن الخطاب قد صبأ . قال : فما زال الناس يضربوني و أضربهم . قال : فقال خالي : ما هذا ؟ قال : فقيل : ابن الخطاب . قال : فقام علي في الحجر فأشار بكلمه ، فقال : ألا إني قد أجرت ابن أختي . قال : فانكشف الناس عني . قال : و كنت لا أشاء أن أرى أحد من المسلمين يضرب إلا رأيته ، و أنا لا أضرب . قال : فقلت : ما هذا بشيء حتى يصيبني مثل ما يصيب المسلمين . قال : فأمهلت حتى إذا جلس الناس في الحجر وصلت إلى خالي فقلت : اسمع ؟ قال : قلت : جوارك عليك رد . قال : فقال : لا تفعل يا ابن أختي . قال : قلت : بلى هو ذاك . فقال : ما شئت . قال : فما زلت أضرب و أضرب حتى أعز الله الإسلام .
و روينا هذا الخبر من طريق ابن إسحاق ، و فيه قال : و كان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة ، و كانت عند سعيد بن زيد ، كانت قد أسلمت و أسلم زوجها سعيد ، و هم مستخفون بإسلامهم من عمر ، و كان نعيم النحام ـ رجل من قومه ـ قد أسلم ، و فيه : أن عمر خرج متوشحاً سيفه يقصد رسول الله صلى الله عليه و سلم و من معه ، و هم قريب من أربعين بين رجال و نساء ، و أن الذي قال له ما قال نعيم ، و أن خباباً كان في بيت أخته يقرئهم القرآن ، و أن الذي كان في الصحيفة سورة " طه " و أن الذي أذن في دخوله على رسول الله صلى الله عليه و سلم حمزة بن عبد المطلب ، و الرجل الذي صرح بإسلام عمر عندما قاله له جميل بن معمر الجمحي الذي يقال له ذو القلبين ، و فيه نزلت " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه " [ الأحزاب : 4 ] على أحد الأقوال و فيه يقول الشاعر :
و كيف ثوائي بالمدينة بعد ما قضى وطراً منها جميل بن معمر ؟
و رويناه من طريق ابن عائذ ، قال : أخبرني الوليد بن مسلم ، قال : حدثني عمر بن محمد ، قال : حدثني أبي محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر فذكر القصة ، و فيها : فأتيته بصحيفة فيها " طه " فقرأ فيها ما شاء الله . قال عمر : فلما بلغ " فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى " [ طه : 16 ] قال : أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً عبده و رسوله . و فيها : قالوا يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب يستفتح . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ائذنوا له ، فإن يرد الله به خيراً بهذه ، و إلا كفيتكموه بإذن الله " . قال محمد يعني ابن عائذ ـ و هذا وهم ، و إنما الذي قال : فإن يرد الله به خيراً يهده و إلا كفيتكموه : حمزة .
و في الخبر عن ابن عائذ ، قال عمر : فحدثني أبي محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر أن أباه زيد بن عبد الله بن عمر حدثه ، عن عبيد الله بن عمر ، قال : فبينا هو خائف على نفسه إذا جاءه العاص بن وائل عليه حلة و قميص مكفف بالحرير ، فقال : ما لك يا ابن الخطاب . قال : زعم قومك أنهم سيقتلونني إذا أسلمت . قال العاص : لا سبيل إليك ، فما عدا أن قالها العاص ، فأمنت عليه ، قال عبد الله بن عمر فخرج عمر و العاص فإذا الوادي قد سال بالناس . فقال لهم : أين تريدون ؟ قالوا : هذا الذي خالف دين قومه . قال : لا سبيل إليه فارجعوا فرجعوا .
و ذكر محمد بن عبد الله بن سنجر الحافظ فيما رأيته عنه بإسناده إلى شريح بن عبيد قال : قال عمر بن الخطاب : خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن أسلم ، فوجدته قد سبقني إلى المسجد ، فقمت خلفه ، فاستفتح سورة الحاقة ، فجعلت أتعجب من تأليف القرآن ، فقلت هذا و الله شاعر كما قالت قريش ، فقرأ " إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون " [ الحاقة : 40 ـ 41 ] قال : قلت : كاهن علم ما في نفسي ، فقرأ " ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون " [ الحاقة : 42 ] إلى آخر السورة . قال : فوقع الإسلام في قلبي كل موقع .
و قد ذكر غير هذا في خبر إسلام عمر رضي الله عنه أيضاً ، فالله أعلم أي ذلك كان .
أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقدسي ، و أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني قراءة عليهما و أنا حاضر في الرابعة . قال الأول : أخبرنا أبو اليمن الكندي قراءة عليه و أنا أسمع ، و قال الثاني : أخبرنا أبو علي بن الخريف قراءة عليه و أنا حاضر أسمع في الخامسة ، قالا : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري ، أخبرنا أبو الحسين محمد ابن أحمد بن حسنون ، أخبرنا معافى بن إبراهيم بن زكريا بن طرار ، أخبرنا أبو عبد الله يعني البغوي ، حدثنا عبيد الله بن عمر ، حدثنا عبد الله بن خراش ، عن العوام بن حوشب ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : لما أسلم عمر رضي الله عنه نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر رضي الله عنه . رواه ابن ماجه عن إسماعيل بن محمد الطلحي ، عن عبد الله بن خراش .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:13 AM
ذكر الخبر عن دخول بني هاشم و بني المطلب ابني عبد مناف في الشعب و ما لقوا من سائر قريش في ذلك
قال أبو عمر : أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا محمد بن سلمة المرادي ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن لهيعة ، عن محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود ، و أخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا مطرف ابن عبد الرحمن بن قيس ، حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب ، و أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي ، قالا : حدثنا محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب دخل حديث بعضهم في بعض ، قال : ثم إن كفار قريش أجمعوا أمرهم و اتفق رأيهم على قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و قالوا : قد أفسد أبناءنا و نساءنا ، فقالوا لقومه : خذوا منا دية مضاعفة و يقتله رجل من غير قريش ، و تريحوننا و تريحون أنفسكم ، فأبى قومه بنو هاشم من ذلك ، فظاهرهم بنو المطلب بن عبد مناف ، فأجمع المشركون من قريش على منابذتهم و إخراجهم من مكة إلى الشعب ، فلما دخلوا الشعب أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان بمكة من المؤمنين أن يخرجوا إلى أرض الحبشة و كانت متجراً لقريش ، و كان يثنى على النجاشي بأنه لا يظلم عنده أحد ، فانطلق إليها عامة من آمن بالله و رسوله ، و دخل بنو هاشم و بنو المطلب شعبهم ، مؤمنهم و كافرهم ، فالمؤمن ديناً و الكافر حمية ، فلما عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد منعه أجمعوا على أن لا يبايعوهم و لا يدخلوا إليهم شيئاً من الرفق ، و قطعوا عنهم الأسواق ، و لم يتركوا طعاماً و لا إداماً و لا بيعاً إلا بادروا إليه و اشتروه دونهم ، و لا يناكحوهم و لا يقبلوا منهم صلحاً أبداً ، و لا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه و سلم للقتل ، و كتبوا بذلك صحيفة و علقوها في الكعبة ، و تمادوا على العمل بما فيها من ذلك ثلاث سنين ، فاشتد البلاء على بني هاشم في شعبهم و على كل من معهم ، فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم قوم من قصي ممن ولدتهم بنو هاشم و من سواهم ، فأجمعوا أمرهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر و البراءة ، و بعث الله على صفيحتهم الأرضة فأكلت و لحست ما في الصحيفة من ميثاق و عهد ، و كان أبو طالب في طول مدتهم في الشعب يأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شراً أو غائلة ، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمه ، فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليها ، فلم يزالوا في الشعب على ذلك إلى تمام ثلاث سنين ، و لم تترك الأرضة في الصحيفة اسماً لله عز و جل إلا لحسته و بقي ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم ، فأطلع الله رسوله على ذلك فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي طالب ، فقال أبو طالب : لا و الثواقب ما كذبتني ، فانطلق في عصابة من بني عبد المطلب حتى أتوا المسجد و هم خائفون لقريش ، فلما رأتهم قريش في جماعة أنكروا ذلك ، و ظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله صلى الله عليه و سلم برمته إلى قريش ، فتكلم أبو طالب فقال : قد جرت أمور بيننا و بينكم لم نذكرها لكم ، فائتوا بصحيفتكم التي فيها مواثيقكم فلعله أن يكون بيننا و بينكم صلح ، و إنما قال ذلك أبو طالب خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها ، فأتوا بصحيفتهم معجبين ، لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يدفع إليهم ، فوضعوها بينهم و قالوا لأبي طالب قد آن لكم أن ترجعوا عما أحدثتم علينا و على أنفسكم ، فقال أبو طالب : إنما أتيتكم في أمر هو نصف بيننا و بينكم ، إن ابن أخي أخبرني و لم يكذبني ، أن هذه الصحيفة التي في أيديكم قد بعث الله عليها دابة فلم تترك فيها اسماً إلا لحسته ، و تركت فيها غدركم و تظاهرتم علينا بالظلم ، فإن كان الحديث كما يقول فأفيقوا ، فلا و الله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا ، و إن كان الذي يقول باطلاً دفعنا إليكم صاحبنا فقلتم أو استحييتم ، فقالوا : قد رضينا بالذي تقول : ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم قد أخبر بخبرها قبل أن تفتح ، فلما رأت قريش صدق ما جاء به أبو طالب عن النبي صلى الله عليه و سلم قالوا : هذا سحر ابن أخيك . و زادهم ذلك بغياً و عدوانا .
و قال ابن هشام : و ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأبي طالب : يا عم إن ربي قد سلط الأرضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسماً إلا أثبتته ، و نفت منها القطيعة و الظلم و البهتان ، قال : أربك أخبرك بهذا ؟ قال : نعم . قال فو الله ما يدخل عليك أحد . ثم خرج إلى قريش ، فقال : يا معشر قريش ! إن ابن أخي أخبرني . و ساق الخبر بمعنى ما ذكرناه .
و قال ابن إسحاق و ابن عقبة و غيرهما : و ندم منهم قوم فقالوا : هذا بغي منا على إخواننا و ظلم لهم ، فكان أول من مشى في نقض الصحيفة هشام بن عمرو بن الحارث العامري و هو كان كاتب الصحيفة ، و أبو البختري العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى و المطعم بن عدي . إلى هنا انتهى خبر ابن لهيعة عن أبي الأسود يتيم عروة ، و موسى ابن عقبة عن ابن شهاب .
و ذكر ابن إسحاق فيهم زهير بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي ، و زمعة بن الأسود بن المطلب . و ذكر ابن إسحاق في أول هذا الخبر قال : و قد كان أبو جهل فيما يذكرون لقي حكيم بن حزام و معه غلام يحمل قمحاً يريد به عمته خديجة ، و هي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في الشعب ، فتعلق به و قال : أتذهب بالطعام إلى بني هاشم ؟ قال له أبو البختري : طعام كان لعمته عنده أفتمنعه أن تأتيها بطعامها ، خل سبيل الرجل ، فأبي أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه ، فأخذ أبو البختري لحي بعير فضربه به فشجه و وطئه وطئاً شديداً .
و ذكر أبو عبد الله محمد بن سعد : هشام بن عمرو العامري المذكور و قال : كان أوصل قريش لبني هاشم حين حصروا في الشعب ، أدخل عليهم في ليلة ثلاثة أحمال طعاماً ، فعلمت بذلك قريش ، فمشوا إليه حين أصبح ، فكلموه في ذلك ، فقال : إني غير عائد لشيء خالفكم ، فانصرفوا عنه ، ثم عاد الثانية ، فأدخل عليهم ليلاً حملاً أو حملين ، فغالظته قريش وهمت به ، فقال أبو سفيان بن حرب : دعوه ، رجل وصل أهل رحمه ، أما إني أحلف بالله لو فعلنا مثا ما فعل كان أحسن بنا .
و عن ابن سعد : و كان الذي كتب الصحيفة بغيض بن عامر بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار بن قصي فشلت يده .
و حصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من حين نبئ رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كان خروجهم في السنة العاشرة ، و قيل مكثوا في الشعب سنتين .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:13 AM
ذكر خبر أهل نجران
قال ابن إسحاق : ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو بمكة عشرون رجلاً أو قريب من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة ، فوجدوه في المسجد ، فجلسوا إليه و كلموه و سألوه ، و رجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة ، فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه و سلم عما أرادوا ، دعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الله ، و تلا عليهم القرآن ، فلما سمعوه فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا له و آمنوا به و صدقوه ، و عرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره ، فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش ، فقالوا لهم : خيبكم الله من ركب ، بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل ، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم و صدقتموه بما قال ، ما نعلم ركباً أحمق منكم أو كما قالوا . فقالوا لهم : سلام عليكم لا نجاهلكم ، لنا ما نحن عليه و لكم ما أنتم عليه ، لم نأل من أنفسنا خيراً . و يقال : إن النفر من النصارى من أهل نجران ، و يقال : فبهم نزلت " الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به " إلى قوله " لا نبتغي الجاهلين " [ القصص : 52 ـ 55 ] .
و قال الزهري ما زلت أسمع من علمائنا أنهن نزلن في النجاشي و أصحابه .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:18 AM
ذكر وفاة خديجة وأبي طالب
روينا عن الدولابي ، حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي ، حدثنا زهير بن العلاء ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، قال : توفيت خديجة بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين ، و هي أول من آمن بالنبي صلى الله عليه و سلم .
قال : و حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثني يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : ثم إن خديجة بنت خويلد و أبا طالب ماتا في عام واحد ، فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه و سلم مصيبتان ، هلاك خديجة و أبي طالب ، و كانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام ، و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسكن إليها . قال : و قال زياد البكائي عن ابن إسحاق : إن خديجة و أبا طالب هلكا في عام واحد ، و كان هلاكهما بعد عشر سنين مضين من مبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ذلك قبل مهاجره صلى الله عليه و سلم إلى المدينة بثلاث سنين .
و ذكر ابن قتيبة أن خديجة توفيت بعد أبي طالب بثلاثة أيام . و ذكر البيهقي نحوه ، و عن الواقدي : توفيت خديجة قبل أبي طالب بخمس و ثلاثين ليلة . و قيل غير ذلك .
فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه و سلم من الأذى ما لم تكن تطمع فيه من حياة أبي طالب ، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه تراباً ، فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم بيته و التراب على رأسه ، فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب و هي تبكي ، و رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " لا تبكي يا بنية فإن الله مانع أباك ، و يقول بين ذلك : ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب " . قال : و لما اشتكى أبو طالب و بلغ قريشاً ثقله ، قال بعضهم لبعض : إن حمزة و عمر قد أسلما و قد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها ، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب فليأخذ لنا على ابن أخيه و ليعطه منا ، فإنا و الله ما نأمن أن ببتزونا أمرنا ، فمشوا إلى أبي طالب و كلموه و هم أشراف قومه : عتبة و شيبة ابنا ربيعة ، و أبو جهل بن هشام ، و أمية بن خلف ، و أبو سفيان بن حرب ، في رجال من أشرافهم ، فقالوا : يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمت و قد حضرك ما ترى و تخوفنا عليك ، و قد علمت الذي بيننا و بين ابن أخيك ، فادعه و خذ له منا و خذ لنا منه ليكف عنا و نكف عنه ، و ليدعننا و ديننا ، و ندعه و دينه ، فبعث إليه أبو طالب فجاءه ، فقال : يا ابن أخي هؤلاء أشراف قومك و قد اجتمعوا لك ليعطوك و ليأخذوا منك ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم . كلمة واحدة تعطونيها و تملكون بها العرب ، و تدين لكم بها العجم . فقال أبو جهل : نعم و أبيك ، وعشر كلمات . قال : " تقولون لا إله إلا الله ، و تخلعون ما تعبدون من دونه " . قال : فصفقوا بأيديهم ثم قالوا : يا محمد ، أتريد أن تجعل الآلهة إلهاً واحداً ، إن أمرك لعجب . ثم قال بعضهم لبعض : و الله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئاً مما تريدون ، فانطلقوا و امضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم و بينه . ثم تفرقوا ، فقال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه و سلم : و الله يا ابن أخي ما رأيتك سألتهم شحطاً . فلما قال طمع رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه ، فجعل يقول له : " أي عم ‍ فأنت فقلها ، أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة " . فلما رأى حرص رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال له : يا ابن أخي و الله لولا مخافة السبة عليك و على بني أبيك من بعدي ، و أن تظن قريش أني إنما قلتها جزعاً من الموت لقلتها لا أقولها إلا لأسرك بها . فلما تقارب من أبي طالب الموت نظر العباس إليه يحرك شفتيه ، فأصغى إليه بأذنه ، فقال : يا ابن أخي ‍ و الله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بقولها . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لم أسمع " . كذا في رواية ابن إسحاق أنه أسلم عند الموت .
و قد روي أن عبد الله بن عبد المطلب و آمنة بنت وهب أبوي النبي صلى الله عليه و سلم أسلما أيضاً و أن الله قد أحياهما له فآمنا به . و روي ذلك أيضاً في حق جده عبد المطلب ، و هي روايات لا معول عليها . و الصحيح من ذلك ما رويناه من طريق مسلم : " حدثني حرملة بن يحيى التجيبي ، أخبرنا عبد الله بن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سعيد ابن المسيب ، عن أبيه ، أنه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجد عنده أبا جهل و عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا عم ‍ قا لا إله إلا الله ، كلمة أشهد لك بها عند الله . فقال أبو جهل و عبد الله بن أمية : يا أبا طالب ‍ أترغب عن ملة عبد المطلب ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرضها عليه ، و يعيدان له تلك المقالة ، حتى قال أبو طالب ـ آخر ما كلمهم ـ هو على ملة عبد المطلب و أبى أن يقول لا إله إلا الله . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما و الله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك . فأنزل الله عز و جل " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم " [ التوبة : 113 ] و أنزل الله في أبي طالب ، فقال لرسول الله صلى الله عليه و سلم " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين " [ القصص : 56 ] " . و رواه مسلم من حديث أبي هريرة أيضاً و فيه : لولا أن تعيرني قريش ، يقولون : إنما حمله على ذلك الخرع لأقررت بها عينك .
و في الصحيح " من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر عنده عمه أبو طالب ، فقال : لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة ، فيجعل في ضحضاح من النار " .
" و عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أهون أهل النار في النار عذاباً أبو طالب ، و هو منتعل بنعلين من نار يغلي منهما دماغه " . " أخبرنا عبد الرحيم المزي . بقراءة والدي عليه ، أخبركم أبو علي حنبل بن عبد الله بن الفرج ، أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أخبرنا أبو علي بن المذهب ، أخبرنا أبو بكر القطيعي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت ناجية بن كعب يحدث عن علي ، أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إن أبا طالب مات فقال له النبي صلى الله عليه و سلم اذهب فواره . فقال : إنه مات مشركاً . قال : اذهب فواره . فلما واريته رجعت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال لي : اغتسل " .
و أخبرنا أبو الفضل بن الموصلي ، قال : " أخبرنا أبو علي بن سعادة الرصافي ، أخبرنا هبة الله بن محمد الشيباني ، أخبرنا الحسن بن علي التميمي ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن وكيع بن عدس ، عن أبي رزين عمه ، قال : يا رسول الله ! أين أمي ؟ قال : أمك في النار قال : فأين من أهلك ؟ قال : أما ترضى أن تكون أمك مع أمي ؟ ! " . قال عبد الله : قال أبي : الصواب حدس .
و ذكر بعض أهل العلم في الجمع بين هذه الروايات ما حصله أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يزل راقياً في المقامات السنية ، صاعداً في الدرجات العلية إلى أن قبض الله روحه الطاهرة إليه و أزلفه بما خصه به لديه من الكرامة حين القدوم عليه ، فمن الجائز أن تكون هذه درجة حصلت له صلى الله عليه و سلم بعد أن لم تكن ، و أن يكون الإحياء و الإيمان متأخراً عن تلك الأحاديث فلا تعارض .
و قال السهيلي : شهادة العباس لأبي طالب لو أداها بعدما أسلم كانت مقبولة ، لأن العدل إذا قال سمعت و قال من هو أعدل منه لم أسمع ، أخذ بقول من أثبت السماع ، و لكن العباس شهد بذلك قبل أن يسلم .
قلت : قد أسلم العباس بعد ذلك ، و سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن حال أبي طالب فيما أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف ، بقراءة أبي عليه ، و قرأت على أبي الهيجاء غازي بن أبي الفضل ، قال : " أخبرنا أبو حفص بن طبرزد ، قال : أخبرنا ابن الحصين ، أخبرنا أبو طالب ابن غيلان ، أخبرنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عبد الملك بن عمير ، قال : سمعت عبد الله بن الحارث بن نوفل ، قال : سمعت العباس يقول : قلت يا رسول الله ، إن أبا طالب كان يحفظك و ينصرك ، فهل نفعه ذلك قال : نعم ، و جدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح " . صحيح الإسناد مشهور ، متفق من حديث العباس في الصحيحين .
و لو كانت هذه الشهادة عنده لأداها بعد إسلامه ، و علم حال أبي طالب و لم يسأل ، و المعتبر حالة الأداء دون التحمل .
و فيما ذكره السهيلي ، أن الحارث بن عبد العزى أبا رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرضاعة قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة ، فأسلم و حسن إسلامه ، في خبر ذكره من طريق يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، عن أبيه ، عن رجال من بني سعد بن بكر .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:19 AM
ذكر خروج النبي صلى الله عليه و سلم إلى الطائف
و ذلك في ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة ، قال ابن إسحاق :
" و لما هلك أبو طالب و نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لم تكن تنال منه في حياته ، خرج إلى الطائف و حده ـ و قال ابن سعد : و معه زيد بن حارثه ـ يلتمس النصرة من ثقيف و المنعة بهم من قومه ، و رجا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله ، فلما انتهى إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف ، و هم يومئذ سادة ثقيف و أشرافهم ، و هم إخوة ثلاثة : عبد ياليل ، و مسعود ، و حبيب ، بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف ، و عند أحدهم من قريش من بني جمح ، فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و كلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام ، و القيام معه على من خالفه من قومه . فقال له أحدهم : هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك . و قال الآخر : أما وجد الله أحداً يرسله غيرك . و قال الثالث : و الله لا أكلمك أبداً ، لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام ، و لئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك . فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم من عندهم و قد يئس من خير ثقيف ، و قد قال لهم ـ فيما ذكر لي ـ إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي ، و كره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبلغ قومه عنه . فيذئرهم ذلك عليه ، فلم يفعلوا و أغروا به سفهاءهم و عبيدهم يسبونه و يصيحون به ، حتى اجتمع عليه الناس .
قال موسى بن عقبة : قعدوا له صفين على طريقه ، فلما مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بين صفيهم جعل لا يرفع رجليه و لا يضعها إلا رضخوهما بالحجارة ، حتى أدموا رجليه .
زاد سليمان التيمي : أنه صلى الله عليه و سلم كان إذا أذلقته الحجارة قعد إلى الأرض ، فيأخذون بعضديه فيقيمونه ، فإذا مشى رجموه و هم يضحكون .
و قال ابن سعد : و زيد بن حارثة يقيه بنفسه ، حتى لقد شج في رأسه شجاجاً .
قال ابن عقبة : فخلص منهم ، و رجلاه تسيلان دماً ، فعمد إلى حائط من حوائطهم فاستظل في ظل حبلة منه و هو مكروب موجع ، و إذا في الحائط عتبة و شيبة ابنا ربيعة ، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عدواتهما لله و رسوله . قال : فلما رآه ابنا ربيعة و ما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له عداس ، فقالا له : خذ قطفاً من هذا العنب ، فضعه في هذا الطبق ، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل ، فقل له يأكل منه ، ففعل عداس ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم قال له : كل ، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه يده قال : بسم الله ، ثم أكل ، فنظر عداس في وجهه ، ثم قال : و الله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد . فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : و من أي البلاد أنت يا عداس ؟ و ما دينك ؟ قال : نصراني و أنا من أهل نينوى . فقال له : كل ، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه و سلم في يده قال : بسم الله ، ثم أكل ، فنظر عداس في وجهه ، ثم قال : و الله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد . فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : و من أي البلاد أنت يا عداس ؟ و ما دينك ؟ قال : نصراني و أنا من أهل نينوى . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أهل قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ قال له عداس : و ما يدريك لقد أعلمني بأمر لا يعلمه إلا نبي . قالا : ويحك يا عداس ، لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه " .
و روينا في الصحيح ، " من حديث عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت للنبي صلى الله عليه و سلم : هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد ؟ فقال : لقد لقيت من قومك ، و كان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت على وجهي و أنا مهموم ، فلم أستفق إلا و أنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فإذا فيها جبريل ، فناداني ، فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك و ما ردوا عليك ، و قد بعث إليك ملك الجبال ، لتأمره بما شئت فيهم . فناداني ملك الجبال ، فسلم علي فقال : يا محمد ، ذلك لك فما شئت ؟ و إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً " .
و ذكر ابن هشام : " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما انصرف عن أهل الطائف و لم يجيبوه لما دعاهم إليه من تصديقه و نصرته ، صار إلى حراء ، ثم بعث إلى الأخنس بن شريق لجيره ، فقال : أنا حليف ، و الحليف لا يجير . فبعث إلى سهيل بن عمرو ، فقال : إن بني عامر لا تجير على بني كعب . فبعث إلى المطعم بن عدي فأجابه إلى ذلك ، ثم تسلح المطعم و أهل بيته ، و خرجوا حتى أتوا المسجد ، ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ادخل ، فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فطاف بالبيت و صلى عنده ، ثم انصرف إلى منزله .
و لأجل هذه السابقة التي سلفت للمطعم بن عدي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في أسارى بدر : لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:19 AM
ذكر إسلام الجن
و في انصراف رسول الله صلى الله عليه و سلم من الطائف راجعاً إلى مكة حين يئس من خير ثقيف مر به النفر من الجن و هو بنخلة ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى . و هم فيما ذكر ابن إسحاق سبعة من جن نصيبين ، و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قام من جوف الليل و هو يصلي . و الخبر بذلك ثابت "من طريق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : قرأت على أبي عبد الله بن أبي الفتح الصوري بمرج دمشق ، أخبركم أبو القاسم بن الحرستاني سماعاً عليه ؟ فأقر به . أخبرنا أبو محمد طاهر بن سهل ، أخبرنا أبو الحسين بن مكي ، أخبرنا القاضي أبو الحسن الحلبي ، قال : حدثني إسحاق بن محمد بن يزيد ، قال : حدثنا أبو داود ـ يعني سليمان بن سيف ـ حدثنا أيوب بن خالد ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني إبراهيم ابن طريف ، حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري ، حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : حدثني عبد الله بن مسعود ، قال :
كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم ليلة صرف الله النفر من الجن . . . " الحديث .
و روينا من حديث أبي المعلى ، " عن عبد الله بن مسعود ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل الهجرة إلى نواحي مكة فخط لي خطاً ، و قال : لا تحدثن شيئاً حتى آتيك .
ثم قال : لا يروعنك أو لا يهولنك شيء تراه . ثم جلس ، فإذا رجال سود كأنهم رجال الزط . قال : و كانوا كما قال الله : " كادوا يكونون عليه لبدا " [ الجن : 19 ] فأردت أن أقوم فأذب عنه ، بالغاً ما بلغت ، ثم ذكرت عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فمكثت ، ثم إنهم تفرقوا عنه ، فسمعتهم يقولون : يا رسول الله ، إن شقتنا بعيدة و نحن منطلقون ، فزودنا . . الحديث . و فيه : فلما و لوا قلت : من هؤلاء ؟ قال هؤلاء جن نصيبين " .
" و روينا من حديث أبي عبد الله ، و فيه قال : ثم شبك أصابعه في أصابعي و قال : إني و عدت أن تؤمن بي الجن و الإنس ، فأما الإنس فقد آمنت بي و أما الجن فقد رأيت " .
و روى أبو عمر " من طريق أبي داود ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال : لما كانت ليلة الجن أتت النبي صلى الله عليه و سلم سمرة فآذنته بهم ، فخرج إليهم " .
قال أبو داود حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا سفيان عن مسعر ، عن عمرو بن مرة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، أن مسروقاً قال له : أبوك أخبرنا أن شجرة أنذرت النبي صلى الله عليه و سلم بالجن .
و روينا حديث أبي فزارة ، "عن أبي زيد عمرو بن مولى بن حريث ، حدثنا عبد الله بن مسعود ، قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال : إني قد أمرت أن أقرأ على إخوانكم من الجن ، فليقم معي رجل منكم ، و لا يقم رجل في قلبه مثقال حبة خردل من كبر ، فقمت معه ، و أخذت إداوة فيها نبيذ ، فانطلقت معه فلما برز خط لي خطاً و قال لي : لا تخرج منه فإنك إن خرجت لم ترني و لم أراك إلى يوم القيامة . قال : ثم انطلق فتوارى عني حتى لم أره ، فلما سطع الفجر أقبل ، فقال لي : أراك قائماً . فقلت ما قعدت . فقال : ما عليك لو فعلت . قلت : خشيت أن أخرج منه . فقال : أما إنك لو خرجت منه لم ترني و لم أراك إلى يوم القيامة . هل معك وضوء ؟ قلت : لا ، فقال : ما هذه الإداوة ؟ قلت : فيها نبيذ . قال : تمرة طيبة و ماء طهور . فتوضأ و أقام الصلاة ، فلما قضى الصلاة قام إليه رجلان من الجن فسألاه المتاع . فقال : ألم آمر لكما و لقومكما بما يصلحكما ؟ قالا : بلى ، و لكن أحببنا أن يشهد بعضنا معك الصلاة . فقال : ممن أنتما ؟ قالا : من أهل نصيبين . فقال : أفلح هذان و أفلح قومهما ، و أمر لهما بالروث و العظم طعاماً ولحماً ، و نهى النبي صلى الله عليه و سلم أن يستنجي بعظم أو روثة " .
رويناه من حديث قيس بن الربيع و هذا لفظه .
و من حديث الثوري و إسرائيل و شريك و الجراح بن مليح و أبي عميس كلهم عن أبي فزارة .
و غير طريق أبي فزارة عن أبي زيد لهذا الحديث أقوى منها ، للجهالة الواقعة في أبي زيد ، ولكن أصل الحديث مشهور عن ابن مسعود من طرق حسان متظافرة يشهد بعضها لبعض ويشد بعضها بعضاً ، و لم تتفرد طريق أبي زيد إلا بما فيها من التوضؤ بنبيذ التمر ، وليس ذلك مقصودنا الآن . و يكفي من أمر الجن مافي سورة الرحمن ، و سورة قل أوحي إلي ، و سورة الأحقاف " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن " [ الأحقاف : 29 ] الآيات .
و ذكر ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يشعر بالجن و هم يستمعون له يقرأ حتى نزلت عليه " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن " الآية .
و روينا عن ابن هشام قال : حدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي ، و غيره من مشائخ بكر بن وائل من أهل العلم ، أن أعشى بني قيس بن ثعلبة ، خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد الإسلام فقال يمدح رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمداو بت كما بات السليم مسهداً
ألا أيهذا السائلي أين يممت فإن لها في أهل يثرب موعدا
و آوليت لا آوي لها من كلالة و لا من حفا حتى تلاقي محمدا
متى ما تناخى عند باب ابن هاشم تراحي و تلقي من فواضله ندى
نبياً يرى ما لا ترون و ذكرهأغار لعمري في البلاد و أنجدا
له صدقات ما تغب و نائل و ليس عطاء اليوم مانعه غدا
أجدك لم تسمع وصاة محمدنبي الإله حين أوصى و أشهدا
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقىو لاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله فترصد للموت الذي كان أرصدا
فلما كان بمكة أو قريباً منها اعترضه بعض المشركين من قريش ، فسأله عن أمره ، فأخبره أنه جاء يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم ليسلم ، فقال له : يا أبا صبير ! فإنه يحرم الزنا .
فقال الأعشى : و الله إن ذلك لأمر مالي فيه من أرب . فقال : يا أبا بصير ، فإنه يحرم الخمر . قال الأعشى : أما هذه فو الله إن في النفس منها لعلالات ، و لكني منصرف أرتوي منها عامي هذا ، ثم آتيه فأسلم . فانصرف فمات في عامه ذلك ، و لم يعد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم .
قوله : [ لا آوي لها من كلالة ] أي لا أرق . و في هذه الأبيات عن غير ابن هشام بعد قوله أغار لعمري في البلاد و أنجدا :
به أنقذا الله الأنام من العمى و ما كان فيهم من يريع إلى هدى
و قوله : فلما كان بمكة و هم ظاهر ، لأن تحريم الخمر إنما كان بعد أحد ، و في الأبيات : [ فإن لها في أهل يثرب موعداً ] ، و هو أيضا مما يبين ذلك ، و الله أعلم .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:20 AM
خبر الطفيل بن عمرو الدوسي
روينا عن محمد بن سعد ، " أخبرنا محمد بن عمر ، حدثني عبد الله بن جعفر ، عن عبد الواحد بن أبي عوف الدوسي ، و كان له حلف في قريش ، قال : كان الطفيل شريفاً شاعراً نبيلاً كثير الضيافة ، فقدم مكة و رسول الله صلى الله عليه و سلم بها ، فمشى إليه رجال من قريش ، فقالوا : يا طفيل ، إنك قدمت بلادنا ، و هذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا ، و فرق جماعتنا ، و شتت أمرنا ، و إنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل و أبيه و بين الرجل و أخيه . قال : فو الله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئاً ، و لا أكلمه ، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله ، فمكثت حتى انصرف إلى بيته ، فقلت : يا محمد ! إن قومك قالوا لي كذا و كذا حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك . فاعرض علي أمرك . فعرض عليه الإسلام و تلا عليه القرآن ، فقال : لا و الله ما سمعت قولاً قط أحسن من هذا ، و لا أمراً أعدل منه ، فأسلمت . فقلت : يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي ، و أنا راجع إليهم فداعبهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يكون لي عوناً عليهم . قال: اللهم اجعل له آية . فخرجت حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح ، فقلت اللهم في غير وجهي ، فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة ، فتحول في رأسي سوطي ، فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور كالقنديل المعلق . قال : فأتاني أبي ، فقلت له . قال : ديني دينك فأسلم . ثم ائتني صاحبتي ، فذكر مثل ذلك ، فأسلمت ، ثم دعوت دوساً إلى الإسلام فأبطؤوا علي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة ، فقلت يا رسول الله ! قد غلبتني دوس ، فادع الله عليهم . فقال : اللهم اهد دوساً ، فخرجت إليهم ، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم بمن أسلم من قومي و هو بخيبر بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس ، فأسهم لنا مع المسلمين ، و قلنا : يا رسول الله ! اجعلنا ميمنتك ، و اجعل شعارنا [ مبرور ] .
ففعل ، ثم قلت بعد فتح مكة يا رسول الله ! ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه ، فبعثه . و جعل الطفيل يقول :
يا ذا الكفين لست من عبادكا ميلادنا أكبر من ميلادكا
إن حشت النار في فؤادكا
قال : فلما أحرقته أسلموا جميعاً ، ثم قتل الطفيل باليمامة شهيداً " . و الخبر عند ابن سعد طويل و أنا اختصرته .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:20 AM
ذكر الحديث عن مسرى رسول الله صلى الله عليه و سلم و معراجه و فرض الصلاة
قرأت على أبي عبد الله بن أبي الفتح الصوري ، أخبركم الشيخان أبو مسلم المؤيد ابن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الإخوة ، و أم حبيبة عائشة بنت معمر بن الفاخر القرشية إجازة ، قالا : " أخبرنا أبو الفرج سعيد بن الرجاء الصيرفي قراءة عليه و نحن نسمع بأصبهان ، أخبرنا أبو نصر إبراهيم بن محمد بن علي الأصبهاني الكسائي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ ، أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن علي الوساوسي ، حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني ، عن أبي صالح مولى أم هانئ ، عن أم هانىء ، قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم بغلس و أنا على فراشي ، فقال : أشعرت أني نمت الليلة في السمجد الحرام ، فأتاني جبريل عليه السلام فذهب بي إلى باب المسجد ، فإذا دابة أبيض فوق الحمار و دون البغل ، مضطرب الأذنين ، فركبته ، فكان يضع حافره مد بصره ، إذا أخذ في هبوط طالت يداه و قصرت رجلاه ، و إذا أخذ في صعود طالت رجلاه و قصرت يداه ، و جبريل عليه السلام لا يفوتني ، حتى إذا انتهينا إلى بيت المقدس ، فأوثقته بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها ، فنشر لي رهط من الأنبياء ، فيهم إبراهيم و موسى و عيسى عليهم السلام ، فصليت بهم و كلمتهم ، و أتيت بإناءين أحمر و أبيض ، فشربت الأبيض ، فقال لي جبريل عليه السلام : شربت اللبن و تركن الخمر ، لو شربت الخمر لارتدت أمتك . ثم ركبته فأتيت المسجد الحرام فصليت به الغداة .
فتعلقت بردائه و قلت أنشدك الله ابن عم إن تحدث بهذا قريشاً ، فيكذبك من صدقك . فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدي ، فارتفع عن بطنه فنظرت إلى عكنه فوق ردائه ، و كأنه طي القراطيس و إذا نور ساطع عند فؤاده كاد يخطف بصري ، فخررت ساجدت ، فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج ، فقلت لجاريتي نبعة ، ويحك ! اتبعيه فانظري ماذا يقول ؟ و ماذا يقال له ؟ فلما رجعت نبعة أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم انتهى إلى نفر من قريش في الحطيم ، فيهم المطعم بن عدي بن نوفل ، و عمرو بن هشام ، و الوليد بن المغيرة . فقال : إني صليت الليلة العشاء في هذا المسجد ، و صليت به الغداة ، و أتيت فيما بين ذلك بيت المقدس ، فنشر لي رهط من الأنبياء ، منهم إبراهيم و موسى و عيسى عليهم السلام ، فصليت بهم و كلمتهم . فقال عمرو بن هشام كالمستهمزئ ، صفهم لي . فقال : أما عيسى ففوق الربعة و دون الطويل ، عريض الصدر ، ظاهر الدم ، جعد الشعر ، يعلوه صهبة كأنه عروة بن مسعود الثقفي ، و أما موسى عليه السلام فضخم آدم ، طويل كأنه من رجال شنوءة ، كثير الشعر ، غائر العينين ، متراكب الأسنان ، مقلص الشفتين ، خارج اللثة ، عابس ، و أما إبراهيم عليه السلام فو الله إنه لأشبه الناس بي خلقاً و خلقاً ، فضجوا و أعظموا ذلك ، فقال المطعم بن عدي بن نوفل : كل لأمرك قبل اليوم كان أمماً ، غير قولك اليوم ، أشهد أنك كاذب ، نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعداً شهراً و منحدراً شهراً ، تزعم أنك أتيته في ليلة ، و اللات و العزى لا أصدقك ، و ما كان هذا الذي تقول قط . و كان للمطعم بن عدي حوض على زمزم ، أعطاه إياه عبد المطلب فهدمه ، فأقسم باللات و العزى لا يسقي منه قطرة أبداً ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا مطعم ، بئس ما قلت لابن أخيك ، جبهته و كذبته ، أنا أشهد أنه صادق فقال : يا محمد ، صف لنا بيت المقدس . قال : دخلته ليلا و خرجت منه ليلا ، فأتاه جبريل عليه السلام فصوره في جناحه ، فجعل يقول باب منه كذا في موضع كذا ، و باب منه كذا في موضع كذا ، و أبو بكر رضي الله عنه يقول : صدقت صدقت . قالت نبعة فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يومئذ : يا أبا بكر إن الله عز و جل قد سماك الصديق ، قالوا : يا مطعم دعنا نسأله عما هو أغنى لنا من بيت المقدس ، يا محمد أخبرنا عن عيرنا . فقال : أتيت على عير بني فلان بالروحاء قد أضلوا ناقة لهم ، و انطلقوا في طلبها ، فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد ، و إذا قدح ماء فشربت منه ، فسلوهم عن ذلك . فقالوا : هذه و اللات و العزى آية ، ثم انتهيت إلى عير بني فلان مني الإبل ، و برك منها جمل أحمر عليه جوالق ، مخطط ببياض ، و لا أدري أكسر البعير أم لا ؟ فاسألوهم عن ذلك . فقالوا : هذه و الآلهة آية . ثم انتهيت إلى عير بني فلان بالأبواء ، يقدمها جمل أوراق ، ها هي تطلع عليكم من الثنية . فقال الوليد بن المغيرة : ساحر . فانطلقوا فنظروا فوجدوا كما قال ، فرموه بالسحر . و قالوا : صدق الوليد بن المغيرة فيما قال ، و أنزل الله تبارك و تعالى " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن " . قلت يا أم هانئ ما الشجرة الملعونةفي القرآن ؟ قالت : الذين خوفوا فلم يزدهم التخويف إلا طغياناً كبيراً ".
و روينا من طريق البخاري ، " حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، قال سمعت جابر بن عبد الله ، أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول : لما كذبتني قريش قمت في الحجر ، فجلى الله لي بيت المقدس فطففت أخبرهم عن آياته و أنا أنظر إليه " .
و قرأت على أبي حفص عمر بن عبد المنعم بن القواس بعربيل بغوطة دمشق ، أخبركم أبو القاسم بن الحرستاني في الرابعة ، فأقر به . قال " أخبرنا جمال الإسلام أبو الحسن علي ابن المسلم السلمي ، قال أخبرنا أبو نصر الحسين بن محمد بن أحمد بن طلاب الخطيب سماعاً ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع ، حدثنا محمد بن صالح بن زكريا ابن يحيى بن داود بن زكريا العثماني ، حدثنا أحمد بن العلاء ، حدثنا زيد بن أسامة ، عن سفيان ، عن مسعر ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه و سلم : أتي بدابة فوق الحمار و دون البغل ، خطوه مد البصر ، فلما دنا منه اشمأز ، فقال جبريل : اسكن ، فما ركبك أحد أكرم على الله من محمد " .
" و عن عائشة و أم سلمة و أم هانئ و ابن عمرو و ابن عباس رضي الله عنهم ، قالوا : أسري برسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : حملت على دابة بيضاء بين الحمار و بين البغل ، في فخذيها جنحان تحفز بهما رجليها ، فلما دنوت لأركبها شمست ، فوضعت جبريل يده على معرفتها ، ثم قال : ألا تستحيين يا براق مما تصنعين ؟ و الله ما ركب عليك أحد قبل محمد أكرم على الله منه . فاستحييت حتى أرفضت عرقاً ، ثم قرت حتى ركبتها . . " الحديث .
و في رواية يونس بن بكير : " عن ابن إسحاق في هذا الخبر أنه عليه السلام وعد قريشاً بقدوم العير الذين أرشدهم إلى البعير ، و شرب إناءهم ، أن يقدموا يوم الأربعاء ، فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتى كربت الشمس أن تغرب ، فدعا الله فحبس الشمس حتى قدموا كما وصف . قال : و لم تحبس الشمس إلا له ذلك اليوم و ليوشع بن نون " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:23 AM
حديث المعراج
روينا من طريق مسلم ، " حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أتيت بالبراق و هو دابة أبيض طويل فوق الحمار و دون البغل علي بن أبي طالب يضع حافره عند منتهى طرفه ، قال : فركبته حتى أتيت بيت المقدس . قال : فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء . قال : ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر و إناء لبن ، فاخترت اللبن . فقال جبريل صلى الله عليه و سلم : اخترت الفطرة ، ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل عليه السلام ، فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل . قيل : و من معك ؟ قال محمد صلى الله عليه و سلم . قيل : و قد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي و دعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية ، فاستفتح جبريل فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل . قيل : و من و معك ؟ قال : محمد . قيل : و قد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه . قال : ففتح لنا ، فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم و يحيى بن زكريا صلوات الله عليهما ، فرحبا بي و دعوا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل . قيل : و من معك ؟ قال : محمد . قيل : و قد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه و سلم ، و إذا هو قد أعطي شطر الحسن . قال : فرحب بي و دعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة ، فاستفتح جبريل . قيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قال : و من معك ؟ قال : محمد . قال : و قد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا بإدريس ، فرحب بي و دعا لي بخير . قال الله عز و جل : " ورفعناه مكانا عليا " [ مريم : 57 ] ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة ، فاستفتح جبريل . قيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : و من معك ؟ قال : محمد . قيل : و قد بعث إليه . قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بهارون صلى الله عليه و سلم ، فرحب بي و دعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة ، فاستفتح جبريل . قيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : و من معك ؟ قال : محمد . قيل : و قد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا بموسى صلى الله عليه و سلم فرحب بي و دعا لي بخير . ثم عرج بنا إلى السماء السابعة ، فاستفتح جبريل . فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : و من معك ؟ قال : محمد . قيل : و قد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه و سلم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور ، و إذا هو يدخله كل يوم سبعين ألف ملك لا يعودون إليه ، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى ، فإذا ورقها كآذان الفيلة و إذا ثمرها كالقلال . قال : فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ، فأوحى الله إلي ما أوحى ، ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم و ليلة ، ، فنزلت إلى موسى ، فقال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة . قال : ارجع إلى ربك فسله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فإني قد بلوت بني إسرائيل و خبرتهم . قال : فرجعت إلى ربي ، فقلت : يا رب ، خفف عن أمتي . فحط عني خمساً ، فرجعت إلى موسى . فقلت : حط عني خمساً . قال : إن أمتك لا يطيقون ذلك ، فارجع إلى ربك فسله التخفيف . قال : فلم أزل أرجع بين ربي تبارك و تعالى و بين موسى حتى قال : يا محمد ، إنهن خمس صلوات في كل يوم و ليلة ، بكل صلاة عشر ، فذلك خمسون صلاة . و من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشراً . و من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه شيئاً ، فإن عملها كتبت السيئة واحدة . قال : فنزلت حتى انتهيت إلى موسى ، فأخبرته . فقال : ارجع إلى ربك فسله التخفيف . فقلت : قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه " .
قال الشيخ : أبو أحمد ، حدثنا أبو العباس الماسرجسي حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا حماد بن سلمة بهذا الحديث .
و قد روينا " من طريق ابن شهاب عن أنس بن مالك قال : كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فرج سقف بيتي و أنا بمكة ، فنزل جبريل عليه السلام ففرج صدري ثم غسله من ماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة و إيمانا فأفرغها في صدري ، ثم أطبقه ، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء .. " الحديث .
قال ابن شهاب : " و أخبرني ابن حزم أن ابن عباس و أبا حبة الأنصاري يقولان : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام و فيه : ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، و إذا ترابها المسك " .
و في حديث مالك بن صعصعة : " فلما جاوزته ـ يعني موسى ـ بكى ، فنودي ما يبكيك ؟ قال ، رب هذا غلام بعثته بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي .
و فيه : ثم رفع لي البيت المعمور . فقلت : يا جبريل ! ما هذا ؟ قال هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه آخر ما عليهم " .
و في حديث أبي هريرة : " و قد رأيتني في جماعة من الأنبياء ، فحانت الصلاة فأممتهم ، فقال قائل : يا محمد : هذا مالك خازن النار فسلم عليه ، فالتفت ، فبدأني بالسلام " .
و كلها في الصحيح ، و حديث ثابت عن أنس أحسنها مساقاً .
و روينا من طريق الترمذي ، " حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا أبو تميلة ، عن الزبير بن جنادة ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لما انتهينا إلى بيت المقدس ، قال جبريل بأصبعه فخرق بها الحجر و شد به البراق " .
و ذكر ابن إسحاق " في حديث أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه و سلم رؤيته آدم في سماء الدنيا تعرض عليه أرواح بنيه فيسر بمؤمنيها ، و يعبس بوجهه عند رؤية كافريها ، ثم قال : رأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الإبل ، في أيديهم قطع من نار كالأفهار ، يقذفونها في أفواههم فتخرج من أدبارهم . قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء أكلة أموال اليتامى ظلماً . قال : ثم رأيت رجالاً لهم بطون لم أر مثلها قط ، بسبيل آل فرعون ، يمرون عليهم كالإبل المهيومة ، حين يعرضون على النار يطؤونهم ، لا يقدرون على أن يتحولوا من مكانهم ذلك . قال : قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء أكلة الربا . قال : ثم رأيت رجالاً بين أيديهم لحم سمين طيب إلى جنبه لحم غث منتن يأكلون من الغث المنتن ، و يتركون السمين الطيب . قال : قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يتركون ما أحل الله له من النساء و يذهبون إلى ما حرم الله عليهم منهن . قال : ثم رأيت نساء معلقات بثديهن . فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء اللاتي أدخلن على الرجال ما ليس من أولادهم " .
و قد اختلف العلماء في المعارج و الإسراء هل كانا في ليلة واحدة أو لا ؟ و أيهما كان قبل الآخر ؟ و هل كان ذلك كله في اليقظة أو في المنام . أو بعضه في اليقظة و بعضه في المنام ؟ و هل كان المعراج مرة أو مرات ؟ و اختلفوا في تاريخ ذلك .
و الذي روينا عن ابن سعد في المعراج ، " عن محمد بن عمر ، عن أبي بكر بن عبد الله ابن أبي سبرة و غيره من رجاله ، قالوا : كان عليه الصلاة و السلام يسأل ربه أن يريه الجنة و النار ، فلما كانت ليلة السبت لسبع عشرة خلت من شهر رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً ، و رسول الله صلى الله عليه و سلم نائم في بيته ظهراً ، أتاه جبريل و ميكائيل ، فقالا : انطلق إلى ما سألت الله . فانطلقا به إلى ما بين المقام و زمزم ، فأتي بالمعراج فإذا هو أحسن شيء منظراً ، فعرجا به إلى السموات سماء سماء .. " الحديث .
و ذكر السهيلي رحمه الله خلاف السلف في الإسراء : هل كان يقظة أو مناماً ؟ و حكى القولين و ما يحتج به لكل قول منهما ، ثم قال : و ذهبت طائفة ثالثة منهم شيخنا أبو بكر ابن العربي إلى تصديق المقالتين و تصحيح المذهبين ، و أن الإسراء كان مرتين إحداهما في نومه توطئة له و تيسيراً عليه ، كما كان بدء نبوته الرؤيا الصالحة ليسهل عليه أمر النبوة فإنه عظيم تضعف عنه القوى البشرية ، و كذلك الإسراء سهله عليه الرؤيا ، لأن هوله عظيم فجاء في اليقظة على توطئة و تقدمة رفقاً من الله بعبده و تسهيلاً عليه . و رجح هذا القول أيضاً للجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك ، فإن في ألفاظها اختلافاً ، و تعدد الواقعة أقرب لوقوع جميعها . و حكى قولاً رابعاً ، قال : كان الإسراء بجسده إلى بيت المقدس في اليقظة ثم أسري بروحه عليه السلام إلى فوق سبع سماوات ، و لذلك شنع الكفار قوله : أتيت بيت المقدس في ليلتي هذه . و لم يشنعوا قوله فيما سوى ذلك .
======

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:23 AM
قال : و قد تكلم العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه و سلم لربه ليلة الإسراء ، فروي عن مسروق عن عائشة أنها أنكرت أن يكون رآه ، قالت : و من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله ، و احتجت بقوله سبحانه و تعالى : " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " [ الأنعام : 103 ] .
و روينا من طريق الترمذي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي ، قال : لقي ابن عباس كعباً بعرفة ، فسأله عن شيء ، فكبر حتى جاوبته الجبال .فقال ابن عباس : إنا بنو هاشم نقول إن محمداً رأى ربه . فقال كعب : إن الله قسم رؤيته و كلامه بين محمد و موسى ، فكلم موسى مرتين و رآه محمد مرتين .
و روينا من طريق مسلم " عن أبي ذر ، قلت : يا رسول الله ، هل رأيت ربك ؟ قال : رأيت نوراً " . و في حديث آخر عند مسلم قال : " نور أنى أراه " .
و في تفسير النقاش عن ابن عباس : أنه سئل هل رأى محمد ربه ؟ فقال رآه رآه . حتى انقطع صوته .
و في تفسير عبد الرزاق عن معمر عن الزهري و ذكر إنكار عائشة أنه رآه ، فقال الزهري : ليست عائشة أعلم عندنا من ابن عباس .
و في تفسير ابن سلام عن عروة ، انه كان إذا ذكر إنكار عائشة يشتد ذلك عليه .
و قول أبي هريرة في هذه المسألة كقول ابن عباس أنه رآه .
قال أبو القاسم : و المتحصل من هذه الأقوال أنه رآه لا على أكمل ما تكون الرؤية ، على نحو ما يراه في حظيرة القدس عند الكرامة العظمى و النعيم الأكبر ، و لكن دون ذلك ، و إلى هذا يومىء قوله : رأيت نوراً .
قلت : و قوله تعالى " لا تدركه الأبصار " لا يعارض هذا لأنه لا يلزم من الرؤية الإدراك .
و أما فرض الصلاة فكان ليلة المعراج ، و قد ذكرنا عن الواقدي من طريق ابن سعد : أنه كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً من مكة إلى السماء . ومن يرى أن المعراج من بيت المقدس و أنه هو الإسراء في تاريخ واحد ، فقد ذكرنا في الإسراء أنه ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة ، و بعد المبعث بتسع ، أو اثنتي عشرة على حسب اختلافهم في ذلك ، و هذا هو المشهور .
قال أبو عمر : و قد روى الوقاصي عن الزهري ، أن الإسراء و فرض الصلاة كان بعد المبعث بخمس سنين . و أبعد من ذلك ما حكاه أبو عمر أيضاً ، قال : و قال أبو بكر محمد بن علي بن القاسم في تاريخه : ثم أسري بالنبي صلى الله عليه و سلم من مكة إلى بيت المقدس ، و عرج به إلى السماء بعد مبعثه بثمانية عشر شهراً . قال : و لا أعلم أحداً من أهل السير قال ذلك و لا أسند قوله إلى أحد ممن يضاف إليه هذا العلم .
و في صبيحة ليلة المعراج كان نزول جبريل و إمامته بالنبي صلى الله عليه و سلم ليريه أوقات الصلوات الخمس ، كما هو مروي من حديث ابن عباس و أبي هريرة و بريدة و أبي موسى و أبي مسعود و أبي سعيد و جابر وعمرو بن حزم و البراء و غيرهم . و كان ذلك عند البيت و أم به مرتين ، مرة أول الوقت و مرة آخره ليعلمه بذلك كله .
و أما عدد ركعاتها حين فرضت ، فمن الناس من ذهب إلى أنها فرضت أول ما فرضت ركعتين ركعتين ، ثم زيد في صلاة الحضر فأكملت أربعاً و أقرت صلاة السفر على ركعتين ، روي ذلك عن عائشة و الشعبي و ميمون بن مهران و محمد بن إسحاق و غيرهم .
و منهم من ذهب إلى أنها فرضت أول ما فرضت أربعاً إلا المغرب ففرضت ثلاثاً و الصبح ركعتين . كذلك قال الحسن البصري و نافع بن جبير بن مطعم و ابن جريج .
و منهم من ذهب إلى أنها فرضت في الحضر أربعاً و في السفر ركعتين و يروي ذلك عن ابن عباس .
و قال أبو إسحاق الحربي : أول ما فرضت الصلاة بمكة فرضت ركعتين أول النهار و ركعتين آخره ، و ذكر في ذلك حديث عائشة : فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلاة ركعتين ركعتين ، ثم زاد فيها في الحضر . هكذا حدث به الحربي ، عن أحمد بن الحجاج ، عن ابن المبارك ، عن ابن عجلان ، عن صالح بن كيسان ، عن عروة ، عن عائشة . حكى ذلك أبو عمر . قال : و ليس في حديث عائشة دليل على صحة ما ذهب إليه الحربي و لا يوجد هذا في أثر صحيح ، بل فيه دليل على أن الصلاة التي فرضت ركعتين ركعتين هي الصلوات الخمس ، لأن الإشارة بالألف و اللام في الصلاة إشارة إلى معهود .
و روينا عن الطبراني ، حدثنا الحسن بن علي بن الأشعث المصري ، حدثنا محمد بن يحيى بن سلام الإفريقي ، حدثني أبي ، حدثني عثمان بن مقسم ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن سعيد بن يسار ، عن عمر بن عبد العزيز ، حدثني عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : فرضت الصلاة ركعتين ، فزيد في صلاة المقيم ، و أثبتت صلاة المسافر كما هي .
و قد روينا عن السائب بن يزيد مثل ذلك ، روينا عن أبي العباس بن السراج ، حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد العزيز ، عن سعيد بن سعيد ، عن السائب بن يزيد ، أنه قال : فرضت الصلاة ركعتين ، ثم زيد في صلاة المقيم و أقرت صلاة المسافر .
قال أبو عمر : قول الشعبي في هذا ، أصله من حديث عائشة ، و يمكن أن يكون قد أخذه عن مسروق أو الأسود عنها ، فأكثر ما عنده عن عائشة فهو عنهما .
قلت : قد وقع لنا ذلك من حديثه عن مسروق كما ظن أبو عمر . روينا من طريق السراج ، حدثنا أحمد بن سعيد الرباطي ، حدثنا محبوب بن الحسن ، حدثنا داود عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : فرضت صلاة الحضر و السفر ركعتين ركعتين ، فلما أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان . وتركت صلاة الفجر لطول القراءة ، و صلاة المغرب لأنها وتر النهار .
و أما ابن إسحاق فخبر عائشة عنده عن صالح بن كيسان ، عن عروة ، عنها . فيمكن أن يكون أخذه من هناك .
و أما ميمون بن مهران فروي ذلك عنه من طريق سالم مولى أبي المهاجر ، و سالم غير سالم من الجرح ، و من قال بهذا من أهل السير قال : إن الصلاة أتمت بالمدينة بعد الهجرة بشهر و عشرة أيام ، و قيل بشهر .
و أما من قال : فرضت أربعاً ثم خفف عن المسافر ، فأخبرنا الإمام الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد الواسطي قراءة عليه و أنا أسمع بسفح قاسيون ، أخبركم الشيخان أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب قراءة عليه و أنت تسمع بدمشق ، و أبو علي بن الحسن بن إسحاق بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي سماعاً عليه ببغداد .
قال الأول : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن سلامة بن الرطبي قراءة عليه و أنا أسمع . و قال الثاني : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن الزاغوني ، قالا : " أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص ، حدثنا يحيى ـ يعني ابن محمد بن صاعد ـ حدثنا لوين بن محمد بن سليمان ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن رجل من بني عامر ، قال : و الرجل حي فاسمعوه منه ، يقال له أنس بن مالك ، قال ابن صاعد : هو القشيري : أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث خيلاً فغارت على إبل جار لي ، فانطلق في ذلك أبي و عمي أو قرابة لي قريبة . قال : فقدمت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يطعم فقال : هلم إلى الغذاء . قال : إني صاثم . قال صلى الله عليه و سلم : هلم أحدثك عن ذلك ، إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة و الصيام و عن الحبلى و المرضع .. " الحديث . خالف أيوب يحيى بن أبي كثير ، فرواه عن أبي قلابة ، عن جعفر بن عمرو ابن أمية الضمري ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم .
=====

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:24 AM
و قد رويناه من طريق السراج ، حدثنا داود بن رشيد ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عنه .
و مع صحة الإسنادين فتصويب الأول من جعلهما حديثين عند أبي قلابة ، لاشتهار هذا الخبر من طريق أنس القشيري ، و بعد تعدد هذه الواقعة و الله أعلم .
قالوا : و وضع ، لا يكون إلا من فرض ثابت ، و بما روينا " من طريق أبي العباس الثقفي حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عبد الله بن إدريس ، حدثنا ابن جريج ، عن ابن أبي عمار ، عن عبد الله بن بابيه ، عن يعلى بن أمية ، قال : قلت لعمر بن الخطاب : ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خففتم ؟ فقد أمن الناس . فقال عمر : عجبت مما عجبت منه ، فسالت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك . فقال : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " . رواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم ، فوقع لنا مواقفة عالية له .
قالوا : و لم يقصر رسول الله صلى الله عليه و سلم آمناً إلا بعد نزول آية القصر في صلاة الخوف ، و كان نزولها بالمدينة ، و فرض الصلاة بمكة . فظاهر هذا يقتضي أن القصر طارئ على الإتمام . و أما قول ابن عباس إنها فرضت في الحضر أربعاً ، و في السفر ركعتين ، و في الخوف ركعة ، فقرأت على أبي العباس أحمد بن هبة الله بن عساكر بجامع دمشق ، أخبرتكم زينب بن عبد الرحمن الشعري إجازة ، قالت : أخبرنا الشيخان أبو محمد إسماعيل بن القاسم ابن أبي بكر القارئ سماعاً ، و أبو عبد الله الفراوي إجازة ، قالا : أخبرنا عبد الغافر الفارسي ، أخبرنا بشر بن أحمد الإسفرايني ، أخبرنا أبو سليمان داود بن الحسين البيهقي ، حدثنا يحيى بن يحيى ، حدثنا أبو عوانة ، عن بكير بن الأخنس ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : فرض الله عز و جل الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً ، و في السفر ركعتين ، و في الخوف ركعة . رواه مسلم عن يحيى فوافقناه بعلو .
و قرأت على الشيخة الأصيلة مؤنسة خاتون بنت الملك العادل سيف الدين أبي بكر ابن أيوب إجازة ، أخبرتك أم هانئ عفيفة بنت أحمد بن عبد الله الفارقانية إجازة ، أخبرنا أبو طاهر عبد الواحد بن محمد الصباغ ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، أخبرنا ابن الصواف أخبرنا بشر بن موسى ، حدثنا محمد بن سعيد ـ يعني ابن الأصبهان ـ ، حدثنا شريك و أبو وكيع ، عن زبيد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عمر ، قال : صلاة السفر ركعتان ، و صلاة الجمعة ركعتان ، و صلاة العيد ركعتان ، تمام غير قصر على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم . و قال أبو وكيع : على لسان نبيكم صلى الله عليه و سلم .
و روينا عن الطبراني ، حدثنا محمد بن سهل الرباطي ، حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا شريك ، عن قيس بن وهب ، عن أبي الكنود ، سألت ابن عمر عن صلاة السفر ، فقال : ركعتان نزلت من السماء فإن شئتم فردوها .
و أما قول الحربي فبعيد ، غير أنه قد قيل : إن الصلاة قبل فرضها كانت كذلك و سيأتي .
قال أبو عمر : و قد أجمع المسلمون أن فرض الصلاة في الحضر أربعاً إلا المغرب و الصبح ، لا يعرفون غير ذلك عملاً و نقلاً مستفيضاً ، و لا يضرهم الاختلاف فيما كان أصل فرضها إذ لا خلاف بينهم فيما آل إليه أمرها و استقر عليه حالها .
و أما الصلاة طرفي النهار : فروينا عن ابن الصواف بالسند المذكور آنفاً ، " حدثنا أبو علي بشر بن موسى ، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الضبي ، حدثنا محمد بن أبان ، عن أبي إسحاق ، عن عمارة بن روبية الثقفي ، قال : سمع أذناي و وعى قلبي من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من صلى قبل طلوع الشمس و قبل غروبها و جبت له الجنة و من ذلك قوله تعالى " وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار " [ غافر : 55 ] " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:24 AM
ذكر عرض رسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه على قبائل العرب
" أخبرنا محمد بن إبراهيم المقدسي الإمام قراءة عليه و أنا حاضر في الرابعة ، و عبد الرحيم ابن يوسف المزي قراءة عليه و أنا أسمع بالجامع الأزهر ، قال الأول : أخبرنا أبو اليمن زيد ابن الحسن الكندي قراءة عليه و أنا أسمع . و قال الثاني : أخبرني أبو حفص عمر بن محمد ابن طبرزذ سماعاً عليه في الخامسة ، قالا : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري ، أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عيسى الباقلاني ، أخبرنا أبو بكر محمد ابن إسماعيل الوراق ، حدثنا أبو أحمد إسماعيل بن موسى بن إبراهيم الحاسب ، حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي ، حدثنا إسرائيل يعني ابن يونس ، عن عثمان بن أبي المغيرة الثقفي ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يعرض نفسه على الناس في الوقف و يقول : ألا رجل يعرض علي قومه ، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي " .
" و أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي بقراءة والدي عليه و غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الدمشقي بقراءتي عليه ، قالا : أخبرنا ابن طبرزذ ، أخبرنا ابن الحصين . أخبرنا ابن غيلان ، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي ، حدثنا إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام ، حدثنا محمد بن المنكدر أنه سمع ربيعة بن عباد ـ أو عباد ـ الدؤلي يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف على الناس في منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول : يا أيها الناس إن الله أمركم أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئاً . قال : و وراءه رجل يقول : يا أيها الناس إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم . فسألت من هذا الرجل ؟ فقيل : أبو لهب .
و ذكر ابن إسحاق عرضه عليه السلام نفسه على كندة ، و على كلب ، و على بني حنيفة . قال : و لم يك أحدة من العرب أقبح رداً عليه منهم . و على بني عامر بن صعصعة .
و ذكر الواقدي دعاءه عليه السلام بني عبس إلى الإسلام ، و أنه أتى غسان في منازلهم . و بني محارب كذلك .
و ذكر قاسم بن ثابت فيما رأيته عنه " من حديث عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب في خروجهما هو و أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لذلك ، قال علي : و كان أبو بكر في كل خير مقدماً . فقال : ممن القوم ؟ فقالوا : من شيبان بن ثعلبة . فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : بأبي أنت و أمي هؤلاء غرر في قومهم ، و فيهم مفروق بن عمرو ، و هانيء بن قبيصة ، و مثنى بن حارثة ، و النعمان بن شريك . و كان مفروق بن عمرو قد غلبهم جمالاً و لساناً ، و كان له غديرتان ، و كان أدنى القوم مجلساً من أبي بكر رضي الله عنه . فقال له أبو بكر رضي الله عنه : كيف العدد فيكم ؟ فقال له مفروق : إنا لنزيد على الألف ، و لن تغلب الألف من قلة . فقال أبو بكر : كيف المنعة فيكم ؟ فقال مفروق : علينا الجهد و لكل قوم جد . فقال أبو بكر : فكيف الحرب بينكم و بين عدوكم ؟ فقال مفروق : إنا لأشد ما نكون غضباً حين نلقى و إنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب ، و إنا لنؤثر الجياد على الأولاد و السلاح على اللقاح ، و النصر من عند الله ، يديلنا مرة علينا اخرى ، لعلك أخو قريش ؟ فقال أبو بكر : أو قد بلغكم أنه رسول الله ؟ فها هو ذا . فقال مفروق : قد بلغنا أنه يذكر ذلك ، فغلام تدعو يا أخا قريش ؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له ، و أني رسول الله ، و إلى أن تؤوني و تنصروني ، فإن قريشاً قد تظاهرت على على أمر الله و كذبت رسله ، و استغنت بالباطل عن الحق ، و الله الغني الحميد . فقال مفروق إلام تدعو أيضاً يا أخا العرب ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه و سلم : " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون " [ الأنعام : 150 ] فقال مفروق : و غلام تدعو أيضاً يا أخا قريش ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " [ النحل : 90 ] فقال مفروق : دعوت و الله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ، و محاسن الأعمال ، و لقد أفك قوم كذبوك ، و ظاهروا عليك . و كأنه أراد أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة ، فقال : و هذا هانئ بن قبيصة شيخنا و صاحب ديننا . فقال هانئ : قد سمعنا مقالتك يا أخا قريش ، و إني أرى أن تركنا ديننا و اتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول و لا آخر : زلة في الرأي و قلة نظر في العاقبة ، و إنما تكون الزلة مع العجلة ، و من ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقداً ، و لكن نرجع و نرجع ، و ننظر و تنظر . و كأنه أحب أن يشركه في الكلام المثني بن حارثة . فقال : و هذا المثنى بن حارثة شيخنا ، و صاحب حربنا . فقال المثنى : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش ، و الجواب هو جواب هانيء بن قبيصة : في تركنا ديننا ، و اتباعنا دينك لمجلس إلينا ليس له أول و لا آخر ، و إنا إنما نزلنا بين صريي اليمامة و السمامة . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما هذان الصريين ؟ فقال أنهار كسرى و مياه العرب . فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور و عذره غير مقبول ، و أما ما كان من مياه العرب فذنب صاحبه مغفور و عذره مقبول ، و إنا نزلنا على عهد أخاه علينا كسرى أن لا نحدث حدثاً و لا نؤوي محدثاً ، و إني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه أنت ، هو مما تكرهه الملوك ، فإن أحببت أن نؤويك و ننصرك ، مما يلي مياه العرب فعلنا . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أسألتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق ، و إن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه من جميع . أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله بأرضهم و ديارهم و أموالهم و يفرشكم نساءهم ؟ أتسبحون الله و تقدسونه ؟ فقال النعمان بن شريك : اللهم لك ذا . فتلا رسول الله صلى الله عليه و سلم " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا " [ الأحزاب : 45 ـ 46 ] ثم نهض رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ بيدي فقال : يا أبا بكر يا أبا حسن أية أخلاق في الجاهلية ؟ ! ما أشرفها ! بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض ، و بها يتحاجزون فيما بينهم .
قال : ثم دفعنا إلى مجلس الأوس و الخزرج ، فما نهضنا حتى بايعوا النبي صلى الله عليه و سلم ، و كانوا صدقاً صبراً .
و لم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك كله يدعو إلى دين الله ، و يأمر به كل من لقيه ، و رآه من العرب ، إلى أن قدم سويد بن الصامت ، أخو بني عمرو بن عوف من الأوس ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام فلم يبعد و لم يجب ، ثم انصرف إلى يثرب فقتل في بعض حروبهم .
قال ابن إسحاق : فإن كان رجال من قومه ليقولون إنا نراه قد قتل و هو مسلم .
و قدم مكة أبو الحيسر أنس بن رافع في فتية من قومه بني عبد الأشهل ، يطلبون الحلف ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام . فقال رجل منهم اسمه إياس بن معاذ و كان شاباً : يا قوم ، هذا و الله خير مما قدمنا له . فضربه أبو الحيسر و انتهره فسكت . ثم لم يتم لهم الحلف فانصرفوا إلى بلادهم ، و مات إياس بن معاذ . فقيل : إنه مات مسلماً .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:25 AM
بدء إسلام الأنصار و ذكر العقبة الأولى
و الأنصار : بنو الأوس و الخزرج ، ابني حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن ابن الأزد دراء بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ عامر بن يشجب ابن يعرب بن يقطن قحطان .
قال ابن إسحاق : فلما أراد الله إظهار دينه و إعزاز نبيه و إنجاز موعده له ، خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار ، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم ، فبينما هو عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج ، أراد الله بهم خيراً فقال لهم : من أنتم ؟ قالوا : نفر من الخزرج . قال : أمن موالي يهود ؟ قالوا : نعم . قال : أفلا تجلسون أكلمكم . قالوا : بلى . فجلسوا معه ، فدعاهم إلى الله ، و عرض عليهم الإسلام ، و كان مما صنع الله به في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم ، و كانوا أهل علم و كتاب ، و كانوا هم أهل شرك ، أصحاب أوثان ، و كانوا قد غزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء . قالوا لهم : إن نبياً مبعوث الآن ، قد أظل زمانه ، نتبعه نقتلكم معه قتل عاد و إرم . فلما كلم رسول الله صلى الله عليه و سلم أولئك النفر ، و دعاهم إلى الله ، قال بعضهم لبعض تعلموا و الله إنه لنبي الذي توعدكم به يهود ، فلا يسبقنكم إليه . فأجابوه فيما دعاهم إليه ، بأن صدقوا و قبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام . و قالوا له : إنا تركنا قومنا و لا قوم بينهم من العداوة و الشر ما بينهم ، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك . ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم قد آمنوا و صدقوا .
و هم فيما ذكر لي ستة نفر من الخزرج منهم من بني النجار ـ و هو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأكبر : أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم ابن مالك بن النجار . و عوف بن الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن غنم بن مالك ابن النجار ـ و ابن سعد يقول : سواد بن مالك بن غنم بن مالك ـ و هو ابن عفراء .
و من بني زريق : رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق .
و من بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة : قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد .
و من بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن سادرة بن تزيد بن جشم .
ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة : عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام .
و من بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة : جابر بن عبد الله بن رئاب ابن النعمان بن سنان بن عبيد .
قال أبو عمر : و من أهل العلم بالسير من يجعل فيهم عبادة بن الصامت و يسقط جابر ابن رئاب ، و الله أعلم .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:25 AM
ذكر العقبة الثانية
حتى إذا كان العام المقبل قدم مكة من الأنصار اثنا عشر رجلاً ، منهم خمسة من الستة الذين ذكرنا و هم : أبو أمامة ، و عوف بن عفراء ، و رافع بن مالك ، و قطبة ، و عقبة .
و بقيتهم : معاذ بن الحارث بن رفاعة و هو ابن عفراء أخو عوف المذكور .
و ذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق الزرقي . ذكروا أنه رحل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى مكة فسكنها فهو مهاجري أنصاري قتل يوم أحد .
و عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن عمرو ابن عوف بن الخزرج .
و من بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج : العباس بن عبادة بن نضلة ابن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم .
و من حلفائهم : يزيد بن ثعلبة بن خزمة ـ بسكون الزاي و الطبري يفتحها ـ بن أصرم بن عمرو بن عمارة ـ بفتح العين و تشديد الميم ـ بن مالك من بني فران من بلي .
و من بني الأوس بن حارثة أخي الخزرج : ثم من بني جشم أخي عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : أبو الهيثم مالك بن التيهان ـ أهل الحجاز يخففون الياء و غيرهم يشددها ـ بن مالك بن عمرو بن زيد بن جشم بن عمرو بن جشم . و من الناس من يعده لهم من بلي .
و من بني أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس : عويم بن ساعدة بن عايش بن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية بن زيد بن أمية بن زيد .
فبايع رسول الله صلى الله عليه و سلم هؤلاء عند العقبة على بيعة النساء ، و لم يكن أمر القتال بعد .
" أخبرنا أحمد بن يوسف الساوي بقراءة والدي عليه سنة ست و سبعين ، أخبرنا أبو روح المطهر بن أبي بكر البيهقي سماعاً ، أخبرنا أبو بكر الطوسي ، أخبرنا نصر الله بن أحمد الخشنامي ، أخبرنا أحمد بن الحسن النيسابوري ، أخبرنا محمد بن أحمد ، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن الزهري ، عن أبي أدريس الخولاني ، عن عبادة بن الصامت ، قال : بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم نفراً أنا منهم ، فتلا عليهم آية النساء لا تشركوا بالله شيئاً ثم قال : و من وفى فأجره على الله ، و من أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو طهر له ـ أو قال كفارة له ـ و من أصاب من ذلك شيئاً فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء الله غفر له و إن شاء عذبه " . رواه البخاري .
حدثني إسحاق بن منصور ، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن أخي ابن شهاب ، عن عمه ، فذكره بمعناه .
فلما انصرفوا بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم معهم ابن أم مكتوم و مصعب بن عمير يعلمان من أسلم منهم القرآن ، و يدعوان من لم يسلم إلى الإسلام ، فنزل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة ، و كان مصعب بن عمير يدعى المقرئ و القارئ ، و كان يؤمهم ، و ذلك أن الأوس و الخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض ، فجمع بهم أول جمعة جمعت في الإسلام . و عند ابن إسحاق : أول من جمع بهم أبو أمامة أسعد بن زرارة .
روينا عن ابن أبي عروبة حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا ابن وهب ، عن يونس عن ابن شهاب ، قال : بلغنا أن أول ما جمعت الجمعة بالمدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فجمع بالمسلمين مصعب بن عمير بن عبد مناف . و به قال حدثنا هاشم ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، أن النبي صلى الله عليه و سلم كتب إليه يأمره بذلك .
و روينا من طريق أبي داود ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن أدريس ، عن محمد ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ـ و كان قائد أبيه بعدما ذهب بصره ـ عن أبيه كعب بن مالك ، أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة . فقلت له إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة ؟ فقال : لأنه أول من جمع بنا في هزم البيت من حرة بني بياضة في بقيع يقال له : بقيع الخضمات . قلت : كم أنتم يومئذ ؟ قال : أربعون .
بقيع الخضمات بالباء وقع في هذه الرواية ، و قيده البكري بالنون ، و قال : هزم النبيت : جبل على بريد من المدينة .
قال السهيلي : " تجميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمعة و تسميتهم إياها بهذا الاسم هداية من الله لهم قبل يؤمروا بها ، ثم نزلت سورة الجمعة بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة فاستقر فرضها و استمر حكمها ، و لذلك قال عليه الصلاة و السلام : أضلته اليهود و النصارى و هداكم الله له " .
و ذكر عبد بن حميد : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، قال : جمع أهل المدينة قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ، و قبل أن تنزل الجمعة . . الحديث .
و روى الدارقطني عن ابن عباس إذن النبي صلى الله عليه و سلم لهم بها قبل الهجرة .
و قد روينا من طريق ابن أبي عروبة الأثر عن سليمان بن موسى بذلك .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:26 AM
ذكر إسلام سعد بن معاذ و أسيد بن حضير على يدي مصعب بن عمير
قال ابن إسحاق : و حدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب و عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد دار بني عبد الأشهل و دار بني ظفر فدخل حائطاً من حوائط بني ظفر ، فجلسا فيه ، و اجتمع إليهما رجال ممن أسلم ، و سعد بن معاذ و أسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما ، و كلاهما مشرك على دين قومه ، فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير : لا أبا لك ، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما و انههما عن أن يأتيا دارينا ، فإنه لولا أن سعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك ، و هو ابن خالتي ، و لا أجد عليه مقدماً ، فأخذ أسيد بن حضير حربته ، ثم أقبل إليهما ، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب : هذا سيد قومه ، قد جاءك ، فاصدق الله فيه . ثم قال مصعب : إن يجلس هذا أكلمه . قال : فوقف عليها مشتماً ، فقال : ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ، اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة . فقال له مصعب : أوتجلس فتسمع ، فإن رضيت أمراً قبلته و إن كرهته كف عنك ما تكره . قال : أنصف . ثم ركز حربته و جلس إليهما ، فكلما مصعب بالإسلام و قرأ عليه القرآن . فقالا فيما يذكر عنهما : و الله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم . ثم قال : ما أحسن هذا و أجمله ! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ قالا له : تغتسل فتطهر ، و تطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلي . فقام فاغتسل و طهر ثوبيه و تشهد شهادة الحق ، ثم قام فركع ركعتين ، ثم قال لهما : إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه ، و سأرسله إليكما الآن ، و هو سعد ابن معاذ . ثم أخذ حريته فانصرف إلى سعد و قومه ، و هم جلوس في ناديهم ، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً ، قال : أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ، فلما وقف على النادي قال له سعد : ما فعلت ؟ قال : كلمت الرجلين ، فو الله ما رأيت بهما بأساً ، و قد نهيتهما ، فقالا : نفعل ما أحببت ، و قد حدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه ، و ذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحفروك . فقام سعد مغضباً مبادراً تخوفاً للذي ذكر له من بني حارثة ، فأخذ الحربة من يده و قال : و الله ما أراك أغنيت عنا شيئاً . ثم خرج إليهما ، فلما رآهما سعد مطمئين ، عرف أن أسيداً إنما أراد منه أن يسمع منهما . فوقف عليهما متشتما ، ثم قال لأسعد بن زرارة : يا أبا أمامة ، أما و الله لولا ما بيني و بينك من القرآبة ما رمت مني هذا . أتغشانا في دارينا بما نكره ، و قد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير : أي مصعب ، جاءك و الله سيد من وراءه من قومه ، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان . قال : فقال له مصعب : أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمراً قبلته و إن كرهته عزلنا عنك ما تكره . قال سعد : أنصفت ، ثم ركز الحربة و جلس ، فعرض عليه الإسلام . و قرأ عليه القرآن . قالا : فعرفنا و الله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم . ثم قال لهما : كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم و دخلتم في هذا الدين . قالا : تغتسل فتطهر و تطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم ركع ركعتين . قال فقام فاغتسل و طهر ثوبيه ثم شهد شهادة الحق ، ثم ركع ركعتين ، ثم أخذ حربته فأقبل عامداً إلى نادي قومه و معهم أسيد بن حضير ، فلما رآه قومه مقبلاً قالوا : نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم . فلما وقف عليهم قال : يا بني عبد الأشهل ، كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا : سيدنا و أفضلنا رأياً و أيمنناً نقيبة ، قال : فإن كلام رجالكم و نسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله و رسوله . قال : فو الله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل و لا امرأة إلا مسلماً و مسلمة .
قال أبو عمر : " حاشا الأصيرم ، و هو عمرو بن ثابت بن وقش ، فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد ، فأسلم و استشهد و لم يسجد لله سجدة ، و أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه من أهل الجنة " .
رجع إلى ابن إسحاق : قال و رجع مصعب إلى منزل أسعد بن زرارة ، فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام ، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا و فيها رجال و نساء مسلمون ، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد ، و خطمة و وائل و واقف ، و تلك أوس الله ، و هم من الأوس بن حارثة .
قال أبو عمر : و كانوا سكاناً في عوالي المدينة ، فأسلم منهم قوم ، و كان سيدهم أبو قيس صيفي بن الأسلب ، فتأخر إسلامه و إسلام سائر قومه إلى أن مضت بدر و أحد و الخندق ثم أسلموا كلهم .
و رأيت في التاريخ الأوسط للبخاري أن أهل مكة سمعوا هاتفاً يهتف قبل إسلام سعد بن معاذ :
فإن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف المخالف
فحسبوا أنه يريد القبيلتين سعد هذيم من قضاعة ، و سعد بن زيد مناة بن تميم ، حتى سمعوه يقول :
فيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصراً و يا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى و تمنيا على الله في الفردوس منية عارف
في أبيات ، و قد روينا ذلك أطول من هذا .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:26 AM
ذكر البراء بن معرور و صلاته إلى القبلة و ذكر العقبة الثالثة
قال ابن إسحاق : " ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة ، خرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك ، حتى قدموا مكة فواعدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم القعبة من أوسط أيام التشريق ، فحدثني معبد كعب بن مالك أن أخاه عبد الله ، و كان من أعلم الأنصار ، حدثه أنا أباه كعباً حدثه ، و كان ممن شهد العقبة و بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم بها ، قال : خرجنا في حجاج قومنا من المشركين ، و قد صلينا و فقهنا و معنا البراء بن معرور سيدنا و كبيرنا ، فلما وجهنا لسفرنا و خرجنا من المدينة ، قال البراء لنا : يا هؤلاء ! إني قد رأيت رأياً و الله ما أدري أتوافقوني عليه أم لا ؟ قال : قلنا و ما ذاك ؟ قال : رأيت أن لا أدع هذه البنية مني بظهر ـ يعني الكعبة ـ و أن أصلي إليها .
قال : قلنا : و الله ما بلغنا أن نبينا يصلي إلا إلى الشام ، و ما نريد أن نخالفه . قال : فقال : إني لمصل إليها . قال : قلنا له : لكنا لا نفعل . قال : فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام و صلى إلى الكعبة ، حتى قدمنا مكة . قال : و قد كنا عبنا عليه ما صنع ، و أبي إلا الإقامة على ذلك . قال : فلما قدمنا مكة قال لي : يا ابنم أخي ! انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أسأله عما صنعت في سفري هذا ، فإنه و الله لقد وقع في نفسي منه شيء ، لما رأيت من خلافكم إياي فيه . قال : فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كنا لا نعرفه و لم نره قبل ذلك ، فلقينا رجلاً من أهل مكة ، فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : هل تعرفانه ؟ قلنا : لا . قال : فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه ؟ قال : قلنا : نعم . قال : و كنا نعرف العباس ، كان لا يزال يقدم علينا تاجراً . قال : فإذا دخلتما المسجد هو الرجل الجالس مع العباس . قال : فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس و رسول الله صلى الله عليه و سلم معه ، فسلمنا ثم جلسنا إليه . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للعباس : هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل ؟ قال : نعم . هذا البراء بن معرور سيد قومه ، و هذا كعب بن مالك . قال : فو الله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : الشاعر ؟ قال : نعم . قال : فقال له البراء بن معرور : يا نبي الله ! إني خرجت في سفري هذا ، و قد هداني الله للإسلام ، فرأيت أن لا أجعل هذه البنية منى بظهر فصيلت إليها ، و خالفني أصحابي في ذلك ، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء ، فماذا ترى يا رسول الله ؟ قال : قد كنت على قبلة لو صبرت عليها . فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه و سلم و صلى إلى الشام ، و أهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات ، و ليس كما قالوا ، نحن أعلم به منهم .
ثم خرجنا إلى الحج و واعدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم العقبة من أوسط أيام التشريق ، فلما فرغنا من الحج و كانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم لها ، و معنا عبد الله بن عمرو ابن حرام أبو جابر ، سيد من ساداتنا ، أخذناه و كنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا ، فكلمناه و قلنا له يا أيا جابر إنك سيد من ساداتنا ، و شريف من أشرافنا ، و إنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطباً للنار غداً ، ثم دعوناه إلى الإسلام و أخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه و سلم إيانا العقبة . قال : فأسلم و شهد معنا العقبة و كان نقيباً .
فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا ، حتى إذا مضى ثلث الليل ، خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه و سلم تسلل القطا ، مستخفين . حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن ثلاثة و سبعون رجلاً ، ومعنا امرأتان من نسائنا : نسيبة بنت كعب أم عمارة إحدى نساء بني مازن بن النجار ، و أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي إحدى نساء بني سلمة ، و هي أم منيع . قال : فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى جاءنا و معه العباس بن عبد المطلب ، و هو يومئذ على دين قومه ، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه و يتوثق له . فلما جلس كان أول متكلم . فقال : يا معشر الخزرج و كانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار : الخزرج ـ خزرجها و أوسها ـ إن محمداً منا الحديث قد علمتم ، و قد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه ، فهو في عز من قومه و منعة في بلده ، و إنه قد أبى إلا الانحياز إليكم و اللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ، و مانعوه ممن خالفه فأنتم و ما تحملتم من ذلك ، و إن كنتم ترون أنكم مسلموه و خاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه ، فإنه في عز و منعة من قومه و بلده قال : فقلنا له قد سمعنا ما قلت . فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك و لربك ما أحببت قال : فتكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم فتلا القرآن ، و دعا إلى الله ، و رغب في الإسلام ، ثم قال : أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم و أبناءكم . قال : فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال : نعم و الذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فنحن و الله أهل الحروب و أهل الحلقة ، و رثناها كابراً عن كابر . قال : فاعترض القول ـ و البراء يكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ أبو الهيثم بن التيهان ، فقال : يا رسول الله ! إن بيننا و بين الرجا لحبالاً ، و إنا قاطعوها ـ يعني اليهود ـ فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك و تدعنا ، قال : فتبسم رسول الله ثم قال : بل الدم الدم و الهدم الهدم ، أنا منكم و أتنم مني ، أحارب من حاربتم ، و أسالم من سالمتم .
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً ، يكونون على قومهم بما فيهم ، فأخرجوا تسعة من الخزرج و ثلاثة من الأوس .
فمن الخزرج ثم من بني النجار : أسعد بن زرارة بن عدس . و من بني مالك الأغر ابن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج : عبد الله بن رواحة بن ثعلبة امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأغر ، و سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر . ومن بني زريق : رافع ابن مالك بن العجلان . و من بني سلمة ، ثم بني حرام : عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام . و من بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة أبو بكر البراء بن معرور ابن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد . و من بني طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب ابن الخزرج : سعد بن عبادة دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف . و من بني ثعلبة بن الخزرج أخي طريف : النمذر بن عمرو بن خنيس بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة . و من بني غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج : عبادة بن الصامت .
و من الأوس ، ثم من بني عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو ابن مالك بن الأوس : أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل . و من بني السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس : سعد بن خيثمة ابن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم . و من بني أمية بن زيد ، رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية " .
قال ابن هشام : و أهل العلم يعدون فيهم أبا الهيثم بن التيهان بدل رفاعة .
و روينا عن أبي بكر البيقهي بسنده إلى مالك ، قال : فحدثني شيخ من الأنصار أن جبريل عليه السلام كان يشير له إلى من يجعله نقيباً .
و قد قيل إن الذي تولي الكلام مع الأنصار و شد العقد لرسول الله صلى الله عليه و سلم أسعد بن زرارة .
و روينا من طريق العدني ، حدثنا يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر فذكر حديث العقبة و فيه : فأخذ بيده يعني النبي صلى الله عليه و سلم أسعد بن زرارة و هو أصغر السبعين إلا أنا ، فقال . رويدا يا أهل يثرب ، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي و نحن نعلم أنه رسول الله ، و إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، و قتل خياركم ، و أن تعضكم السيوف ، فإما أنتم قوم تصبرون عليها إذا مستكم بقتل خياركم و مفارقة العرب كافة فخذوه و أجركم على الله ، و إما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه ، فهو أعذر لكم عند الله . فقالوا : يا أسعد ! أمط عنا يدك ، فو الله لا نذر هذه البيعة و لا نستقلبها . . الحديث .
و قيل : بل العباس بن عبادة بن نضلة . روينا عن ابن إسحاق ، حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال العباس بن عبادة بن نضلة : يا معشر الخزرج ! إنكم تبايعونه على حرب الأحمر و الأسود من الناس . فذكر نحو ما تقدم . قال : فأما عاصم فقال : و الله ما قال ذلك العباس إلا ليشد العقد لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أما عبد الله بن أبي بكر فقال : ما قال ذلك العباس إلا ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي سلول ، فيكون أقوى لأمر القوم ، فالله أعلم أي ذلك كان .
و كانت هذه البيعة على حرب الأسود و الأحمر ، و أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم لنفسه و اشترط عليهم لربه ، و جعل لهم على الوفاء بذلك الجنة ، فأما المبايعين فيها مختلف فيه : فروينا عن ابن إسحاق من طريق البكائي ، و من طريق أبي عروبة ، " عن سليمان بن سيف ، عن سعيد بن بزيغ عنه قال : بنو النجار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه و سلم . و بنو عبد الأشهل يقولون : بل أبو الهيثم بن التيهان ، و قد تقدم أنه البراء بن معرور .
فلما انتهيت البيعة صرخ الشيطان من رأس العقبة : يا أهل الجباجب هل لكم في مذمم و الصباة معه قد أجمعوا على حربكم . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هذا أزب العقبة ، أتسمع أي عدو الله ، أما و الله لأفرغن لك . فاستأذنه العباس بن عبادة في القتال . فقال : لم نؤمر بذلك . و تطلب المشركون خبرهم فلم يعرفوه ، ثم شعروا به حين انصرفوا فاقتفوا آثارهم فلم يدركوا إلا سعدوا بن عبادة و المنذر بن عمرو ، فأما سعد فكان ممن عذب في الله ، و أما المنذر فأعجزهم و أفلت . و نمى خبر سعد بن عبادة إلى جبير بن مطعم و الحارث ابن حرب بن أمية على يدي أبي البختري بن هشام فأنقذه الله بهما . و قال ضرار بن الخطاب الفهري :
تداركت سعداً عنوة فأخذته و كان شفاء لو تداركت منذرا
و لو نلته طلت هناك جراحه و كان حرياً أن يهان و يهدرا
فأجابه حسان بأبيات ذكرها ابن إسحاق .
فلما قدموا المدينة أظهروا الإسلام و كان عمرو بن الجموح ممن بقي على شركه ، و كان له صنم يعظمه فكان فتيان ممن أسلم من بني سلمة يدلجون بالليل على صنمه فيطرح في بعض حفر بني سلمة منكساً رأسه في عذراً الناس ، فإذا أصبح عمرو قال : ويحكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة ، ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله و طهره و طيبه ، فإذا أمسى عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك إلى أن غسله مرة و طهره ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ، ثم قال له : ما أعلم من يصنع بك ما أرى ، فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك . فلما أمسى و نام عمرو عدوا عليه و أخذوا السيف من عنقه ، ثم أخذوا كلباً ميتاً فقرنوه به بحبل ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر من عذر الناس. و غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه ، فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكساً مقرونا بكلب ميت ، فلما رآه أبصر شأنه و كلمه من أسلم من قومه فأسلم رضي الله عنه ، و حسن إسلامه " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:27 AM
تسمية من شهد العقبة
و هذه تسمية من شهد العقبة ، و كانوا ثلاثة و سبعين رجلاً و امرأتين . هذا هو العدد المعروف ، و إن زاد في التفضيل على ذلك ، فليس ذلك بزيادة في الجملة ، و إنما هو لمحل الخلاف فيمن شهد ، فبعض الرواة يثبته و بعضهم يثبت غيره بدله ، و قد وقع ذلك في غير موضع ، في أهل بدر و شهداء أحد ، و غير ذلك .
و هم من الأوس أحد عشر رجلاً ، ثم من بني عبد الأشهل : أسيد بن حضير ، و أبو الهيثم مالك بن التيهان ، و سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل .
و سعد بن زيد بن عامر بن عمرو بن جشم بن الحارث بن الخزرج ، و بنو جشم عدادهم في بني عبد الأشهل . شهد العقبة في قول الواقدي وحده و هو معدود في البدريين عند غيره . و قد اختلف في نسبه ، و هو عند ابن إسحاق : سعد بن زيد بن مالك بن عبيد ابن كعب بن عبد الأشهل .
و من بني عبد حارثة بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : ظهير بن رافع ابن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة ، و أبو بردة هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذبيان بن هميم بن كاهل بن ذهل بن هني بن بلي بن عمرو ابن الحاف بن قضاعة حليف لهم ، و بهيز بن الهيثم بن نابي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج ـ و بهيز بالباء الموحدة عند بعضهم و بالنون عند آخرين ـ .
و من بني عمرو بن عوف : سعد بن خيثمة ، و رفاعة بن عبد المنذر ، و عبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية بن البرك ـ و اسم البرك : امرئ القيس ـ بن ثعلبة بن عمرو ، و معن بن عدي بن الجد بن العجلان بن ضبيعة ، و عويم بن ساعدة .
و من الخزرج ثم من بني النجار : أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد ابن عوف ابن غنم بن مالك بن النجار ، و معاذ بن عفراء ، و أخواه معوذ و عوف ، و عمارة ابن حزم ابن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار ، و أسعد ابن زرارة ، و النعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن غنم عند الواقدي وحده .
و من بني مبذول عامر بن مالك بن النجار : سهل بن عتيك بن نعمان بن زيد بن معاوية بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن عامر .
و من بني حديلة : أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار ، و حديلة أم معاوية بن عمرو ، و هي ابنة مالك بن زيد مناة بن حبيب ابن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ، و لم يذكره ابن إسحاق .
و من بني مغالة ، و هم بنو عدي بن عمرو بن مالك بن النجار : أوس بن ثابت عن المنذر بن حرام ، بن عمرو بن زيد مناة بن عدي ، و أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود ابن حرام .
و من بني مازن بن النجار : قيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول ابن عمرو بن غنم بن مازن ، و عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول . و ابن هشام يقول : هو غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء ، و غيرهما يثبتهما معاً .
و من بني الحارث بن الخزرج : عبد الله بن رواحة ، و سعد بن ربيع ، و خارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيش بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج ، و بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس ـ بفتح الخاء المعجمة و تشديد اللام للدارقطني ، و بكسرها و تخفيف اللام عند غيره ـ ابن زيد مناة بن مالك الأغر ، و خلاد بن سويد ابن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرىء القيس بن مالك الأغر ، و عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه بن زيد بن الحرث بن الخزرج . و بعضهم يقول في زيد زيد مناة ، و ابن عمارة يسقط ثعلبة . صاحب الأذان .
و من بني الأبجر : خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج : عبد الله بن ربيع بن قيس ابن عامر بن عباد الأبجر . و من بني أخيه خدارة بن عوف : عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة بن عطية بن خدارة بن عوف بن الحارث ، أبو مسعود و كان أحدثهم سناً ، و ابن إسحاق يسقط منه عطية ، و أسيرة عنده بالياء يسيرة ، و ذكرها الدارقطني و أبو بكر الخطيب عن ابن إسحاق نسيرة بالنون المضمومة ، و وهم الأمير ، و ابن عبد البر من قال ذلك ، و أما ابن عقبة فقال أسيرة بفتح الهمزة ، و كذلك اختلفوا في تقييد عسيرة ، فمنهم من يفتح العين و يكسر السين ، و منهم من يفتح السين و يضم العين . و خدارة : منهم من يقول بالجيم ، ومنهم من يقول بالخاء المعجمة ، و الذين يقولونها بالجيم منهم من يضمها و منهم من يكسرها .
و من بني زريق بن عبد الحارثة : رافع بن مالك بن العجلان ، و ذكوان بن عبد قيس ، و عباد بن قيس بن عامر بن خالد بن عامر بن زريق . و الحارث بن قيس بن خالد بن مخلد بن عامر بن زريق . و عند ابن الكلبي : خلدة بدل خالد .
و من بني بياضة بن عامر بن زريق : زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي ابن أمية بن بياضة ، و فروة بن عمرو بن ودفة بن عبيد بن عامر بن بياضة ، و خالد ابن قيس بن مالك بن العجلان بن عامر بن بياضة .
و من بني سلمة ، ثم من بني عبيد : البراء بن معرور ، و ابنه بشر ، و سنان بن صيفي ابن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد ، و الطفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان بن عبيد ـ قال ابن سعد : لا أحسبه إلا وهلاً ـ و معقل و يزيد ابنا المنذر بن سرح بن خناس بن سنان بن عبيد ، و مسعود بن يزيد بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد ، و الضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد ، و يزيد بن خذام ـ و بعضهم يقول حرام ـ بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد ، و الجبار بن صخر بن أمية بن خنساء بن سنان بن عبيد ، و يقال خناس . و الطفيل بن مالك بن خنساء بن سنان بن عبيد .
و من بني سلمة أيضاً ، ثم من بني سواد ، ثم من بني كعب بن سواد : كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين ، و عند غيره : كعب بن أبي كعب بن عمرو بن القين بن كعب بن سواد ، رجل .
و من بني غنم بن سواد : قطبة بن عامر بن حديدة و أخوه يزيد ، و سليم بن عمرو ابن حديدة ، و أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم ، و صيفي بن سواد ابن عباد المذكور ، خمسة .
و من بني نابي بن عمرو بن سواد : ثعلبة بن عنمة بن عدي بن نابي و أخوه عمرو ، و عبس ابن عامر بن عدي بن نابي ، و خالد بن عمرو بن عدي بن نابي ، و عبد الله بن أنيس بن أسعد بن حرام بن حبيب بن مالك بن غنم بن كعب بن تيم بن بهثة بن ناشرة بن يربوع بن البرك بن وبرة . و البرك : دخل في جهينة حليف لهم ـ و عند أبي عمر : تيم بن نفاثة بن إياس بن يربوع ـ خمسة . و عامر بن نابي : أبو عقبة المذكور في العقبة الأولى ذكره ابن الكلبي ، و عمير بن عامر بن نابي شهد المشاهد كلها ، قاله ابن الكلبي ، قال الدمياطي : و لم أر من تابعه على ذكر عمير في الصحابة .
و من بني سلمة ثم من بني حرام : عبد الله بن عمرو بن حرام ، ابنه جابر ، و ثابت ابن الجذع ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام ، و عمير ـ و قيل عمرو ـ بن الحارث ابن ثعلبة بن الحارث ابن حرام ، و ابن هشام يقول : لبدة بدل ثعلبة . و عمرو بن الجموح ابن زيد بن حرام ، و ابنه معاذ . و لم يذكر ابن إسحاق عمراً . و خديج بن سلامة بن أوس بن عمرو بن كعب بن القراقر بن الضحيان أبو شباث حليف لهم من قضاعة ، سبعة .
و من بني أدي بن سعد أخي سلمة بن سعد : معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي ، عداده في بني سلمة ، لأنه كان أخا سهل ابن محمد بن الجد بن قيس بن صخر بن سنان بن عبيد لأمه .
و من بني غنم بن عوف أخي سالم الحبلى : عبادة بن الصامت ، و العباس بن عبادة بن نضلة ، و يزيد بن ثعلبة البلوي حليفهم ، و عمرو بن الحارث بن لبدة بن عمرو بن ثعلبة ، و مالك بن الدخشم بن مالك بن الدخشم بن مرضخة بن غنم ، و أبو معشر ينكر شهوده العقبة ، خمسة ، و هم من القوافل .
و من بني الحبلى سالم : رفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن سالم ، و ابنه مالك بن رفاعة ، ذكره الأموي . و عقبة بن وهب بن كلدة بن الجعد بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عدي بن جشم بن عوف بن بهثة بن عبد الله بن غطفان بن سعد ابن قيس عيلان حليف لهم ، ثلاثة .
و من بني ساعدة : سعد بن عبادة ، و المنذر بن عمرو .
و المرأتان من بني مازن بن النجار : نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول ابن عمرو بن غنم بن مازن أم عمارة . و من بني سلمة : أم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي .
قال أبو عمر : و قد ذكر بعض أهل السير فيهم أوس بن عباد بن عدي في بني سلمة .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:27 AM
ذكر الهجرة إلى المدينة
قال ابن إسحاق : فلما تمت بيعة هؤلاء لرسول الله صلى الله عليه و سلم في ليلة العقبة ، و كانت سراً عن كفار قومهم و كفار قريش ، أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان معه بالهجرة إلى المدينة . فخرجوا أرسالاً ، أولهم ـ فيما قيل ـ أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، و حبست عنه امرأته أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بمكة نحو سنة ، ثم أذن لها بنو المغيرة الذين حبسوها في اللحاق بزوجها ، فانطلقت وحدها مهاجرة ، حتى إذا كانت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة أخا بني عبد الدار ، و كان يومئذ مشركاً ، فشيعها حتى أوفى على قرية بني عمرو بن عوف بقباء ، قال لها : هذا زوجك في هذه القرية ، ثم انصرف راجعاً إلى مكة فكانت تقول : ما رأيت صاحباً قط كان أكرم من عثمان بن أبي طلحة .
و قد قيل : إن أول المهاجرين مصعب بن عمير . روينا عن أبي عروبة ، حدثنا ابن بشار و ابن المثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت البراء يقول : كان أول من قدم المدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم مصعب بن عمير ، ثم عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب ، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم قال أبو عمر : و هي أول ظعينة دخلت من المهاجرات المدينة . و قال موسى بن عقبة : و أول امرأة دخلت المدينة أم سلمة .
ثم عبد الله بن جحش بن رئاب بأهله و أخيه عبد بن جحش أبي أحمد ، و كان ضريراً ، و كان منزلهما و منزل أبي سلمة و عامر ، على مبشر بن عبد المنذر بن زنبر بقباء في بني عمرو بن عوف .
قال أبو عمر : " و هاجر جميع بني جحش بنسائهم ، فعدا أبو سفيان على دراهم فتملكها ، و كانت الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب تحت أبي أحمد بن جحش . و زاد غير أبي عمر : فباعها من عمرو بن علقمة أخي بني عامر بن لؤي ، فذكر ذلك عبد الله ابن جحش لما بلغه لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال له رسول الله : ألا ترضى يا عبد الله أن يطيك الله بها داراً في الجنة خيراً منها ؟ قال : بلى ، قال : فذلك لك . فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة كلمه أبو أحمد في دارهم ، فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال الناس لأبي أحمد : يا أبا أحمد ! إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يكره أن ترجعوا في شيء أصيب منكم في الله " .
فأمسك عن كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم .
رجع إلى خبر ابن إسحاق :
و كان بنو غنم بن دودان أهل إسلام قد أوعبوا إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم هجرة رجالهم و نساؤهم .
عكاشة بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد ابن خزيمة أبو محصن ، حليف بني أمية . و أخوه عمرو بن محصن . و شجاع و عقبة ابنا و هب و ربيعة بن أسد بن صهيب بن مالك بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة . و أربد بن جميرة ، و قال ابن هشام : حميرة بالحاء ، و هو عند ابن سعد : حمير . و منقذ ابن نباته بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد . و سعيد بن رقيش . و محرز بن نضلة ابن عبد الله بن مرة بن كبير بن غنم . و زيد بن رقيش . و قيس بن جابر . و مالك بن عمرو . و صفوان بن عمرو . و ثقف بن عمرو حليف بني عبد شمس . و ربيعة بن أكثم بن سخبرة ابن عمرو بن لكيز بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد . و الزبير بن عبيدة . و تمام بن عبيدة . و سخبرة بن عبيدة . و محمد بن عبد الله بن جحش . و من نسائهم : زينب بنت جحش . و أم حبيبة بنت جحش . و جدامة بنت جندل و أم قيس بنت محصن . و أم حبيب بنت ثمامة . و آمنة بنت رقيش . و سخبرة بنت تميم . و حمنة بنت جحش .
و قال أبو عمر : ثم خرج عمر بن الخطاب ، و عياش بن أبي ربيعة ، في عشرين راكباً ، فقدموا المدينة ، فنزلوا في العوالي في بني أمية بن زيد ، و كان يصلي بهم سالم مولى أبي حذيفة ، و كان أكثرهم قرآناً ، و كان هشام بن العاصي بن وائل قد أسلم و واعد عمر بن الخطاب أن يهاجر معه ، و قال : تجدني أو أجدك عند أضاة بني غفار ، ففطن لهشام قومه فحبسوه عن الهجرة . ثم إن أبا جهل و الحارث بن هشام ـ و من الناس من يذكر معهما أخاهما العاصي بن هشام ـ خرجا حتى قدما المدينة ، و رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة ، فكلما عياش بن أبي ربيعة ، و كان أخاهما لأمهما و ابن عمهما ، و أخبراه أن أمه قد نذرت أن لا تغسل رأسها و لا تستظل حتى تراه ، فرقت نفسه و صدقهما ، و خرج راجعاً معهما ، فكتفاه في الطريق و بلغا به مكة ، فحبساه به مكة ، فحبساه بها إلى أن خلصه الله تعالى بعد ذلك بدعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم له في قنوت الصلاة : " اللهم أنج الوليد بن الوليد ، و سلمة بن هشام ، و عياش ابن أبي ربيعة " .
قال ابن إسحاق : فحدثني بعض آل عياش بن أبي ربيعة ، أنهما حين دخلا مكة ، دخلا به نهاراً موثقاً ، ثم قالا : يأهل مكة ، هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا .
قال ابن هشام : " و حدثني من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال و هو بالمدينة : من لي بعياش بن أبي ربيعة ، و هشام بن العاص ؟ فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة : أن لك يا ر سول الله بهما . فخرج إلى مكة فقدمها مستخفياً ، فلقي امرأة تحمل طعاماً ، فقال لها : أين تريدين يا أمة الله ؟ قالت : أريد هذين المحبوسين ـ تعنيهما ـ فتبعها حتىعرف موضعهما ، و كانا محبوسين في بيت لا سقف له ، فلما أمسى تسور عليهما ، ثم أخذ مروة فوضعها تحت قيديهما ، ثم ضربهما بسيفه فقطعهما ، فكان يقال لسيفه : ذو المروة لذلك . ثم حملها على بعيره ، و ساق بهما ، فعثر فدميت إصبعه ، فقال :
هل أنت إلا إصبع دميت ؟ و في سبيل الله ما لقيت
ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ".
قال ابن إسحاق : و نزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة و من لحق به من أهله و قومه ، و أخوه زيد بن الخطاب ، و عمرو و عبد الله ابنا سراقة بن المعتمر بن أنس بن أداة ابن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب ، و خنيس بن حذافة السهمي ـ و كان صهره على ابنته حفصة بنت عمر بن الخطاب ، خلف عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم بعده ـ و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، و واقد بن عبد الله التميمي حليف لهم ، و خولي بن أبي خولي ، و مالك بن أبي خولي ، و اسم أبي خولي عمرو بن زهير ـ قيل : جعفي ، و قيل : عجلي و قيل غير ذلك ـ حليفان لهم ، و بنو البكير أربعتهم إياس و عاقل و عامر وخالد ، و حلفاؤهم من بني سعد بن ليث : على رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر ، في بني عمرو بن عوف بقباء ، و قد كان منزل عياش بن أبي ربيعة معه عليه حين قدما المدينة .
ثم تتابع الهاجرون ، فنزل طلحة بن عبد الله و صهيب بن سنان على خبيب بن إساف ، و يقال : بل نزل طلحة على سعد بن زرارة أخي بني النجار ، كذا قال ابن سعد و إنما هو أسعد .
قال ابن هشام : " و قد ذكر لي عن أبي عثمان النهدي ، أنه قال : بلغني أن صهيباً حين أراد الهجرة قال له كفار قريش : أتينا صلعوكاً حقيراً ، فكثر مالك عندنا ، و بلغت الذي بلغت ، ثم تريد أن تخرج بمالك و نفسك ؟ لا و الله لا يكون ذلك . فقال لهم صهيب : أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي ؟ قالوا : نعم . فقال : فإني قد جعلت لكم مالي . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : ربح صهيب ، ربح صهيب " .
قال ابن إسحاق : ونزل حمزة بن عبد المطلب و زيد بن حارثة ، و أبو مرثد كناز بن الحصين بن يربوع بن عمرو بن يربوع بن خرشة بن سعد بن طريف بن جلان بن غنم ابن غني بن يعصر الغنوي ، كذا ذكره أبو عمر عن ابن إسحاق . و أما ابن الرشاطي فقال : حصين بن عمرو بن يربوع بن طريف بن خرشة بن عبيد بن سعد بن عوف بن كعب بن جيلان بن غنم بن غني . و ابنه مرثد . و أنسة ، و أبو كبشة ، مولياً رسول الله صلى الله عليه و سلم : على كلثوم بن هدم ، أخي بني عمرو بن عوف بقباء ، و يقال : بل نزلوا على سعد بن خيثمة . و يقال : بل نزل حمزة بن عبد المطلب على أسعد بن زرارة .
و نزل عبيدة بن الحارث و أخواه الطفيل و الحصين و مسطح بن أثاثة ـ و اسمه عمرو ابن أثاثة ـ بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي ، و سويبط بن سعد بن حريلمة ، و طليب بن عمير ، و خباب مولى عتبة بن غزوان : على عبد الله بن سلمة ، أخي بني العجلان بقباء .
و نزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع .
و نزل الزبير بن العوام و أبو سبرة بن أبي رهم على منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة ابن الجلاح .
و نزل مصعب بن عمير على سعد بن معاذ .
و نزل أبو حذيفة بن عتبة ، و سالم مولى أبي حذيفة ، و عتبة بن غزوان ، على عباد ابن بشر بن وقش .
و نزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت أخي حسان .
و يقال : نزل الأعزاب من المهاجرين على سعد بن خثيمة ، و ذلك أنه كان عزباً .
و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ، و لم يتخلف معه أحد من المهاجرين ، إلا من حبس أو افتتن ، إلا علي بن أبي طالب و أبو بكر و كان أبو بكر كثيراً ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الهجرة ، فيقول له : لا تعجل ، لعل الله أن يجعل لك صاحباً ، فيطمع أبو بكر أن يكون هو .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:27 AM
ذكر يوم الزحمة
قال ابن إسحاق : و لما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد كانت له شيعة و أصحاب من غيرهم ، بغير بلدهم ، و رأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم ، عرفوا أنهم قد نزلوا داراً و أصابوا منعة ، فحزروا خروج رسول الله صلى الله عليه و سلم إليهم ، و عرفوا أنه قد جمع لحربهم ، فاجتعمعوا له في دار الندوة ، و هي دار قصي بن كلاب ، التي كانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها ، يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم حين خافوه . فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج و غيره ممن لا أتهم ، عن عبد الله بن عباس ، قال : لما اجتمعوا لذلك و اتعدوا أن يدخلوا دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، غدوا في اليوم الذي اتعدوا له ، و كان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة ، فاعترضهم إبليس لعنه الله في هيئة شيخ جليل عليه بت له ، فوقف على باب الدار ، فلما رأوه واقفاً على بابها قالوا : من الشيخ ؟ قال : شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون ، و عسى أن لا يعدمكم منه رأياً و نصحاً . قالوا : أجل فادخل ، فدخل معهم ، و قد اجتمع فيها أشراف قريش من بني عبد شمس : عتبة بن ربيعة ، و شيبة بن ربيعة ، و أبو سفيان بن حرب . و من بني نوفل ابن عبد مناف : طعيمة بن عدي ، و جبير بن مطعم ، و الحارث بن عمرو بن نوفل ، و من بني عبد الدار بن قصي : النضر بن الحارث بن كلدة . و من بني أسد بن عبد العزى : أبو البحتري بن هشام ، و زمعة بن الأسود ، و حكيم بن حزام . و من بني مخزوم : أبو جهل بن هشام . و من بني سهم : نبيه و منبه ابنا الحجاج . و من بني جمح : أمية بن خلف . و من كان منهم و غيرهم ممن لا يعد من قريش .
فقال بعضهم لبعض : إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم ، و إنا و الله ما نأمنه على الوثوب علينا بمن قد اتبعه من غيرنا ، فأجمعوا فيه رأياً . قال : فتشاوروا ، ثم قال قائل منهم : احبسوه في الحديد ، و أغلقوا عليه باباً ، ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهير و النابغة ، و من مضى منهم من هذا الموت ، حتى يصيبه ما أصابهم . قال الشيخ النجدي : لا و الله ما هذا لكم برأي ، و الله لو حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه ، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم ، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ، ما هذا لكم برأي ، فانظروا إلى غيره . فتشاوروا ، ثم قال قائل منهم : نخرجه من بين أظهرنا ، فننفيه من بلادنا ، فإذا خرج عنا ، فو الله ما نبالي أين ذهب و لا حيث وقع إذا غاب عنا و فرعنا منه ، فأصلحنا أمرنا و ألفتنا كما كانت . قال الشيخ النجدي : و الله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه و حلاوة منطقه و غلبته على قلوب الرجال بما يأتي به ، و الله لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل على حي من العرب ، فيغلب بذلك عليهم من قوله و حديثه ، حتى يتابعوه عليه ، ثم يسير بهم إليكم ، حتى يطأكم بهم ، فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد ، أديروا فيه رأياً غير هذا . قال : فقال أبو جهل بن هشام : و الله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد . قالوا : و ما هو يا أبا الحكم ؟ قال : أرى أن تأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً جلداً نسيباً و سيطاً ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفاً صارماً ، ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه ، فنستريح منه ، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعاً ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً ، فيرضوا منا بالعقل ، فعلقناه لهم . قال : يقول الشيخ النجدي : القول ما قال هذا الرجل ، هذا الرأي و لا رأي غيره . فتفرق القوم على ذلك و هم مجمعون له .
فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : " لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه . قال : فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام ، فيثبون عليه ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب : نم على فراشي و تسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر ، فنم عليه ، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينام في برده ذلك إذا نام .
فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : لما اجتمعوا له و فيهم أبو جهل بن هشام ، فقال و هم على بابه : إن محمداً يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب و العجم ، ثم بعثتم من بعد موتكم ، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن ، و إن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ، ثم بعثتم من بعد موتكم ، فجعلت لكم نار تحرقون فيها . قال : وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ حفنة من تراب في يده ، ثم قال : نعم أنا أقول ذلك ، و أنت أحدهم . و أخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه ، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم ، و هو يتلو هذه الآيات " يس * والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين * على صراط مستقيم " إلى قوله : " فأغشيناهم فهم لا يبصرون " [ يس : 1 ـ 9 ] حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من هذه الآيات ، ولم يبق منهم رجل إلا و قد وضع على رأسه تراباً ، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب ، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم ، فقال : و ما تنتظرون ها هنا ؟ قالوا : محمداً . قال : قد خيبكم الله ، قد و الله خرج عليكم محمد ، ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وقد وضع على رأسه تراباً و انطلق لحاجته ، أفما ترون ما بكم ؟ قال : فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ، ثم جعلوا يطلعون ، فيرون علياً على الفراش متسجياً ببرد رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقولون : و الله إن هذا لمحمد نائماً ، عليه بردة ، فلم يزالوا كذلك حتى أصبحو ، فقام علي عن الفراش . فقالوا : و الله لقد صدقنا الذي كان حدثنا .
فكان مما أنزل الله من القرآن في ذلك : " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " [ الأنفال : 30 ] و قول الله تعالى : " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون * قل تربصوا فإني معكم من المتربصين " [ الطور : 30 ـ 31 ] " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:28 AM
ذكر فوائد تتعلق بهذه الأخبار
قوله /: بقباء هو مسكن بني عمرو بن عوف ، على فرسخ من المدينة ، و يمد و يقصر ، و يؤنث و يذكر ، و يصرف و لا يصرف .
و ذكر في مهاجري بني دودان بن أسد : بنات جحش بن رئاب ، و هن : زينب ، وكان اسمها برة ، فسماها رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب ، وهي التي كانت عند زيد ابن حارثة ، و نزلت فيها " فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها " [ الأحزاب : 37 ] .
وحمنة بنت جحش ، و هي التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف . و أم حبيبة ، و قال السهيلي : أم حبيب و حكاه أبو عمر ، و قال : هو قول أكثرهم ، و كان شيخنا الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي رحمه الله يقول : أم حبيب حبيبة ، و أما الحافظ أبو القاسم بن عساكر فعنده أم حبيبة ، و اسمها حمنة ، فهما اثنتان ـ على هذا ـ فقط . و لم أجد في جمهرة ابن الكلبي و كتاب أبي محمد بن حزم في النسب غير زينب و حمنة ، و السهيلي يقول : كانت زينب عند زيد بن حارثة ، و أم حبيب تحت عبد الرحمن بن عوف ، و حمنة تحت مصعب بن عمير . و قال : و وقع في الموطأ وهم أن زينب كانت تحت عبد الرحمن بن عوف ، و لم يقله أحد ، و الغلط لا يسلم منه بشر ، غير أن شيخنا أبا عبد الله محمد بن نجاح ، أخبرنا : أن أم حبيب كان اسمها زينب ، فهما زينبان ، غلبت على إحداهما الكنية ، فعلى هذا لا يكون في حديث الموطأ وهم .
و ذكر جدامة بنت جندل ـ و هي بالدال المهملة ، و من أعجمها فقد صحف ـ قال السهيلي : و أحسبها جدامة بنت وهب . قلت : جادمة بنت جندل غير معروفة ، و الذي ذكره أبو عمر جدامة بنت وهب ، أسلمت بمكة و هاجرت مع قومها إلى المدينة لا يعرف غير ذلك .
و ذكر في المهاجرين محرز بن نضلة . و ابن عقبة يقول فيه : محرز بن وهب
و ذكر في خبر يوم الزحمة : تشاور قريش في أمره عليه السلام ، و لم يسم المشيرين ، و كان الذي أشار بحبسه أبو البختري بن هشام ، و الذي أشار بإخراجه و نفيه هو أبو الأسود ربيعة بن عمير أخو بني عامر بن لؤي ، ذكره السهيلي عن ابن سلام .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:28 AM
أحاديث الهجرة و توديع رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة
" قرأت على أبي حفص عمر بن عبد المنعم بعربيل من غوطة دمشق ، أخبركم أبو القاسم عبد الصمد بن محمدالأنصاري حضوراً في الرابعة ، أخبرنا أبو الحسن السلمي ، أخبرنا أبو نصر الحسين بن محمد بن أحمد بن طلاب الخطيب ، قال علي بن أبي طالب أخبرنا ابن جميع ، حدثنا إبراهيم بن معاوية ، حدثنا عبد الله بن سليمان ، حدثنا نصر بن عاصم ، حدثنا الوليد ، حدثنا طلحة ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و الله إني لآخرج منك و إني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله ، و أكرمها على الله ، و لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك " .
و كان أبو بكر يستأذنه عليه الصلاة و السلام في الهجرة فيثبطه ليكون معه من غير أن يصرح له بذلك ، " كما أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقدسي بقراءة و الدي عليه و أنا حاضر في الرابعة ، و أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن بقراءتي عليه بظاهر دمشق ، قالا : أخبرنا ابن ملاعب ، أخبرنا الأموري ، أخبرنا يوسف بن محمد بن أحمد ، أخبرنا أبو عمر بن مهدي ، أخبرنا ابن مخلد ، حدثنا ابن كرامة ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : استأذن أبو بكر في الخروج من مكة حين اشتد عليه الأذى ، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : أقم . فقال : يا رسول الله ! أتطمع أن يؤذن لك ؟ فيقول : إني لأرجو ذلك . فانتظره أبو بكر ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم ظهراً ، فناداه ، فقال : أخرج من عندك . فقال : يا رسول الله إنما هما ابنتاي . قال : أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج ؟ فقال : يا رسول الله ! الصحبة . فقال : الصحبة . قال : يا رسول الله ! عندي ناقتان قد أعددتهما للخروج ، فأعطى النبي صلى الله عليه و سلم إحداهما ـ وهي الجدعاء ـ فركبها ، فانطلقا حتى أتيا الغار ، و هو بثور ، فتواريا فيه ، و كان عامر بن فهيرة غلاماً لعبد الله بن طفيل ، و هو أخو عائشة لأمها ، و كانت لأبي بكر منحة فكان يروح بها و يغدو عليها ، و يصبح فيدلج إليهم ، ثم يسرح و لا يفطن له أحد من الرعاء ، فلما خرجا خرج معهما يعقبانه ، حتى قدم المدينة ، فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:28 AM
حديث الغار
قرأت على أبي الفتح الشيباني بدمشق ، أخبركم الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن ابن محمد بن البن الأسدي قراءة عليه و أنت تسمع ، قال : أخبرنا جدي ، قال : أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء ، أخبرنا ابن أبي النصر ، أخبرنا خيثمة ، حدثنا عبد الله بن أحمد الدورقي ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا عون بن عمرو القيسي أخو رياح القيسي ، حدثنا أبو مصعب المكي ، قال : أدركت أنس بن مالك و زيد بن أرقم و المغيرة بن شعبة ، فسمعتهم يتحدثون : أن النبي صلى الله عليه و سلم ليلة الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه و سلم فسترته ، و أمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار ، و أقبل فتيان قريش من كل بطن يعصيهم و هراويهم و سيوفهم ، حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه و سلم على أربعين ذراعاً ، تعجل بعضهم ينظر في الغار فلم ير إلا حمامتين بفم الغار ، فرجع إلى أصحابه ، فقالوا له : مالك ؟ قال : رأيت حمامتين وحشيتين فعرفت أنه ليس فيه أحد ، فسمع النبي صلى الله عليه و سلم ما قال ، فعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله عز وجل قد درأ عنه .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:29 AM
حديث الهجرة و خبر سراقة بن مالك بن جعشم
روينا من طريق البخاري ، " حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، قال ابن شهاب ، فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : لم أعقل أبوي إلا و هما يدينان الدين ، و لم يمر علينا إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم طرفي النهار بكرة و عشية ، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرأً نحو أرض الحبشة ، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة ، و هو سيد القارة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ قال أبو بكر : أخرجني قومي ، فأريد أن أسيح في الأرض ، فأعبد ربي . قال ابن الدغنة : فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ، إنك تكسب المعدوم ، و تصل الرحم ، و تحمل الكل و تقري الضيف ، و تعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار ، فارجع ، فاعبد ربك ببلدك . فرجع و ارتحل مع ابن الدغنة ، فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش ، فقال لهم : إن أبا بكر لا يخرج مثله و لا يخرج ، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ، و يصل الرحم ، ويحمل الكل و يقري الضيف ، و يعين على نوائب الحق . فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة . و قالوا لابن الدغنة : مر أبا بكر فليعبد ربه في داره ، فليصل فيها وليقرأ ما شاء ، و لا يؤذنا بذلك ، و لا يستعلن به ، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا و أبناءنا . فقال ذلك ابن اللدغنة لأبي بكر .
فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره و لا يستعلن بصلاته و لا يقرأ في غير داره . ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره ، فكان يصلي فيه و يقرأ القرآن ، فيتقصف عليه نساء المشركين و أبناؤهم ، وهم يعجبون منه و ينظرون إليه . و كان أبو بكر رجلاً بكاء ، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن ، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة ، فقدم عليهم ، فقالوا : إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره ، فقد جاوز ذلك ، فابتنى مسجداً بفناء داره ، فأعلن بالصلاة و القراءة فيه و إنا قد خشينا أن يفتن نساءنا و أبناءنا بهذا ، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل ، و إن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك ، فإنا قد كرهنا أن نخفرك ، و لسنا مقرين للأبي بكر الاستعلان .
قالت عائشة : فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال : قد علمت الذي عاقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك و إما أن ترجع إلي ذمتي ، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له . فقال له أبو بكر : فإني أرد إليك جوارك و أرضى بجوار الله . و النبي صلى الله عليه و سلم يومئذ بمكة ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم للمسلمين : إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين ، و هما الحرتان ، فهاجر من هاجر قبل المدينة ، و رجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة ، و تجهز أبو بكر قبل المدينة . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : على رسلك ، فإني أرجو أن يؤذن لي . فقال أبو بكر : هل ترجو ذلك بأبي أنت ؟ قال : نعم . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه و سلم ليصحبه ، و علف را حلتين عنده ورق السمر ـ و هو الخبط ـ أربعة أشهر " .
قال ابن شهاب : " قال عروة : قالت عائشة : فبينا نحن جلوس يوماً في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة ، قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم متقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها . فقال أبو بكر : فدى له أبي و أمي ، و الله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر . قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فاستأذن ، فأذن لي ، فدخل ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم لأبي بكر : أخرج من عندك . فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله . قال : فإنه قد أذن لي في الخروج . فقال أبو بكر : الصحابة بأبي أنت يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم . قال أبو بكر : فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بل بالثمن . قالت عائشة : فجهزناهما أحث الجهاز ، و صنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين . قالت : ثم لحق رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر بغار في جبل ثور ، فمكث فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ، و هو غلام شاب ثقف لقن ، فيدلج من عندهما بسحر ، فيصبح مع قريش بمكة كبائت ، فلا يسمع أمراً يكادان به إلا وعاه ، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، و يرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم ، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء ، فيبيتان في رسل ـ و هو لبن منحتهما و رضيفهما ـ حين ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس ، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث . و استأجر رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر رجلاً من بني الديل ـ و هو من بني عبد بن عدي ـ هادياً خريتاً ـ و الخريت : الماهر بالهداية ـ قد غمس حلفاً في آل العاص بن وائل السهمي ، و هو على دين كفار قريش ، فأمناه ، فدفعا إليه راحلتيهما ، و واعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث ، و انطلق معهما عامر بن فهيرة و الدليل ، فأخذ بهم على طريق السواحل .
قال ابن شهاب : و أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي ـ و هو ابن أخي سراقة ابن مالك بن جعشم ـ أن أباه أخبره ، أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول : جاءنا رسل كفار يجعلون في رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره ، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج ، أقبل رجل منهم حتى أقام علينا ، و نحن جلوس ، فقال : يا سراقة ! إني قد رأيت آنفاً أسودة بالساحل ، أراها محمداً و أصحابه . قال سراقة : فعرفت أنهم هم . فقلت له : إنهم ليسوا بهم ، و لكنك رأيت فلاناً و فلاناً انطلقوا بأعيننا . ثم لبثت في المجلس ساعة ، ثم قمت فدخلت ، فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي ، و هي من وراء أكمة فتحبسها علي ، و أخذت رمحي ، فخرجت به من ظهر البيت ، فخططت بزجه و خفضت عاله ، حتى أتيت فرسي فركبتها ، فرفعتها تقرب بي ، حتى دنوت منهم ، فعثرت بي فرسي فخررت عنها ، فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي ، فاستخرجت منها الأزلام ، فاستقسمت بها : أضرهم أم لا ؟ فخرج الذي أكره ، فركبت فرسي ـ و عصيت الأزلام ـ تقرب بي ، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو لا يلتفت ، و أبو بكر يكثر الالتفات ، ساخت يدا فرسي في الأرض ، حتى بلغتا الركبتين ، فخررت عنها ، ثم زجرتها فنهضت ، فلم تكد تخرج يديها ، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان ، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره ، فناديتهم بالأمان ، فوقفوا ، فركبت فرسي حتى جئتهم ، و وقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقلت له : إن قومك جعلوا فيك الدية ، و أخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم ، و عرضت عليهم الزاد و المتاع ، فلم يرزآني و لم يسألاني ، إلا أن قالا : أخف عنا . فسألته أن يكتب لي كتاب أمن ، فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أدم ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم .
قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام ، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبا بكر ثياب بياض . و سمع المسلمون بالمدينة مخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة ، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه ، حتى يردهم حر الظهيرة ، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم ، فلما أووا إلى بيوتهم أو في رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه ، فبصر رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه مبيضين ، يزول بهم السراب ، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته : يا معاشر العرب ! هذا جدكم الذي تنتظرون . فثار المسلمون إلى السلاح ، فتلقوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بظهر الحرة ، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في دار بني عمرو ابن عوف ، و ذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول ، فقام أبو بكر للناس و جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم صامتاً ، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه و سلم يحيي أبا بكر ، حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه ، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه و سلم عند ذلك ، فلبث رسول الله صلى الله عليه و سلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة ، و أسس المسجد الذي أسس على التقوى ، و صلى فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم ركب راحلته ، فسار بمشي معه الناس ، حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه و سلم بالمدينة ، و هو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين ، و كان مربداً للتمر ، لسهل و سهيل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بركت به راحلته : هذا إن شاء الله تعالى المنزل . ثم دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم الغلامين ، فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً ، فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله . فأبى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقبه منهما هبة ، حتى ابتاعه منهما ، ثم بناه مسجداً ، فطفق رسول الله صلى الله عليه و سلم ينقل معهم اللبن في بنائه ، و يقول و هو ينقل اللبن :
هذا الحمال لا حمال خبر هذا أبر ربنا و أطهر
اللهم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار و المهاجرة
تمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي " .
قال ابن شهاب : و لم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات .
كذا وقع في هذا الخبر أن الذي كسا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبا بكر الزبير ، و ذكر موسى ابن عقبة أنه طلحة بن عبيد الله في خبر ذكره .
" و روينا من طريق البخاري أن أبا بكر كان يسأل عن النبي صلى الله عليه و سلم : من هذا ؟ فيقول : هذا الرجل يهديني الطريق . قال : فيحسب الحاسب أنه يعني الطريق ، و إنما يعني سبيل الخير " .
و روينا من طريق ابن إسحاق : " أنه عليه الصلاة و السلام أعلم علياً بمخرجه ، و أمره أن يتخلف بعده حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس و أن أبا بكر خرج بماله كله ، و هو فيما قيل خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم " .
" أخبرنا عبد الله بن أحمد بن فارس ، و يوسف بن يعقوب بن المجاور قراءة على الأول و أنا أسمع بالقاهرة ، و بقراءتي على الثاني بسفح قاسيون ، قالا : حدثنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا هبة الله بن أحمد الحريري ، أخبرنا أبو طالب العشاري ، أخبرنا أبو الحسين بن سمعون ، حدثنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك ، أخبرنا يحيى بن إسماعيل الحريري ، حدثنا جعفر بن علي ، حدثنا سيف ، عن بكر بن وائل ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أحد أمن علي في صحبته و ذات يده من أبي بكر ، و ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر ، و لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً " .
و جهل أهل مكة الخبر عنهم ، إلى أن سمعوا الهاتف يهتف بالشعر الذي فيه ذكر أم معبد ، فعلموا أنهم توجهوا نحو يثرب قد نجوا منهم .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:29 AM
حديث أم معبد
" أخبرنا الشيخان أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف المزي والدي عليه ، و أبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل بقراءتي عليه ، قالا : أخبرنا ابن طبرزد ، أخبرنا ابن الحصين ، أخبرنا ابن غيلان ، أخبرنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا محمد بن يونس القرشي ، حدثنا عبد العزيز بن يحيى مولى العباس بن عبد المطلب ، حدثنا محمد بن سليمان بن سليط الأنصاري ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده أبي سليط و كان بدرياً ، قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في الهجرة و معه أبو بكر الصديق و عامر بن فهيرة مولى أبي بكر و ابن أريقط يدلهم على الطريق ، مروا بأم معبد الخزاعية ، و هي لا تعرفهم . فقال لها : يا أم معبد ، هل عندك من لبن ؟ قالت : لا و الله إن الغنم لعازبة . قال : فما هذه الشاة التي أرى ـ لشاة رآها في كفاء البيت ـ قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم . قال : أتأذنين في حلابها ؟ قالت : لا و الله ما ضربها من فحل قط ، فشأنك بها ، فدعا بها ، فمسح ظهرها و ضرعها ، ثم دعا بإناء يربض الرهط ، فحلب فيه فملأه ، فسقى أصحابه عللاً بعد نهل ، ثم حلب فيه آخر ، فغادره عندها ، و ارتحل ، فلما جاء زوجها عند المساء ، قال : يا أم معبد ! ماهذا اللبن و لا حلوبة في البيت و الغنم عازبة ؟ قالت لا و الله إلا أنه مر بنا رجل ظاهر الوضاءة ، متبلج الوجه ، في أشفاره وطف ، و في عينيه دعج و في صوته صحل ، غصن بين الغصنين ، لا تشنؤه من طول و لا تقتحمه من قصر ، لم تعبه ثجلة و لم تزره صعلة ، كأن عنقه إبريق فضة ، إذا صمت فعليه البهاء ، و إذا نطق فعليه وقار ، له كلام كخرزات النظم ، أزين أصحابه منظراً ، و أحسنهم وجهاً ، أصحابه يحفون به ، إذا أمر ابتدروا أمره ، و إذا نهى اتفقوا عند نهايته . قال : هذه و الله صفة صاحب قريش ، و لو رأيته لاتبعته و لاجتهدن أن أفعل .
قال : فلم يعلموا بمكة أين توجه رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر ، حتى سمعوا هاتفاً على رأس أبي قبيس ، و هو يقول :
جزى الله خيراً و الجزاء بكفه رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما رحلا بالحق و انتزلا به فقد فاز من أمسى رفيق محمد
فما حملت من ناقة فوق رحلها أبر و أوفى ذمة من محمد
و أكسى لبرد الخال قبل ابتذاله و أعطى برأس السابح المتجرد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم و مقعدها للمؤمنين بمرصد "
و به قال أبو بكر الشافعي ، حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان ، حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثت عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، أنها قالت : لما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم أتانا نفر من قريش ، فيهم أبو جهل بن هشام ، فوقفوا على باب أبي بكر رضي الله عنه ، فخرجت إليهم ، فقالوا : أين أبوك يا بنت أبي بكر ؟ قالت : قلت : و الله لا أدري أين أبي . قالت : فرفع أبو جهل يده ـ و كان فاحشاً خبيثاً ـ فلطم خدي لطمة خرم منها قرطي . قالت : ثم انصرفوا ، فمضى ثلاث ليال ما ندري أين توجه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة ، يغني بأبيات ، غنى بها العرب ، و إن الناس ليتبعونه يسمعون صوته و ما يرونه ، حتى خرج بأعلى مكة :
جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلاها بالهدى و اغتدوا به فأفلح من أمسى رفيق محمد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم و مقعدها للمؤمنين بمرصد
قالت : فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول الله صلى الله عليه و سلم . . . الحديث .
و قد روينا حديث أسماء هذا متصلاً ، من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء . أخبرنا عبد الله بن أحمد بن فارس قراءة عليه و أنا أسمع بالقاهرة ، و أبو الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني بقراءة عليه بسفح قاسيون ، قالا : أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي ، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري ، أخبرنا أبو طالب محمد ابن علي بن الفتح ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد ، حدثنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك الشيباني ، أخبرنا يحيى بن إسماعيل ، حدثنا جعفر بن علي ، حدثنا سيف ، عن هشام ابن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، قالت : ارتحل النبي صلى الله عليه و سلم و أبو بكر ، فلبثنا أياماً ثلاثة أو أربعة ، أو خمس ليال ، لا ندري أين توجه ، و لا يأتينا عنه خبر ، حتى أقبل رجل من الجن . . . الحديث بنحو ما تقدم .
و روينا عن أبي بكر الشافعي بالسند المتقدم ، حدثنا بشر بن أنس أبو الخير ، حدثنا أبو هشام محمد بن سليمان بن الحكم بن أيوب بن سليمان بن زيد بن ثابت بن يسار الكعبي الربعي الخزاعي ، حدثني عمي أيوب بن الحكم ، قال الشافعي : و حدثني أحمد ابن يوسف بن تميم البصري ، حدثنا أبو هاشم محمد بن سليمان بن زيد . قال : حدثني عمي أيوب بن الحكم ، عن حزام بن هشام ، عن أبيه هشام ، عن جده حبيش بن خالد صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة ، فذكر نحو ما تقدم من خبر أبي سليط ، و ذكر الأبيات و زاد فيها :
فيا لقصي ما زوى الله عنكم به من فعال لا تجاري و سودد
سلوا أختكم عن شاتها و إنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت عليه صريحاً ضرة الشاة مزبد
فغادرها رهناً لديها بحالب ترددها في مصدر ثم مورد
فلما سمع حسان بن ثابت قال يجاوب الهاتف :
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم و قدس من يسري إليه و يغتدي
ترحل عن قوم فضلت عقولهم و حل على قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الصلالة ربهم و أرشدهم ، من يتبع الحق يرشد
و قد نزلت منه على أهل يثرب ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله و يتلو كتاب الله في كل مسجد
و إن قال في يوم مقالة غائب فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبو بكر سعادة جده بصحبته ، من يسعد الله يسعد
و اجتاز رسول الله صلى الله عليه و سلم في وجهه ذلك بعبد يرعى غنماً ، فكان من شأنه ما رويناه من طريق البيهقي بسنده ، " عن قيس بن النعمان ، قال : لما انطلق النبي صلى الله عليه و سلم و أبو بكر مستخفيين ، مرا بعبد يرعى غنماً ، فاستسقياه اللبن ، فقال : ما عندي شاة تحلب ، غير أن ها هنا عناقاً حملت أول ، و قد أخدجت ، و ما بقي لها لبن ، فقال : ادع بها ، فدعا بها ، فاعتقلها النبي صلى الله عليه و سلم ، و مسح ضرعها ، و دعا حتى أنزلت ، و قال : جاء أبو بكر بمجن فحلب ، فسقى أبا بكر ، ثم حلب فسقي الراعي ، ثم حلب فشرب . فقال الراعي : بالله من أنت ؟ فو الله ما رأيت مثلك . قال : أو تراك تكتم علي حتى أخبرك ؟ قال : نعم . قال : فإني محمد رسول الله . فقال : أنت الذي تزعم قريش أنه صابئ ؟ قال : إنهم ليقولون ذلك ؟ قال : فأشهد أنك نبي ، و أن ما جئت به حق ، و أنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي ، و أنا متبعك . قال : إنك لن تستطيع ذلك يومك ، فإذا بلغك أني قد ظهرت فائتنا " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:29 AM
ذكر فوائد تتعلق بهذه الأخبار
العثان : بضم العين المهملة و الثاء المثلثة : شبه الدخان ، و هو مفسر في الخبر بذلك ، و جمعه عواثن .
الحمال : جمع أو مصدر ، أي هذا الحمل أو المحمول من اللبن أفضل من حمال خيبر ، التمر و الزبيت المحمول منها ، قيل رواه المستعلي بالجيم فيهما ، و له وجه ، الأول أظهر .
و أم معبد : عاتكة بنت خالد ، إحدى بني كعب من خزاعة ، و هي أخت حبيش ابن خالد الذي روينا الخبر من طريقه و له صحبة ، و كان منزلها بقديد .
و أبو سليط : أسيرة بن عمرو ، أنصاري من بني النجار ، شهد بدراً و ما بعدها . و وقع في الأبيات التي رويناها في الخبر من طريقه .
فما حملت من ناقة فوق رحلها
البيت ، و الذي يليه في ذلك الشعر ، و ليس ذلك بمعروف ، و المعروف في هذا الشعر أنه لأبي أناس الديلي رهط أبي الأسود ، صحابي ذكره أبو عمر ، و عمه سارية بن زنيم ، الذي قال له عمر بن الخطاب : يا سارية الجبل . و كان أبو أناس شاعراً ، و هو القائل لرسول الله صلى الله عليه و سلم :
تعلم رسول الله أنك قادر على كل حاف من تهام و منجد
و هي طويلة منها :
و ما حملت من ناقة فوق رحلها أبر و أوفى ذمة من محمد
و تضمن حديث أم معبد أشياء من صفة النبي صلى الله عليه و سلم يأتي شرحها في الشمائل إن شاء الله تعالى .
و كفاء البيت : سترة في البيت من أعلاه إلى أسفله من مؤخره ، و قيل : الكفاء : الشقة التي تكون في مؤخر الخباء ، و قيل : هو كساء يلقى على خباء كالإزار حتى يبلغ الأرض ، و قد أكفى البيت . ذكره ابن سيده .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:30 AM
ذكر دخوله عليه الصلاة و السلام المدينة
و كان أهل المدينة يتوكفون قدوم رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بلغهم توجهه إليهم ، فكانوا يخرجون كل يوم لذلك أول النهار ثم يرجعون ، حتى كان يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، خرجوا لذلك على عادتهم فرجعوا و لم يقدم عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم قدم من يومه ذلك حين اشتد الضحاء ، فنزل بقباء على بني عمرو بن عوف على كلثوم بن هدم ، و كان يجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة .
قال الواقدي : و نزل على كلثوم أيضاً جماعة من الصحابة ، منهم : أبو عبيدة بن الجراح ، و المقداد بن عمرو ، و خباب بن الأرت ، و سهيل و صفوان ابنا بيضاء ، و عياض ابن زهير ، و عبد الله بن مخرمة ، و وهب بن سعد بن أبي سرح ، و معمر بن أبي سرح ، و عمرو بن أبي عمرو من بني محارب بن فهر ، و عمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو . و كل هؤلاء قد شهد بدراً ، ثم يلبث كلثوم أن مات قبل بدر ، و كان رجلاً صالحاً غير مغموص عليه . انتهى كلام الواقدي .
و قيل : نزل أبو بكر على خبيب بن إساف ، و قيل : على خارجة بن زيد بن أبي زهير .
و أقام علي بمكة ثلاث ليال حتى أدى الودائع التي كانت عند النبي صلى الله عليه و سلم للناس ، ثم جاء فنزل علي كلثوم ، فكان يقول : كان بقباء امرأة لا زوج لها مسلمة ، فرأيت إنساناً يأتيها من جوف الليل ، فيضرب عليها بابها ، فتخرج إليه فيعطيها شيئاً معه فتأخذه ، قال : فاستربت شأنه ، فقلت : يا أمة الله ، من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه فيعطيك شيئاً لا أدري ما هو و أنت امرأة مسلمة لا زوج لك ؟ قالت : هذا سهل بن حنيف ، قد عرف أني امرأة لا أحد لي ، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ، ثم جاءني بها ، فقال احتطبي بهذا ، فكان علي يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف .
و كان فيمن خرج لينظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قوم من اليهود فيهم عبد الله بن سلام .
" أخبرنا الشيخان أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف و أبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل ، قالا : أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزذ ، أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أخبرنا أبو طالب بن غيلان ، أخبرنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا معاذ ، حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن عوف قال : حدثنا زرارة ، قال : قال عبد الله بن سلام : لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ، قيل : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فانجفل الناس إليه ، فكنت فيمن انجفل ، فلما رأيت وجهه صلى الله عليه و سلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، فأول ما سمعته يقول : أفشوا السلام ، و أطعموا الطعام ، و صلوا بالليل و الناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " .
و أشرقت المدينة بقدومه صلى الله عليه و سلم ، و سرى السرور إلى القلوب بحلوله بها .
روينا من طريق ابن ماجه ، حدثنا بشر بن هلال الصواف ، حدثنا جعفر بن سليمان ، الضبعي ، حدثنا ثابت ، عن أنس بن مالك ، قال : لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة أضاء منها كل شيء ، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء ، و ما نفضنا عن النبي صلى الله عليه و سلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا .
و روى ابن أبي خيثمة ، عن أنس : شهدت يوم دخول النبي صلى الله عليه و سلم المدينة فلم أر يوماً أحسن منه و لا أضوأ .
و روى البخاري من حديث البراء بن عازب ، قال : فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه و سلم . . الحديث .
قال ابن إسحاق : و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين و يوم الثلاثاء و يوم الأربعاء و يوم الخميس ، و أسس مسجدهم ، ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة . و بنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك .
و قد روينا عن أنس من طريق البخاري إقامته فيهم أربع عشرة ليلة . و المشهور عند أصحاب المغازي ما ذكره ابن إسحاق .
" فأدركت رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمعة في بني سالم بن عوف ، فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي ، وادي رانوناء ، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة ، فأتاه عتبان بن مالك و عباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف ، فقالوا : يا رسول الله ، أقم عندنا في العدد و العدة و المنعة . قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ـ لناقته ، فخلوا سبيلها فانطلقت حتى وازت دار بني بياضة ، تلقاه زياد بن لبيد و فروة بن عمرو في رجال من بني بياضة ، فقالوا : يا رسول الله ! هلم إلينا ، إلى العدد و العدة و المنعة . فقال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة فخلوا سبيلها فانطلقت ، حتى إذا مرت بدار بني ساعدة اعترضه سعد بن عبادة و المنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة ، فقالوا : يا رسول الله هام إلينا إلى العدد و العدة و المنعة . قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة . فخلوا سبيلها فانطلقت ، حتى إذا وازت دار بني الحارث بن الخزرج ، اعترضه سعد بن الربيع و خارجة بن زيد و عبد الله بن رواحة في رجال من بني بلحارث بن الخزرج ، فقالوا : يا رسول الله ! هلم إلينا إلى العدد و العدة و المنعة . قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة . فخلوا سبيلها حتى إذا مرت بدار عدي بن النجار ـ و هم أخواله دينا أم عبد المطلب ، سلمى بنت عمرو إحدى نسائهم ـ اعترضه سليط بن قيس و أبو سليط أسيرة بن أبي خارجة في رجال من بني عدي بن النجار ، فقالوا : يا رسول الله ! هلم إلى أخوالك ، إلى العدد و المنعة ، قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ، فخلوا سبيلها فانطلقت ، حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار بركت على باب مسجده صلى الله عليه و سلم و هو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني مالك بن النجار في حجر معاذ بن عفراء ، سهل و سهيل ابني عمرو ، فلما بركت و رسول الله صلى الله عليه و سلم لم ينزل و ثبت ، فسارت غير بعيد و رسول الله صلى الله عليه و سلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ، ثم التفت خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ، ثم تحلحلت و أرزمت و وضعت جرانها ، و نزل عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و احتمل أبو أيوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ، و نزل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:30 AM
ذكر بناء المسجد
" و سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المربد لمن هو ؟ فقال له معاذ بن عفراء : هو يا رسول الله لسهل و سهيل ابني عمرو ، و هما يتيمان لي و سأرضيهما منه فاتخذه مسجداً ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبني ، و نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي أيوب حتى بني مسجده و مساكنه ، ، فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ليرغب المسلمين في العمل فيه ، فعمل فيه المهاجرون و الأنصار و دأبوا فيه ، فقال قائل من المسلمين :
لئن قعدنا و النبي يعمل لذاك منا العمل المضلل
و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة الداخلة ، يبني له فيها مسجده و مساكنه " .
قال أبو عمر : " و قد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم أبى أن يأخذه إلا بثمن ، فالله أعلم . فبني رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجده و جعل عضادتيه الحجارة ، و سواريه جذوع النخل ، و سقفه جريدها ، بعد أن نبش قبور المشركين و سواها ، و سوى الخرب ، و قطع النخل ، و عمل فيه المسلمون حسبة .
و مات أبو أمامة أسعد بن زرارة حينئذ ، فوجد عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وجداً شديداً ، و كان قد كواه من ذبحة نزلت به ، و كان نقيب بني النجار فلم يجعل عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم نقيباً بعده ، و قال لهم : أنا نقيبكم . فكانت من مفاخرهم " .
و ذكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري ، " قال : فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم عند أبي أيوب ، و أراده قوم من الخزرج على النزول عليهم ، فقال : المرء مع رحله . فكان مقامه في منزل أبي أيوب سبعة أشهر ، و نزل عليه تمام الصلاة بعد مقدمه بشهر ، و وهبت الأنصار لرسول الله صلى الله عليه و سلم كل فضل كان في خططها ، و قالوا : يا نبي الله ! إن شئت فخذ منازلنا ، فقال لهم خيراً . قالوا : و كان أبو أمامة أسعد بن زرارة يجمع بمن يليه في مسجد له ، فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي فيه ، ثم إنه سأل أسعد أن يبيعه أرضاً متصلة بذلك المسجد كانت في يده ليتيمين في حجره يقال لهما سهل و سهيل ابنا رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة ابن غنم .
كذا نسبهما البلاذري و هو يخالف ما سبق عن ابن إسحاق و غيره ، و الأول أشهر .
قال : فعرض عليه أن يأخذها و يغرم عنه لليتيمين ثمنها ، فأبى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك و ابتاعها منهما بعشر دنانير أداها من مال أبي بكر .
ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر باتخاذ اللبن فاتخذ ، و بني به المسجد ، و رفع أساسه بالحجارة ، و سقف بالجريد ، و جعلت عمده جذوعاً " ، فلما استخلف أبو بكر لم يحدث فيه شئياً ، و استخلف عمر فوسعه ، فكلم العباس بن عبد المطلب في بيع داره ليزيدها فيه ، فوهبها العباس لله و للمسلمين ، فزادها عمر في المسجد . ثم إن عثمان بناه في خلافته بالحجارة و القصة و جعل عمده حجارة ، و سقفه بالساج و زاد فيه و نقل إليه الحصباء من العقيق . و كان أول من اتخذ فيه المقصورة مروان بن الحكم ، بناها بحجارة منقوشة ، ثم لم يحدث فيه شيء إلى أن ولي الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد أبيه ، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز و هو عامله على المدينة يأمره بهدم المسجد و بنائه ، و بعث إليه بمال و فيسفساء و رخام ، و بثمانين صانعاً من الروم و القبط من أهل الشام و مصر ، فبناه و زاد فيه . و ولي القيام بأمره و النفقة عليه صالح بن كيسان ، و ذلك في سنة سبع و ثمانين ، و يقال في سنة ثمان و ثمانين .
ثم لم يحدث فيه أحد من الخلفاء شيئاً حتى استخلف المهدي . قال الواقدي : بعث المهدي عبد الملك بن شبيب الغساني و ررجلاً من ولد عمر بن عبد العزيز إلى المدينة لبناء مسجدها و الزيادة فيه ، و عليها يومئذ جعفر بن سليمان بن علي ، فمكثا في عمله سنة و زاد في مؤخره مائة ذراع ، فصار طوله ثلاثمائة ذراع و عرضه مائتي ذراع ، و قال علي بن محمد المدائني : ولى المهدي جعفر بن سليمان مكة و المدينة و اليمامة ، فزاد ، في مسجد مكة و مسجد المدينة ، فتم بناء مسجد المدينة في سنة اثنتين و ستين و مائة ، و كان المهدي أتى المدينة في سنة ستين قبل الهجرة فأمر بقلع المقصورة و تسويتها مع المسجد .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:31 AM
ذكر الموادعة بين المسلمين و اليهود
قال ابن إسحاق : " و كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم كتاباً بين المهاجرين و الأنصار ، و وداع فيه يهود ، و عاهدهم و أقرهم على دينهم و أموالهم ، و شرط لهم و اشترط عليهم : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه و سلم بين المؤمنين و المسلمين من قريش و يثرب و من تبعهم فلحق بهم و جاهد معهم ، إنهم أمة واحدة من دون الناس ، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم ، و هم يفدون عانيهم بالمعروف و القسط بين المؤمنين . و بنو عوف على ربعتهم ، يتعاقلون معاقلهم الأولى ، و كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف و القسط بين المؤمنين ، و ذكر كذلك في بني ساعدة ، و بني جشم ، و بني النجار ، و بني عمرو ابن عوف ، و بني النبيت ، و بني الأوس . و إن المؤمنين لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل ، و لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، و إن المؤمنين المتقين على من بغي منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين ، و إن أيديهم عليه جميعاً و لو كان ولد أحدهم ، و لا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ، و لا ينصر كافر على مؤمن ، و إن ذمة الله واحدة ، يجير عليهم أدناهم ، و إن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس ، و إنه من تبعنا من يهود فإن له النصر و الأسوة غير مظلمومين و لا متناصر عليهم ، و إن سلم المؤمنين واحدة ، لا يسالم مؤمن من دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء أو عدل بينهم ، و إن لكل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضاً ، و إن المؤمنين يبيء بعضهم عن بعض بما نال دماءهم في سبيل الله ، و إن المؤمنين المتقين على أحسن هدى و أقومه ، و إنه لا يجير مشرك مالاً لقريش و لا نفساً و لا يحول دونه على مؤمن ، و إنه من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود به إلا يرضى ولي المقتول ، و إن المؤمنين عليه كافة ، و لا يحل لهم إلا قيام عليه ، و إن يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة و آمن بالله و اليوم آخر أن ينصر محدثاً و لا يؤويه ، و إن من نصره آو آواه فإن عليه لعنة الله و غضبه يوم القيامة ، و لا يؤخذ منه صرف و لا عدل ، و إنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله و إلى محمد ، و إن اليهود يثقفون مع المؤمنين ما داموا محاربين ، و إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم و للمسلمين دينهم ، مواليهم و أنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه و أهل بيته . و ذكر مثل ذلك ليهود بني النجار ، و بني الحارث ، و بني ساعدة ، و بني جشم ، و بني الأوس ، و بني ثعلبة ، و بين الشطبة ، و إن جفنة بطن من ثعلبة ، و إن بطانة يهود كأنفسهم ، و إن البر دون الإثم ، و إن موالي ثعلبة كأنفسهم ، و إنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد ، و إنه لا ينحجز عن ثأر جرح ، و إنه من فتك فبنفسه إلا من ظلم ، و إن الله على أبر هذا ، و إن على اليهود نفقتهم و على المسلمين نفقتهم ، و إن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ، و إن بينهم النصح و النصيحة و البر دون الإثم ، و إنه لن يأثم امرؤ بحليفه ، و إن النصر للمظلوم ، و إن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة ، و إن الجار كالنفس غير مضار و لا آثم ، و إنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها ، و إنه ما كان بين أهل الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله و إلى محمد صلى الله عليه و سلم ، و إن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة و أبره ، و إنه لاتجار قريش و لا من نصرها ، و إن بينهم النصر على من دهم يثرب . و إذا دعوا إلى صلح يصالحونه و يلبسونه فإنهم يصالحونه و يلبسونه ، و إنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين ، إلا من حارب في الدين ، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم ، و إن يهود الأوس مواليهم و أنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة ، و إن البر دون الإثم ، و لا يكتسب كاسب إلا على نفسه ، و إن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة و أبره ، و إنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم و لا آثم ، و إن من خرج آمن ، و من قعد آمن بالمدينة ، إلا من ظلم أو إثم . و إن الله جار لمن بر و أتقى ، و محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم " .
هكذا ذكره ابن إسحاق ، و قد ذكره ابن أبي خيثمة ، فأسنده : حدثنا أحمد بن جناب أبو الوليد ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب كتاباً بين المهاجرين و الأنصار ، فذكره بنحوه .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:31 AM
شرح ما فيه من الغريب
الربعة : الحالة التي جاء الإسلام و هم عليها ، من كتاب المزني . قال الخشني : ربعة و ربعة ، و كذلك رباعة و رباعة .
و المفرح : رواه ابن جريج مفرجاً . قال أبو عبيدة ومعناهما واحد ، و قال أبو عبيد : سمعت محمد بن الحسن يقول هذا يروى بالحاء و بالجيم ، قال أبو العباس ثعلب : المفرح المثقل من الديون ، و بالجيم الذي لا عشيرة له . و قال أبو عبيدة : المفرج بالجيم أن يسلم الرجل فلا يوالي أحداً بقول ، فتكون جنايته على بيت المال ، لأنه لا عاقلة له ، فهو مفرج . و قال بعضهم : هو الذي لا ديوان له . و قال أبو عبيد القاسم بن سلام عن محمد بن الحسن : هو القتيل يوجد بأرض فلاة لا يكون عند قرية فإنه يودى من بيت المال و لا يظل دمه .
و قوله : و إن المؤمنين يبيء بعضهم عن بعض : يعني أن دماءهم متكافئة ، يقال : ما فلان ببواء لفلان ، أي بكفؤ له . و يقال : باء الرجل بصاحبه يبوء بواء ، إذا قتل به كفؤاً ، و لم يفسره ابن قتيبة ، و معناه : يقتل بعضهم قاتل بعض ، يقال أبات لفلان قاتله : أي قتله . و يوتغ : يفسد ، قاله ابن هشام .
نقلت هذه الفوائد من خط جدي رحمه الله من حواشي كتابه الذي تقدم ذكره .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:32 AM
ذكر المؤخاة
و كان المؤاخاة مرتين : الأولى بين المهاجرين بعضهم و بعض قبل الهجرة على الحق و المؤساة ، آخى بينهم النبي صلى الله عليه و سلم ، فآخى بين أبي بكر و عمر ، و بين حمزة و زيد بن حارثة ، و بين عثمان و عبد الرحمن بن عوف ، و بين الزبير و ابن مسعود ، و بين عبيدة بن الحارث و بلال ، و بين مصعب بن عمير و سعد بن أبي وقاص ، و بين عبيدة و سالم مولى أبي حذيفة ، و بين سعيد بن زيد و طلحة بن عبيد الله ، و بين علي و نفسه صلى الله عليه و سلم .
قرأت على أبي الربيع سليمان بن أحمد المرجاني بثغر الاسكندرية و غيره ، " عن محمد ابن عماد ، أخبرنا ابن رفاعة ، أخبرنا الخلعي قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحسن بن جعفر العطار ، حدثنا أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري ، حدثنا أبو عبد الله محمد ابن زريق بن جامع المديني ، حدثنا أبو الحسين سفيان بن بشر الأسدي ، حدثنا علي بن هاشم بن البريد ، عن كثير النواء ، عن جميع بن عمير ، عن عبد الله بن عمر ، قال : آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أصحابه ، فآخى بين أبي بكر و عمر ، و فلان و فلان ، حتى بقي علي عليه السلام ، و كان رجلاً شجاعاً ، ماضياً على أمره إذا أراد شيئاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما ترضى أن أكون أخاك ؟ قال : بلى يا رسول الله رضيت . قال : فأنت أخي في الدنيا و الآخرة . قال كثير : فقلت لجميع بن عمير : أنت تشهد بهذا على عبد الله بن عمر ؟ قال : نعم أشهد .
فلما نزل عليه الصلاة و السلام المدينة آخى بين المهاجرين و الأنصار على المواساة و الحق في دار أنس بن مالك ، فكانوا يتوارثون بذلك دون القرابات ، حتى نزلت وقت وقعة بدر و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله [ الأنفال : 75 ] فنسخت ذلك . و كانت المؤاخاة بعد بنائه عليه الصلاة و السلام المسجد . و قد قيل : كان ذلك و المسجد يبني " . و قال أبو عمر : بعد قدومه عليه السلام المدينة لخمسة أشهر .
قرئ على أبي عبد الله بن أبي الفتح المقدسي بمرج دمشق و أنا أسمع ، أخبركم ابن الحرستاني سماعاً ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور بن قبيس الغساني قراءة عليه و أنا أسمع ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد السلمي ، أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان ، أخبرنا محمد بن جعفر بن محمد أبو بكر الخرائطي قراءة عليه ، حدثنا سعدان ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : قال المهاجرون : يا رسول الله ! ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ، و لا أحسن بذلاً من كثير ، كفونا المؤنة ، و أشركونا في المهنأ ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله . قال : لا ، ما أثنيتم عليهم و دعوتم لهم .
و به إلى الخرائطي ، حدثنا سعدان بن نصر ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن نافعر ، عن ابن عمر ، قال : لقد رأيتنا و ما الرجل المسلم بأحق بديناره و درهمه من أخيه المسلم . رواه مسلم عن أبي كريب ، و الترمذي و النسائي عن هناد ، كلاهما عن أبي معاوية ، فوقع لنا بدلاً عالياً لهم .
و قال ابن إسحاق : " آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أصحابه من المهاجرين و الأنصار فقال : تآخوا في الله أخوين أخوين ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب ، فقال : هذا أخي . فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم و علي أخوين ، و حمزة و زيد بن حارثة أخوين ، و إليه أوصى حمزة يوم أحد " .
و ذكر سنيد بن داود : أن زيد بن حارثة و أسيد بن حضير أخوان ، و هو حسن إذ هما الأنصاري و مهاجري ، و أما المؤاخاة بين حمزة و زيد فقد ذكرناها في المرة الأولى .
رجع إلى ابن إسحاق : و جعفر بن أبي طالب و معاذ بن جبل أخوين ، و أنكره الواقدي لغبية جعفر بالحبشة ، و عند سنيد أن المؤاخاة كانت بين ابن مسعود و معاذ بن جبل .
رجع : و أبو بكر بن أبي قحافة و خارجة بن زيد بن أبي زهير أخوين ، و عمر بن الخطاب و عتبان بن مالك أخوين ، و أبو عبيدة بن الجراح و سعد بن معاذ أخوين ، و عبد الرحمن ابن عوف و سعد بن الربيع أخوين ، و الزيبر بن العوام و سلمة بن سلامة بن وقش أخوين و يقال : بل الزبير و عبد الله بن مسعود . قلت : هذا كان في المؤخاة الأولى قبل الهجرة ،و عثمان بن عفان و أوس بن ثابت بن المنذر أخوين ، و طلحة بن عبيد الله و كعب بن مالك أخوين ، و سعيد بن زيد و أبي بن كعب أخوين ، و مصعب بن عمير و أبو أيوب خالد ابن زيد أخوين ، و أبو حذيفة بن عتبة و عباد بن بشر أخوين ، و عمار بن ياسر و حذيفة ابن اليمان أخوين . و يقال : بل ثابت بن قيس بن الشماس . و أبو ذر و المنذر بن عمرو أخوين ، و أنكره الواقدي ، لغبية أبي ذر عن المدينة ، و قال : لم يشهد بدراً و لا أحداً و لا الخندق ، و إنما قدم بعد ذلك ، و عنده : طليب بن عمير و المنذر بن عمرو أخوين .
رجع إلى ابن إسحاق : و حاطب بن أبي بلتعة و عويم بن ساعدة أخوين ، و سلمان الفارسي و أبو الدرداء أخوين ، و بلال و أبو رو يحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي أخوين ، و عند سنيد بن داود فيما حكاه أبو عمر المؤاخاة بين أبي مرثد و عبادة بن الصامت ، و بين سعد بن أبي وقاص و سعد بن معاذ ، و بين عبد الله بن جحش و عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، و بين عتبة بن عزوان و أبي دجانة ، و بين أبي سلمة بن عبد الأسد و سعد بن خيثمة ، و بين عثمان بن مظعون و أبي الهيثم بن التيهان . و زاد غيره : و بين عبيدة ابن الحارث و عمير بن الحمام ، و بين الطفيل بن الحارث أخي عبيدة و سفيان بن نسر ابن زيد من بني جشم بن الحارث بن الخزرج ، و بين الحصين أخيهما و عبد الله بن جبير ، و بين عثمان بن مظعون و العباس بن عبادة بن نضلة ، و بين صفوان بن بيضاء و رافع بن المعلى ، و بين المقداد و ابن رواحة ، و بين ذي الشمالين و يزيد بن الحارث ــ من بني حارثة ــ و بين عمير بن أبي وقاص و خبيب بن عدي ، و بين عبد الله بن مظعون و قطبة ابن عامر ابن حديدة ، و بين شماس بن عثمان و حنظلة بن أبي عامر ، و بين الأرقم بن أبي الأرقم و طلحة بن زيد ، و بين زيد بن الخطاب و معن بن عدي ، و بين عمرو بن سراقة و سعد بن زيد ــ من بني عبد الأشهل ــ و بين عاقل بن البكير و مبشر بن عبد المنذر ، و بين عبد الله بن مخرمة و فروة بن عمرو البياضي ، و بين خنيس بن حذافة و المنذر بن محمد بن عقبة ابن أحيحة بن الجلاح ، و بين سبرة بن أبي رهم و عبادة بن الخشخاش و بين مسطح بن أثاثة و زيد بن المزين ، و بين عكاشة بن محصن و المجذر بن ذياد حليف الأنصار ــ و بين عامر بن فهيرة و الحارث بن الصمة ، و بين مهجع مولى عمر و سراقة بن عمرو بن عطية ــ من بني غنم بن مالك بن النجار ــ .
و كل هذ المزيد عن أبي عمر ، و قيل : كان عددهم مائة : خمسين من المهاجرين و خمسين من الأنصار .
و زيد بن المزين ، كذا وجد بخط أبي عمر ، بزاي مفتوحة و الياء آخر الحروف مشددة مفتوحة . و في أصل ابن مفوز : المزين بكسر الميم ، ساكنة الزاي ، مفتوحة الياء عند ابن هشام : ابن المزني .
قال ابن إسحاق : فلما دون عمر الدواوين بالشام ، و كان بلال قد خرج إلى الشام فأقام بها مجاهد ، فقال عمر لبلال : إلى من تجعل ديوانك ؟ قال : مع أبي رويحة ، لا أفارقه أبداً ، للأخوة التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم عقد بيني و بينه ، فضمه إليه ، و ضم ديوان الحبشة إلى خثعم لمكان بلال منهم ، فهو في خثعم إلى هذا اليوم بالشام .
أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي و غازي بن أبي الفضل الدمشقي ، قالا : أخبرنا عمر بن محمد بن معمر ، أخبرنا هبة الله بن محمد ، أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن عمر الثقفي ، حدثنا العلاء ابن عمرو الحنفي ، حدثنا أيوب بن مدرك ، عن مكحول ، عن أبي أمامة ، قال : لما آخى النبي صلى الله عليه و سلم بين الناس آخى بينه و بين علي .
أخبرنا أبو عبد الله بن أبي الفتح فيما قرأ عليه الحافظ أبو الحجاج المزي و أنا أسمع ، قال له : أخبرك القاضي أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الأنصاري قراءة عليه و أنت تسمع ؟ فأقر به ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المالكي سماعاً ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد السلمي ، أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد ، أخبرنا محمد بن جعفر الخرائطي ، حدثنا سعدان بن يزيد ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، أن عبد الرحمن بن عوف هاجر إلى المدينة ، فآخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه و بين سعد بن الربيع ، فقال له سعد : يا عبد الرحمن إني من أكثر الأنصار مالاً ، و أنا مقاسمك ، و عندي امرأتان ، فأنا مطلق إحداهما ، فإذا انقضت عدتها فتزوجها . فقال له : بارك الله لك في أهلك و مالك . رواه البخاري من حديث حميد عن أنس أطول من هذا .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:32 AM
بدء الأذان
و كان الناس إنما يجتمعون إلى الصلاة لتحين مواقيتها من غير دعوة ، فهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجعل بوقاً كبوق اليهود الذين يدعون به لصلاتهم ، ثم كرهه ، ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين في الصلاة ، فبينما هم على ذلك رأى عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه ـ أخو بلحارث بن الخزرج ـ النداء .
روينا من طريق أبي داود ، " حدثنا عباد بن موسى الختلي و زياد بن أيوب ، و حديث عباد أتم ، قالا : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، قال زياد أخبرنا أبو بشر ، عن أبي عمير ابن أنس ، عن عمومة له من الأنصار ، قال : اهتم النبي صلى الله عليه و سلم للصلاة كيف يجمع الناس لها ، فقيل له : انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً ، فلم يعجبه ذلك ، قال : فذكر له القنع ـ يعني الشبور ـ و قال زياد : شبور اليهود . فلم يعجبه ذلك ، و قال : هو من أمر اليهود . قال : فذكر له الناقوس . فقال : هو من أمر النصارى فانصرف عبد الله بن زيد و هو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأري الأذان في منامه . قال فغدا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره ، فقال يا رسول الله ! إني لبي نائم و يقظان إذا أتاني آت فأراني الأذان ، قال : و كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً . قال : ثم أخبر النبي صلى الله عليه و سلم . فقال له : ما منعك أن تخبرني . فقال : سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا بلال ! قم فانظر ماذا يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله ، فأذن بلال . قال أبو بشر : فأخبرني أبو عمير أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضاً لجعله رسول الله صلى الله عليه و سلم مؤذناً " .
و روينا عن ابن إسحاق من طريق زياد ، و من طريق أبي داود ، " حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه ، قال : حدثني أبي عبد الله بن زيد ، قال : لما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس يجمع للصلاة ، طاف بي و أنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده ، فقلت : يا عبد الله ! أتبيع الناقوس ؟ قال : و ما تصنع به ؟ فقلت : ندعو به إلى الصلاة . قال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ فقلت : بلى . فقال تقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله الله لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله ، حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله . قال : ثم استأخر عني غير بعيد ، ثم قال : تقول إذا قامت الصلاة : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله .فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته بما رأيت . فقال : إنها لرؤيا حق إن شاء الله ، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت ، فليؤذن به ، فإنه أندى صوتاً منك . فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه و يؤذن به ، قال : فسمع بذلك عمر بن الخطاب و هو في بيته فخرج يجر رداءه يقول : و الذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فلله الحمد " . اللفظ لأبي داود .
قال ابن هشام : " و ذكر ابن جريج قال : قال لي عطاء : سمعت عبيد بن عمرو يقول : ائتمر النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة ، فبينما عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس ، إذ رأى في المنام أن لا تجعلوا الناقوس ، بل أذنوا للصلاة ، فذهب إلى النبي صلى الله عليه و سلم ليخبره بالذي رأى ، و قد جاء النبي صلى الله عليه و سلم الوحي بذلك ، فما راع عمر إلا بلال يؤذن ، فقال رسول الله حين أخبره بذلك : قد سبقك بذلك الوحي " .
و كان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه و سلم بلال ، و ابن أم مكتوم ، و أبو محذورة ، و سعد القرظ ، و هو ابن عائذ مولى عمار بن ياسر ، و كان يلزم التجارة في القرظ فعرف بذلك ، و كان يؤذن لأهل قباء ، و ابن أم مكتوم : عمرو بن قيس العامري ، و قيل : عبد الله . و أبو محذورة : سمرة بن معير ، و قيل أوس .
و روينا عن الطبراني : حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا أبي ، عن عامر الأحول ، عن مكحول ، عن عبد بن محيريز ، عن أبي محذورة ، قال : علمني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله ، ثم يعوذ فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله ، حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله . رواه النسائي في سننه كذلك . و رواه مسلم عن ابن راهويه ، فوقع لنا عالياً ، و هذا من أعز الموافقات .
قال ابن إسحاق : و نصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه و سلم العداوة بغياً و حسداً و ضغناً ، لما خص الله به العرب من أخذه رسوله منهم ، و انضاف إليهم رجال من الأوس و الخزرج ممن كان عسى على جاهليته ، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك و التكذيب بالمبعث ، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره و اجتماع قومهم عليه ، فظهروا بالإسلام و اتخذوه جنة من القتل ، و نافقوا في السر ، فكان هواهم مع يهود ، و كان أحبار يهود هم الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم و ينعتونه ليلبسوا الحق بالباطل ، فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه ، إلا قليلاً من المسائل في الحلال و الحرام ، كان المسلمون يسألون عنها . فمن اليهود الموصوفين بذلك حيي بن أخطب و أخواه ياسر و جدي ، و سلام بن مشكم ، و كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، و كعب بن الأشرف ، و عبد الله بن صوريا الأعور ـ و من بني ثعلبة بن الفطيون ـ و لم يكن بالحجاز في زمانه أعلم بالتوراة . و ابن صلوبا ، و مخيريق ـ و كان حبرهم ـ .
و ذكر ابن إسحاق منهم جماعة : منهم عبد الله بن سلام ، و كان حبرهم و أعلمهم ، و كان اسمه الحصين ، فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:33 AM
إسلام عبد الله سلام رضي الله تعالى عنه
و هو من بني إسرائيل ، من ولد يوسف بن يعقوب نبي الله ، و هو حليف للقوافلة ، و هم بنو غنم و بنو سالم ابنا عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج .
رويناعن ابن سعد : " أخبرنا عبد الله بن عمر ، و أبو معمر المنقري ، حدثنا عبد الوارث ابن سعيد : حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك ، قال : أقبل نبي الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ، قالوا : جاء نبي الله . فاستشرقوا ينظرون ، إذ سمع به عبد الله بن سلام و هو في نخل لأهله يخترف لهم منه ، فعجل أن يضع التي يخترف لهم فيها فجاء و هي معه ، فسمع من نبي الله صلى الله عليه و سلم ، ثم رجع إلى أهله . فلما خلى نبي الله صلى الله عليه و سلم جاء عبد الله بن سلام فقال أشهد أنك رسول الله حقاً و أنك جئت بحق ، و لقد علمت اليهود أني سيدهم و ابن سيدهم ، و أعلمهم و ابن أعلمهم ، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت ، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في . فأرسل نبي الله صلى الله عليه و سلم إليهم ، فدخلوا عليه ، فقال لهم نبي الله صلى الله عليه و سلم : يا معشر اليهود ! ويلكم اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقاً ، و أني جئتكم بحق ، أسلموا . قالوا : ما نعلمه ، فأعادها عليهم ثلاثاً ، و هم يجيبونه كذلك . قال : فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : ذلك سيدنا و ابن سيدنا و أعلمنا و ابن أعلمنا . قال : أفرأيتم إن أسلم . قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم . فقال : يا ابن سلام اخرج عليهم . فخرج إليهم ، فقال : يا معشر اليهود ! ويلكم ! اتقوا الله ، و الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقاً ، و أنه جاء بالحق . فقالوا : كذبت . فأخرجهم النبي صلى الله عليه و سلم " . رواه البخاري من حديث عبد العزيز بن صهيب .
و روينا من طريق البخاري : " حدثني حامد بن عمر ، عن بشر بن المفضل ، حدثنا حميد ، حدثنا أنس : أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة ، فأتاه يسأله عن أشياء ، فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ، ما أول أشراط الساعة ، و ما أول طعام يأكله أهل الجنة ، و ما بال الولد ينزع إلى أبيه و إلى أمه ؟ قال : أخبرني بهن جبريل آنفاً . قال ابن سلام : ذاك عدو اليهود من الملائكة . قال : أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ، و أما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت ، و أما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، و إذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد . قال : أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله . قال : يا رسول الله إن اليهود قوم بهت " . فذكر نحو ما تقدم .
و روينا عن ابن سعد : " أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، في قوله تعالى : " قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " [ الأحقاف : 10 ] قال جاء عبد الله بن سلام إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : يا رسول الله ! إن اليهود أعظم قوم عضيهة ، فسلهم عني ، و خذ عليهم ميثاقاً أني إن اتبعتك و آمنت بكتابك أن يؤمنوا بك و بكتابك الذي أنزل عليك ، و اخبئني يا رسول الله قبل أن يدخلوا عليك ، فأرسل إلى اليهود ، فقال : ما تعلمون عبد الله بن سلام فيكم ؟ قالوا : خيرنا و أعلمنا بكتاب الله ، سيدنا و عالمنا و أفضلنا . قال : أرأيتم إن شهد أني رسول الله و آمن بالكتاب الذي أنزل علي ، تؤمنون بي ؟ قالوا : نعم . فدعاه ، فخرج عليهم عبد الله . فقال : يا عبد الله بن سلام ! أما تعلم أني رسول الله ؟ تجدوني مكتوباً عندكم في التوراة و الإنجيل ، أخذ الله ميثاقكم أن تؤمنوا بي ، و أن يتبعني من أدركني منكم ؟ قال : بلى . قالوا : ما نعلم أنك رسول الله . و كفروا به و هم يعلمون أنه رسول الله ، و أن ما قال حق ، فأنزل الله : " قل أرأيتم إن كان من عند الله " ـ يعني الكتاب و الرسول ـ " وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " يعني عبد الله بن سلام " فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين " [ الأحقاف : 10 ] ففي ذلك نزلت هذه الآية " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:33 AM
خبر مخيريق
قال ابن إسحاق : و كان حبراً عالماً غنياً كثير الأموال من النخل ، و كان يعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم بصفته ، و ما يجد في علمه ، و غلب عليه إلف دينه ، فلم يزل على ذلك حتى كان يوم أحد يوم السبت ، قال : و الله يا معشر يهود إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق . قالوا : إن اليوم يوم السبت . قال : لا سبت لكم ، ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه بأحد ، و عهد إلى من وراءه من قومه : إن قتلت هذا اليوم فأموالي إلى محمد يصنع فيها ما أراه الله . فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل ، فكان رسول الله فيما بلغني يقول : " مخيريق خير يهود " . و قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أمواله فعامة صدقات رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة منها .
و قال الواقدي : كان مخيريق أحد بني النضير حبراً عالماً ، فآمن برسول الله صلى الله عليه و سلم ، و جعل ماله له ، و هو سبعة حوائط ، فجعلها رسول الله صلى الله عليه و سلم صدقةً ، و هي الميثب ، و الصافية ، و الدلال ، و حسنى ، و برقة ، و الأعواف ، و مشربة أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و هي مارية القبطية .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:34 AM
أخبار كفار اليهود و المنافقين
و ذكر ابن إسحاق : عن عبد الله بن أبي بكر ، قال : حدثت عن صفية ابنة حيي ، أنها قالت : كنت أحب ولد أبي إليه و إلى عمي أبي ياسر ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة غدوا عليه ، ثم جاءا من العشي ، فسمعت عمي يقول لأبي : أهو هو ؟ قال : نعم و الله . قال : أتعرفه و تثبته . قال : نعم . قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته ـ و الله ـ ما بقيت .
و ذكر ابن إسحاق من المنافقين روي بن الحارث ، و الحارث بن سويد ، و جلاس بن سويد ، و كان ممن تخلف عن غزوة تبوك ، و قال : لئن كان هذا الرجل صادقاً لنحن شر من الحمر . فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم عمير بن سعد ، و كان في حجر جلاس ، خلف على أمه ، فقال له عمير : و الله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي ، و أحسنهم عندي يداً ، و لقد قلت مقالةً لئن رفعتها عنك لأفضحنك ، و لئن صمت عليها ليهلكن ديني ، و لإحداهما أيسر علي من الأخرى ، ثم مشى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر له ما قال جلاس . فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه و سلم : لقد كذب علي عمير ، و ما قلت ما قال . فأنزل الله تعالى : " يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم " إل قوله : " وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير " [ التوبة : 74 ] فزعموا أنه تاب ، فحسنت توبته .
و زاد ابن سعد في هذا الخبر : فقال ـ يعني جلاساً ـ قد قلته و قد عرض الله علي التوبة فأنا أتوب ، فقبل ذلك منه . و كان له قتيل في الإسلام فوداه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطاه ديته فاستغنى بذلك . و كالن قد هم أن يلحق بالمشركين . قال : و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للغلام : " و فت أذنك " . و قال الواقدي : و لم ينزع جلاس عن خير كان يصنعه إلى عمير ، فكان ذلك مما عرف به توبته .
و أخوه الحارث هو الذي قتل المجذر بن ذياد البلوي يوم أحد بأبيه سويد بن الصامت ،فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عمر بن الخطاب بقتل الحارث إن ظفر به ، ففاته فكان بمكة ، ثم بعث إلى أخيه الجلاس يطلب التوبة ، فأنزل الله فيما بلغني عن ابن عباس : " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم " [ آل عمران : 86 ] إلى آخر القصة .
و قال الواقدي : إن الحارث أتى مسلماً بعد الفتح ، و كان قد ارتدى و لحق بالمشركين ، فقتله النبي صلى الله عليه و سلم بالمجذر .
و من بني ضبيعة بن زيد : بجاد بن عثمان ، و نبتل بن الحارث ، و هو الذي قال : إنما محمد أذن ، من حدثه شيئاً صدقه ، فأنزل الله فيه : " ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن " [ التوبة : 61 ] و أبو حبيبة بن الأزعر ، و كان ممن بنى مسجد الضرار ، و ثعلبة بن حاطب ، و معتب بن قشير ، و هما اللذان عاهدا الله " لئن آتانا من فضله " [ التوبة : 75 ] إلى آخر القصة . و معتب الذي قال يوم أحد : " لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا " [ آل عمران : 154 ] و هو الذي قال يوم الأحزاب : كان محمداً يعدنا أن نأكل كنوز كسرى و قيصر ، و أحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط ، فأنزل الله : " وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا " [ الأحزاب : 12 ] ـ و أنكر ابن هشام دخول ثعلبة و معتب في المنافقين ـ و عباد بن حنيف ـ أخو سهل و عثمان ـ و جارية بن عامر ، و ابناه مجمع و زيد ـ و قيل : لا يصح عن مجمع النفاق ـ و ذكر آخرين .
و من بين أمية بن زيد : وديعة بن ثابت ، و هو الذي كان يقول : " إنما كنا نخوض ونلعب " [ التوبة : 65 ] .
و من بني عبيد : خذام بن خالد ، و هو الذي أخرج مسجد الضرار من داره ، و بشر ، و رافع ابنا زيد .
و من بني النبيت عمرو بن مالك بن الأوس : مربع بن قيظي ، و أخوه أوس ، و أوس الذي قال يوم الخندق : إن بيوتنا عورة فأذن لنا فلنرجع إليها ، فأنزل الله فيه : " يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة " الآية [ الأحزاب : 13 ] .
و من بني ظفر : حاطب بن أمية ، و بشير بن أبيرق ، و الحارث بن عمرو بن حارثة . و عند ابن إسحاق : بشير ، و هو أبو طعمة سارق الدرعين ، الذي أنزل الله فيه " ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم " [ النساء : 107 ] و قزمان : حليف لهم ، و هو المقتول يوم أحد بعد أن أبلى في المشركين ، قتل نفسه ، بعد أن أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه من أهل النار .
و لم يكن في بني عبد الأشهل منافق و لا منافقة ، إلا أن الضحاك بن ثابت اتهم بشيء من ذلك و لم يصح .
و من الخزرج من بني النجار : رافع بن وديعة ، و زيد بن عمرو ، و عمرو بن قيس ، و قيس بن عمرو بن سهل .
و من بني جشم بن الخزرج : الجد بن قيس و هو الذي يقول : يا محمد ائذن لي و لا تفتني .
و من بني عوف بن الخزرج : عبد الله بن أبي بن سلول ، و كان رأس المنافقين ، و هو الذي قال : " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " [ المنافقون : 8 ] في غزوة بني المصطلق ، و فيه نزلت سورة المنافقين بأسرها .
قال أبو عمر : و زيد بن الأرقم هو الذي رفع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن عبد الله بن أبي قوله : " لئن رجعنا إلى المدينة " فأكذبه عبد الله بن أبي و حلف ، فأنزل الله تصديق زيد بن الأرقم ، فتبادر أبو بكر و عمر إلى زيد ليبشراه ، فسبق أبو بكر ، فأقسم عمر أن لا يبادره بعدها إلى شيء ، و جاء النبي صلى الله عليه و سلم فأخذ بأذن زيد و قال : " وفت أذنك ياغلام " .
و وديعة و سويد و داعس من رهط ابن سلول ، و هم و عبد الله بن أبي الذين كانوا يدسون إلى بني النضير حين حاصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن اثبتوا ، فو الله لئن أخرجتم لنخرجن معكم القصة .
و كان النفاق في الشيوخ و لم يكن في الشباب ، إلا في واحد و هو قيس بن عمرو بن سهل .
رجع إلى ابن إسحاق : فكان ممن تعوذ بالإسلام و أظهره و هو منافق من أحبار يهود .
من بني قينقاع : سعد بن حنيف ، و زيد بن اللصيت ، و نعمان بن أوفى بن عمرو ، و عثمان بن أوفى . و زيد بن اللصيت هو الذي قال حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم : يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء ، و هو لا يدري أين ناقته . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و حاءه الخبر بما قاله عدو الله ـ : " إن قائلاً قال : يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء و هو لا يدري أين ناقته . و إني و الله ما أعلم إلا ما علمني ربي ، و قد دلني الله عليها ، و هي في هذا الشعب قد حبستها شجرة بزمامها " . فذهب رجال من المسلمين فوجدوها حيث قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و كما وصف . و رافع بن حميلة ، و هو الذي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين مات : " قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين " . و رفاعة بن زيد بن التايوت ، و هو الذي اشتدت الريح يوم موته ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو قافل من غزوة بني الصطلق : " إنها هبت لموت عظيم من عظماء الكفار " . و سلسلة بن برهام ، و كنانة بن صوريا .
و كان هؤلاء يحضرون المسجد فيسخرون من المسلمين ، فأمر صلى الله عليه و سلم بإخراجهم منه فأخرجوا ، ففيهم نزل صدر سورة البقرة إلى المائة منها .
قال ابن إسحاق : " و كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يهود خبير فيما حدثني مولى لآل زيد ابن ثابت ، عن عكرمة ، أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم صاحب موسى و أخيه ، و المصدق لما جاء به موسى ، ألا إن الله تعالى قد قال لكم يا معشر أهل التوارة ، و إنكم تجدون ذلك في كتابكم " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما " [ الفتح : 29 ] و إني أنشدكم باللهو أنشدكم بما أنزل عليكم و أنشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسبطاكم المن و السلوى ، و أنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون و عمله ، إلا أخبرتمونا ، هل تجدون فيما أنزل عليكم أن تؤمنوا بمحمد ، فإن كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كره عليكم ، قد تبين الرشد من الغي ، فأدعوكم إلى الله و إلى نبيه " .
و عن ابن عباس رضي الله عنهما أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس و الخزرج برسول الله صلى الله عليه و سلم قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب كفروا به و جحدوا ما كانوا يقولون فيه .
فقال لهم معاذ بن جبل و بشر بن البراء : يا معشر يهود ‍ اتقوا الله و أسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد و نحن أهل شرك ، و تخبروننا أنه مبعوث ، و تصفونه لنا بصفته .
فقال سلام بن مشكم أحد بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ، ماهو بالذي كنا نذكره لكم ، فأنزل الله في ذلك من قولهم " ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين " [ البقرة : 89 ] .
قال ابن إسحاق : و قال مالك بن الصيف ـ حين بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ذكر لهم ما أخذ الله عليهم له من الميثاق و ما عهد الله إليهم فيه ـ : و الله ما عهد إلينا في محمد عهد ، و ما أخذ له علينا ميثاق . فأنزل الله فيه : " أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون " [ البقرة : 100 ] و قال ابن صلوبا الفطيوني لرسول الله صلى الله عليه و سلم : يا محمد ! ما جئتنا بشيء نعرفه ، و ما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك بها ، فأنزل الله في ذلك من قوله : " ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون " [ البقرة : 99 ] . و قال رافع بن حريملة و وهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه و سلم يا محمد ائتنا بكتاب تنزله من السماء نقرؤه ، و فجر لنا أنهاراً نتبعك و نصدقك ، فأنزل الله في ذلك : " أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل " [ البقرة : 108 ] و كان حيي بن أخطب ، و أبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسداً ، إذ خصهم الله برسوله صلى الله عليه و سلم ، فكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا ، فأنزل الله فيهما : " ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق " [ البقرة : 109 ] . الآية . و لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه و سلم أتتهم أحبار يهود ، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال لهم رافع بن حريملة : ما أنتم على شيء ، و كفر بعيسى و بالإنجيل ، فقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود : ما أنتم على شيء ، و جحد نبوة موسى ، و كفر بالتوراة ، فأنزل الله تعالى : " وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء " [ البقرة : 113 ] الآية . و قال رافع بن حريملة : يا محمد إن كنت رسولاً من الله كما تقول فقل لله فيكلمنا ، فأنزل الله : " وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية " [ البقرة : 118 ] . و قال عبد الله بن صوريا الأعور : ما الهدى إلا ما نحن عليه ، فاتبعنا يا محمد تهتد . و قالت النصارى مثل ذلك ، فأنزل الله تعالى : " وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " [ البقرة : 135 ] الآية . و سأل معاذ بن جبل و سعد بن معاذ و خارجة بن زيد نفراً من أحبار يهود عن بعض ما في التوراة ، فكتموهم إياه ، فأنزل الله : " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس " [ البقرة : 159 ] الآية . و دعا عليه الصلاة و السلام اليهود إلى الإسلام ، فقال له رافع و مالك بن عوف : بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ، فأنزل الله تعالى : " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا " [ لقمان : 21 ] و لما أصاب الله قريشاً يوم بدر جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يهود في سوق بني قينفاع ، حين قدم المدينة ، فقال : يا معشر يهود ، أسلموا قبل أن يصيبكم الله بمثل ما أصاب به قريشاً . قالوا له : يا محمد ! لا يغرنك من نفسك أنك نفراً من قريش ، كانوا أغماراً لا يعرفون القتال ، إنك و الله لو قاتلنا لعرفت أنا نحن الناس ، و إنك لم تلق مثلنا ، فأنزل الله تعالى : " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد " [ آل عمران : 12 ] الآية و التي بعدها . و دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم بيت المدراس على جماعة من يهود ، فدعاهم إلى الله ، فقال له النعمان بن عمرو و الحارث بن يزيد : و على أي دين أنت يا محمد ؟ قال : " على ملة إبراهيم و دينه " . قالا : فإن إبراهيم كان يهودياً . فقال لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم : " فهلم إلى التوراة فهي بيننا و بينكم فأبيا عليه " ، فأنزل الله : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون " [ آل عمران : 23 ] الآية و التي تليها .
و قال أحبار يهود : و ما كان إبراهيم إلا يهودياً ، و قالت نصارى نجران : ما كان إلا نصرانياً ، فأنزل الله : " يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم " الآيات إلى " والله ولي المؤمنين " [ آل عمران : 65 ـ 68 ] .
و قال عبد الله بن صيف و عدي بن زيد و الحارث بن عوف ، بعضهم لبعض : تعالوا نؤمن بما أنزل الله على محمد غدوة و نكفر به عشية ، حتى نلبس عليهم دينهم ، لعلهم يصنعون كما نصنع ، فيرجعون عن دينهم ، فأنزل الله : " يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون " إلى قوله " والله واسع عليم " [ آل عمران : 71 ـ 73 ] .
و قال أبو رافع القرظي " حين اجتمعت الأحبار من يهود ، و النصارى من أهل نجران ، عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و دعاهم إلى الإسلام : أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم ؟ ! و قال رجل من نصارى نجران مثله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : معاذ الله أن يعبد غير الله ، فأنزل الله تعالى : " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله " [ آل عمران : 79 ] الآية . ثم ذكر ما أخذ عليهم من ميثاق بتصديقه ، فقال : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " [ آل عمران : 81 ] إلى آخر القصة " .
==========

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:35 AM
و مر شاس بن قيس ـ و كان شيخاً قد عسا ، عظيم الكفر ، شديد الطعن على المسلمين ، شديد الحسد لهم ـ على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من الأوس والخزرج يتحدثون ، فغاظه ما رأى من إلفتهم و جماعتهم بعدما كان بينهم من العداوة ، فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد ، لا و الله مالنا معهم إذا اجتمعوا من قرار ، فأمر فتى شاباً من يهود كان معهم ، فقال : اعمد إليهم ، فاجلس معهم ، ثم اذكر يوم بعاث ، و ما كان فيه ، و أنشدهم بعض ما كانوا يتقاولون فيه من الأشعار ، ففعل ، فتكلم القوم عند ذلك ، و تنازعوا حتى تواثب رجلان على الركب : أوس بن قيظي من الأوس ، و جبار بن صخر من الخزرج ، فتقاولا ، ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم رددتها الآن جذعة ، و غضب الفريقان جميعاً ، و قالوا : قد فعلنا ، موعدكم الظاهرة ـ و الظاهرة : الحرة ـ السلاح السلاح ، فخرجوا ، و بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه ، حتى جاءهم ، فقال : " يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية و أنا بين أظهركم ، بعد أن هداكم الله إلى الإسلام ، و أكرمكم به ، و قطع به عنكم أمر الجاهلية ، و استنقذكم من الكفر ، و ألف به بينكم " . فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان ، و كيد من عدوهم ، فبكوا ، و عانق الرجال من الأوس الرجال من الخزرج ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأنزل الله في شاس بن قيس : " قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا " [ آل عمران : 99 ] الآية . و في أوس و جبار : " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين " إلى قوله " وأولئك لهم عذاب عظيم " [ آل عمران : 100 ـ 105 ] .
و كان رجال من المسلمين يواصلون رجالاً من يهود لما كان بينهم من الجوار ، فأنزل الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا " إلى " عليم بذات الصدور " [ آل عمران : 118 ـ 119 ] .
و دخل أبو بكر بيت المدراس ، فقال لفنحاص : اتق الله و أسلم ، و الله إنك لتعلم أن محمداً لرسول الله . فقال : و الله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر ، و إنه إلينا لفقير . فغضب أبو بكر و ضرب وجه فنحاص ضرباً شديداً ، و قال : لولا العهد الذي بيننا و بينك لضربت عنقك . فشكاه فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فذكر له أبو بكر ما كان منه ، فأنكر قوله ذلك ، فأنزل الله تعالى : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " [ آل عمران : 181 ] الآية . و أنزل في أبي بكر رضي الله عنه " ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا " [ آل عمران : 186 ] الآية . و كان كردم بن قيس و أسامة بن حبيب في نفر من يهود يأتون رجالاً من الأنصار يتنصحون لهم ، فيقولون لهم : لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ، فأنزل الله فيهم : " الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله " ـ أي التوراة التي فيها تصديق ما جاء به محمد ـ
" وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا " [ النساء : 37 ] .
و كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء يهود ، إذا كلم رسول الله صلى الله عليه و سلم لوى لسائه ، و قال أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك ، ثم طعن في الإسلام و عابه ، فأنزل الله فيه : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل " إلى " ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا " [ النساء : 46 ] .
و كلم رسول الله صلى الله عليه و سلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبد الله بن صوريا الأعور و كعب ابن أسد ، فقال لهم : " يا معشر يهود ! اتقوا الله و أسلموا ، فو الله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق . قالوا ما نعرف ذلك ، فأنزل الله " يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا " " [ النساء : 47 ] .
و قال سكين بن عدي بن زيد : يا محمد ! ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى ، فأنزل الله تعالى : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " إلى قوله : " وكان الله عزيزا حكيما " [ النساء : 163 ـ 165 ] .
و دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم جماعة منهم ، فقال لهم : أما و الله إنكم لتعلمون أني رسول الله . قالوا : ما نعلمه و ما نشهد عليه ، فأنزل الله تعالى : " لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا " [ النساء : 166 ] .
و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم نعمان بن أضا و بحري بن عمرو و شاس بن عدي ، فكلموه و كلمهم ، و دعاهم إلى الله و حذرهم نقمته ، فقالوا : ما تخوفنا يا محمد ، نحن أبناء الله و أحباؤه ـ كقول النصارى ـ فأنزل الله فيهم : " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه " [ المائدة : 18 ] الآية .
و دعاهم إلى الإسلام مرة و حذرهم عقوبة الله ، فأبوا عليه ، فقال لهم معاذ بن جبل و سعد بن عبادة و عقبة بن وهب : يا معشر يهود ! اتقوا الله فو الله إنكم لتعلمون أنه رسول الله و لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه ، و تصفونه بصفته ، فقال رافع بن حريملة و وهب ابن يهوذا : ما قلنا لكم هذا ، و ما أنزل الله من كتاب بعد موسى ، و ما أرسل بشيراً و لا نذيراً بعده . فأنزل الله في ذلك من قولهما : " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير " [ المائدة : 19 ] الآية .
و اجتمع أحبارهم في بيت المدراس ، فأتوا برجل و امرأة زنيا بعد إحصانهما ، فقالوا : حكموا فيهما محمداً ، فإن حكم فيهما بحكمكم من التجبية ـ و هو الجلد بحبل من ليف مطلي بقار ، ثم تسود وجوههما ، ثم يحملان على حمارين وجوههما من قبل أدبار الحمارين ـ فإنما هو ملك ، و إن حكم فيهما بالرجم فهو نبي ، فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه . ففعلوا ، فمشى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتت بيت المدراس ، فقال لهم : " أخرجوا إلي علماءكم " . فأخرجوا له عبد الله بن صوريا ـ فخلا به يناشده : " هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة ؟ " قال : اللهم نعم ، أما و الله يا أبا القاسم إنهم ليعرفون أنك نبي مرسل ، و لكنهم يحسدونك . قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بهما فرجما عند باب مسجده ، ثم جحد ابن صوريا بعد ذلك نبوة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأنزل الله تعالى : " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " [ المائدة : 41 ] الآية . و في بعض طرق هذا الحديث أن حبراً منهم جلس يتلو التوراة بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فوضع يده على آية الرجم ، فضرب عبد الله بن سلام يده ، و قال : هذه آية الرجم أبى أن يتلوها عليك . . . الحديث .
و قال كعب بن أسد و ابن صلوبا و ابن صوريا و شاس بن قيس بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه ، فإنما هو بشر ، فأتوه فقالوا : قد عرفت أنا أحبار يهود و أشرافهم ، و أنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ، و لم يخالفونا ، و إن بيننا و بين بعض قومنا خصومة فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، و نؤمن بك و نصدقك ، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأنزل الله " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم " إلى قوله " ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " [ المائدة : 49 ـ 50 ] .
و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم جماعة منهم ، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل ، فقال : " آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون " [ البقرة : 136 ] فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته ، و قالوا : لا نؤمن بعيسى و لا نؤمن بمن آمن به ، فأنزل الله : " قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون " [ المائدة : 59 ] .
و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم رافع بن حارثة ، و سلام بن مشكم ، و مالك بن الصيف ، و رافع ابن حريملة ، فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم و دينه ، و تؤمن بما عندنا من التوراة ، و تشهد أنها من الله حق ؟ قال : بلى ، و لكنكم أحدثتم و جحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق ، و كتمتم منها ما أمرتم أن تبينوه الناس ، فبرئت من إحداثكم . قالوا : فإنا نأخذ بما في أيدينا فإنا على الهدى و الحق ، و لا نؤمن بك و لا نتبعك ، فأنزل الله تعالى : " قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم " [ المائدة : 68 ] الآية .
و كان رفاعة بن زيد بن التابوت ، و سويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام و نافقا ، فكان رجال من المسلمين يوادونهما ، فأنزل الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء " إلى قوله " والله أعلم بما كانوا يكتمون " [ المائدة : 57 ـ 61 ] . و قال جبل بن أبي قشير ، و شمويل ابن زيد : يا محمد متى الساعة إن كنت نبياً ؟ فأنزل الله " يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي " [ الأعراف : 187 ] الآية .
و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم سلام بن مشكم ، و نعمان بن أوفى ، و محمود بن دحية ، في نفر منهم ، فقالوا له : كيف نتبعك و قد تركت قبلتنا ، و أنت لا تزعم أن عزيراً ابن الله ؟ فأنزل الله : " وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم " [ التوبة : 30 ] الآية .
و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم محمود بن سيحان و عزير بن أبي عزير في جماعة منهم ، فقالوا : إنا لا نرى ما جئت به متسقاً كما تتسق التوراة ، أما يعلمك هذا أنس و لا جن ؟ فقال لهم : " أما و الله إنكم لتعلمون أنه من عند الله ، و أني رسول الله تجدون ذلك مكتوباً عندكم في التوراة " . قالوا : فإن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما يشاء ، فأنزل علينا كتاباً من السماء نقرؤه و نعرفه ، و إلا جئناك بمثل ما تأتي به ، فأنزل الله تعالى : " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " [ الإسراء : 88 ] .
و قال قوم منهم لعبد الله بن سلام حين أسلم : ما تكون النبوة في العرب ، و لكن صاحبك ملك متقول ، ثم جاءوا فسألوه عن ذي القرنين ، فقص عليهم ما جاءه من الله فيه مما كان قص على قريش ، و هم كانوا ممن أمر قريشاً أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عنه حين بعثوا إليهم النضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط ، و أتى رهط منهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : يا محمد ! هذا الله خلق الخلق فمن خلقه ؟ فغضب حتى انتفع لونه ، ثم ساورهم غضباً لربه ، فجاءه جبريل فسكنه ، و أنزل عليه : " قل هو الله أحد " السورة ، فلما تلاها عليهم ، قالوا : فصف لنا كيف خلقه ؟ و كيف ذراعه ؟ و كيف عضده ؟ فغضب أشد من غضبه الأول
، فأتاه جبريل من الله تعالى بقوله تعالى : " ما قدروا الله حق قدره " [ الحج : 74 ] الآية .
و كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش و غطفان و بني قريظة : حيي بن أخطب ، و سلام بن أبي الحقيق أبو رافع ، و الربيع بن الربيع بن أبي الحقيق ، و أبو عمار ، و وحوح ابن عامر و هوذة بن قيس ، فأما وحوح و أبو عمار و هوذة فمن بني واثلة ، و سائرهم من بني النضير ، فلما قدموا على قريش ، قالوا : هؤلاء أحبار يهود و أهل العلم بالكتاب الأول ، فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد ؟ فسألوهم ، فقالوا : بل دينكم خير من دينه و أنتم أهدى منه و ممن اتبعه ، فأنزل الله فيهم : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا " إلى قوله : " ملكا عظيما " [ النساء : 51 ـ 54 ] .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:36 AM
خبر عبد الله بن أبي بن سلول ، و أبي عامر الفاسق ، و كان يقول له الراهب
قال ابن إسحاق : و قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ـ كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ـ و سيد أهلها عبد الله بن أبي بن سلول لا يختلف عليه في شرفه من قومه اثنان لم يجتمع الأوس و الخزرج قبله و لا بعده على رجل من أحد الفريقين حتى جاء الإسلام : غيره ، و معه في الأوس رجل هو في قومه من الأوس شريف مطاع ، أبو عامر عبد عمرو ابن صيفي بن النعمان ، أحد بني ضبيعة بن زيد ، و هو أبو حنظلة ، الغسيل يوم أحد ، و كان قد ترهب في الجاهلية و لبس المسوح ، فكان يقال له : الراهب . فشقيا بشرفهما .
أما ابن أبي ، فكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه عليهم ، فجاءهم الله برسوله و هم على ذلك ، فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن ، و رأى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد سلبه ملكاً عظيماً ، فلما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام ، دخل فيه كارهاً مصراً على نفاق .
و أما أبو عامر فأبى إلا الكفر و الفراق لقومه حين اجتمعوا على الإسلام ، فخرج منهم إلى مكة ببضعة عشر رجلاً مفارقاً للإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا تقولوا الراهب و لكن قولوا الفاسق " و كان قد قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يخرج إلى مكة : ما هذا الذي جئت به ؟ قال : جئت بالحنيفية دين إبراهيم عليه السلام . قال : فأنا عليها . قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنك لست عليها . قال : بلى ، إنك أدخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس منها قال : ما فعلت و لكني جئت بها بيضاء نقية . قال : الكاذب أماته الله طريداً غريباً وحيداً . فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أجل . فكان هو ذلك ، خرج إلى مكة فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة خرج إلى الطائف ، فلما أسلم أهل الطائف ، خرج إلى الشام فمات بها طريداً غريباً وحيداً .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:36 AM
جماع أبواب مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم و بعوثه و سراياه
و لما أذن الله عز و جل لنبيه في القتال كانت أول آية نزلت في ذلك : " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير " [ الحج : 39 ] . كما روينا من طريق أبي عروبة ، " حدثنا سلمة ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا الثوري ، عن الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان يقرأ : " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " قال : و هي أول آية نزلت في القتال " .
و روينا عن ابن عائذ ، أخبرنا الوليد بن محمد ، عن محمد بن مسلم الزهري ، قال : و كان أول آية نزلت في القتال قوله عز و جل : " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز " [ الحج : 39 ـ 40 ] .
قرئ على أبي محمد عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني و أنا أسمع ، " أخبركم أبو علي بن أبي القاسم بن الحريف حضوراً في الخامسة ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري ، أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم الباقلاني ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي ، أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري ، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ، عن ابن عجلان ، عن المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله تعالى " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:36 AM
ذكر الخبر عن عدد مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم و بعوثه
روينا عن ابن سعد ، قال : أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ، حدثنا عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي ، و موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، و محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري ، و موسى بن يعقوب بن عبد الله ابن وهب بن زمعة بن الأسود ، و عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري ، و يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري ، و ربيعة بن عثمان بن عبد الله بن الهدير التيمي ، و إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة الأشهلي ، و عبد الحميد بن جعفر الحكمي ، و عبد الرحمن بن أبي الزناد ، و محمد الله صالح التمار . قال ابن سعد : أخبرنا رويم بن يزيد المقرئ ، حدثنا هارون بن أبي عيسى ، عن محمد بن إسحاق . قال : أخبرنا حسين بن محمد ، عن أبي معشر ، قال : و أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني ، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ، عن عمه موسى بن عقبة ، دخل حديث بعضهم في حديث بعض . قالوا : كان عدد مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم التي غزا بنفسه سبعاً و عشرين ، و كانت سراياه التي بعث فيها سبعاً و أربعين سرية ، و كان ما قاتل فيه من المغازي تسع غزوات : بدر القتال ، و أحد ، و المريسيع ، و الخندق ، و قريظة ، و خيبر ، و فتح مكة ، و حنين ، و الطائف . فهذا ما اجتمع لنا عليه ، و في بعض رواياتهم أنه قاتل في بني النضير و لكن الله جعلها له نفلاً خاصة ، و قاتل في غزاة وادي القرى منصرفه من خيبر ، و قتل بعض أصحابه ، و قاتل في الغابة .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:37 AM
غزوة ودان
فأول مغازيه صلى الله عليه و سلم بنفسه : غزوة ودان .
روينا عن أبي عروبة ، حدثنا سليمان بن سيف ، حدثنا سعيد بن يزيع ، حدثنا ابن إسحاق : قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في صفر غازياً على رأس اثني عشر شهراً ، من مقدمه المدينة لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر صفر ، حتى بلغ ودان ، و كان يريد قريشاً و بني ضمرة ، و هي غروة الأبواء ، ثم رجع إلى المدينة ، و كان استعمل عليها سعد بن عبادة فيما ذكره ابن هشام . قال : ابن إسحق : فوادعته فيها بنو ضمرة ، و كان الذي وادعه منهم عليهم مخشي بن عمرو الضمري ، و كان سيدهم في زمانه ذلك ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم إلى المدينة و لم يلق كيداً .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:37 AM
بعث حمزة و عبيدة بن الحارث
روينا عن ابن إسحاق قال : فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بها بقية صفر و صدراً من شهر ربيع الأول ، و بعث في مقدمة ذلك عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف في ستين أو ثمانين راكباً من المهاجرين ، ليس فيهم من الأنصار أحد ، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة ، فلقي بها جمعاً عظيماً من قريش ، فلم يكن بينهم قتال ، إلا أن سعد ابن أبي وقاص قد رمي يومئذ بسهم ، فكان أول سهم رمى به في الإسلام ، ثم انصرف القوم عن القوم و للمسلمين حامية ، و فر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو و عتبة ابن غزوان ، و كانا مسلمين ، و لكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار ، و كان على القوم عكرمة بن أبي جهل . و قال ابن هشام : مكرز بن حفص بن الأخيف . قال ابن إسحاق : فكانت راية عبيدة فيما بلغنا أول راية عقدت في الإسلام . و بعض العلماء يزعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه حين أقبل من غزوة الأبواء قبل أن يصل إلى المدينة ، و بعث في مقامه ذلك حمزة بن عبد المطلب بن هاشم إلى سيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكباً من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد ، فلقي أبا جهل بن هشام في ذلك الساحل في ثلاثمائة راكب ، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني ، و كان موادعاً للفريقين جميعاً ، فانصرف بعض القوم عن بعض ، و لم يكن بينهم قتال ، و بعض الناس يقول كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ذلك أن بعثه و بعث عبيدة كانا معاً فشبه ذلك على الناس .
و روينا عن موسى بن عقبة أن أول البعوث بعث حمزة في ثلاثين راكباً ، فلقوا أبا جهل في ثلاثين و مائة راكب من المشركين ، ثم كانت الأبواء على رأس اثني عشر شهراً ، ثم بعث عبيدة فلقوا بعثاً عظيماً من المشركين على ماء يدعى الأحياء ، من رابغ ، قال : و هو أول يوم التقى فيه المسلمون و المشركون في قتال .
و روينا عن ابن عائذ ، عن الوليد ، عن ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، أن راية حمزة هي الأولى .
و روينا عنه أيضاً : عن محمد بن شعيب ، عن عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ذكر بعث عبيدة ثم بعث حمزة بنحو ما ذكر ابن إسحاق .
و روينا عن ابن سعد : أن أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه و سلم لحمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر لواءً أبيض ، و كان الذي حمله أبو مرثد كناز بن الحصين الغنوي في ثلاثين راكباً من المهاجرين . قال : و لم يبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أحداً من الأنصار مبعثاً حتى غزا بهم بدراً ، و ذلك أنهم شرطوا له أنهم يمنعونه في دارهم . و خرج حمزة يعرض لعير قريش قد جاءت من الشام تريد مكة و فيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل . ثم سرية عبيدة في ستين من المهاجرين إلى بطن رابغ في شوال على رأس ثمانية أشهر عقد له لواءً أبيض حمله مسطح بن أثاثة ، فلقي أبا سفيان بن حرب في مائتين من أصحابه على ماء يقال له أحياء ـ و قال أبو عمر : أبنى ـ من بطن رابغ على عشرة أميال من الجحفة و أنت تريد قديداً على يسار الطريق و إنما نكبوا على الطريق ليرعوا ركابهم .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:37 AM
سرية سعد بن أبي وقاص
إلى الخرار في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر ، و عقد له لواءً أبيض حمله المقداد بن عمرو و بعثه في عشرين من المهاجرين .
ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه و سلم الأبواء ، وهي غزوة ودان ، و كلاهما قد ورد . و بينهما ستة أميال ، و كانت على رأس اثني عشر شهراً من الهجرة ، و حمل اللواء حمزة بن عبد المطلب ، فكانت الموادعة على أن بني ضمرة لا يغزونه و لا يكثرون عليه جمعاً ، و لا يعينون عليه عدواً ، ثم انصرف عليه السلام إلى المدينة ، و كانت غيبته خمس عشرة ليلة .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:38 AM
غزوة بواط
قال ابن إسحاق : ثم غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم في شهر ربيع الأول يريد قريشاً حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ، ثم رجع إلى المدينة و لم يلق كيداً .
و استعمل على المدينة السائب بن مظعون فيما ذكر ابن هشام .
و حمل اللواء ـ و كان أبيض ـ سعد بن معاذ فيما ذكر ابن سعد ، و قال : و خرج في مائتين من أصحابه يعرض لعير قريش فيها أمية بن خلف الجمحي و مائة رجل من قريش و ألفان و خمسمائة بعير .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:39 AM
غزوة العشير
قال ابن إسحاق : " في أثناء جمادى الأولى يعني من السنة الثانية : ثم غزا قريشاً حتى نزل العشيرة من بطن ينبع ، فأقام بها جمادى الأولى و ليالي من جمادى الآخرة ، و وادع فيها بني مدلج و حلفائهم من بني ضمرة ، و فيها كنى رسول الله صلى الله عليه و سلم علياً أبا تراب حين و جده نائماً هو و عمار بن ياسر ، و قد علق به تراب ، فأيقظه عليه الصلاة و السلام برجله ، و قال له : مالك أبا تراب ؟ لما يرى عليه من التراب . ثم قال : ألا أحدثكما بأشقى الناس ؟ رجلين . قلنا : بلى يا رسول الله . قال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، و الذي يضريك يا علي على هذه ــ و وضع يده على قرنه ــ حتى يبل منها هذه . و أخذ بلحيته " . و استعمل على المدينة أبا سلمة عبد الأسد ، فيما ذكر ابن هشام .
و ذكر ابن سعد أهنا كانت في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهراً ، و حمل لواء رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها حمزة بن عبد المطلب ــ و كان أبيض ــ و خرج في خمسين و مائة و يقال : في مائتين من قريش من المهاجرين ممن انتدب ، و لم يكره أحداً على الخروج ، و خرجوا على ثلاثين بعيراً يعتقبونها ، و خرج يعترض لعير قريش حين أبدأت إلى الشام فكان قد جاءه الخبر بفصولها من مكة ، فيها أموال قريش ، و هي لبني مدلج بناحية الينبع ، و بين ينبع و المدينة تسعة برد ، فوجد العير التي خرج إليها قد مضت قبل ذلك بأيام ، و هي العير التي خرج إليها حين رجعت من الشام ، فكانت بسببها وقعة بدر الكبرى .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:39 AM
غزوة بدر الأولى
قال ابن إسحاق : فلم يقم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة حين قدم من غزوة العشيرة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في طلبه حتى بلغ وادياً يقال له سفوان من ناحية بدر ،وفاته كرز بن جابر فلم يدركه .
و اسعتم لعلى المدينة فيما قال ابن هشام زيد بن حارثة .
و ذكر ابن سعد أنها في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشراً شهراً من الهجرة ، و حمل اللواء فيهاعلي بن أبي طالب ، قال : و السرح : ما رعوا من نعمهم .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:40 AM
سرية عبد الله بن جحش
و بعث عبد الله بن جحش في رجب مقفله من بدر الأولى ، و معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد ، و كتب له كتاباً و أمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ، ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ، و لا يستكره أحداً من أصحابه .
و كان أصحابه : أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، و عكاشة بن محصن الأسدي ، و عتبة بن غزوان
، و سعد بن وقاص ، و عامر بن ربيعة ، من عنز بن وائل حليف بني عدي ، و واقد بن عبد الله أحد بني تميم ، حليف لهم ، و خالد بن البكير ، و سهيل بن بيضاء .
فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب ، فنظر فيه ، فإذا فيه : إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة و الطائف ، فترصد بها قريشاً ، و تعلم لنا من أخبارهم . فلما نظر قي الكتاب قال : سمعاً و طاعة . ثم قال ذلك لأصحابه ، و قال : قد نهاني أن أستكره أحداً منكم . فمضوا لم يتخلف عليه منهم أحد .
و سلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران ، أضل سعد ابن أبي الوقاص و عتبة بن عزوان بعيراً لهما كانا يعتقبانه ، فتخلفا عليه في طلبه ، و مضى عبد الله بن جحش و أصحابه حتى نزل بنخلة ، فمرت به عير لقريش فيها عمرو بن الحضرمي ، و عثمان بن عبد الله بن المغيرة ، و أخوه نوفل ، المخزوميان ، و الحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة .
فلام رآهم القوم هابوهم ، و قد نزلوا قريباً منهم ، فأشرف عليهم عكاشة بن محصن ، و كان قد حلق رأسه ، فلما رأوه أمنوا ، و قالوا : عمار لا بأس عليكم منهم . و تشاورالقوم فيهم ، و ذلك في آخر يوم من رجب ، فقال القوم : و الله لئن تركتم القوم في هذه اللية ليدخلن الحرم فليمنتعن منكم به ، و لئن قتلتوهم لتقتلنهم في الشهر الحرام . فتردد القوم و هابوا الإقدام عليهم ، ثم شجعوا أنفسهم عليهم ، و أجمعوا قتل من قدروا عليه منهم و أخذ ما معهم فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، و استأسر عثمان بن عبد الله و الحكم بن كيسان ، و أفلت القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم ، و أقبل عبد الله بن جحش و أصحابه بالعير و الأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة .
و قد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش أن عبد الله قال لأصحابه : إن لرسول الله صلى الله عليه و سلم مما غنمنا الخمس ، و ذلك قبل أن يفرض الله لخمس من المغانم ، فعزل لرسول الله صلى الله عليه و سلم خمس العير ، و قسم سائرها بين أصحابه .
قال ابن إسحاق : فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام ، فوقف العير و الأسيرين ، و أبى أن يأخذ من ذلك شيئاً ، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم في أيدي القوم ، و ظنوا أنهم قد هلكوا ، و عنفهم إخوانهم من المسلمين فما صنعوا ، و قالت قريش : قد استحل محمد و أصحابه الشهر الحرام ، و سكفوا فيه الدم ، و أخذوا فيه الأموال ، و أسروا فيه الرجال . فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة : إنما أصابوا ما أصابوافي شعبان .
و قالت يهود ــ تفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه و سلم : عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله ، عمرو : عمرت الحرب ، و الحضرمي : حضرت الحرب ، و واقد ابن عبد الله : وقدت الحرب . فجعل الله ذلك عليهم لا لهم .
فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله تعالى : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل " [ البقرة : 217 ] ففرج الله عن المسلمين ما كونوا فيه ، و قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم العير و الأسيرين ، و بعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله ، و الحكم بن كيسان . فقال رسول الله : " لا نفديكما حتى يقدم صاحبانا ، يعني : سعد بن أبي وقاص ، و عتبة بن غزوان ، فإنا نخشاكم عليهما ، فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم ، فقدم سعد و عتبة ، فأفادهما رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم ، فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه ، و أقام عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و مات في بئر معونة شهيداً ، و أما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافراً " .
فلما تجلى عن عبد الله بن جحش و أصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الأجر ، فقالوا : يا رسول الله ، أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين ، فأنزل الله فيهم : " إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم " [ البقرة : 218 ] فوضعهم الله من ذلك على أعظم الرجاء . و الحديث في هذا عن الزهري و يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير . ثم قسم الفيء بعد كذلك .
قال ابن هشام : و هي أول غنيمة غنمها المسلمون . و عمرو بن الحضرمي أول من قتل المسلمون ، و عثمان و الحكم أول من أسر المسلمون . فقال في ذلك أبو بكر الصديق ، و يقال هي لعبد الله بن جحش :
تعدون قتلاً في الحرام عظيمة و أعظم منه لو يرى الرشد راشد
صدودكم عما يقول محمد و كفر به و الله راء وشاهد
شفينا من ابن الحضرمي رماحنا بنخلة لما أوقد الحرب واقد
و ذكر موسى بن عقبة و محمد بن عائذ نحو ذلك ، غير أنهما ذكرا صفوان بن بيضاء بدل سهيل أخيه ، و لم يذكرا خالداً و لا عكاشة ، و ذكر ابن عقبة فيهم عامر بن إياس .
و قال ابن سعد : كان الذي أسر الحكم بن كيسان المقداد بن عمرو ، و ذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث عبد الله بن جحش في اثني عشر رجلاً من المهاجرين ، كل اثنين يعتقبان بعيراً إلى بطن نخلة ، و هو بستان ابن عامر ، و أن سعد بن أبي وقاص كان زميل عتبة بن غزوان ، فضل بهما بعيرهما فلم يشهدا الوقعة .
و الذي ذكره موسى بن عقبة أن ابن جحش لما قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و خير أصحابه ، تخلف رجلان سعد و عتبة ، فقدما بحران و مضى سائرهم .
و قال ابن سعد : و يقال إن عبد الله بن جحش لما رجع من نخلة خمس ما غنم و قسم بين أصحابه سائر المغانم ، فكان أول خمس خمس في الإسلام ، و يقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقف غنائم نخلة حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم بدر ، و أعطى كل قوم حقهم ، و في هذه السرية سمي عبد الله بن جحش أمير المؤمنين .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:41 AM
تحويل القبلة
قرئ على الشيخ أبي عبد الله بن محمد بن إبراهيم المقدسي و أنا حاضر في الرابعة ، أخبركم أبو الحسن علي بن النفيس بن بورانداز ، قراءة عليه ببغداد فأقر به ، أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى ، أخبرنا أبو عطاء بن أبي عاصم ، أخبرنا أبو حاتم بن محمد بن يعقوب ، أخبرنا أبو العباس محمد بن محمد بن الحسن الفريزني ، حدثنا أبو جعفر رجاء بن عبد الله بن فورجة ، حدثنا مالك بن سليمان الهروي ، عن يزيد ، بن عطاء ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب ، قال : لقد صلينا بعد قدوم النبي صلى الله عليه و سلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً ، و كان الله يعلم أنه يحب أن يوجه نحو الكعبة ، فلما وجه النيي صلى الله عليه و سلم إليها صلى رجل معه ، ثم أتى قوما من الأنصار و هم ركوع نحو بيت المقدس ، فقال لهم و هم ركوع : أشهد رسول الله صلى الله عليه و سلم قد وجهه نحو الكعبة ، فاستداروا و هم ركوع فاستقبوها .
رواه البخاري و غيره من حديث أبي إسحاق عن البراء .
و روينا من طريق ابن سعد : حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا زهير ، حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء .. الحديث . و فيه : و أنه صلى أول صلاة صلاها العصر ، و صلاها معه قوم ، فخرج رجل ممن صلاها معه ، فمر على أهل مسجد و هم راكعون ، فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل مكة ، فداروا كما هم قبل البيت .
و كان يعجبه أن يحول قبل البيت ، و كانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس ، و أهل الكتاب ، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك .
و فيه : أنه مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت : رجال ، و قتلوا ، فلم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله تعالى " وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم " [ البقرة : 143] .
و قد اتفق العلماء على أن صلاة النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة كانت إلى بيت المقدس ، و أن تحويل القبلة إلى الكعبة كان بها ، و اختلفوا كم أقام النبي صلى الله عليه و سلم يصلي إلى بيت المقدس بعد مقدمه المدينة ؟ و في أي صلاة كان التحويل ؟ و في صلاته عليه الصلاة و السلام قبل ذلك بمكة كيف كانت ؟
فأما مدة صلاة النبي صلى الله عليه و سلم إلى بيت المقدس بالمدينة فقد رويناه أنه كان ستة عشر شهراً ، أو سبعة عشر شهراً ، أو ثمانية عشر شهراً ، و روينا بضعة عشر شهراً .
قال الحربي : ثم قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة في ربيع الأول فصلى إلى بيت المقدس تمام السنة ، و صلى من سنة اثنتين ستة أشهر ثم حولت القبلة في رجب .
و كذلك روينا عن ابن إسحاق ، قال : و لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة ، و صرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهراً من مقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة . في خبر ذكره . و سنذكره بعد تمام هذا الكلام إن شاء الله تعالى .
و قال موسى بن عقبة و إبراهيم بن سعد : عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن كعب بن مالك ، أن القبلة صرفت في جمادى .
و قال الواقدي : إنما صرفت في صلاة الظهر يوم الثلاثاء في النصف من شعبان . كذا و جدته عن أبي عمر بن عبد البر . و الذي رويناه عن الواقدي من طريق ابن سعد : حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة ، عن داود بن الحصين عن عكرمة ، عن ابن عباس . قال ابن سعد : " و أخبرنا عبد الله بن جعفر الزهري ، عن عثمان بن محمد الأخنسي و عن غيرهما ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما هاجر إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً ، و كان يحب أن يصرف إلى الكعبة ، فقال : يا جبريل ! وددت أن الله صرف وجهي عن قبلة يهود . فقال جبريل : إنما أنا عبد فادع ربك و سله ، و جعل إذا صلى إلى بيت المقدس يرفع رأسه إلى السماء ، فنزلت : " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام " [ البقرة : 144 ] فوجه إلى الكعبة إلى الميزاب . و يقال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين ، ثم أمر أن يوجه إلى المسجد الحرام ، فاستدار إليه ، و دار معه المسلمون ، و يقال : بل زار رسول الله صلى الله عليه و سلم أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة ، فصنعت له طعاماً ، و حانت الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بأصحابه ركعتين ، ثم أمر أن يوجه إلى الكعبة ، فاستقبل الميزاب ، فسمي المسجد مسجد القبلتين ، و ذلك يوم الأثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهراً . و فرض صوم شهر رمضان في شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً . قال محمد بن عمر : و هذا الثبت عندنا " .
قال القرطبي : الصحيح سبعة شهراً و هو قول مالك و ابن المسيب و ابن إسحاق .
و قد روي ثمانية عشر ، و روي بعد سنتين ، و روي بعد تسعة أشهر أو عشرة أشهر ، و الصحيح ما ذكرماه أولاً .
و أما الصلاة التي و قع فيها تحويل القبلة ، ففي خبر الواقدي هذا أنها الظهر ، و قد ذكرنا في حديث البراء قبل هذا أنها العصر . و قد روينا عن ابن سعد ، قال : " أخبرنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا ثابت ، عن أنس ابن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي نحو بيت المقدس فنزل : " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام " [ البقرة : 144 ] فمر رجل يقوم من بني سلمة و هم ركوع في صلاة الفجر و قد صلوا ركعة ، فنادى : ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة ، فمالوا إلى الكعبة " .
و روينا عن ابن سعد ، قال أخبرنا الفضل بن دكين ، حدثنا قيس بن الربيع ، حدثنا زياد بن علاقة ، عن عمارة ابن أوس الأنصاري ، قال : صلينا إحدى صلاتي العشي ، فقام رجل على الباب و نحن في الصلاة ، فنادى : إن الصلاة قد و جهت نحو الكعبة ، فتحول أو تحرف إمامنا نحو الكعبة و النساء و الصبيان ، و ليس في هذين الخبرين ما يعارض ما قبلهما لأن بلوغ التحويل غير التحويل .
و قرىء على أبي عبد الله بن أبي الفتح بن و ثاب الصوري ، و انا أسمع ، أخبركم الشيخان : أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الإخوة البغدادي نزيل أصبهان ، و أبو المجد زاهر طاهر الثقفي الأصبهاني إجازة ، قال الأول : أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي ، و قال الثاني : أخبرنا أبو الوفاء منصور بن محمد بن سليم ، قالا : أخبرنا أبو الطيب عبد الرزاق بن عمر بن موسى بن شمة ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم ، قال : أخبرنا علي بن العباسي المقالعي ، عن محمد ابن مروان ، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير ، قال : و حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : كانوا يصلون الصبح فانحرفوا و هم ركوع .
و أما كيف كانت صلاته صلى الله عليه و سلم قبل تحويل القبلة ، فمن الناس من قال كانت صلاته صلى الله عليه و سلم إلى بيت المقدس ، من حين فرضت الصلاة بمكة إلى أن قدم المدينة ، ثم بالمدينة إلى وقت التحويل .
====

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:41 AM
و روينا من طريق أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المقرىء بالسند المذكور آنفاً ، " قال أخبرنا علي بن العباس المقالعي ، عن محمد بن مروان ، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير ، عن أبيه ، عن السدي في كتاب الناسخ و المنسوخ له قال : قوله تعالى : " سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " [ البقرة : 142 ] قال : قال ابن عباس : أول ما نسخ الله تعالى من القرآن حديث القبلة . قال ابن عباس : إن الله تبارك و تعالى فرض على رسوله الصلاة ليلة أسري به إلى بيت المقدس ركعتين ركعتين ، الظهر و العصر و العشاء و الغداة و المغرب ثلاثاً ، فكان يصلي إلى الكعبة و وجهه إلى بيت المقدس . قال : ثم زيد في الصلاة بالمدينة حين صرفه الله إلى الكعبة ركعتين ركعتين إلا المغرب فتركت كما هي . قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه يصلون إلى بيت المقدس . و فيه : قال : فصلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة سنة حتى هاجر إلى المدينة . قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعجبه أن يصلي قبل الكعبة ، لأنها قبلة آبائه إبراهيم و إسماعيل . قال : و صلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة حتى هاجر إلى المدينة و بعدما هاجر ستة عشر شهراً إلى بيت المقدس . قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينظر لعل الله أن يصرفه إلى الكعبة . قال : و قال رسول الله صلى ا-لله عليه و سلم لجبريل عليه السلام : وددت أنك سألت الله أن يصرفني إلى الكعبة . فقال جبريل : لست أستطيع أن أبتدئ الله جل و علا بالمسئلة ، و لكن إن سألني أخبرته . قال فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقلب وجهه في السماء ينتظر جبريل ، ينزل عليه ، قال : فنزل عليه جبريل و قد صلى الظهر ركعتين إلى بيت المقدس و هم ركوع ، فصرف الله القبلة إلى الكعبة . . " الحديث . و فيه : فلما صرف الله القبلة اختلف الناس في ذلك ، فقال المنافقون : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ و قال بعض المؤمنين : فكيف بصلاتنا التي صلينا نحو بيت المقدس ؟ فكيف بمن مات من إخواننا و هم يصلون إلى بيت المقدس ؟ تقول : قبل الله عز و جل منا و منهم أم لا ؟ و قال ناس من المؤمنين : كان ذلك طاعة و هذا طاعة ، نفعل ما أمرنا النبي صلى الله عليه و سلم . و قالت اليهود : اشتاق إلى بلد أبيه و هو يريد أن يرضي قومه ، و لو ثبت على قبلتنا لرجونا أن يكون هو النبي الذي كنا ننتظر أن يأتي ، و قال المشركون من قريش : تحير على محمد دينه ، فاستقبل قبلتكم و علم أنكم أهدى منه ، و يوشك أن يدخل في دينكم . فأنزل الله في جميع الفرق كلها :
فأنزل في المنافقين : " ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " إلى دين الإسلام " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " [ البقرة : 142 ـ 143 ] إلى آخر الآية .
و أنزل في المؤمنين : " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " يقول : إلا لنبتلي بها . و إنما كانت قبلتك التي تبعث بها إلى الكعبة ، ثم تلا : " وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : من المتقين . قال المؤمنون كانت القبلة الأولى طاعة و هذه طاعة ، فقال الله عز و جل : " وما كان الله ليضيع إيمانكم " [ البقرة : 143 ] . قال : صلاتكم ، لأنكم كنتم مطيعين في ذلك ، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم : " قد نرى تقلب وجهك في السماء " يقول : تنتظر جبريل حتى ينزل عليك " فلنولينك قبلة ترضاها " يقول : تحبها " فول وجهك شطر المسجد الحرام " [ البقرة : 144 ] نحو الكعبة " وإنه للحق من ربك " [ البقرة : 149 ] أي أنك تبعث بالصلاة إلى الكعبة .
و أنزل الله في اليهود : " ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك " [ البقرة : 145 ] قال : لئن جئتهم بكل آية أنزلها في التوراة في شأن القبلة أنها إلى الكعبة ما تبعوا قبلتك ، قال : و أنزل الله في أهل الكتاب : " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون " [ البقرة : 146 ] قال : يعرفون أن قبلة النبي الذي يبعث من ولد إسماعيل عليهما السلام قبل الكعبة ، كذلك هو مكتوب عندهم في التوراة ، و هم يعرفون بذلك كما يعرفون أبناءهم ، و هم يكتمون ذلك ، و هم يعلمون أن ذلك هو الحق ، يقول الله تعالى : " الحق من ربك فلا تكونن من الممترين " [ البقرة : 147 ] يقول من الشاكين .
قال : ثم أنزل في قريش و ما قالوا ، فقال : " لئلا يكون للناس عليكم حجة " قال : لكيلا يكون لأحد من الناس حجة " إلا الذين ظلموا منهم " يعني قريشاً ، و ذلك قول قريش : قد عرف محمد أنكم أهدى منه فاستقبل قبلتكم ، ثم قال : " فلا تخشوهم " قال : فحين قالوا يوشك أن يرجع إلى دينكم يقول : لا تخشوا أن أردكم في دينهم ، قال " ولأتم نعمتي عليكم " [ البقرة : 150 ] أي أظهر دينكم على الأديان كلها .
كل هذا عن السدي من كتابه في الناسخ و المنسوخ و هو مروي لنا بالإسناد المذكور ، و هو مروي عن أبي مالك ، عن ابن عباس ، ثم يتخلل سياق خبره فوائد عن بعض رواة الكتاب ، ثم يقول جامعه عند انقضائها و عودة إلى الأول : رجع إلى السدي . ثم يقول عنه : قال ابن عباس كذا في أخبار متعددة متغايرة ، فيحتمل أن يكون ذلك عنده عن أبي مالك عن ابن عباس ، و يحتمل الانقطاع ، و لو كان ذلك في خبر واحد لكان أقرب إلى الاتصال .
و السدي هذا هو الكبير : إسماعيل بن عبد الرحمن ، يروي عن أنس ، و عبد خير ، روى عنه الثوري و شعبة و زائدة ، و كان يجلس بالمدينة في مكان يقال له السد فنسب إليه ، احتج به مسلم ، و وثقه بعضهم و تكلم فيه آخرون .
و السدي الصغير : هو محمد بن مروان المذكور في الإسناد إليه ، مضعف عندهم .
و قال آخرون إنه عليه الصلاة و السلام صلى أول ما صلى إلى الكعبة ثم إنه صرف إلى بيت المقدس .
قال أبو عمر : ذكر سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، قال : صلى النبي صلى الله عليه و سلم أول ما صلى إلى الكعبة ، ثم إنه صرف إلى بيت المقدس ، فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه عليه الصلاة و السلام بثلاث ، و صلى النبي صلى الله عليه و سلم بعد قدومه ستة عشر شهراً ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة .
و قال ابن شهاب : و زعم ناس ـ و الله أعلم ـ أنه كان يسجد نحو بيت المقدس و يجعل وراءه ظهره الكعبة و هو بمكة ، و يزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة حتى خرج منها ، فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس .
قال أبو عمر : و أحسن من ذلك قول من قال : إنه عليه الصلاة و السلام كان يصلي بمكة مستقبل القبلتين ، يجعل الكعبة بينه و بين بيت المقدس .
و قد روينا ذلك من طريق مجاهد " عن ابن عباس ، قرأت على الإمام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي بسفح قاسيون ، أخبركم الشيخ أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب البغدادي ، و أبو الفضل عبد السلام بن عبد الله بن أحمد بن بكران بن الزهري سماعاً عليهما ، الأول بالشام و الثاني بالعراق ، قالا : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر بن البسري بن الزاغوني ، زاد ابن ملاعب : و أبو منصور أنوشتكين بن عبد الله الرضواني ، قال : أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري ، و قال ابن الزغواني : أخبرنا الشريف أبو نصر محمد بن محمد الزينبي ، قالا : أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس المخلص ، حدثنا يحيى ، حدثنا الحسن بن يحيى الآرزي أبو علي بالبصرة ، حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا أبو عوانة ، عن سليمان ـ يعني الأعمش ـ عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي و هو بمكة نحو بيت المقدس و الكعبة بين يديه ، و بعدما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهراً ، ثم صرف إلى الكعبة " .
و روينا عن ابن سعد قال : أخبرنا هاشم بن القاسم ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد ابن كعب القرظي ، قال : ما خالف نبي نبيياً قط في قبلة و لا في سنة ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استقبل بيت المقدس من حين قدم المدينة ستة عشر شهراً ثم قرأ : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا " [ الشورى : 13 ] .
=====

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:41 AM
و قد ذكرنا فيما سلف حديث البراء بن معرور و توجهه إلى الكعبة ، و فيه دليل على أن الصلاة كانت يومئذ إلى بيت المقدس . و لما كان صلى الله عليه و سلم يتحرى القبلتين جميعاً و لم يتبين توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة .
قال السهيلي : و كرر الباري سبحانه و تعالى الأمر بالتوجه إلى البيت الحرام في ثلاث آيات ، لأن المنكرين لتحويل القبلة كانوا ثلاثة أصناف : اليهود ، لأنهم لا يقولون بالنسخ في أصل مذهبهم . و أهل الريب و النفاق اشتد إنكارهم له : لأنه كان أول نسخ نزل . و كفار قريش ، لأنهم قالوا : ندم محمد على فراق ديننا ، و كانوا يحتجون عليه ، فيقولون : يزعم محمد أنه يدعونا إلى ملة إبراهيم و إسماعيل و قد فارق قبلة إبراهيم و إسماعيل و آثر عليها قبلة اليهود ، فقال الله له حين أمره بالصلاة إلى الكعبة : " لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم " [ البقرة : 150 ] على الاستثناء المنقطع ، أي : لكن الذين ظلموا منهم لا يرجعون و لا يهتدون ، و ذكر الآيات إلى قوله تعالى : " ليكتمون الحق وهم يعلمون " [ البقرة : 146 ] أي يكتمون ما علموا من أن الكعبة هي قبلة الأنبياء .
و روينا من طريق أبي داود في كتاب الناسخ و المنسوخ له : حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا عنبسة ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، قال : كان سليمان بن عبد الملك لا يعظم إيلياء كما يعظمها أهل بيته ، قال : فسرت معه و هو ولي عهد ، قال : و معه خالد بن يزيد بن معاوية ، قال سليمان و هو جالس فيها : و الله إن في هذه القبة التي صلى إليها المسلمون و النصارى لعجبا . قال خالد بن يزيد : أما و الله إني لأقرأ الكتاب الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه و سلم ، واقرأ التوراة ، فلم تجدها اليهود في الكتاب الذي أنزل الله عليهم و لكن تابوت السكينة كان على الصخرة ، فلما غضب الله على بني إسرائيل رفعه ، فكانت صلاتهم إلى الصخرة على مشاورة منهم .
و روى أبو داود أيضاً : أن يهودياً خاصم أبا العالية في القبلة ، فقال أبو العالية : إن موسى عليه السلام كان يصلي عند الصخرة و يستقبل البيت الحرام ، فكانت الكعبة قبلته ، و كانت الصخرة بين يديه ، و قال اليهودي : بيني و بينك مسجد صالح النبي عليه السلام ، فقال أبو العالية : فإني صليت في مسجد صالح و قبلته إلى الكعبة ، و أخبر أبو العالية أنه صلى في مسجد ذي القرنين و قبلته إلى الكعبة . قلت : قد تقدم في حديث البراء أن رجلاً صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم يوم تحويل القبلة ، ثم أتى قوماً من الأنصار فأخبرهم و هم ركوع فاستداروا ، و لم يسمي المخبر في ذلك الخبر ، و الرجل هو عباد بن نهيك بن إساف الشاعر بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو [ النبيت ] بن مالك بن الأوس ، عمر في الجاهلية زماناً ، و أسلم و هو شيخ كبير ، فوضع النبي صلى الله عليه و سلم عنه الغزو ، و هو الذي صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم القبلتين في الظهر ، ركعتين إلى بيت المقدس و ركعتين إلى الكعبة يوم صرفت القبلة ، ثم أتى قومه بني حارثة و هم ركوع في صلاة العصر ، فأخبرهم بتحويل القبلة ، فاستداروا إلى الكعبة . و قد ذكروا أبو عمرو هذا الرجل بذلك لكنه لم يرفع نسبه ، إنما قال : عباد ابن نهيك فقط ، و نسبه الخطمي ، فلم يصنع شيئاً ، فخطمة هو عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس ليس هذا منه ، هذا حارثي و بنو خطمة تأخر إسلامهم .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:42 AM
ذكر فرض صيام شهر رمضان و زكاة الفطر ، و سنة الأضحية
روينا عن ابن سعد " أخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة . قال الواقدي : و أخبرنا عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر . قال : أخبرنا عبد العزيز بن محمد ، عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه ، عن جده ، قالوا : نزل فرض شهر رمضان بعدما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر ، في شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذه السنة بزكاة الفطر ، و ذلك قبل أن تفرض الزاكاة في الأموال ، و أن تخرج عن الصغير و الكبير و الحر و العبد و الذكر و الأنثى ، صاع من تمر أو صاع من شعير ، أو صاع من زبيب ، أو مدان من بر . و كان يخطب صلى الله عليه و سلم قبل الفطر بيومين ، فيأمر بإخراجها قبل أن يغدو إلى المصلى ، و قال : أغنوهم ـ يعني المساكين ـ عن طواف هذا اليوم . و كان يقسمها إذا رجع ، و صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة العيد يوم الفطر بالمصلى قبل الخطبة .
و صلى العيد يوم الأضحى و أمر بالأضحية ، و أقام بالمدينة عشر سنين يضحى في كل عام ، قالوا : و كان يصلي العيدين قبل الخطبة بغير أذان و لا إقامة ، و كان تحمل العنزة بين يديه ، و كانت العنزة للزبير بن العوام ، قدم بها من أرض الحبشة ، فأخذها منه رسول الله صلى الله عليه و سلم . قالوا : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين ، فإذا صلى و خطب أتي بأحدهما و هو قائم في مصلاه ، فيذبحه بيده بالمدية ، ثم يقول : هذا عن أمتي جميعاً ، ممن شهد لك بالتوحيد و شهد لي بالبلاغ . ثم يؤتئ بالآخر فيذبحه هو عن نفسه ، ثم يقول : هذا عن محمد و آل محمد ، فيأكل هو و أهله منه ، و يطعم المساكين ، و كان يذبح عند طرف الزقاق عند دار معاوية " .
قال محمد بن عمر : و كذلك تصنع الأئمة عندنا بالمدينة .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:42 AM
ذكر المنبر و حنين الجذع
قرأت على الشيخة الأصيلة أم محمد مؤنسة خاتون بنت السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب بالقاهرة ، قلت لها : أخبرتك الشيخة أم هانيء عفيفة بنت أحمد ابن عبد الله الفارقانية إجازة ؟ فأقرت به ، قالت : " أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الواحد الصباغ ، أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو علي بن الصواف ، حدثنا الحسين بن عمر ، حدثنا أبي ، حدثنا المعلى بن هلال ، عن عمار الدهني ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أم سلمة ، أنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة . قال : و كانت أساطين المسجد من دوم ، و ظلاله من جريد النخل ، و كانت الأسطوانة التي تلي المنبر عن يسار المنبر إذا استقبلته دومة . قالت : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسند ظهره إليها يوم الجمعة إذا خطب الناس قبل أن يصنع المنبر . فأول يوم وضع المنبر استوى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم قاعداً في الساعة التي كان يستند فيها إلى الأسطوانة ، ففقدته الأسطوانة فجأرت جؤار الثور ، أو خارت خوار الثور ، و النبي صلى الله عليه و سلم على المنبر ، فنزل النبي صلى الله عليه و سلم ، فأتاها فوضع يده عليها ، و قال لها : اسكني ، أو اسكتي ثم رجع النبي صلى الله عليه و سلم إلى منبره " .
و قرأت على أبي الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني بسفح قاسيون ، " أخبركم أبو العباس الخضر بن كامل بن سالم بن سبيع قراءة عليه و أنتم تسمعون سنة ست أو سبع و ستمائة ، و أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي إجازة ، إن لم يكن سماعاً ، قال الأول : أخبرنا أبو الدر ياقوت بن عبد الله الرومي ، و قال الثاني : أخبرنا أبو الفتح محمد بن محمد بن البيضاوي ، قالا : أخبرنا أبو محمد بن عبد الله بن محمد بن هزارمرد . [ ح ] و قرأت على أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي ، أخبركم الشيخ أبو نصر موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلي قراءة عليه و أنت تسمع ؟ فأقر به ، أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن الحسين بن البنا ، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري قالا : أخبرنا أبو طاهر محمد ابن عبد الرحمن بن العباس المخلص ، حدثنا عبد الله ـ يعني البغوي ـ حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا مبارك بن فضالة ، حدثنا الحسن ، عن أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة مسنداً ظهره إليها ، فلما كثر الناس ، قال : ابنوا لي منبراً . قال : فبنوا له منبراً له عتبان ، فلما قام على المنبر يخطب حنت الخشبة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال أنس : و أنا في المسجد فسمعت الخشبة تحن حنين الواله ، فما زالت تحن حتى نزل إليها فاحتضنها فسكنت . فكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى ، ثم قال : يا عباد الله ، الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم شوقاً إليه ، لمكانه من الله عز و جل ، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه " .
قال القاضي عياض : رواه من الصحابة بضعة عشر منهم : أبي بن كعب ، و جابر ابن عبد الله ، و أنس بن مالك ، و عبد الله بن عمر ، و عبد الله بن عباس ، و سهل بن سعد ، و أبو سعيد الخدري ، و بريدة ، و أم سلمة ، و المطلب بن أبي وداعة ، كلهم يحدث بمعنى هذا الحديث ، قال الترمذي : و حديث أنس صحيح .
و في حديث جابر : فلما صنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار .
و في رواية أنس : حتى ارتج المسجد بخواره .
و في رواية سهل : و كثر بكاء الناس لما رأوا به .
و في رواية المطلب : " حتى تصدع و انشق ، حتى جاء النبي صلى الله عليه و سلم فوضع يده عليه فسكت "، زاد غيره : "فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إن هذا بكى لما فقد من الذكر " و زاد غيره : " والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة تحزناً على النبي صلى الله عليه و سلم ، فأمر به فدفن تحت المنبر " .
" و في حديث أبي أنه أخذه أبي فكان عنده إلى أن أكلته الأرض و عاد رفاتا " . و في حديث بريدة ، "فقال ـ النبي صلى الله عليه و سلم ـ : إن شئت أردك إلى الحائط الذي كنت فيه ،تنبت لك عروقك و يكمل خلقك ، و يجدد لك خوص و ثمرة ؟ و إن شئت أغرسك في الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك ؟ ثم أصغى له عليه الصلاة و السلام يستمع ما يقول ، فقال : بل تغرسني في الجنة . فسمعه من يليه ، فقال عليه الصلاة و السلام : قد فعلت " .
" و أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي بقراءة والدي عليه ، أخبرنا ابن طبرزذ ، أخبرنا ابن عبد الباقي ، أخبرنا الجوهري ، أخبرنا ابن الشخير ، حدثنا العباس بن أحمد ، حدثنا محمد بن أبان ، حدثنا أبو القاسم بن أبي الزناد ، عن سلمة بن وردان ، قال : سمعت أبا سعيد بن المعلي يقول ، سمعت علياً يقول ، سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة " .
" و رويناه من حديث جابر و فيه و إن منبري على ترعة من ترع الجنة " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:43 AM
القسم الأول من غزوة بدر الكبرى ـ و كانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان
قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلاً من الشام في عير لقريش عظيمة ، فيها أموال لقريش و تجارة من تجارتهم ، و فيها ثلاثون رجلاً من قريش ، أو أربعون ، منهم : مخرمة بن نوفل ، و عمرو بن العاص . و قال ابن عقبة و ابن عائذ في أصحاب أبي سفيان : هم سبعون رجلاً ، و كانت عيرهم ألف بعير ، و لم يكن لحويطب بن عبد العزى فيها شيء فلذلك لم يخرج معهم .
و قال ابن سعد : هي العير التي خرج لها حتى بلغ ذا العشيرة ، تحين قفولها من الشام ، فبعث طلحة بن عبيد الله التيمي و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل يتجسسان خبر العير . قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن مسلم الزهري ، و عاصم بن عمر بن قتادة و عبد الله بن أبي بكر ، و يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، و غيرهم من علمائنا عن ابن عباس ، كل قد حدثني بعض الحديث ، فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر ، قالوا : لما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بابي سفيان مقبلاً من الشام ، ندب المسلمين إليهم و قال : هذه عير قريش ، فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها ، لعل الله ينفلكموها ، فانتدب الناس ، فخف بعضهم ، و ثقل بعضهم ، و ذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يلقى حرباً . و كان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتجسس الأخبار و يسأل من لقي من الركبان ، تخوفاً من أمر الناس ، حتى أصاب خبراً من بعض الركبان أن محمداً قد استنفر أصحابه لك و لعيرك ، فحذر عند ذلك ، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، فبعثه إلى مكة ، و أمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم إلى أموالهم ، و يخبرهم أن محمداً قد عرض لها في أصحابه ، فخرج ضمضم بن عمرو سريعاً إلى مكة .
قال ابن سعد : فخرج المشركون من أهل مكة سراعاً ، و معهم القيان و الدفوف ، و أقبل أبو سفيان بن حرب بالعير ، و قد خافوا خوفاً شديداً حين دنوا من المدينة ، و استبطؤوا ضمضماً و النفير ، حتى وردوا بدراً ، و هو خائف ، فقال لمجدي بن عمرو : هل أحسست أحداً من عيون محمد .
قال ابن إسحاق : فأخبرني من لا أتهم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس و يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، قالا : و قد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها ، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب ، فقالت له : يا أخي ، و الله لقد رأيت الليلة رؤيا ، لقد أفظعتني ، و تخوفت أن يدخل على قومك منها شر و مصيبة ، فاكتم عني ما أحدثك . فقال لها : و ما رأيت ؟ قالت : رأيت راكباً أقبل على بعير له حتى و قف بالأبطح ، ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ، فأرى الناس اجتمعوا إليه ، ثم دخل المسجد و الناس يتبعونه ، فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ، ثم صرخ بمثلها ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ، ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس ، فصرخ بمثلها ، ثم أخذ صخرة فأرسلها ، فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ، ارفضت ، فما بقي بيت من بيوت مكة و لا دار إلا دخلتها منه فلقة . قال العباس : و الله إن هذا لرؤيا ، و أنت فاكتميها و لا تذكريها . ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة ، و كان صديقاً له ، فذكرها له ، و استكتمه إياها ، فذكرها الوليد لأبيه عتبة ، ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش ، قال العباس : فغدوت لأطوف بالبيت ، و أبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة فلما رآني أبو جهل ، قال : يا أبا الفضل : إذا فرغت من طوافك فاقبل إلينا ، فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم ، فقال لي أبو جهل : يا بني عبد المطلب ! متى حدثت فيكم هذه النبية ؟ قال : قلت : و ماذاك ؟ قال : ذاك الرؤيا التي رأت عاتكة . قال فقلت : و ما رأت ؟ قال : يا بني عبد المطلب ! أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ؟ ! قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال : انفروا في ثلاث ، فسنتربص بكم هذه الثلاث ، فإن يك حقاً فسيكون ، و إن تمض الثلاث و لم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتاباً أنكم أكذب أهل بيت في العرب ، قال العباس : فو الله ما كان مني إليه كبير ، إلا أني جحدت ذلك ، و أنكرت أن تكون رأت شيئاً .
و عند ابن عقبة في هذا الخبر ، أن العباس قال لأبي جهل : هل أنت منته ؟ فإن الكذب فيك و في أهل بيتك . فقال من حضرهما أبو بكر ما كنت يا أبا الفضل جهولاً و لا خرقاً . و كذلك قال ابن عائذ ، و زاد فقال له العباس : مهلاً يا مصفر أسته ، و لقي العباس من عاتكة أذى شديداً حين أفشى من حديثها .
رجع إلى خبر ابن إسحاق : قال : ثم تفرقنا ، فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني ، فقالت : أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ؟ ثم قد تناول النساء و أنت تسمع ؟ ثم لم تكن عندك غير لشيء مما سمعت ؟ قال : فقلت قد و الله فعلت ، ما كان مني إليه من كبير ، و ايم الله لأتعرضن له ، فإن عاد لأ كفينكنه قال : فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة و أنا حديد مغضب ، أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه قال : فدخلت المسجد فرأيته ، فو الله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال ، فأوقع به ، وكان رجلاً خفيفاً ، حديد الوجه ، حديد اللسان ، حديد النظر . قال : إذ خرج نحو باب المسجد يشتد . قال : قلت في نفسي : ماله لعنه الله ، أكل هذا فرق مني أن أشاتمه ؟ قال : فإذا هو قد سمع ما لم أسمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري و هو يصرخ ببطن الوادي واقفاً على بعيره ، قد جدع بعيره ، و حول رحله ، و شق قميصه ، وهو يقول : يا معشر قريش ، اللطيمة اللطيمة ، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه ، لا أرى أن تدركوها ، الغوث الغوث . قال : فشغلني عنه و شغله عني ما جاء من الأمر ، فتجهز الناس سراعاً ، و قالوا : أيظن محمد و أصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي ، كلا و الله ليعلمن غير ذلك ، فكانوا بين رجلين ، إما خارج و إما باعث مكانه رجلاً و أوعبت قريش ، فلم يتخلف من أشرافها أحد ، إلا أن أبا لهب ابن عبد المطلب قد تخلف و بعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة ، وكان قد لاط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه ، أفلس بها فاستأجره بها على أن يجزي عنه بعثه ، فخرج عنه و تخلف أبو لهب .
قال ابن عقبة و ابن عائذ : خرجوا في خمسين و تسعمائة مقاتل ، و ساقوا مائة فرس .
و روينا عن ابن سعد : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، عن شيبان ، عن ابن إسحاق ، عن أبي عبيدة بن عبد الله ، عبد أبيه ، قال : لما أسرنا القوم في بدر ، قلنا : كم كنتم ؟ قالوا : كنا ألفاً .
قال ابن إسحاق : و حدثني عبد الله بن أبي نجيح ، أن أمية بن خلف كان أجمع القعود ، و كان شيخاً جليلاً جسيماً ثقيلاً ، فأتاه عقبة بن أبي معيط و هو جالس في المسجد بين ظهراني قومه بمجمرة يحملها ، فيها نار و مجمر ، حتى وضعها بين يديه ، ثم قال يا أبا علي ! استجمر ، فإنما أنت من النساء . قال : قبحك الله و قبح ما جئت به . قال : ثم تجهز فخرج مع الناس .
قيل : و كان سبب تثبطه ، ما ذكره البخاري في الصحيح ، من حديثه مع سعد بن معاذ و أبي جهل بمكة ، و قول سعد له : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " إنه قاتلك " .
قلت : المشهور عند أرباب السير أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما قال ذلك لأخيه أبي بن خلف بمكة قبل الهجرة ، و هو الذي قتله النبي صلى الله عليه و سلم بعد ذلك يوم أحد بحربته ، و هذا أيضاً لا ينافي خبر سعد ، و الله أعلم .
قال ابن إسحاق : و لما فرغوا من جهازهم و أجمعوا السير ، ذكروا ما بينهم و بين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب ، فقالوا : إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن مالك بن حعشم الكناني المدلجي ، و كان من أشراف بني كنانة ، فقال : أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه ، فخرجوا سراعاً .
و ذكر ابن عقبة و ابن عائذ في هذا الخبر : و أقبل المشركون و معهم إبليس ـ لعنه الله ـ في صورة سراقة يحدثهم أن بني كنانة وراءه ، قد أقبلوا لنصرهم ، و أنه لا غالب لكم اليوم من الناس و إني جار لكم .
قال ابن إسحاق : و عمير بن وهب أو الحارث بن هشام كان الذي رآه حين نكص على عقبيه عند نزول الملائكة ، و قال إني أرى ما لا ترون ، فلم يزل حتى أوردهم ثم أسلمهم ، ففي ذلك يقول حسان :
سرنا وساروا إلى بدر لحينهم لو يعلمون يقين العلم ما ساروا
دلالهم بغرور ثم أسلمهم إن الخبيث لمن والاه غرار
في أبيات ذكرها .
قال ابن إسحاق : و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة في ليال مضت من شهر رمضان في أصحابه ، قال ابن هشام : لثمان ليال خلون منه .
و قال ابن سعد : يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت منه ، بعد ما وجه طلحة بن عبيد الله و سعيد بن زيد بعشر ليال ، و ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم عسكره ببئر أبي عنبة ، و هي على ميل من المدينة ، فعرض أصحابه ، و رد من استصغر ، و خرج في ثلاثمائة رجل و خمسة نفر ، كان المهاجرون منهم أربعة و سبعين رجلاً ، و سائرهم من الأنصار ، و ثمانية تخلفوا لعذر ، ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهامهم و أجورهم : ثلاثة من المهاجرين ، عثمان بن عفان ، خلفه رسول الله صلى الله عليه و سلم على ابنته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كانت مريضة ، فأقام عليها حتى ماتت . و طلحة ، و سعيد بن زيد ، بعثهما يتجسسان خبر العير . و خمسة من الأنصار : أبو لبابة بن عبد المنذر ، خلفه على المدينة ، وعاصم بن عدي العجلاني ، خلفه على أهل العالية ، و الحارث بن حاطب العمري رده من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم ، و الحارث بن الصمة كسر من الروحاء ، و خوات بن جبير كسر أيضاً .
قال ابن إسحاق : و دفع اللواء إلى مصعب بن عمير ـ و كان أبيض ـ و كان أمام رسول الله صلى الله عليه و سلم رايتان سوداوان ، إحداهما مع علي بن أبي طالب و الأخرى مع بعض الأنصار .
و قال ابن سعد : كان لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير ، و لواء الخزرج مع الحباب بن منذر ، و لواء الأوس مع سعد بن معاذ .
كذا قال ، و المعروف أن سعد بن معاذ كان يومئذ على حرس رسول الله صلى الله عليه و سلم في العريش ، و أن لواء المهاجرين كان بيد علي . " قرىء على أبي حفص عمر بن عبد المنعم ابن عمر بن عبد الله بن غدير بعربيل ـ قرية بغوطة دمشق ـ و أنا أسمع ، أخبركم أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل بن الحرستاني قراءة عليه و أنت حاضر في الرابعة ؟ فأقر به ، أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد السلمي سماعاً ، أخبرنا أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد ، أخبرنا أبو الحسن علي بن موسى بن الحسين السمسار ، أخبرنا أبو القاسم المظفر بن حاجب بن مالك بن أركين الفرغاني ، أخبرنا أبو الحسن محمد ابن يزيد بن عبد الصمد الدمشقي ، حدثنا أحمد ـ يعني ابن أبي أحمد ـ الجرجاني ، حدثنا شبابة بن سوار الفزاري ، حدثنا قيس بن ربيع ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه و سلم أعطى علياً الراية يوم بدر ، و هو ابن عشرين سنة " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:44 AM
قال ابن إسحاق : و كانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ سبعين بعيراً ، فاعتقبوها ، فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم و علي بن أبي طالب و مرثد بن أبي مرثد يعتقبون بعيراً ، و كان حمزة و زيد بن حارثة و أبو كبشة و أنسة موليا رسول الله صلى الله عليه و سلم يعتقبون بعيراً ، و كان أبو بكر و عمر و عبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيراً .
و روينا عن ابن سعد : " أخبرنا يونس بن محمد المؤدب ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود ، قال : كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير ، و كان أبو لبابة و علي زميلي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فكان إذا كانت عقبة النبي صلى الله عليه و سلم قالا : اركب حتى نمشي معك ، فيقول : ما أنتما بأقوى مني على المشي ، و ما أغنى عن الأجر منكما " .
انتهى ما رويناه عن ابن سعد ، و المعروف أن أبا لبابة رجع من بئر أبي عنبة و لم يصحبهم إلى بدر ، ورده رسول الله صلى الله عليه و سلم والياً على المدينة ، و قد تقدم .
قال ابن إسحاق : " و جعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة ، أحد بني مازن بن النجار ، فسلك طريقه من المدينة حتى إذا كان بعرق الظبية لقوا رجلاً من الأعراب ، فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبراً ، ثم ارتحل حتى أتى على واد يقال له ذفران ، و جزع فيه ثم نزل ، فأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم ، فاستشار الناس ، و أخبرهم عن قريش ، فقام أبو بكر الصديق ، فقال و أحسن ، ثم قام عمر بن الخطاب فقال و أحسن ، ثم قام المقداد بن عمرو ، فقال : يا رسول الله ! امض لما أمرك الله ، فنحن معك ، و الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ، و لكن اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون ، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه . فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم خيراً و دعا له بخير .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أشيروا علي أيها الناس " . فذكر ابن عقبة و ابن عائذ " أن عمر قال : يا رسول الله ! إنها قريش و عزها ، و الله ما ذلت منذ عزت ، و لا آمنت منذ كفرت ، و الله لتقاتلنك ، فأهب لذلك أهبته ، و أعدد لذلك عدته " .
رجع إلى خبر ابن إسحاق : " قال : و إنما يريد الأنصار ، و ذلك أنهم عدد الناس ، و أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا : يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا ، فإذا وصلنا إليها فأنت في ذمتنا ، نمنعك ما نمنع منه أبناءنا و نساءنا . فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليه نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه ، و أن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم ، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : له سعد ابن معاذ : لعلك تريدنا يا رسول الله ؟ فقال : أجل . قال : فقد آمنا بك وصدقناك ، و شهدنا أن ما جئت به هو الحق ، و أعطيناك على ذلك عهودنا و مواثيقنا على السمع و الطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت ، فنحن معك ، و الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، و ما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ، إنا لصبر في الحرب ، صدق في اللقاء ، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله تعالى " .
و قد روينا من طريق مسلم أن الذي قال ذلك سعد بن عبادة سيد الخزرج ، و إنما يعرف ذلك عن سعد بن معاذ . كذلك رواه ابن إسحاق و ابن عقبة و ابن سعد و ابن عائذ و غيرهم .
و اختلف في شهود سعد بن عبادة بدراً ، لم يذكره ابن عقبة و لا ابن إسحاق في البدريين ، و ذكره الواقدي و المدائني و ابن الكلبي فيهم . و روينا عن ابن سعد " أنه كان يتهيأ للخروج إلى بدر ، و يأتي دور الأنصار يحضهم على الخروج ، فنهش قبل أن يخرج ، فأقام ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لئن كان سعد لم يشهدها لقد كان عليها حريصاً " . قال : وروى بعضهم أن رسول الله ص ضرب له بسهمه و أجره و ليس ذلك بمجمع عليه ، و لا ثبت ، و لم يذكره أحد ممن يروي المغازي في تسمية من شهد بدراً ، و لكنه قد شهد أحداً و الخندق و المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم .
رجع إلى الأول : " قال فسر النبي صلى الله عليه و سلم بقول سعد ، و نشطه ذلك ، ثم قال : سيروا و أبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، و الله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم . ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه و سلم من ذفران ، ثم نزل قريباً من بدر ، فركب هو و رجل من أصحابه " ـ قال ابن هشام ، هو أبو بكر الصديق ـ قال ابن إسحاق : " كما حدثني محمد ابن يحيى بن حبان : حتى وقف على شيخ من العرب ، فسأله عن قريش ، و عن محمد و أصحابه ، و ما بلغه عنهم ، فقال الشيخ : لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما . فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا أخبرتنا أخبرناك . فقال الشيخ ذاك بذاك ؟ قال : نعم . قال الشيخ : فإنه قد بلغني أن محمداً و أصحابه خرجوا يوم كذا و كذا ، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا و كذا ، للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه و سلم . و بلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا و كذا ، فإن كان الذي أخبرني صدق فهم اليوم بمكان كذا و كذا ، للمكان الذي به قريش . فلما فرغ من خبره ، قال : ممن أنتما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نحن من ماء . ثم انصرف عنه ، قال : يقول الشيخ : ماء ؟ من ماء ؟ أمن ماء بالعراق ؟ ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أصحابه ، فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب ، و الزبير بن العوام ، و سعد بن أبي وقاص ، في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبر له عليه ، فأصابوا راوية لقريش ، فيها أسلم غلام بني الحجاج ، و عريض أبو يسار غلام بني العاص بن سعيد ، فأتوا بهما فسألوهما ، و رسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يصلي ، فقالا : نحن سقاة قريش ، بعثونا نسقيهم من الماء . فكره القوم خبرهما ، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان ، فضربوهما ، فلما أذلقوهما ، قالا : نحن لأبي سفيان . فتركوهما ، و ركع رسول الله صلى الله عليه و سلم و سجد سجدتيه ثم سلم ، و قال : إذا صدقاكما ضربتموهما ، و إذا كذباكما تركتموهما ، صدقا ، و الله إنهما لقريش . أخبراني عن قريش ؟ قالا : هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى ، و الكثيب العقنقل . فقال لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم : كم القوم ؟ قالا : كثير . قال : ما عدتهم ؟ قالا : ما ندري . قال : كم ينحرون كل يوم ؟ قالا : يوماً تسعاً و يوماً عشراً . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : القوم ما بين التسعمائة و الألف . ثم قال لهما : فمن فيهم من أشراف قريش ؟ قالا : عقبة بن ربيعة ، و شيبة بن ربيعة ، و أبو البحتري بن هشام ، و حكيم بن حزام ، و نوفل بن خويلد و الحارث بن عامر بن نوفل ، و طعيمة بن عدي بن نوفل ، و النضر بن الحارث ، و زمعة بن الأسود ، و أبو جهل بن هشام ، و أمية بن خلف ، و نبيه و منبه ابنا الحجاج ، و سهيل بن عمرو ، و عمرو بن عبد ود . فأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم على الناس فقال : هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها " .
قال ابن عقبة : و زعموا أن أول من نحرلهم حين خرجوا من مكة أبو جهل بن هشام عشر جزائر ، ثم نحر لهم صفوان بن أمية بعسفان تسع جزائر ، و نحر لهم سهيل بن عمرو بقديد عشر جزائر ، و مالوا من قديد إلى مناة نحو البحر ، فظلوا فيها ، فأقاموا فيها يوماً فنحر لهم شيبة بن ربيعة تسع جزائر ، ثم أصبحوا بالجحفة فنحر لهم عتبة بن ربيعة عشر جزائر ، ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم مقيس بن عمرو الجمحي تسع جزائر ، و نحر لهم العباس بن عبد المطلب عشر جزائر ، و نحر لهم الحارث بن عامر بن نوفل تسعاً ، و نحر لهم أبو البختري على ماء بدر عشر جزائر ، و نحر لهم مقيس الجمحي على ماء بدر تسعاً ، ثم شغلتهم الحرب فأكلوا من أزوادهم .
و قال ابن عائذ : كان مسيرهم و إقامتهم حتى بلغوا الجحفة عشر ليال .
قال ابن إسحاق : و كان بسبس بن عمرو و عدي بن أبي الزغباء قد مضيا حتى نزلا بدراً ، فأناخا إلى تل قريب من الماء ، ثم أخذا شناً لهما يستسقيان فيه و مجدي بن عمرو الجهني على الماء ، فسمع عدي و بسبس جاريتين من جواري الحاضر ، و هما تلازمان على الماء ، و الملزومة تقول لصاحبتها : إنما تأتي العير غداً أو بعد غد ، فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك . فقال مجدي : صدقت ، ثم خلص بينهما ، و سمع ذلك عدي و بسبس ، فجلسا على بعيرهما ، ثم انطلقا ، حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأخبراه بما سمعا .
ثم أقبل أبو سفسان حتى تقدم العير حذراً حتى ورد الماء ، فقال لمجدي بن عمرو : هل أحسست أحداً ؟ قال : ما رأيت أحداً أنكره ، إلا أني قد رأيت راكبين ، قد أناخا إلى هذا التل ، ثم استقيا في شن لهما ، ثم انطلقا . فأتى أبو سفيان مناخهما ، فأخذ من أبعار بعيريهما ، ففته ثم شمه ، فإذا فيه النوى ، فقال : هذه و الله علائف يثرب ، فرجع إلى أصحابه سريعاً ، فضرب وجه عيره عن الطريق ، فساحل بها ، وترك بدراً بيسار ، و انطلق حتى أسرع . و أقبلت قريش ، فلما نزلوا الجحفة ، رأى جهيم بن أبي الصلت بن مخرمة عبد المطلب بن عبد مناف رؤيا ، فقال : إني فيما يرى النائم ، و إني لبين النائم و اليقظان ، إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرس ، حتى وقف و معه بعير له ، ثم قال : قتل عتبة بن ربيعة ، و شيبة بن ربيعة ، و أبو الحكم بن هشام ، و أمية بن خلف ، و فلان و فلان ـ فعدد رجالاً ممن قتل يوم بدر من أشراف قريش ـ ثم رأيته ضرب في ليلة بعيره ، ثم أرسله في العسكر ، فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه . قال : فبلغت أبا جهل ، فقال : و هذا أيضاً نبي آخر من بني المطلب ، سيعلم غداً من المقتول إن نحن التقينا .
قال ابن إسحاق : و لما رأى أبو سفيان بن حرب أنه قد أحرز عيره ، أرسل إلى قريش إنكم خرجتم لتمنعوا عيركم و رجالكم و أموالكم ، وقد نجاها الله ، فارجعوا . فقال أبو جهل بن هشام : و الله لا نرجع حتى نرد بدراً ـ و كان بدر موسماً من مواسم العرب تجتمع لهم به سوق كل عام ـ فنقيم عليه ثلاثاً ، فننحر الجزر ، و نطعم الطعام ، و نسقي الخمر ، و تعزف علينا القيان ، و تسمع بنا العرب ، و بمسيرنا و جمعنا ، فلا يزالون يهابوننا أبداً بعدها . و قال الأخنس بن شريق ـ و كان حلفاً لبني زهرة ـ يا بني زهرة ! قد نجى الله أموالكم و خلص لكم صاحبكم : مخرمة بن نوفل ، و إنما نفرتم لتمنعوه و ماله ، فاجعلوا لي جبنها و ارجعوا ، فإنه لا حاجة لكم بان تخرجوا في غير ضيعة ، لا ما يقول هذا ، فرجعوا فلم يشهدها زهري و لا عدوي أيضاً . و مضى القوم ، و كان بين طالب ابن أبي طالب ـ و كان في القوم ـ و بين بعض قريش محاورة ، فقالوا : و الله لقد علمنا يا بني هاشم و إن خرجتم معنا إن هواكم لمع محمد . فرجع طالب إلى مكة مع من رجع ، و مضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل و بطن الوادي ، و بعث الله السماء ، و كان الوادي دهساً ، فأصاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه منها ما لبدلهم الأرض و لم يمنعهم من المسير ، و أصاب قريشاً منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه ، فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يبادرهم إلى الماء ، حتى جاء أدنى ماء من بدر فنزل به .
=======

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:44 AM
قال ابن إسحاق : " فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر ابن الجموح قال : يا رسول الله ! أرأيت هذا المنزل ، أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه و لا أن نتأخر عنه ، أم هو الرأي و الحرب و المكيدة ؟ قال : بل هو الرأي و الحرب و المكيدة . قال : يا رسول الله ! إن هذا ليس بمنزل ، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ، ثم نغور ما وراءه من القلب ، ثم نبني عليه حوضاً فنملأه ماء ، فنشرب و لا يشربون . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لقد أشرت بالرأي ، فنهض رسول الله صلى الله عليه و سلم و من معه من الناس ، فسار حتى أتى أدنى ماء من القوم فنزل عليه ، ثم أمر بالقلب فغورت ، و بنى حوضاً على القليب الذي نزل عليه ، فملىء ماء ، ثم قذفوا فيه الأنية " .
و روينا عن ابن سعد " في هذا الخبر : فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال : الرأي ماأشار به الحباب " .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث أن سعد بن معاذ ، قال : يانبي الله ! ألا نبني لك عريشاً تكون فيه ، و نعد عندك ركائبك ، ثم نلقى عدونا ، فإن أعزنا الله و أظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا ، و إن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا ، فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد حباً منهم و لو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك ، يمنعك الله بهم ، يناصحونك و يجاهدون معك ، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم خيراً و دعا بخير ، ثم بني لرسول الله صلى الله عليه و سلم عريش ، فكان فيه .
قال ابن إسحاق : " و قد ارتحلت قريش حين أصبحت ، فأقبلت ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم تصوب من العقنقل ـ و هو الكثيب الذي جاؤوا منه ـ إلى الوادي ، قال : اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها و فخرها تحادك و تكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي و عدتني ، اللهم أحنهم الغداة .
و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و رأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر ـ إن يك في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر ، إن يطيعوه يرشدوا . و قد كان خفاف بن إيماء بن رخضة ـ أو أبواه إيماء بن رخضة الغفاري ـ بعث إلى قريش حين مروا به ابناً له بجزائر أهداها لهم ، و قال : إن أحببتم أن نمدكم بسلاح و رجال فعلنا ، قال : فأرسلوا إليه مع ابنه : أن وصلتك رحم ، قد قضيت الذي عليك ، فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس ما بنا من ضعف عنهم ، و لئن كنا إنما نقاتل الله كما يزعم محمد ما لأحد بلله من طاقة .
فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم حكيم بن حزام ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : دعوهم . فما شرب منه رجل يومئذ إلا قتل إلا ما كان من حكيم بن حزام فإنه لم يقتل ، ثم أسلم بعد ذلك فحسن إسلامه ، فكان إذا اجتهد في يمينه ، قال : لا والذي نجاني من يوم بدر " .
قال : و حدثني أبي رحمه الله إسحاق بن يسار و غيره من أهل العلم ، عن أشياخ منت الأنصار ، قالوا : لما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي ، فقالوا : احزر لنا أصحاب محمد ، فاستجال بفرسه حول العسكر ، ثم رجع إليهم ، فقال : ثلاثمائة رجل يزيدون قليلاً أو ينقصون ، و لكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد ؟ قال : فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئاً فرجع إليهم فقال ما رأيت شيئاً ، و لكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا ، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع ، قوم ليس لهم منعة و لا ملجأ إلا سيوفهم ، و الله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجل منكم ، فإذا أصابوا منكم أعدادهم ، فما خير العيش بعد ذلك ، فرموا رأيكم . فلما سمع حكيم ابن حزام ذلك مشى في الناس ، فأتى عتبة بن ربيعة ، فقال : يا أبا الوليد إنك كبير قريش و سيدها و المطاع فيها ، هل لك إلى أن لا تزال تذكر منها بخير إلى آخر الدهر ؟ قال : و ما ذاك يا حكيم ؟ قال : ترجع بالناس ، و تحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي . قال : قد فعلت ، أنت علي بذلك ، إنما هو حليفي فعلي عقله و ما أصيب من ماله ، فائت ابن الحنظلية ـ يعني أبا جهل بن هشام ـ ثم قام عتية خطيباً ، فقال : يا معشر قريش ! إنكم و الله ما تصنعون بان تلقوا محمداً صلى الله عليه و سلم و أصحابه شيئاً ، و الله لئن أصبتموه لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه ، قتل ابن عمه و ابن خاله و رجلاً من عشيرته ، فارجعوا و خلوا بين محمد و بين سائر العرب ، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم ، و إن كان غير ذلك ألفاكم و لم تعرضوا منه ما تريدون . قال حكيم : فانطلقت حتى جئت أبا جهل ، فوجدته قد نثل درعاً له من جرابها ، فقلت له : يا أبا الحكم ! إن عتبة أرسلني إليك بكذا و كذا ، للذي قال . فقال انتفخ و الله سحره حين رأى محمداً و أصحابه ، كلا و الله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، و ما بعتبة ما قال ، و لكنه قد رأى أن محمداً و أصحابه أكله جزور ، وفيهم ابنه ، قد تخوف عليه ، ثم بعث إلى عامر الحضرمي ، فقال هذا حليفك يريد أن ترجع بالناس ، وقد رأيت ثأرك بعينيك ، فقم فانشد خفرتك و مقتل أخيك . فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ، ثم صرخ و اعمراه و اعمراه ، فحميت الحرب و حقب أمر الناس و استوسقوا على ما هم من الشر ، و أفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة .
فلما بلغ عتبة قول أبي جهل : انتفخ : و الله سحره ، قال : سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره ؟ أنا أم هو ؟ ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه ، فما وجد في الجيش بيضة تسعة من عظم هامته ، فلما رأى ذلك اعتجز على رأسه ببرد له .
و قال ابن عائذ : و قال رجال من المشركين لما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم غر هؤلاء دينهم ، منهم أبو البختري بن هشام ، و عتبة بن ربيعة ، و أبو جهل بن هشام و ذكر غيرهم ـ لما تقالوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في أعينهم ، فأنزل الله تعالى : " إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم " [ الأنفال : 49 ] الآية . حتى نزلوا و تعبؤوا للقتال ، و الشيطان معهم لا يقارقهم .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:45 AM
القسم الثاني من غزوة بدر الكبرى
قال ابن إسحاق : و قد خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي ، و كان رجلاً شرساً سيء الخلق ، فقال : أعاهد الله لأشربن من حوضهم ، أو لآهدمنه ، أو لأموتن دونه ، فلما خرج ، إليه حمزة بن عبد المطلب ، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه ، و هو دون الحوض ، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه ، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه ، يريد أن تبرأ يمينه ، و اتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض . ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة و ابنه الوليد بن عتبة حتى إذا فصل من الصف دعا إلى المبارزة ، فخرج إليه فتية من الأنصار ، و هم : عوف و معوذ ابنا الحارث ـ و أمهما عفراء ـ و رجل آخر يقال هو عبد الله بن رواحة فقالوا من أنتم ؟ قالوا : رهط من الأنصار . قالوا : ما لنا بكم من حاجة .
و قال ابن عقبة و ابن عائذ " حين ذكروا خروج الأنصار ، قال : فاستحيا النبي صلى الله عليه و سلم من ذلك ، لأنه كان أول قتال التقى فيه المسلمون و المشركون ، و رسول الله صلى الله عليه و سلم شاهد معهم ، فأحب النبي صلى الله عليه و سلم أن تكون الشوكة لبني عمه ، فناداهم النبي صلى الله عليه و سلم أن ارجعوا إلى مصافكم و ليقم إليهم بنو عمهم " .
رجع إلى ابن إسحاق : " ثم نادى مناديهم : يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا . فقال النبي صلى الله عليه و سلم : قم يا عبيدة بن الحارث ، و قم يا حمزة ، و قم يا علي . فلما قاموا و دنوا منهم ، قالوا : من أنتم ؟ قال عبيدة : عبيدة . و قال حمزة : حمزة . و قال علي : علي . قالوا : نعم ، أكفاء كرام . فبارز عبيدة ـ و كان أسن القوم ـ عتبة بن ربيعة ، و بارز حمزة شيبة بن ربيعة ، و بارز علي الوليد بن عتبة . فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله ، و أما علي فلم يمهل الوليد أن قتله ، و اختلف عبيدة و عتبة بينهما ضربتين ، كلاهما أثبت صاحبه ، وكر حمزة و علي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه ، و احتلا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه " .
قال : و حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عتبة بن ربيعة قال للفتية من الأنصار حين انتسبوا : أكفاء كرام ، إنما نريد قومنا . قال : ثم تزاحف الناس ، و دنا بعضهم من بعض ، و قد أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمركم ، و قال : إن اكتشفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل ، و رسول الله صلى الله عليه و سلم في العريش معه أبو بكر الصديق .
قال : حدثني حبان بن واسع بن حبان ، " عن أشياخ من قومه ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر ، و في يده قدح يعدل به القوم ، فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار ، و هو مستنتل من الصف ، قال ابن هشام : فطعن في بطنه بالقدح ، و قال : استو يا سواد . فقال : يا رسول الله أوجعتني ، و قد بعثك الله بالحق و العدل ، فأقدني . قال : فكشف رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بطنه ، و قال : استقد . فاعتنقه فقبل بطنه . فقال : ما حملك على هذا يا سواد ؟ قال : يا رسول الله ! حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك . فدعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم بخير و قاله له " .
قال ابن إسحاق : " ثم عدل رسول الله صلى الله عليه و سلم الصفوف و رجع إلى العريش فدخله و معه أبو بكر ليس معه فيه غيره ، و رسول الله صلى الله عليه و سلم يناشد ربه ما وعده من النصر ، و يقول فيما يقول : اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد . و أبو بكر يقول : يا رسول الله ! بعض مناشدتك ربك ، فإن الله منجز لك ما وعدك . و قد خفق رسول الله صلى الله عليه و سلم خفقة و هو في العريش ، ثم انتبه ، فقال : أبشر يا أبا بكر ، أتاك نصر الله ، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده ، على ثناياه النقع ـ يريد الغبار ـ " .
و قال ابن سعد في هذا الخبر : " و جاءت ريح لم يروا مثلها شدة ، ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى ، ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى ، فكانت الأولى جبريل في ألف من الملائكة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و الثانية ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميمنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و الثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه و سلم " .
و رويناه من طريق مسلم ، حدثنا هناد بن السري ، حدثنا ابن المبارك ، عن عكرمة ابن عمار ، قال : حدثنا سماك الحنفي ، قال : سمعت ابن عباس يقول : " حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المشركين و هم ألف ، و أصحابه ثلاثمائة و سبعة عشر رجلاً ، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه و سلم القبلة ، ثم مد يديه ، فجعل يهتف بربه : اللهم أنجز لي ما وعدتني و فيه : فأنزل الله عز و جل عند ذلك : " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين " [ الأنفال : 9 ] فأمده الله بالملائكة " .
قال أبو زميل : " فحدثني ابن عباس قال : بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه ، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه ، و صوت الفارس يقول أقدم حيزوم ، فنظر إلى المشرك أمامه خر مستلقياً ، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق و جهه كضربة السوط ، فاخضر ذلك أجمع ، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال صدقت ، ذلك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين و أسروا سبعين . . " الحديث .
و روينا من طريق البخاري : " حدثني إبراهيم بن موسى ، أخبرنا عبد الوهاب ، حدثنا خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال يوم بدر : هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب " .
و روينا ابن سعد : أخبرنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا أيوب و يزيد بن حازم ، أنهما سمعا عكرمة يقرأ : " فثبتوا الذين آمنوا " قال حماد : و زاد أيوب ، قال قال عكرمة : " فاضربوا فوق الأعناق " [ الأنفال : 12 ] قال : كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدرى من ضربه ، و تندر يد الرجل لا يدري من ضربه .
قال ابن إسحاق : " و قد رمي مهجع مولى عمر بن الخطاب بسهم فقتل ، فكان أول قتيل من المسلمين ، ثم رمي حارثة بن سراقة ـ أحد بني عدي بن النجار و هو يشرب من الحوض ـ بسهم ، فأصاب نحره فقتل . ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الناس فحرضهم ، و قال : و الذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة . فقال عمير بن الحمام ـ أخو بني سلمة ، و في يده تمرات يأكلهن ـ : بخ بخ أفما بيني و بين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ؟ قال : ثم قذف التمرات من يده و أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل " .
و قال ابن عقبة : أول قتيل من المسلمين يومئذ عمير بن حمام .
و قال ابن سعد : فكان أول من خرج من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب ، فقتله عامر بن الحضرمي . و كان أول قتيل قتل من الأنصار حارثة بن سراقة ، و يقال : قتله بن العرقة ، و يقال : عمير بن الحمام قتله خالد بن الأعلم العقيلي . قال ابن إسحاق : و حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، أن عوف بن الحارث ــ و هو ابن عفراء ــ قال : يا رسول الله ، ما يضحك الرب من عبده ؟ قال : غمسة يده في القوم حاسراً . فنزع درعاً كانت عليه ، فقذفها ، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل حدثني محمد بن مسلم ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري ــ حليف بني زهرة ــ أنه حدثه ، أنه لما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض ، قال أبو جهل : اللهم أقطعنا للرحم ، و آتانا بما لا يعرف ، فأحنه الغداة . فكان هو المستفتح على نفسه . قال : ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشاً ، ثم قال : شاهت الوجوه . ثم نفخهم بها ، و أمر أصحابه ، فقال : شدوا . فكانت الهزيمة ، فقتل الله من قتل من صناديد قريش و أسر من أسر من أشرافهم . قال ابن عقبة و ابن عائذ : فكانت تلك الحصباء عظيماً شأنها ، لم تترك من المشركين رجلاً إلا ملأت عينيه ، و جعل المسلمون يقتلونهم و يأسرونهم ، و بادر النفر كل رجل منهم ــ منكباً على وجهه ــ لا يدري أين يتوجه ، يعالج التراب ينزعه من عينيه .
رجع إلى خبر ابن إسحاق : " فلما وضع القوم أيديهم ، يأسرون ، و رسول الله صلى الله عليه و سلم في العريش ، و سعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم متوشحاً السيف في نفر من الأنصار ، يحرسون رسول الله صلى الله عليه و سلم ، يخافون عليه كرة العدو ، و رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ فيما ذكر لي ـ في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس ، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : و الله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم ؟ قال : أجل و الله يا رسول الله : كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك ، فكان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال .
قال : و حدثني العباس بن عبد الله بن معبد ، عن بعض أهله ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأصحابه يومئذ : إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم و غيرهم قد أخرجوا كرهاً ، لا حاجة لهم بقتالنا ، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله ، و من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله ، و من لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله ، فإنما خرج مستكرها " .
و ذكر ابن عقبة فيهم عقيلاً و نوفلاً .
قال : فقال أبو حذيفة : أنقتل آباءنا و إخواننا و عشيرتنا و نترك العباس ، و الله لئن لقيته لألجمنه السيف ، قال : فبلغت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال لعمر بن الخطاب : يا أبا حفص ! ــ فقال عمر : و الله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم بأبي حفص ــ أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسيف ؟ فقال عمر : يا رسول الله ! دعني فلأضرب عنقه بالسيف ، فو الله لقد نافق . فكان أبو حذيفة يقول : ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلتها يومئذ ، و لا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة . فقتل يوم اليمامة شهيداً .
فلقي البختري المجذر بن زياد البلوي ، فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد نهانا عن قتلك . و مع أبي البختري زميل له خرج معه من مكة ، و هو جنادة بن مليحة . قال : زميلي ؟ قال : له المجذر : لا و الله ، ام نحن بتاركي زميلك ، ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا بك وحدك . قال : لا و الله إذن لأموتن أنا و هو جميعا ، لا تحدث عني نساء مكة أني تركت زميلي حرصاً على الحياة . فقتله المجذر ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : و الذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به ، فأبى إلا أن يقاتلني ، فقاتلني فقتلته .
قال ابن عقبة : و يزعم ناس أن أبا اليسر قتل أبا البختري بن هشام ، و يأبى عظم الناس إلا أن المجذر هو الذي قتله ، بل قتله من غير شك أبو داود المازني و سلبه سيفه ، فكان عند بنيه حتى باعه بعضهم من بعض ولد أبي البختري .
قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد ، عن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، قال : و حدثنيه أيضاً عبد الله بن ابي بكر و غيرهما ، أن عبد الرحمن بن عوف لقيه أمية بن خلف ، و معه ابنه علي ، و مع عبد الرحمن أدراع استلبها ، قال : هل لك في ؟ فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك . قال : قلت نعم ، فطرحت الأدراع من يدي ، و أخذت بيده و يد ابنه ، و هو يقول : ما رأيت كاليوم قط ! أما لكم حاجة في اللبن ؟ ثم خرجت أمشي بهما .
=====

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:46 AM
قال : حدثني عبد الواحد بن أبي عون ، عن سعد بن إبراهيم عن أبيه ، عن عبد الرحمن ابن عوف ، أن أمية بن خلف قال له : من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره ؟ قال : قلت ذاك حمزة بن عبد المطلب . قال : ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل . قال عبد الرحمن : فو الله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي ، و كان هو الذي يعذب بلالاً بمكة على ترك الإسلام ، فيخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت ، فيضجعه على ظهره ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع في صدره ، ثم يقول : لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد . فيقول بلال : أحد أحد . قال : فلما رأس قال : رأس الكفر أمية بن خلف ؟ لا نجوت إن نجا . قال : قلت أي بلال أبا أسيري ؟ قال : لا نجوت إن نجا . قال : ثم صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله ! رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوت إلا نجا . قال : فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة و أنا أذب عنه . قال : فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع ، و صاح أمية بن خلف صيحة ما سمعت مثلها قط . قال : فقلت انج بنفسك و لا نجاء به ، فو الله ما أغني عنك شيئاً . قال : فهبروهما بأسيافهما حتى فرغوا منهما . قال : فكان عبد الرحمن يقول : يرحم الله بلالاً ، ذهبت أدراعي و فجعني بأسيري .
قال ابن إسحاق : و حدثني عبد الله بن أبي بكر ، أنه حدث عن ابن عباس ، قال : حدثني رجل من بني غفار ، قال : أقبلت أنا و ابن عم لي ، حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ، و نحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة ، فننتهب مع من ينتهب . قال : فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة ، فسمعنا فيها حمحمة الخيل ، فسمعت قائلاً يقول : أقدم حيزوم . فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه ، فمات مكانه . و أما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت .
قال : و حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن بعض بني ساعدة ، عن أبي أسيد مالك ابن ربيعة ، و كان قد شهد بدراً ، قال بعد أن ذهب بصره : لو كنت اليوم ببدر و معي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة ، لا أشك و لا أتمارى .
قال : و حدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن رجال من بني مازن بن النجار ، عن أبي داود المازني ــ و كان شهد بدراً ــ قال : إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه ، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أنه قد قتله غيري . و حدثني من لا أتهم عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن عباس ، قال : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاً ، قد أرسلوها في ظهورهم ، و يوم حنين عمائم حمراً .
و روينا هذا الخبر من طريق مالك بن سليمان الهروي ، عن الهياج ، عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس بمعناه ، ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر ، و كانوا يكونون فيما سواه من الأيام عدداً و مدداً لا يضربون .
و ذكر ابن هشام ، عن بعض أهل العلم أن جبريل عليه السلام كانت يوم بدر عمامة صفراء ، و كان شعراهم يوم بدر أحد أحد .
قال ابن إسحاق : فلقي فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من عدوه أمر بأبي جهل أن يلتمس في القتلى ، و كان أول من لقي أبا جهل كما حدثني ثور زيد عن عكرمة عن ابن عباس و عبد الله بن أبي بكر أيضاً قد حدثني ذلك ، قالا : قالا : معاذ بن عمرو بن الجموح ــ أخر بني سلمة ــ : سمعت القوم و أبو جهل في مثل الحرجة ، و هم يقولون : أبو الحكم لا يخلص إليه . قال : فلما سمعتها جعلته من شأني ، فصمدت نحوه ، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدهم بنصف ساقه ، فو الله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها ، قال : و ضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي ، فتعلقت بجلدة من جسمي ، و أجهضني القتال عنه ، فلقد قاتلت عامة يومي ، و إني لأسحبها ، فلما آذتني وضعت عليها قدمي ، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها .
قال القاضي أبو الفضل عياض بن موسى : و زاد ابن وهب في روايته : فجاء يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فلصقت .
قال ابن إسحاق : ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمن عثمان . ثم مر بأبي جهل ــ و هو عقير ــ معوذ بن عفراء ، فضربه حتى أتيته و به رمق . و قاتل معوذ حتى قتل . فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمرر صلى الله عليه و سلم أن يلتمس في القتلى ، و قد قال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغني : انظروا إن خفي عليكم في القتلى إلى أثر جرح في ركبته ، فإني ازدحمت يوماً أنا و هو على مأدبة لعبد الله بن جدعان ، و نحن غلامان ، و كنت أشف منه يسير ، فدفعته فوقع على ركبته فجحش على أحدهما جحشاً لم يزل أثره به. قال عبد الله بن مسعود فوجدته بآخر رمق ، فعرفته ، فوضعته رجلي على عنقه ــ قال : و قد كان ضبث بي مرة بمكة فآذاني و لكزني ــ ثم قلت له : هل أخزاك الله ياعدو الله ؟ قال : و بماذا أخزاني ؟ أعمد من رجل قتلتموه ؟ أخبرني لمن الدبرة اليوم ؟ قال : قلت لله و رسوله . قال ابن هشام : و يقال أعار على رجل قتلتموه ؟ أخبرني لمن الدائرة اليوم ؟ . قال ابن إسحاق : و زعم رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول قال لي : لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعباً . قال : ثم احتززت رأسه ، ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قفلت : يا رسول الله ! هذا رأس عدو الله أبي جهل . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الله الذي لا إله غيره ــ قال : و كان يمين رسول الله صلى الله عليه و سلم ــ قال : قلت : نعم و الله الذي لا إله غيره . ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فحمد الله تعالى .
أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي بقراءة والدي عليه ، قال : أخبرنا أبو علي حنبل ابن عبد الله الرصافي ، أن أبا القاسم بن الحصين أخبره ، قال : أخبرنا أبو علي بن المذهب .
قال : " أخبرنا أبو بكر القطيعي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا يوسف ابن الماجشون ، عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن ابن عوف ، أنه قال : إني لواقف يوم بدر في الصف ، نظرت عن يميني و عن شمالي ، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حدثية أسنانهما ، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما ، فغمرني أحدهما ، فقال : يا عم ! هل تعرف أبا جهل بن هشام ؟ قال : قلت : نعم ، و ما حاجتك يا ابن أخي ؟ قال : بلغني أنه كان يسبب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و الذي نفسي بيده لئن رأيته لم يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا . قال : فغمزني الآخر فقال مثلها . قال : فعجبت لذلك . قال : فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس ، فقلت لهما : ألا تريان ؟ هذا صاحكبما الذي تسألان عنه . فابتدراه بسيفهما ، فضرباه حتى قتلاه ، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبراه ، فقال : أيكما قتله . فقال كل واحد منهما : أنا قتلته . قال : هل مسحتما سيفيكما ؟ قالا : لا . فنظر في السيفين ، فقال : كلاكما قتله . و قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ، و هما : معاذ بن عمرو بن الجموح و معاذ بن عفراء " . رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن يوسف بن الماجشون فرقع لنا علياً .
و روينا عن ابن عقبة : " أن عبد الله بن مسعود وجده مقنعاً في الحديد ، و هو منكب لا يتحرك ، فظن أنه قد اثبت ، فتناول قائم سيفه فاستله و هو منكب لا يتحرك ، فرفع سابغة البيضاء عن قفاه فضربه ، فوقع رأسه بين يديه ، فلما نظر إليه ، إذ هو ليس به جراح ، و أبصر في عنقه جدراً ، و في يديه و كتفيه ، كهيئة آثار السياط ، فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره ، فقال : ذاك ضرب الملائكة " .
و روينا عن ابن عائذ : " حدثنا الوليد ، قال : حدثني خليد ، عن قتادة ، أنه سمعه يحدث : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن لكل أمة فرعوناً ، و إن فرعون هذه الأمة أبو جهل قتله الله شر قتلة ، قتله ابنا عفراء ، و قتلته الملائكة ، و تذافه ابن مسعود . يعني أجهز عليه " .
قال ابن إسحاق : و قاتل عكاشة بن محصن الأسدي يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده ، فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطاه جذلاً من حطب ، فقال : قاتل بهذا يا عكاشة فلام أخذه من رسول الله صلى الله عليه و سلم هزه فعاد سيفاً في يده طويل القامة ، شديد المتن ، أبيض الحديدة ، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين ، و كان ذلك السيف يسمى العون ، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قتل في الردة و هو عنده ؟
و قال الواقدي : و حدثني أسامة بن زيد الليثي ، عن داود بن الحصين ، عن رجال من بني عبد الأشهل ، قال : انكسر سيف سلمة بن أسلم بن الحريش يوم بدر ، فبقي أعزل لا سلاح معه ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم قضيباً كان في يده من عراجين ابن طاب ، فقال : اضرب به . فإذا هو سيف جيد ، فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد .
قال ابن إسحاق : و حدثني يزيد بن رومان : عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها الله ، قالت : لما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيه إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه اتنفخ في درعه فملأها ، فذهبوا ليحروكوه فتزايل ، فأقروه ، و ألقوا عليه ما غيبه من التراب و الحجارة .
===========

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:46 AM
و روينا عن الطبراني : " حدثني موسى بن الحسن الكسائي ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك ، قال : أنشأ عمر بن الخطاب يحدثنا عن أهل بدر ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس من بدر ، يقول : هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله . قال عمر : فو الذي بعثه بالحق ما أخطؤوا الحدود التي حدها رسول الله صلى الله عليه و سلم ، حتى انتهى إليهم ، فقال : يا فلان بن فلان ، و يا فلان بن فلان ، هل وجدتم ما وعدكم الله و رسوله حقاً فإني وجدت ما وعدني الله حقاً ؟ فقال عمر : يا رسول الله ! كيف تكلم أجساداً لا أراوح فيها ؟ فقال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا شيئاً " .
و روينا عن ابن عائذ : " أخبرني الوليد بن مسلم ، أخبرني سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي طلحة ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا ظهر على قوم ، أقام بالعرصة ثلاثاً فلما كان يوم بدر أقام ثلاثاً ، و ألقى بضعة و عشرين رجلاً من صناديد قريش في طوي من أطواء بدر ، ثم أمر براحلته فشد عليها رحلها ، فقلنا : إنه منطلق لحاجة ، فانطلق حتى وقف على شفى الركي ، فجعل يقول : يا فلان بن فلان ، و يا فلان بن فلان " الحديث .
و روينا من طريق مالك بن سليمان الهروي ، حدثنا معمر ، عن حميد الطويل عن أنس و في آخره ، قال : قتادة : أحياهم الله حتى سمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم توبيخاً لهم . هذا حمل لهذا الخبر على ظاهره .
و قد روينا عن عائشة رضي الله عنها أنها تأولت ذلك ، و قالت : إنما أراد النبي صلى الله عليه و سلم أنهم الآن ليعملون أن الذي أقول لهم هو الحق ثم قرأت " إنك لا تسمع الموتى " [ النمل : 80 ] الآية .
رجع إلى الخبر عن ابن إسحاق : قال : و تغير وجه أبي حذيفة بن عتبة عند طرح أبيه في القليب ، ففطن له رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال له : لعلك : دخلك في شأن أبيك شيء ؟ فقال : لا و الله ، لكني كنت أعرف من أبي رأياً و حلماً و فضلاً ، فكنت أرجو أن يهديه الله للإسلام ، فرأيت ما مات عليه أحزنني ذلك ، فدعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم بخير ، و قال له خيراً .
و مات يومئذ فتية من قريش على كفرهم ممن كان فتن على الإسلام ، افتتن بعد إسلامه ، منهم من بني الأسد : الحارث بن زمعة بن الأسود ، و من بني مخزوم أبو قيس ابن الفاكه ، و أبو قيس بن الوليد بن المغيرة . و من بني جمح : علي بن أمية بن خلف .
و من بني سهم : العاصي بن منبه بن الحجاج . فنزل فيهم " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " [ النساء : 97 ] .
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بما في العسكر مما جمع الناس ، فجمع ، فاختلف المسلمون فيه ، فقال من جمعه أبو بكر هو لنا ، و قال الذين كانوا يقاتلون العدو و يطلبونه : لولا نحن ما أصبتموه ، نحن شغلنا عنكم العدو فهو لنا ، و قال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه و سلم : لقد رأينا أن نقتل العدو حين منحنا الله أكتافهم ، و لقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن له من يمنعه ، و لكنا خفنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم كرة العدو ، فما أنتم بأحق به منا . فنزعه الله من أيديهم فجعله إلى رسوله ، فقسمه في المسلمين عن بواء ، يقول : على السواء .
و روينا عن ابن عائذ : " أخبرني الوليد بن مسلم ، قال : و أخبرني سعيد بن بشير ، عن محمد بن السائب الكلبي ، عن أبي صالح ـ عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما كان يوم بدر ، قال : من قتل قتيلاً فله سلبه ، و من جاء بأسير فله سلبه . فجاء أبو اليسر بأسيرين ، فقال سعد : أي رسول الله صلى الله عليه و سلم ! أما و الله ما كان بنا جبن عن العدو و لاضن بالحياة أن نصنع ما صنع إخواننا ، و لكن رأيناك قد أفردت ، فكرهنا أن تكون بمضيعة . قال : فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يوزعوا تلك الغنائم بينهم " .
المشهور أن قول رسول الله صلى الله عليه و سلم " من قتل قتيلاً فله سلبه " إنما كان يوم حنين و أما قوله ذلك يوم بدر و أحد فأكثر ما يوجد من رواية من لا يحتج به .
و قد روي أرباب المغازي و السير أن سعد بن أبي الوقاص قتل يوم بدر سعيد بن العاص ، و أخذ سيفه ، فنفله رسول الله صلى الله عليه و سلم إياه ، حتى نزلت سورة الأنفال ، و أن الزبير بن العوام بارز يومئذ رجلاً فنفله رسول الله صلى الله عليه و سلم سلبه ، و أن ابن مسعود نفله رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ سلب أبي جهل . و أما ابن الكلبي فمضعف عندهم ، و روايته عن أبي صالح عن ابن عباس مخصوصة بمزيد تضعيف .
رجع إلى خبر عن ابن إسحاق : ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله بن رواحة بشيراً إلى أهل العالية بما فتح الله على رسوله و على المسلمين ، و بعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة . قال أسامة بن زيد : فأتانا الخبر حين سوينا على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم أقبل عليه الصلاة و السلام قافلاً إلى المدينة و معه الأسارى من المشركين ، و فيهم عقبة ابن أبي معيط ، و النضر بن الحارث ، و احتمل رسول الله صلى الله عليه و سلم معه النفل الذي أصيب من المشركين ، و جعل عليه عبد الله بن كعب من بني مازن بن النجار ، ثم أقبل عليه الصلاة و السلام حتى إذا خرج من مضيق الصفراء ، فقسم النفل بين المسلمين على السواء و بالصفراء أمر علياً فقتل النضر بن الحارث ، ثم بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط ، فقال حين قتله : من للصبية يا محمد ؟ قال : النار . و الذي قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح ، و قيل : علي . و الذي أسره عبد الله بن سلمة ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قدم بالمدينة قبل الأسارى بيوم .
قال ابن إسحاق : و حدثني نبيه بن وهب ، أخو بني عبد الدار أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أقبل بالأسارى فرقهم بين أصحابه ، و قال استوصوا بهم خيراً . قال : فكان أبو عزيز ابن عمير بن هاشم أخو مصعب لأبيه و أمه في الأسارى فقال : مر بي أخي مصعب و رجل من الأنصار يأسرني ، فقال له : شد يديك به فإن أمه ذات متاع ، لعلها تفديه منك . فكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر ، فكانوا إذ قدموا غداءهم و عشاءهم خصوني بالخبز و أكلوا التمر ، لوصية رسول الله صلى الله عليه و سلم إياهم بنا ، ثم فدي بأربعة آلاف درهم و هي أعلى الفداء .
و ذكر قاسم بن ثابت في دلائله أن قريشاً لما توجهت إلى بدر مر هاتف من الجن على مكة في اليوم الذي أوقع بهم المسلمون ، و هو ينشد بأبعد صوت و لا يرى شخصه :
أزار الحنيفيون بدراً وقيعة سينقض منها ركن كسرى وقيصرا
أبادت رجالاً من قريش و أبرزت خرائد يضربن الترائب حسرا
فيا ويح من أمسى عدو محمد لقد جار عن قصد الهوى و تحيرا
فقال قائلهم : من الحنيقيون ؟ فقالوا : هو محمد و أصحابه ، يزعمون أنهم على دين إبراهيم الحنيف ، ثم لم يلبث النفر أن جاءهم الخبر .
رجع إلى الأول : و كان أول من قدم بمصابهم الحيسمان بن عبد الله الخزاعي ، ــ و كان يسمى ابن عبد عمرو ، و أسلم بعد ذلك ــ فقال : قتل عتبة و شيبة و أبو الحكم و أمية و فلان و فلان . فقال صفوان بن أمية و هو جالس في الحجر : و الله إن يعقل هذا فسلوه عني ، فسألوه ، فقال هو ذاك جالساً في الحجر ، و قد رأيت أباه و أخاه حين قتلا .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:47 AM
ذكر الخبر عن مهلك أبي لهب
قال ابن إسحاق : و حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، قال : قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم : كنت غلاماً للعباس بن عبد المطلب و كان الإسلام قد دخلنا أهل البيت ، فأسلم العباس ، و أسلمت أم الفضل ، و أسلمت أنا ، و كان العباس يهاب قومه و يكره خلافهم ، فكان يكتم إسلامه ، وكان ذا مال ، فلما جاء الخبر عن مصاب قريش ببدر ، و كنت رجلاً ضعيفاً أعمل الأقداح ، أنحتها في حجرة زمزم ، فو الله إني لجالس فيها أنحت أقداحي ، و عندي أم الفضل جالسة ، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر ، إذأقبل أبو لهب يجر رجليه بشر ، حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره إلى ظهري ، فبينما هو جالس إذ قدم أبو سفيان بن الحارث ، فقال أبو لهب : هلم إلي فعندك الخبر . فقال : و الله ما هو إلا ان لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا ، يقتلونا كيف شاؤوا ، و يأسروننا كيف شاؤوا ، و ايم الله مع ذلك ما لمت الناس ، لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض ، و الله ما تليق شيئاً و لا يقوم لها شيء ، قال أبو رافع : فرفعت طنب الحجرة بيدي ، ثم قلت : تلك و الله الملائكة . قال فرفع أبو لهب يده فضرب و جهي ضربة شديدة . قال : و ثاورته ، فاحتملني فضرب بي الأرض ، ثم برك علي يضربني ، فقامت أم الفضل إلى عمود فضربته به ضربة فلغت في رأسه شجة منكرة ، و قالت : استضعفته أن غاب عنه سيده . فقام مولياً ذليلاً ، فو الله ما عاش إلا سبع ليال ، حتى رماه الله بالعدسة فقتلته .
قال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عنه : أنهم لم يحفروا له ، و لكن أسندوه إلى حائط ، و قذفوا عليه الحجارة من خلف الحائط ، حتى واروه .
و ذكر محمد بن جرير الطبري في تاريخه : أن العدسة قرحة كانت العرب تتشاءم بها ، و يرون أنها تعدي أشد العدوى ، فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه ، و بقي بعد موته ثلاثاً لا تقرب جنازته ، و لا يحاول دفنه ، فلما خافوا السبة في تركه ، حفروا له ثم دفعوه بعود في حفرته ، و قذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه . و يروى أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا مرت بموضعه ذلك غطت وجهها .
قال ابن إسحاق : و حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، و قال : ناحت قريش على قتلاهم ، ثم قالوا : لا تفعلوا فيبلغ محمداً و أصحابه فيشمتوا بكم ، و لا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنوا بهم لا يأرب عليكم محمد و أصحابه في الفداء .
قال ابن عقبة : أقام النوح شهراً .
قال ابن إسحاق : و كان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده : زمعة بن الأسود ، و عقيل بن الأسود ، و الحارث بن زمعة ، و كان يحب أن يبكي على بنيه ، قال : فبينما هو كذلك ، إذا سمع صوت نائحة من الليل ، فقال لغلام له و قد ذهب بصره : انظر هل أحل النحت ؟ هل بكت قريش على قتلاها ؟ لعلي أبكي على أبي حكيمة ـ يعني زمعة ـ فإن جوفي قد احترق . قال : فلما رجع إليه الغلام ، قال : إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته ، قال : فذلك حين يقول الأسود :
أتبكي أن يضل لها بعير و يمنعها من النوم السهود
فلا تبكي على بكر و لكن على بدر تقاصرت الجدود
و كان في الأسارى أبو وداعة بن ضبيرة السهمي ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن له بمكة ابنا كيساً تاجراً ذا مال ـ يعني المطلب ـ و كأنكم به قد جاء في طلب فداء أبيه ". فلما قالت قريش : لا تعجلوا بفداء أسراكم ، لا يأرب عليكم محمد وأصحابه . قال المطلب : صدقتم لا تعجلوا ، و انسل من الليل ، فقدم المدينة ، فاخذ أباه بأربعة آلاف درهم و انطلق ، فبعثت في فداء الأسارى ، فقدم مكرز بن حفص بن الأحنف في فداء سهيل بن عمرو ، و كان الذي أسره مالك بن الدخشم ، و كان سهيل أعلم من شفته السفلى .
قال ابن إسحاق : " و حدثني محمد بن عمرو بن عطاء أخو بني عامر بن لؤي ، أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم : يا رسول الله ! دعني أنزع ثنيتي سهيل ابن عمرو يدلع لسانه ، فلا يقوم عليك خطيباً في موطن أبداً . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا أمثل به فيمثل الله بي و إن كنت نبياً ".
قال ابن إسحاق : " و قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعمر في هذا الحديث : عسى أن يقوم مقاما لا تذمه " .
فلما قاولهم مكرز و انتهى إلى رضاهم ، قالوا : هات الذي لنا . قال : اجعلوا رجلي مكان و خلوا سبيله حتى يبعث إليكم بفدائه ، ففعلوا . و كان عمرو بن أبي سفيلن أسيراً في يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقيل لأبي سفيان : افد عمراً ابنك . فقال : أيجمع علي دمي و مالي ، قتلوا حنظلة و أفدي عمراً ، دعوه في أيديهم يمسكونه ما بدا لهم . قال : فبينا هو كذلك إذ خرج سعد بن النعمان بن أكال أخو بني عمرو بن عوف معتمراً ، فعدا عليه أبو سفيان فحبسه بابنه عمرو ، ثم قال أبو سفيان :
أرهط ابن أكال أجيبوا دعاءه تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا
فإن بني عمرو بن عوف أذلة لئن يفكوا عن أسيرهم الكبلا
و في رواية : بني عمرو لئام أذلة . ففدي به .
و كان فيهم أبو العاص بن الربيع ختن رسول الله صلى الله عليه و سلم على ابنته زينب ، بعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها عليه حين بنى عليها . قال : " فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم رق لها رقة شديدة ، و قال : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها و تردوت عليها قلادتها فافعلوا . قالوا : نعم يا رسول الله ! فأطلقوه و ردوا عليها الذي لها " .
و روينا عن طريق أبي داود : " حدثنا عبد الله بن محمد النفلي ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد ، عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها بنحوه ، و في آخره : فكان النبي صلى الله عليه و سلم أخذ عليه ، أو وعده ، أن يخلي سبيل زينب إليه ، و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة و رجلاً من الأنصار ، فقال : كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب ، فتصحباها حتى تأتيا بها . و ممن من عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بغير فداء أيضاً : المطلب بن حنطب ، و صيفي بن أبي رفاعة ، و أبو عزة الجمحي و أخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحداً " .
قال ابن إسحاق : و حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، قال : جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش بيسير في الحجر ، و كان عمير بن وهب شيطاناً من شياطين قريش ، و كان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه ، و يلقون منه عناء و هو بمكة ، و كان ابنه و هب بن عمير في أسارى بدر ، فذكر أصحاب القليب و مصابهم ، فقال صفوان : إن في العيش و الله خير بعدهم . قال له عمير : صدقت أما و الله لولا دين علي ليس له عندي قضاء ، و عيال أخشى عليهم الضيعة بعدي ، لركبت إلى محمد حتى أقتله ، فإن لي فيهم علة ، ابني أسير أيديهم . قال : فاغتنمها صفوان ، فقال : علي دينك أنا أقضيه عنك ، و عيالك مع عيالي أوا سيهم ما بقوا ، لا يسعني شيء و يعجز عنهم . قال عمير : فاكتم عني شأني و شأنك . قال : أفعل . قال : ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له و سم . ثم انطلق حتى قدم المدينة ، فبينا عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ، و يذكرون ما أكرمهم الله به ، و ما أراهم من عدو هم ، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف .
فقال : هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر ، و هذا الذي حرش بيننا و حزرنا للقوم يوم بدر ، ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : يا نبي الله ! هذا عدوا الله عمير بن وهب قد جاء متوشحاً سيفه . قال : فأدخله علي . قال : فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه ، فلبيه بها ، و قال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار : ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فاجلسوا عنده و احذروا عليه هذا الخبيث فإنه مأمون . ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم و عمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه . قال : أرسله يا عمر . ادن يا عمير ، فدنا ، ثم قال : أنعموا صباحاً ـ و كانت تحية أهل الجاهلية بينهم ـ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير ، بالسلام تحية أهل الجنة . قال : أما و الله إن كنت بها يا محمد لحديث عهد . قال : فما جاء بك ياعمير ؟
قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم ، فأحسنوا فيه . قال : فما بال السيف في عنقك ؟
قال : قبحها الله من سيوف ، و هل أغنت عنا شيئاً ! قال : اصدقني ما الذي جئت له ؟ قال : ما جئت إلا لذلك . قال . بلى ، قعدت أنت و صفوان بن أمية في الحجر ، فذكرتما أصحاب القليب من قريش ، ثم قلت : لولا دين علي و عيال لي لخرجت حتى أقتل محمداً ، فتحمل لك صفوان بدينك و عيالك عاى أن تقتلي له ، و الله حائل بينك و بين ذلك . قال عمير : أشهد أنك رسول الله ، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما تأتي به من خبر السماء و ما ينزل عليك من الوحي ، و هذا أمر لم يحضره إلا أنا و صفوان ، فو الله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله ، فالحمد لله الذي هداني للإسلام و ساقني هذا المساق . ثم تشهد شهادة الحق . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فقهوا أخاكم في دينه ، و أقرئوه القرآن ، و أطلقوا له أسيره ، ففعلوا ذلك . ثم قال : يا رسول الله ! إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله ، شديد الأذى لمن كلن دين الله ، فأنا أحب أن تأذن لي ، فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله و إلى الإسلام ، لعل الله يهديهم و إلا آذيتهم في دينهم كما كنت أؤذي أصحابك في دينهم . قال : فأذن له رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلحق بمكة ، قال : و كان صفوان حين خرج عمير يقول : أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم و قعة بدر . و كان صفوان يسأل عنه الركبان ، حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه ، فحلف أن لا يكلمه أبداً و أن لا ينفعه بنفع أبداً .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:47 AM
ذكر فوائد تتعلق بهذه الأخبار
بدر بن قريش بن يخلد بن النضر حفر هذه البئر فنسبت إليه .
و التحسس ـ بالحاء ـ أن تتسمع الأخبار بنفسك ـ و بالجيم ـ أن تفحص عنها بغيرك
و اللطيمة : العير تحمل الطيب و البز .
و ضيعة الرجل : حرفته و صناعته .
و المقنب زهاء ثلاثمائة من الخيل .
و قوله : لاط له بأربعة آلاف درهم ، أي أربى له الحديث " و ما كان من دين لا رهن فيه فهو لياط " و أصل هذه اللفظة من اللصوق .
و تعور ما وراءه من القلب : قيد بالعين من المهملة و بالغين المعجمة و تشديد الواو ، و السهيلي يقول بضم العين المهملة و سكون الواو ، قال : و جاء على لغة من يقول : قول القول و بوع المتاع .
و حقبت الحرب : اشتدت .
و مستنتل : متقدم أمام الصف .
و العريش : ما يستظل به .
و أطن قدمه : أسرع قطعها فطنت ، أي طارت .
و المسكة : السوار من الذيل ، و هو جلد السحلفاة .
و أخلف الرجل سيفه : مده لحاجته .
أقدم حيزوم : بضم الدال ، أي أقدم الخيل ، و حيزوم اسم فرس جبريل ، و قيل في تقيدها غير ذلك .
و مرضخة النوى : بالحاء المهملة و بالمعجمة ، و قيل : الرضح بالمهملة : كسر اليابس ، و بالمعجمة : كسر الرطب .
و ضبث الشيء : قبض عليه بيده ، و ضبثه : ضربه .
و جهيم بن الصلت : أسلم خبير ، و وقع في الرواية : ابن أبي الصلت .
و معوذ بن عفراء ، بكسر الواو ، و كان الوقشي يأبى إلا الفتح .
و المجذر عبد الله بن زياد ، قال أبو عمر : و يقال ذياد ، و الكسر أكثر .
و أبو سيد مالك بن ربيعة : قال عياض : قال فيه عبد الرزاق و وكيع : بضم الهمزة . و قال ابن المهدي : بفتحها ، قال أحمد بن حنبل : و الصواب الأول .
و أبو داود المازني : اسمه ، و قيل عمير بن عامر ، و كان الجياني يقول : أبو دؤاد .
و ذكر عياض أن ابن مسعود إنما وضع رجله على عنق أبي جهل لتصدق رؤياه ، قال ابن قتيبة : ذكر أن أبا جهل قال لابن مسعود : لأقتلنك . فقال : و الله ، لقد رأيت في النوم أني أخذت حدجة حنظل فوضعتها بين كتفيك ، و رأيتني أضرب كتفيك بنعلي ، و لئن صدقت رؤياي لأطأن رؤياي على رقبتك و لأذبحنك ذبح الشاة . الحدجة : الحنظلة الشديدة .
فلما انقضى أمر بدر أنزل الله فيه سورة الأنفال بأسرها .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:48 AM
ذكر تسمية من شهد بدراً من المسلمين ـ أولاً : من شهدها من المهاجرين ـ
من بني هاشم بن عبد مناف : محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و حمزة بن عبد المطلب ، و علي بن أبي طالب .
و من مواليهم : زيد بن حارثة ، و أنسة ، و أبو كبشة .
و من حلفائهم : أبو مرثد حليف حمزة ، و ابنه مرثد = ثمانية .
و من بني المطلب بن عبد مناف : عبيدة بن الحارث بن المطلب ، و أخواه : الطفيل و الحصين ، و مسطح بن أثاثة = أربعة .
و من بني عبد شمس بن عبد مناف : عثمان بن عفان ـ خلفه عليه الصلاة و السلام على ابنته رقية ، و ضرب له بسهمه و أجره ، فهو معدود فيهم ـ و أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، و سالم مولاه ، و صبيح مولى أبي العاص بن أمية ، و قيل : رجع لمرض أصابه ، ثم شهد ما بعد بدر .
و من حلفائهم : عبد الله بن جحش ، و عكاشة بن محصن ، و أخوه أبو سنان و ابنه سنان بن أبي سنان ، و شجاع و عقبة ابنا وهب ، و يزيد بن رقيش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة ، و محرز بن نضلة ، و ربيعة ابن أكثم .
و من حلفاء بني كبير بن غنم بن دودان : ثقف بن عمرو ، و أخواه مالك و مدلج ، و يقال : مدلاج ، و أبو مخشي سويد بن مخشي الطائي حليف لهم = سبعة عشر .
و من بني نوفل بن عبد مناف : عتبة بن غزوان ، و خباب مولاه = رجلان .
و من بني أسد بن عبد العزى بن قصي : الزبير بن العوام ، و حاطب بن أبي بلتعة : عمرو بن راشد بن معاذ اللخمي مولى الزبير ، و سعد مولى حاطب = ثلاثة .
و من بني عبد الدار بن قصي : مصعب بن عمير ، و سويبط = رجلان .
و من بني زهرة : عبد الرحمن بن عوف ، و سعد بن أبي وقاص ، و أخوه عمير .
و من حلفائهم : المقداد بن عمرو ، و عبد الله بن مسعود ، و مسعود بن ربيعة ، و ذو الشمالين عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن غبشان بن سليم بن ملكان بن أفصى بن حارثة ابن عمرو بن عامر بن خزاعة ، و خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب ابن سعد بن زيد مناة من تميم ـ لحقه سباء في الجاهلية ـ فاشترته امرأة من خزاعة و أعتقته ، و كانت من حلفاء بني زهرة = ثمانية .
و من بني تميم بن مرة : أبو بكر الصديق ، و مولياه : بلال و عامر بن فهيرة ، و صهيب بن سنان ، و طلحة بن عبيد الله [س ] ـ و كان بالشام ، فضرب له رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهمه و أجره = خمسة .
و من بني مخزوم : أبو سلمة بن عبد الأسد [ س ] و شماس بن عثمان [ س ] و الأرقم بن أبي الأرقم [ س ] و عمار بن ياسر ـ مولاهم ـ [ س ] و معتب بن عوف السلولي ـ حليف لهم ـ [ س ] = خمسة .
و من بني عدي بن كعب : عمر بن الخطاب [ س ] ، و أخوه زيد ، و مهجع مولاه ، وعمرو بن سراقة [ هب ] ، و واقد بن عبد الله [ هب ] ، و خولي و مالك ابنا أبي خولي [ هب ] و عامر بن ربيعة [ س ] . و عامر [ س ] ، و خالد [ س ] ، و إياس ، و عاقل : بنو البكير ، و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل [ س ] ، قدم من الشام بعدما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من بدر ، فكلمه فضرب له بسهمه و أجره = أربعة عشر .
و من بني جمح بن عمرو : عثمان بن مظعون [ س ] ، و أخواه : قدامة و عبد الله ، و ابنه السائب بن عثمان ، و معمر بن الحارث [ س ] = خمسة .
و من بني سهم : خنيس بن حذافة [ س ] = رجل واحد .
و من بني عامر بن لؤي : أبو سبرة بن أبي رهم [ ها ] ، و عبد الله بن مخرمة [ ها ] ، عبد الله بن سهيل بن عمرو [ ها ] ، و عمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو ، و سعد بن خوبة حليف لهم [ ها ] = خمسة .
و من بني الحارث بن فهر : أبو عبيدة بن الجراح [ س ] ، و عمرو بن الحارث [ ها ] ، و سهيل بن وهب [ ها ] ، و أخوه صفوان ابنا بيضاء ، و عمرو بن أبي سرح [ ها ] = خمسة .
و ذكر أبو عمر فيهم و هب بن أبي سرح ، أخا عمرو المذكور ، و حكاه عن موسى ابن عقبة ، و لم نره في مغازيه ، و يشبه أن يكون وهماً . و قد ذكر ابن هشام عن غير ابن إسحاق في بني عامر بن لؤي ، وهب بن سعد بن أبي سرح ، و هو ابن الحارث عن حبيب ـ و يقال حبيب بتشديد الياء ـ بن خزيمة بن مالك بن حسل بن عامر فيمن شهد بدراً و هو عند ابن عقبة .
و ذكر ابن عقبة فيهم : عياض بن زهير أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن أهيب ابن ضبة بن الحارث بن فهر [ ها ] ، و بعضهم يقول : هلال بن مالك بن ضبة ، و ذكره فيهم أيضاً خليفة بن خياط ، و الواقدي ، و حكاه أبو عمر عن ابن إسحاق من رواية إبراهيم بن سعد عنه .
و حاطب بن عمرو العامري [ س ] ذكره ابن هشام ، و حكاه أبو عمر عن موسى بن عقبة ، و لم نجده في مغازيه .
و ممن ذكره أبو عمر فيهم : خريم بن فاتك الأسدي ، و هو خريم بن الأخرم بن شداد ابن عمرو بن الفاتك بن القليب بن عمرو بن أسد بن خزيمة ، و أخوه سبرة . قال أبو عمر : و قد قيل إن خزيماً هذا و انبه أيمن بن خريم أسلما جميعاً يوم فتح مكة ، و الأول أصح . و قد صحح البخاري و غيره أن خريماً و أخاه سبرة شهدا بدراً ، و هو الصحيح إن شاء الله .
و طليب بن عمير [ ها ] ، قاله الزبير و الواقدي ، و روي عن ابن إسحاق من غير طريق البكائي .
و ممن ذكر فيهم : كثير بن عمرو السلمي حليف بني أسد ، ذكره ابن السراج في روايته عن عمر بن محمد بن الحسن الأسدي عن أبيه ، عن زياد عن ابن إسحاق ، و ذكر أخويه مالك بن عمرو و ثقف بن عمرو ، و قد تقدم ذكرهما . قال أبو عمر لم أر كثيراً في غير هذه الرواية ، و لعله أن يكون ثقف له لقباً و اسمه كثير .
و يزيد بن الأخنس السلمي [ س ] ، و ابنه معن بن يزيد ، و أبوه الأخنس ، و لا يعرف فيمن شهد بدراً ثلاثة أب و جد و ابن إلا هؤلاء ، و أكثر أهل العلم بالسير لا يصحح شهودهم بدراً .
فهؤلاء أربعة و تسعون .
و قد روينا عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن الزبير ، قال : ضرب يوم بدر للمهاجرين بمائة سهم .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:49 AM
ثانيا : من شهدها من الأنصار
و شهدها من الأنصار ، ثم من الأوس ، ثم :
من بني عبد الأشهل : سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل ، و أخوه عمرو ، و الحارث بن أوس بن معاذ ، و الحارث بن أنس بن رافع بن امرئ القيس ، و أخوه شريك ، و ابنه عبد الله ، و يزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس ، و ابنه عامر ، و أخوه زياد بن السكن ـ عند ابن الكلبي وحده ـ و ابنه عمارة بن زياد ، و سعد بن زيد [ عج ] ، و سلمة بن سلامة بن وقش ، و عباد بن بشر بن وقش [ عج ] ، و سلمة ابن ثابت بن وقش ، و رافع بن يزيد بن كرز بن سكن بن زعورا ، و إياس بن أوس بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر بن زعورا بن جشم أخي عبد الأشهل من ساكني راتج ، و أخوه الحارث بن أوس عند ابن عقبة ـ و من الناس من يقول في عتيك عبيد ـ و أبو الهيثم بن التيهان [ عب ] ، و أخوه عبيد ـ و يقال عتيك ـ و الحارث بن خرمة بن عدي بن أبي بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ، حليف لهم ، و محمد بن مسلمة بن خلف بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث [ حليف لهم ] . و من بني حارثة ، و سلمة بن أسلم بن حريش بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث [ حليف لهم ] ، و عبد الله بن سهل بن زيد بن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث [ حليف لهم ] = ثلاثة و عشرون .
و من بني ظفر : و هو كعب بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن كعب ، و عبيد بن أوس بن مالك بن سواد ، و نضرابن الحارث بن عبيد بن رزاح بن كعب ، و معتب بن عبيد عمه . و من حلفائهم عبد الله بن طارق البلوي = خمسة .
و من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج : مسعود بن عبد سعد بن عامر بن عدي ابن جشم بن مجدعة بن حارثة ، و أبو عبس عبد الرحمن بن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم . و من حلفائهم من بلي : أبو بردة هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذبيان بن هميم بن كاهل بن ذهل بن هني أخي قران ابني بلي أخي بهراء ابني عمرو بن الحاف بن قضاعة = ثلاثة .
و من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، ثم من بني ضبيعة بن زيد بن مالك ابن عوف بن عمرو بن عوف : عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح قيس بن عصمة بن مالك ابن أمية بن ضبيعة ، و معتب بن قشير بن مليل بن زيد بن العطاف بن ضبيعة ، و أبو مليل ابن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة ، و عمير بن معبد بن الأزعر بن زيد بن العطاف ابن ضبيعة = أربعة .
و من بني أمية بن زيد بن مالك : مبشر بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية ، و رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر ، و سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد ابن أمية ، و عويم بن ساعدة [ عب ] ، و رافع بن عنجدة ـ و هي أمه ، و أبوه عبد الحارث ـ حليف لهم من بلي ، و عبيد بن أبي عبيد ، و ثعلبة بن حاطب ، و زعموا أن أبا لبابة بن عبد المنذر و الحارث بن حاطب بن عمر بن عبيد بن أمية بن زيد خرجا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فرجعهما رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أمر أبا لبابة على المدينة ، فضرب لهما بسهمين مع أصحاب بدر = تسعة نفر .
و من بني عبيد بن زيد بن مالك : أنيس ، و خداش : ابنا قتادة بن ربيعة بن مطروف بن الحارث بن زيد بن عبيد ، و اسم مطروف خالد . و من حلفائهم من بلي ، معن بن عدي بن الجد بن العجلان بن ضبيعة ، و أخوه عاصم ، ضرب له بسهمه في بدر ، و ثابت بن أقرم ـ و يقال أقرن ـ بن ثعلبة بن عدي بن الجد بن العجلان ، و عبد الله بن سلمة بن مالك بن الحارث بن عدي بن الجد بن العجلان ، و زيد بن أسلم بن ثعلبة بن عدي المذكور . و ربعي بن رافع بن الحارث بن زيد بن حارثة بن الجد بن العجلان = ثمانية نفر .
و من بني معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف : جبر بن عتيك بن قيس ابن هيشة بن الحارث بن أمية بن معاوية ، و عمه الحارث بن قيس . و من حلفائهم : مالك ابن نميلة بن مزينة ـ و نميلة أمه ـ و هو مالك بن ثابت ، و النعمان بن عصر بن عبيد ابن واثلة بن حارثة بن ضبيعة بن حرام بن جعيل بن عمرو بن جشيم بن وذم بن ذبيان ابن هميم بن كاهل بن ذهل بن هني بن بلي ، و عصر بفتحتين ، عند ابن الكلبي ، و مكسور العين ساكن الصاد عند ابن إسحاق و الواقدي و أبي معشر و ابن عقبة ، قاله الدمياطي ـ = أربعة .
و من بني حنش بن عوف بن عمرو بن عوف : سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن الحارث بن مجدعة بن عمرو بن حنش = رجل .
و من بني كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف : المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة ابن الجلاح ابن الحريش بن جحجبا بن كلفة . و من حلفائهم : أبو عقيل عبد الرحمن ابن عبد الله بن ثعلبة بن بيحان بن عامر بن الحارث بن مالك بن عامر بن أنيف بن جشم ابن عائذ بن عبد الله بن تميم بن عوف بن مناة بن ناج بن بن تيم بن أراش بن عامر بن عبيلة بن قسميل ابن فران بن بلى = رجلان .
و من بني ثعلبة بن عمرو بن عوف : عبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية بن البرك ، و هو امرئ القيس بن ثعلبة ، و أخوه خوات بن جبير ، قيل : خرج إلى بدر فكسر بالروحاء ، فرده رسول الله صلى الله عليه و سلم و ضرب بسهمه و أجره و عمهما الحارث بن النعمان ، و أبو ضياح النعمان بن ثابت بن النعمان بن أمية ، و النعمان و الحارث ابنا أبي خزمة بن النعمان بن أمية بن البرك ، و أبو حبة ـ بالباء ـ بن ثابت أخو أبي ضياح ـ عند ابن القداح ـ و أبو حنة ـ بالنون ـ بن مالك بن عمرو بن ثابت بن كلفة بن ثعلبة ، و سالم ابن عمير بن ثابت بن كلفة بن ثعلبة ، و عاصم بن قيس بن ثابت بن كلفة بن ثعلبة = عشرة .
و من بني غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس : سعد بن خيثمة ، و المنذر ، و مالك : ابنا قدامة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النخاط ، و الحارث بن عرفجة بن الحارث بن مالك ، ذكره ابن عقبة و الواقدي و غيرها ، و تميم مولى بني غنم ابن السلم = خمسة .
فجملة من ذكرنا من الأوس أربعة و سبعون .
و شهدها من الأنصار ، ثم من الخزرج ، ثم :
من بني مغالة : و هم بنو عدي بن عمرو بن مالك بن النجار : أبو شيخ أبي بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي ، و أخوه أوس ، و أبو طلحة زيد ابن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي المذكور = ثلاثة .
و من بني حديلة ـ و هي بنت مالك بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ، و هي أم معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار ـ : أنس بن معاذ بن أنس بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك ابن النجار ، و أبي بن كعب [ عج ] ، و أبو حبيب بن زيد بن الحباب بن أنس بن زيد بن عبيد بن زيد بن معاوية ـ قاله ابن الكلبي ـ = ثلاثة .
و من بني غنم بن مالك بن النجار : أبو أيوب خالد بن زيد [ عج ] ، و عمارة ابن حزم [ عج ] ، و ثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عشيرة ـ و قال ابن هشام : عسيرة بن عبد بن عوف بن غنم ـ ، و سراقة بن كعب بن عمرو بن عبد العزى ابن غزية بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم : و منهم من أسقط بعد كعب عمراً = أربعة .
و من بني ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار : سليم بن قيس بن فهد ـ و اسمه خالد ابن قيس بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم ، و حارثة بن النعمان بن نقع بن زيد بن عبيد ابن ثعلبة بن غنم ، و سهيل و أخوه سهل ابنا رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم ، و مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم ، و أخوه أبو خزيمة بن أوس و رافع بن الحارث بن سواد بن زيد بن ثعلبة بن غنم ـ كذا عند الواقدي سواد ، و عند ابن عمارة : الأسود ـ = سبعة .
و من بني سواد بن غنم بن مالك بن النجار ـ كذا عند ابن الكلبي ، و ابن سعد يقول : سواد بن مالك بن غنم بن مالك ـ : معاذ [ عب ] و معوذ و عوف [ ها ] بنو الحارث بن رفاعة ، و أمهم عفراء بنت عبيد ـ و هم ثلاثة عند أبي معشر و الواقدي و ابن القداح ، و كان ابن إسحاق يزيد فيهم رابعاً يسميه : رفاعة ، شهد عنده بدراً ، و أنكره الواقدي . و النعيمان بن عمرو [ عج ] ، و عامر بن مخلد بن الحارث بن سواد ، و عبد الله ابن قيس بن خلدة بن الحارث بن سواد ، و عمرو بن قيس بن زيد بن سواد ـ مذكور في البدريين عند أبي معشر و ابن القداح و الواقدي ـ و قيس ابنه عندهم أيضاً ـ و لم يذكرهما في البدريين ابن عقبة و لا ابن إسحاق ـ و ثابت بن عمرو بن زيد بن عدي بن سواد = عشرة .
و من بني مبذول ـ و هو عامر بن مالك بن النجار ـ : ثعلبة بن عمرو بن محصن ابن عمرو بن عتيك بن عمرو بن عامر ، و الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك ـ خرج إلى بدر فكسر بالروحاء ، فرده رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ضرب له بسهمه و أجره ، و سهل بن عتيك [ عج ] و عامر بن سعد بن عمرو بن ثقيف ـ و اسمه كعب بن مالك ابن مبذول ، ذكره ابن عمارة ، قال ابن سعد : و لم يذكره غيره .
و من حلفائهم : عدي بن أبي الزغباء سنان بن سبيع بن ثعلبة بن ربيعة بن زهرة بن بديل بن سعد بن عدي بن نصر بن كاهل بن مالك بن غطفان بن قيس بن جهينة حليف بني عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، و وديعة بن عمرو بن جراد بن يربوع ابن طحيل بن عمرو بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة حليف بني سواد ابن غنم بن مالك بن النجار ، و أبو معشر ـ يسميه رفاعة بن عمرو ـ و عصيمة حليف لهم من أشجع و لم يذكره ابن عقبة و ذكره غيره ـ كذا قاله ابن سعد ـ و الذي في السيرة : أن عصيمة من بني أسد بن خزيمة ، و أنه حليف بني مازن بن النجار ، و كذا ذكره ابن سعد في بني مازن ـ = سبعة .
و من بني عدي بن النجار ، ثم من بني عدي بن مالك بن عدي بن النجار : حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي ، و هو أول قتيل بعد مهجع ، و عمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدي ، و محرز بن مالك بن عامر بن عدي ، و سليط بن قيس بن عمرو بن عبيد بن مالك بن عدي ، و أبو سليط أسيرة ابن أبي خارجة عمرو بن قيس بن مالك بن عدي ، و ذكر ابن الكلبي أن أباه خارجة شهد بدراً ، و فيه نظر . و عامر بن أمية بن زيد بن الحسحاس بن مالك بن عدي ، و أبو صرمة قيس بن أبي قيس صرمة بن أبي أنس قيس ابن صرمة بن مالك بن عدي ، و قال أبو عمر : لم يختلف في شهوده بدراً ، و لم يذكره فيهم ابن عقبة ، و لا ابن إسحاق ، و لا ابن سعد ، و هذا عجيب من أبي عمر رحمه الله = ثمانية .
و من بني حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار : أبو الأعور الحارث بن ظالم بن عبس بن حرام ، و حرام و سليم ابنا ملحان بن خالد بن زيد بن حرام ، أمهما مليكة بنت مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار .
و من حلفاء بني عدي بن النجار : سواد بن غزية بن وهب من بلي ، و هو الذي قال له النبي صلى الله عليه و سلم : " استقد مني " . و هو الذي أسر خالداً و العاصي بن الحارث إخوة أبي جهل ابن هشام = أربعة .
و من بني عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن : عبد الله بن كعب بن عمرو = واحد .
و من بني خنساء بن مبذول المذكور : و أبو داود عمير بن عامر بن مالك بن خنساء ، و سراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء = اثنان .
و من بني ثعلبة بن مازن بن النجار : قيس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر بن حبيب ابن الحارث بن ثعلبة ، و أبو حسن المازني تميم بن عبد عمرو بن قيس بن محرث بن الحارث ابن ثعلبة ـ قال أبو عمر : شهد بدراً . و قال شيخنا الحافظ أبو محمد الدمياطي : و هذا غير ثابت . و كذا هو عند ابن سعد ، معدودة في الطبقة الثالثة ممن شهد الخندق و ما بعدها ـ = اثنان .
و من بني دينار بن النجار : سليم بن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن عبد الأشهل ابن حارثة بن دينار ، و النعمان و الضحاك ابنا عبد عمرو ، و كعب بن زيد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل ، و سعيد بن سهل بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل ـ و ابن إسحاق و أبو معشر يقولان في سهل : سهيل ـ و بجير بن أبي بجير ـ حليف لهم من بلي أو جهينة ـ = ستة .
و من بني الحارث بن الخزرج ، ثم من بني مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج : عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الأصغر بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأغر ـ قال ابن سعد : ليس له عقب ، و ليس كذلك ـ و سعد بن الربيع [ ق ] ، و خارجة بن زيد [ عج ] ، و خلاد بن سويد [ عج ] ، و بشير بن سعد [ عج ] ، و سماك بن سعد أخوه = ستة .
و من بني حارثة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج : يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك بن أحمر بن حارثة ، و احد .
و من بني عدي بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج : خبيب بن يساف ، و يقال : إساف بن عنبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم . و عن خبيب بن عبد الرحمن أن جده خبيباً هذا ضرب يوم بدر فمال شقه ، فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و لأمه و رده فانطلق . = واحد .
و من بني زيد مناة ـ و بعضهم يسقط مناة ـ بن الحارث بن الخزرج : عبد الله ابن زيد بن عبد ربه صاحب الأذان [ عج ] ، و أخوه حريث ، و سفيان بن نسر ـ و يقال : بشر ـ بن عمرو بن الحارث بن كعب بن زيد مناة = ثلاثة .
و من بني عوف بن الحارث بن الخزرج ، ثم من بني جدارة بن عوف : تميم يعار بن قيس بن عدي بن أمية بن جدارة ، و ابن عمه زيد بن المزين بن قيس بن عدي ، و عبد الله بن عمير بن حارثة بن ثعلبة بن خلاس بن أمية بن جدارة ـ و لم يذكره ابن عمارة في البدريين و ذكره غيره ـ و عبد الله بن عرفطة بن عدي بن أمية بن جدارة ـ و كذا نسبه ابن إسحاق ، و ابن سعد يقول : عبد الله بن عرفطة ـ حليف لهم ، و عقبة بن عمرو أبو مسعود البدري [ عج ] ـ عده البخاري في البدريين ، و المشهور أنه لم يشهد بدراً و إنما هو منسوب إلى الماء ـ = خمسة .
و من بني الأبجر خدرة بن عوف : عبد الله بن الربيع [ عج ] = واحد .
=====

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:49 AM
و من بني طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج : سعد بن عبادة [ ق ] ، ـ وقع في صحيح مسلم و لم يصح شهوده بدراً ـ و عبد ربه بن حق بن أوس ابن عامر بن ثعلبة بن وقش بن ثعلبة بن طريف = اثنان .
و من بني ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة : المنذر بن عمرو [ ق ] ، و أبو دجانة سماك ابن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة ـ و ابن الكلبي ـ يقول : سماك ابن أوس بن خرشة = اثنان .
و من بني عمرو بن الخزرج بن ساعدة : أبو أسيد مالك بن ربيعة بن البدن ـ و بعضهم يقول البدي ـ بن عامر ـ و قيل : عمرو بن عوف بن حارثة بن عمرو ، و قيل : البدن هو عامر ، أو عامر بن عوف ـ و ابن عمه مالك بن مسعود بن البدن ، و سعد بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو ، تجهز لبدر فمات فضرب له رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهمه و أجره .
و من حلفائهم : بسبس بن عمرو بن ثعلبة بن خرشة بن عمرو بن سعد بن ذبيان ابن رشدان بن قيس بن جهينة ، و أخواه : زياد و ضمرة ، و بعضهم يقول في ضمرة : ابن أخي زياد ، و عند ابن سعد : زياد بن كعب بن عمرو بن عدي بن عامر بن رفاعة ابن كليب بن مودعة بن عدي بن غثم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة ، و عبد الله بن عامر البلوي ، و كعب بن جماز ، ـ و بعضهم يقول جمان ، و عند الزمخشري حماز ـ بن مالك بن ثعلبة بن خرشة ، و بعضهم يسقط من نسبه مالكاً = ثمانية .
و من بني الحبلي : أوس بن خولي بن عبد الله بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم الحبلي ، و زيد بن وديعة بن عمرو بن قيس بن جزء بن عدي بن مالك بن سالم ، و رفاعة بن عمرو [ عج ] ، و ابنه مالك [ عج ] ، ـ ذكره الأموي فيمن شهد العقبة و بدراً ـ معبد بن عباد بن قشعر ـ و يقال قشير ـ ابن الفدم بن سالم بن مالك بن سالم .
و من حلفائهم : عقبة بن وهب [ عج ] ، و عامر بن سلمة بن عامر ، و عاصم بن العكير من مزينة = ثمانية .
و من بني غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ـ و هو قوقل ـ : عبادة ابن الصامت [ عب ] ، و النعمان الأعرج بن مالك بن ثعلبة بن أصرم بن فهر بن ثعلبة ابن غنم ، و النعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنم ، و مالك بن الدخشم [ عج ] ، و الحارث بن خزمة بن عدي بن أبي بن غنم ـ حليف لبني عبد الأشهل من الأوس ـ و نوفل بن عبد الله بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم ، و عتبان ابن مالك بن عمرو بن العجلان ، و مليل بن وبرة بن خالد بن العجلان ، و ابن أخيه : عصمة بن الحصين بن وبرة عند ابن القداح و الواقدي ـ و هبيل أخوه ـ ذكره إبراهيم ابن المنذر ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، فيمن شهد بدراً ، حكاه أبو عمر ، و فيه نظر ـ و ثابت بن هزال بن عمرو بن قريوش بن غنم بن أمية بن لوذان بن سالم ، و الربيع و ودفة ابنا إياس بن عمرو بن غنم ابن أمية .
و من حلفائهم المجذر بن ذياد بن عمرو بن زمزمة بن عمرو بن عمارة بن مالك بن غصينة بن عمرو بن بثيرة بن مشنوء بن القشر بن تيم بن عوذ مناة بن ناج بن تيم بن إراشة ابن عامر بن عميلة بن قسميل بن فران بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ـ و عند ابن إسحاق : مشنوء بن قسر بن تيم بن إراش بن عامر ، بإسقاط ما زاد على ذلك ـ البلوي ، و عبدة بن الحساس ـ عند الواقدي مهملة الحاء و السين ، و معجمتهما عند ابن إسحاق ـ و قيل : عبادة ، و بحاث بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة ـ بالباء الموحدة و آخرها ثاء مثلثة عند ابن الكلبي ، و عند ابن إسحاق بالنون و آخرها باء موحدة ـ و أخوه عبد الله بن ثعلبة ، و عتبة بن ربيعة بن خالد بن معاوية من بني بهراء أخي بلي ابني عمرو بن الحاف بن قضاعة ـ و ابن هشام و ابن القداح يقولان : من بني بهز ، لا بهراء ، قال أبو عمر : و قد اختلف في شهوده بدراً ـ و عمرو ابن إياس بن زيد بن جشم من أهل اليمن من غسان = تسعة عشر .
و من بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم ، ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن سلمة : عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن عمرو ابن حرام ، أبو جابر ، و قد ذكر فيهم ابنه جابر ـ قال الواقدي : غلط من عده في البدريين من أهل العراق ، لم يذكره ابن عقبة و لا ابن إسحاق و لا أبو معشر ـ و عمرة ابن الجموح [ عج ] ، و أولاده معوذ و خلاد و معاذ . خراش بن الصمة بن عمرو ابن الجموح بن زيد بن حرام ، و أخوه معاذ بن الصمة ـ و قال محمد بن عمر : ليس بمثبت و لا مجمع عليه ـ و عمير بن حرام بن عمرو بن الجموح ـ شهد بدراً عند الواقدي و ابن عمارة ، و لم يذكره ابن عقبة و لا ابن إسحاق و لا أبو معشر ـ عمير بن الحمام ابن الجموح ، و الحباب بن المنذر بن الجموح ، و عقبة بن عامر بن نابي [ عا ] ، و عمير ابن عامر أخوه ـ شهد بدراً و غيرها عند ابن الكلبي ، و قال الدمياطي : و لم أر من تابع ابن الكلبي على ذكره في الصحابة ـ و ثابت بن ثعلبة ـ و هو ابن الجذع ـ و عمرو [ عج ] ـ و قيل عمير ـ بن الحارث
و من مواليهم : تميم مولى خراش بن الصمة ، و حبيب بن الأسود = سبعة عشر .
و من بني سنان بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة : عمرو بن طلق بن زيد ابن أمية بن سنان ـ و لم يذكره ابن عقبة = واحد .
و من بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة : البراء بن معرور [ ق ] ، و ابنه بشر ، و عبد الله بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد ، و عتبة ابن عبد الله بن صخر بن خنساء بن سنان ، و سنان بن صيفي [ عج ] ، و الطفيل بن مالك [ عج ] ، و الطفيل بن النعمان بن خنساء ـ قال ابن سعد : و لا أحسبه إلا وهلاً ـ و جبار بن صخر [ عج ] ، و يزيد بن حرام ، و مسعود بن زيد = عشرة .
و من بني خناس بن سنان بن عبيد : يزيد بن المنذر [ عج ] ، و أخوه معقل [ عج ] ، و عبد الله بن النعمان بن بلذمة بن خناس ، و أبو قتادة بن ربعي بن بلذمة بن خناس ـ مختلف في شهوده بدراً ـ = أربعة .
و من بني النعمان بن سنان بن عبيد : عبد الله بن عبد مناف بن النعمان ، و خليد و خلاد و لبدة بنو قيس بن النعمان ، و جابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان = خمسة .
و من بني ثعلبة بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة : الضحاك بن حارثة [ عج ] ، و سواد بن رزن بن زيد بن ثعلبة = اثنان .
و من بني ربيعة بن عبيد : معبد بن قيس بن صيفي بن صخر بن حرام بن ربيعة ، و أخوه عبد الله ، و حمزة بن الحمير من حلفائهم ـ و ابن إسحاق يسميه خارجة ـ و أخوه عبد الله ، و النعمان بن سنان مولى لهم = خمسة .
و من بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة : قطبة بن عامر بن حديدة [ عا ] ، و ابن عمه سليم بن عمرو بن حديدة ، و أبو اليسر كعب بن عمرو [ عج ] ، و صيفي بن سواد [ عج ] ، و ثعلبة بن غنمة [ عج ] ، و عبس بن عامر بن سنان [ عج ] ، و سهل ابن قيس ابن أبي بن كعب بن عمرو بن القين بن كعب بن سواد .
و من حلفائهم : معاذ بن جبل [ عج ] = ثمانية .
و من بني زريق : ذكوان بن عبد قيس [ عب ] ، و سعد بن عثمان بن خلدة و أخوه عقبة ، و ابن عمهما قيس بن محصن بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق ، و الحارث بن قيس [ عج ] ، و جبير بن إياس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق ، و مسعود بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق ، و عباد بن قيس [ عج ] ، و رافع بن مالك [ عج ] ، و ابناه : رفاعة و خلاد ، و عبيد بن زيد بن عامر بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق ، و العجلان بن النعمان بن عامر بن العجلان ، و أسعد بن يزيد بن الفاكه بن زيد بن خلدة ابن عامر بن زريق ، و الفاكه بن بشر بن الفاكه بن زيد بن خلدة ، و معاذ و عائذ ابنا ماعص بن قيس بن خلدة بن عامر ، و مسعود بن سعد بن قيس بن خلدة بن عامر .
و من حلفائهم من بني مالك أخي الحارث : رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة ابن زيد بن ثعلبة بن عدي بن مالك ، و أخوه هلال بن المعلى ـ و لم يذكره ابن إسحاق ـ قال ابن الكلبي : و شهد رافع و راشد و هلال و أبو قيس بنو المعلى بدراً ، و لم يذكر ابن إسحاق منهم سوى رافع = اثنان و عشرون .
و من بني بياضة بن عامر بن زريق : زياد بن لبيد [ عج ] ، و خليفة بن عدي بن عمرو بن مالك بن عامر بن بياضة ، و فروة بن عمرو [ عج ] ، و غنام بن أوس بن عمرو ابن مالك بن عامر بن بياضة ـ ذكره ابن الكلبي ـ و خالد بن قيس [ عج ] ، و رحيلة ابن ثعلبة بن خالد بن ثعلبة بن عامر بن بياضة ، و عطية بن نوير بن عامر بن عطية بن عامر بن بياضة ـ قاله ابن الكلبي ـ = سبعة .
فجملة من ذكرنا :
من الخزرج : مائة و خمسة و تسعون .
و من الأوس : أربعة و سبعون .
و من المهاجرين : أربعة و تسعون .
فذلك ثلاثمائة و ثلاثة و ستون .
و هذا العدد أكثر من عدد أهل بدر ، و إنما جاء ذلك من جهة الخلاف في بعض ما ذكرنا ، و قد تقدم نظير ذلك في أهل العقبة ، و الله أعلم .
و كان معهم من الخيل : فرس مرثد بن أبي مرثد الغنوي : السبل . و فرس المقداد : بعزجة ، و يقال : سبحة . و قيل : و فرس الزبير : اليعسوب . و قال ابن عقبة : و يقال : كان مع النبي صلى الله عليه و سلم فرسان : على أحدهما مصعب بن عمير ، و على الأخرى سعد بن خيثمة ، و مرة الزبير بن العوام ، و مرة المقداد بن الأسود .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:49 AM
من استشهد من المسلمين يوم بدر
و استشهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر من المسلمين : عبيدة بن الحارث و عمير بن أبي وقاص ـ و كانت سنة ستة عشر أو سبعة عشر عاماً ـ و عمير بن الحمام من بني سلمة من الأنصار ، و سعد بن خيثمة من بني عمرو بن عوف من الأوس ، و ذو الشمالين ابن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي حليف بني زهرة ، و مبشر بن عبد المنذر من بني عمرو ابن عوف ، و عاقل بن البكير الليثي ، و مهجع مولى عمر حليف بني عدي ، و صفوان ابن بيضاء الفهري ، و يزيد بن الحارث من بني الحارث بن الخزرج ، و رافع ابن المعلى ـ و قد تقدم الخلاف في أخيه هلال ، و حارثة بن سراقة من بني النجار ، و عوف و معوذ ابنا عفراء = أربعة عشر : ستة من المهاجرين ، و ثمانية من الأنصار ، ستة من الخزرج ، و اثنان من الأوس .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:50 AM
من قتل و أسر ببدر من المشركين
و قتل من المشركين سبعون و أسر سبعون . و روينا عن طريق البخاري : حدثني عمرو بن خالد ، حدثنا زهير ، حدثنا أبو إسحاق ، قال : سمعت البراء ، قال : جعل النبي صلى الله عليه و سلم على الرماة يوم أحد عبد الله بن جبير ، فأصابوا منا سبعين ، و كان النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه يوم بدر أصاب من المشركين أربعين و مائة : سبعين أسيراً ، و سبعين قتيلاً .
فمن مشاهير القتلى : من بني عبد شمس : حنظلة بن أبي سفيان ، قتله زيد بن حارثة ، و عبيدة بن سعيد بن العاص ، قتله الزبير ، و أخوه العاصي بن سعيد ، قتله علي و قيل غيره . و عتبة و شيبة ابنا ربيعة ، و الوليد بن عتبة ، قتلهم حمزة و عبيدة و علي كما تقدم . و عقبة بن أبي معيط ، قتله عاصم بن ثابت صبراً ـ و قيل : بل علي بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم له بذلك ـ و الحارث بن عامر بن نوفل ، قتله علي . و طعيمة بن عدي ، قتله حمزة ، و قيل بل قتل صبراً ، و الأول أشهر . و زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، و ابنه الحارث ابن زمعة ، و أخوه العقيل بن الأسود ، و أبو البختري بن العاصي بن هشام ـ و قد تقدم الخلاف في قاتله من هو ـ و نوفل بن خويلد بن أسد ، قتله علي ، و قيل الزبير . و النضر بن الحارث ، قتل صبراً بالصفراء . و عمير بن عثمان ، عم طلحة بن عبيد الله بن عثمان . و أبو جهل بن هشام . و أخوه العاصي بن هشام ، قتله عمر . و مسعود بن أبي أمية المخزومي أخو أم سلمة . و أبو قيس بن الوليد ، أخو خالد بن الوليد . و قيس بن الفاكه بن المغيرة . و السائب بن أبي السائب المخزومي ، و قد قيل لم يقتل يومئذ ، و أسلم بعد ذلك . و منبه و نبيه ابنا الحجاج بن عامر السهمي . و العاصي و الحارث ابنا منبه بن الحجاج . و أمية بن خلف الجمحي ، و ابنه علي .
و أسر يومئذ : مالك بن عبيد الله ، أخو طلحة ، فمات أسيراً . و حذيفة بن أبي حذيفة ابن المغيرة ، ثم قتل ، و قتل أخوه هشام بن أبي حذيفة . و أسر من بني مخزوم ، و من حلفائهم يومئذ أربعة و عشرون رجلاً . و من بني عبد شمس و حلفائهم اثنا عش رجلاً ، منهم عمرو بن أبي سفيان ، و الحارث بن أبي وحرة بن أبي عمرو بن أمية . و أبو العاصي بن الربيع صهر رسول الله صلى الله عليه و سلم على ابنته زينب . و أسر من بني هاشم : العباس بن عبد المطلب ، و عقيل بن أبي طالب ، و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب . و من بني المطلب بن عبد مناف : السائب بن عبيد ، و النعمان بن عمرو . و من بني نوفل : عدي بن الخيار . و من بني عبد الدار : أبو عزيز بن عمير . و من سائر قريش : السائب بن أبي حبيش ، و الحارث بن عامر ابن عثمان بن أسد ، و خالد بن هشام أخو أبي جهل ، و صيفي بن أبي رفاعة ، و أخوه أبو المنذر بن أبي رفاعة ، و المطلب بن حنطب ، و خالد بن الأعلم ، و هو القائل :
و لسنا على الأعقاب تدمى كلومنا و لكن على أقدامنا تقطر الدما
و هو أول من فر يوم بدر ، فأدرك و أسر . و عثمان بن عبد شمس بن جابر المازني حليف لهم ، و هو ابن عمة عتبة بن غزوان ، و أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة ، و أبو قيس بن الوليد أخو خالد بن الوليد ، و عثمان بن عبد الله بن المغيرة ، و أبو عطاء عبد الله بن أبي السائب ابن عائد المخزومي ، و أبو وداعة بن صبيرة السهمي ـ و هو أول أسير فدي منهم ـ و عبد الله بن أبي بن خلف الجمحي ، و أخوه عمرو ، و أبو عزة الجمحي ، و سهيل بن عمرو العامري ، و عبد بن زمعة بن قيس العامري ، و عبيد الله بن حميد بن زهير الأسدي .
هؤلاء المشاهير من الأسرى و القتلى ، نقلت ذلك عن أبي عمر ، و لو لا خشية الإطالة لأتيت عليهم .
و كان الفداء من أربعة آلاف ، إلى ثلاثة آلاف ، إلى ألفين إلى ألف درهم .
و روينا عن ابن سعد ، " أخبرنا الفضل بن دكين ، حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، قال : أسر رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر سبعين أسيراً ، و كان يفادي بهم على قدر أموالهم ، و كان أهل مكة يكتبون ، و أهل المدينة لا يكتبون ، فمن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم ، فإذا حذقوا فهو فداؤه " .
و روينا عنه قال : " أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثنا هشام بن حسان ، حدثنا محمد بن سيرين ، عن عبيدة ، ان جبريل نزل على النبي صلى الله عليه و سلم في أسارى بدر ، فقال : إن شئتم قتلتموهم ، و إن شئتم أخذتم منهم الفداء ، و يستشهد قابل منكم سبعون . قال : فنادى النبي صلى الله عليه و سلم في أصحابه ، فجاؤوا ـ أو من جاء منهم ـ فقال : إن هذا جبريل يخيركم بين أن تقدموهم فتقتلوهم ، و بين أن تفادوهم و يستشهد قابل منكم بعدتهم ، فقالوا : بل نفاديهم فنتقوى به عليهم ، و يدخل قابل منا الجنة سبعون ، ففادوهم " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:50 AM
ذكر من أسلم من أسرى بدر بعد ذلك
العباس بن عبد المطلب ، عقيل بن أبي طالب ، نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، أبو العاص بن الربيع ، أبو عزيز بن عمير العبدري ، السائب بن أبي حبيش ، خالد بن هشام المخزومي ، عبد الله بن أبي السائب ، المطلب بن حنطب ، أبو وداعة السهمي ، عبد الله بن أبي بن خلف الجمحي ، وهب بن عمير الجمحي ، سهيل بن عمرو العامري ، عبد الله بن زمعة ـ أخو سودة ـ قيس بن سائب المخزومي ، نسطاس مولى أمية بن خلف .
و يذكر أن العباس ـ و كان جسيماً ـ أسره أبو اليسر كعب بن عمرو ـ و كان دميماً ـ فقيل للعباس : لو أخذته بكفك لوسعته كفك . فقال : ما هو إلا أن لقيته فظهر في عيني كالخندمة ـ و الخندمة : جبل من جبال مكة ـ .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:51 AM
فضل من شهد بدراً
روينا من طريق البخاري : " حدثني إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا جرير ، عن يحيى بن سعيد ، عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي ، عن أبيه ـ و كان أبوه من أهل بدر ـ قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال : من أفضل المسلمين ـ أو كلمة نحوها ـ قال : كذلك من شهد بدراً من الملائكة " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:51 AM
ما قيل من الشعر في بدر
قال حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه :
ألم تر أمراً كان من أعجب الدهر و للحين أسباب مبينة الأمر
و ما ذاك إلا أن قوما أفادهم فحانوا تواص بالعقوق و بالكفر
عشية راحوا نحو بدر جميعهم و كانوا رهوناً للركية من بدر
و كنا طلبنا العير لم نبغ غيرها فساروا إلينا فالتقينا على قدر
فلما التقينا لم تكن مثنوية لنا غير طعن بالمثقفة السمر
و ضرب ببيض يختلي الهام حدها مشهرة الألوان بينة الأثر
و نحن يركنا عتبة الغي ثاوياً و شيبة في قتلى تجرجم قي الجفر
و عمرو ثوى فيمن ثوى من حما بهم فشقت جيوب النائحات على عمرو
جيوب نساء من لؤي بن غالب كرام تفر عن الذوائب من فهر
أولئك قوم قتلوا في ضلالهم و خلوا لواء غير محتضر النصر
لواء ضلال قاد إبليس أهله فخاس بهم إن الخبيث إلى غدر
و قال لهم إذ عاين الأمر واضحا برئت إليكم ما بي اليوم من صبر
فإني أرى مالا ترون و إنني أخاف عقاب الله و الله ذو قسر
فقدمهم للحين حتى تورطوا و كان بما لم يخبر القوم ذا خبر
فكانوا غداة البئر ألفاً و جمعنا ثلاث مئين كالمسدمة الزهر
و فينا جنود الله حين يمدنا بهم في مقام ثم مستوضح الذكر
فشد بهم جبريل تحت لوائنا لدا مأزق فيه مناياهم تجري
فاد الرجل : فيداً و فوداً : مات ، و أفاده الله .
و الجفر : البئر غير المطوية .
و المسدمة : من قولهم ، فحل سدم إذا كان هائجاً
و المأزق : موضع الحرب
و من الناس من ينكرها لحمزة .
فأجابه الحارث بن هشام المخزومي
ألا ياقوم للصبابة و الهجر و للحزن مني و الحزازة في الصدر
و للدمع من عيني جود كأنه فريد هوى من سلك ناظمه يجري
على البطل الحلو الشمائل إذ ثوى رهين مقام للركية من بدر
فلا تبعدن يا عمرو من ذي قرابة و من ذي ندام كان ذا خلق غمر
فإن يك قوم صادفوا منك دولة و لابد للأيام من دول الدهر
فقد كنت في صرف الزمان الذي مضى تريهم هواناً منك ذا سبل وعر
في أبيات .
و مما يعزى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من الأبيات :
ألم تر أن الله أبلى رسوله بلاء عزيز ذي اقتدار و ذي فضل
بما أنزل الكفار دار مذلة فلاقوا هواناً من أسار و من قتل
فأجابه الحارث بن هشام :
عجبت لأقوام تغنى سفيههم بأمر سفاه ذي اعتراض و ذي بطل
تغنى بقتلى يوم بدر تتابعوا كرام المساعي ، من غلام و من كهل
مصاليت بيض ، من ذؤابة غالب مطاعين في الهيجا ، مطاعيم في المحل
أصيبوا كراماًفلم يبيعوا عشيرة بقوم سواهم نازحي الدار و الأهل
كما أصبحت فيكم بطانة لكم بدلاً منا فيا لك من فعل
عقوقاً و إثماً بيناً و قطيعة يرى جوركم فيها ذوو الرأي و العقل
فإن يك قوم قد مضوا لسبيلهم و خير المنايا ما يكون من القتل
فلا تفرحوا أن تقتلوهم فقتلهم لكم كائن خبلاً مقيماً على خبل
في أبيات ذكرها .
و قال ضرار بن الخطاب الفهري :
عجبت لفخر الأوس و الحين دائر عليهم غداً و الدهر فيه بصائر
و فخر بني النجار إن كان معشر أصيبوا ببدر كلهم ثم صائر
فإك يك قتلى غودرت من رجالنا فإنا رجالا بعدهم سنغادر
و تردي بنا الجرد العناجيج وسطكم بني الأوس حتى يشفي النفس ثائر
و وسط بني النجار سوف تكرها لنا بالقنا و الدارعين زوافر
فنترك صرعى تعصب الطير حولهم و ليس لهم إلا الأماني ناصر
و تبكيهم من أرض يثرب نسوة لهن بها ليل عن النوم ساهر
و ذلك أنا لا تزال سيوفنا بهن دم ممن يحاربن مائر
فإن تظفروا في يوم بدر فإنما بأحمد أمسى جدكم و هو ظاهر
و بالنفر الأخيار هم أولياؤه يحامون في اللأواء و الموت حاضر
يعد أبو بكر و حمزة فيهم و يدعي علي وسط من أنت ذاكر
أولئك لا من نتجت من ديارها بنو الأوس و النجار حين تفاخر
و لكن أبوهم من لؤي بن غالب إذا عدت الأنساب كعب و عامر
هم الطاعنون الخيل في كل معرك غداة الهياج الأطيبون الأكابر
العناجيج : جياد الخيل ، واحدها عنجوج . و مائر : متردد.
و مما قاله حسان بن ثابت الأنصاري :
تبلت فؤادك في المنام خريدة تشفي الضجيع ببارد بسام
كالمسك تخلطه بماء سحابة أو عاتق كدم الذبيح مدام
أما النهار فلا أفتر ذكرها و الليل توزعني بها أحلامي
أقسمت أنساها و أترك ذكرها حتى تغيب في الضريح عظامي
بل من لعاذلة تلوم سفاهة و لقد عصيت على الهوى لوامي
إن كنت كاذبة الذي حدثتني فنجوت منجي الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم و نجا برأس طمرة و لجام
في أبيات : يعير الحارث بن هشام بالفرار ، و كان الحارث يقول :
الله يعلم ما تركت قتالهم حتى رموا فرسي بأشقر مزبد
و علمت أني إن أقاتل واحداً أقتل و لا ينكي عدوي مشهدي
فصددت عنهم و الأحبة فيهم طمعاً لهم بعقاب يوم مفسد
و كان الأصمعي يقول : هذا أحسن ما قيل في الاعتذار عن الفرار ، و كان خلف الأحمر يقول : أحسن ما قيل في ذلك أبيات هبيرة بن أبي وهب المخزومي :
لعمرك ما وليت ظهري محمداً و أصحابه جنباً ، و لا خيفة القتل
و لكنني قلبت أمري ، فلم أجد لسيفي مساغاً إن ضربت ، و لا نبلي
و قفت ، فلما خفت ضيعة موقفي رجعت لعود كالهزبر أبي الشبل
و إن تقاربا لفظاً و معنى ، فليس ببعيد من لأن يكون الثاني أجود من الأول ، لأنه أكثر انتفاء من الجبن ، من خوف القتل ، و إنما علل فراره بعدم إفادة و قوفه فقط ، و ذلك في الأول جزء علة ، و الجزء الآخر قوله : أقتل . قوله : رموا فرسي بأشقر مزيد ، يعني الدم ، و يحتمل أن يكون ذلك مقيداً بكون مشهده لا يضر عدوه ، و مع ذلك فالثاني أسلم من ذلك معنى و أصرح لفظاً .
و مما قاله حسان رضي الله عنه :
لقد علمت قريش يوم بدر غداة الأسر و القتل الشديد
بأنا حين تشتجر العوالي حماة الحرب يوم أبي الوليد
قتلنا ابني ربيعة يوم سارا إلينا في مضاعفة الحديد
و فر بها حكيم يوم جالت بنو النجار تخطر كالأسود
و ذلت عند ذاك جموع فهر و أسلمها الحويرث من بعيد
و قالت قتيلة بنت الحارث أخت النضر بن الحارث :
يا راكباً إن الأثيل مظنة من صبح خامسة و أنت موفق
أبلغ بها ميتاً بأن تحية ما إن تزال بها النجائب تخفق
مني إليك و عبرة مسفوحة جادت بواكفها و أخرى تخنق
هل يسمعن النضر إن ناديته أم كيف يسمع ميت لا ينطق
أمحمد يا خير ضنو كريمة في قومها و الفحل فحل معرق
ما كان ضرك لو مننت و ربما من الفتى و هو المغيظ المحنق
أو كنت قابل فدية فلننفقن بأعز ما يغلوا به ما ينفق
فالنضر أقرب من أست قرابة و أحقهم إن كان عتق يعتق
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه لله أرحام هناك تشقق
صبراً يقاد إلى المنية متعباً رسف المقيد و هو عان موثق
فيقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه " .
و كان فراغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من بدر في عقب رمضان أوائل شوال .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:52 AM
فصل
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله : فلما أوقع الله بالمشركين يوم بدر ، و استأصل وجوههم ، قالوا : إن ثأرنا بأرض الحبشة ، فلنرسل إلى مليكها يدفع إلينا من عنده من أتباع محمد ، فلنقتلهم بمن قتل ببدر . قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا ابن السرح ، حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : بلغني أن مخرج عمرو بن العاص و ابن أبي ربيعة إلى أرض الحبشة فيمن كان بأرضهم من المسلمين ، كان بعد وقعة بدر ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم مخرجهما ، بعث عمرو بن أمية من المدينة إلى النجاشي بكتاب .
قلت : و قد تقدم القول عند ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة أن توجه عمرو بكتابي رسول الله صلى الله عليه و سلم في المحرم سنة سبع يدعوه في أحدهما إلى الإسلام و الثاني في تزويجه عليه الصلاة و السلام أم حبيبة ، و قيل : في شهر ربيع الأول منها ، و قيل في سنة ست . حكاه أبو عمر عن الواقدي . و أما عمرو بن أمية فشهد بدراً و أحداً مع المشركين و أسلم بعد ذلك ، و كان أول مشهد شهده بئر معونة ، فأسرته بنو عامر يومئذ ، فقال له عامر بن الطفيل : إنه كان على أمي نسمة ، فاذهب فأنت حر عنها ، و جز ناصيته ، و بعثه أيضاً رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أبي سفيان بن حرب بهدية إلى مكة ، و سيأتي ذكر كتاب النبي صلى الله عليه و سلم إلى النجاشي مع عمرو عند ذكر كتب النبي صلى الله عليه و سلم إلى الملوك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى .
و هذا الفصل ذكره أبو عمر في هذا الموضع من كتابه في المغازي و فيه نظر .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:52 AM
سرية عمير بن عدي
روينا عن ابن سعد قال : ثم سرية عمير بن عدي بن خرشة الخطمي إلى عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد ، لخمس ليال بقين من شهر رمضان ، على رأس تسعة عشر شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كانت عصماء عند يزيد بن زيد بن حصن الخطمي ، و كانت تعيب الإسلام و تؤذي النبي صلى الله عليه و سلم و تحرض عليه ، و تقول الشعر ، فجاءها عمير ابن عدي في جوف الليل ، حتى دخل عليها بيتها ، و حولها نفر من ولدها ، نيام ، منهم من ترضعه في صدرها ، فحبسها بيده ، و كان ضرير البصر ، و نحى الصبي عنها ، و وضع سيفه على صدرها حتى أنفده من ظهرها ، ثم صلى الصبح مع النبي بالمدينة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أقتلت ابنة مروان ؟ " قال : نعم ، فهل علي في ذلك من شيء ، فقال " لا ينتطح فيها عنزان فكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم و سمى رسول الله صلى الله عليه و سلم عميراً البصير " .
قيل : و كان أول من أسلم من خطمة عمير بن عدي ، و كان يدعى القارىء ، كان إمام قومه و قارئهم .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:52 AM
سرية سالم بن عمير
روينا عن ابن سعد ، قال : ثم سرية سالم بن عمير إلى عفك اليهودي في شوال على رأس عشرين شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كان أبو عفك من بني عمرو بن عوف شيخاً كبيراً قد بلغ عشرين و مائة سنة ، و كان يهودياً ، و كان يحرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم و يقول الشعر ، فقال سالم بن عمير ـ و هو أحد البكائين و ممن شهد بدراً ـ علي نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه ، فأمهل يطلب له غرة ، حتى كانت صائفة ، فنام أبو عفك بالفناء ، و سمع به سالم بن عمير فوضع السيف على كبده ، ثم اعتمد عليه حتى خش في الفراش ، و صاح عدو الله ، فثاب إليه ناس ممن هم على قوله ، فأدخلوه منزله و قبروه .
فقالت أمامة الزيدية في ذلك :
تكذب دين الله و المرء أحمداً لعمر الذي أمناك أن بئس ما يمني
حباك حنيف آخر الليل طعنة أبا عفك خذها على كبرة السن
البيتان عن غير ابن سعد .
و كان أبو عفك ممن نجم نفاقه حين قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم الحارث بن سويد بن الصامت .
و شهد سالم بدراً و الخندق و المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و توفي في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، و قال فيه موسى بن عقبة : سالم بن عبد الله .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:53 AM
غزوة بني سليم
قال ابن إسحاق : فلم قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ـ يعني من بدر ـ لم يقم إلا سبع ليال ، حتى غزا بنفسه يريد بني سليم . قال ابن هشام : و استعمل على المدينة سباع ابن عرفطة الغفاري ، أو ابن أم مكتوم . و قال ابن إسحاق : فبلغ ماء من مياههم يقال له الدر ، فأقام عليه ثلاث ليال ، ثم رجع إلى المدينة و لم يلق كيداً .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:53 AM
غزوة بني قينقاع
قال ابن سعد : و كانت يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهراً من مهاجره .
قال ابن إسحاق : و كان من أمر بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمعهم بسوق بني قينقاع ، ثم قال : " يا معشر يهود ! احذروا من الله مثل ما نول بقريش من النقمة ، و أسلموا ، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم و عهد الله إليكم " . قالوا : يا محمد ! إنك ترى أنا قومك ! و لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب ، فأصبت لهم فرصة ، إنا و الله لو حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس . فحدثني مولى لآل زيد بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ـ أو عن عكرمة ـ عن ابن عباس ، قال : ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم : " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد * قد كان لكم آية في فئتين التقتا " ـ أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و قريش ـ " فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار " [ آل عمران : 12 ـ13 ] قال : و حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، أنهم كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و حاربوا فيما بين بدر و أحد ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزلوا على حكمه . قال ابن هشام :
و ذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة ، عن أبي عون ، قال : كان من أمر بني قينقاع أن امراة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع ، و جلست إلى صائغ ، فجعلوا يريدونها على كشف و جهها ، فأبت ، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ، فلما قامت انكشفت سوءتها ، فضحكوا منها ، فصاحت ، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله ، و كان يهودياً ، و شدت اليهود على المسلم فقتلوه ، فاستصرخ أهل المسلم على اليهود ، فغضب المسلمون ، فوقع الشر بينهم و بين بني قينقاع ، و تبرأ عبادة بن الصامت من حلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و تشبت به عبد الله بن أبي فيما روينا عن ابن إسحاق ، عن أبيه ، عن عباد بن الوليد بن عبادة بن الصامت .
قال : و فيه و في عبد الله نزلت : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض " إلى قوله : " فإن حزب الله هم الغالبون " [ المائدة : 51 ـ 56 ] .
و روينا عن ابن سعد ، قال : و كانوا قوماً من يهود حلفاء لعبد الله بن أبي بن سلول ، و كانوا أشجع يهود ، و كانوا صاغة ، فوادعوا النبي صلى الله عليه و سلم ، فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي و الحسد ، و نبذوا العهد و المدة ، فأنزل الله تعالى : " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين " [ الأنفال : 58 ] فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنا أخاف من بني قينقاع . فسار إليهم و لواؤه بيد حمزة بن عبد المطلب ـ و كان أبيض و لم تكن الرايات يومئذ ـ و استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر ، و حاصرهم خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة ، و كانوا أول من غدر من اليهود ، و حاربوا و تحصنوا في حصنهم ، فحاصرهم أشد الحصار ، حتى قذف الله في قلوبهم الرعب ، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، على أن لرسول الله صلى الله عليه و سلم أموالهم ، و أن لهم النساء و الذرية ، فأنزلهم ، فكتفوا ، و استعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي ، فكلم ابن أبي فيهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و ألح عليه ، فقال : " حلوهم لعنهم الله و لعنه معهم ، و تركهم من القتل ، و أمر بهم أن يجلوا من المدينة " ، و تولى ذلك عبادة بن الصامت ، فلحقوا بأذرعات ، فما كان أقل بقاءهم بها .
و ذكر ما تنفل رسول الله صلى الله عليه و سلم من سلاحهم ، و سيأتي ذكرنا له ، و خمست أموالهم ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم صفية الخمس ، و فض أربعة أخماس على أصحابه ، فكان أول ما خمس بعد بدر . و كان الذي ولي قبض أموالهم محمد بن مسلمة . انتهى ما وجدته عن ابن سعد .
كذا و قع صفية الخمس ، و المعروف أن الصفي غير الخمس ، و روينا عن الشعبي ، من طريق أبو داود ، قال : كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم سهم يدعى الصفي يختاره قبل الخمس . و عن عائشة رضي الله عنها كانت صفية رضي الله عنها من الصفي . فلا أدري أسقطت الواو أو كان هذا قبل حكم الصفي ، و الله أعلم . و كانوا أربعمائة حاسر ، و ثلاثمائة دراع ، و كانوا حلفاء الخزرج .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:54 AM
غزوة السويق
روينا عن محمد بن إسحاق ، قال : ثم غزا أبو سفيان بن حرب في ذي الحجة غزوة السويق .
و ذكر ابن سعد خروج النبي صلى الله عليه و سلم من المدينة لخمس خلون من ذي الحجة يوم الأحد على رأس اثنين و عشرين شهراً من مهاجره .
رجع إلى ابن إسحاق ، قال : و كان أبو سفيان ـ كما حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، و يزيد بن رومان ، و من لا أتهم ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، و كان من أعلم الأنصار ـ حين رجع إلى مكة ، و رجع فل قريش من بدر ، نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمداً صلى الله عليه و سلم ، فخرج في مائتي راكب من قريش ليبر يمينه ، فسلك النجدية ، حتى نزل بصدر قناة ، إلى جبل يقال له يتيب من المدينة على بريد أو نحوه ، ثم خرج من الليل حتى أتى بني النضر تحت الليل ، فأتى حيي بن أخطب ، فضرب عليه بابه ، فأبى أن يفتح له بابه و خافه ، فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم ، و كان سيد بني النضير في زمانه و صاحب كنزهم ، فاستأذن عليه فأذن له ، فقراه و سقاه و بطن له من خبر الناس ، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه ، فبعث رجالاً من قريش فأتوا ناحية منها يقال لها العريض ، فحرقوا في أصوار من نخل بها ، و وجدوا رجلاً من الأنصار و حليفاً لهم في حرثهما فقتلوهما ، ثم انصرفوا راجعين ، و نذر بهم الناس ، فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في طلبهم في مائتين من المهاجرين و الأنصار ـ و هذا العدد عن ابن سعد ـ و استعمل على المدينة بشر بن عبد المنذر فيما قال ابن هشام ، حتى بلغ قرقرة الكدر . قال ابن سعد : و جعل أبو سفيان و أصحابه يتخففون للهرب ، و كان أصحابه مائتين كما قدمنا ، و قيل كانوا أربعين فيلقون جرب السويق ، و هي عامة أزوادهم ، فيأخذها المسلمون ، فسميت غزوة السويق ، و لم يلحقوهم ، و انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم راجعاً إلى المدينة ، و كان غاب خمسة أيام .
و قال ابن إسحاق : و قال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا رسول الله ! أتطمع أن تكون لنا غزوة ؟ قال : " نعم " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:55 AM
غزوة قرقرة الكدر
قال ابن سعد : و يقال قرقرة الكدر ، للنصف من المحرم ، على رأس ثلاثة و عشرين شهراً من مهاجره ، و هي بناحية معدن بني سليم ، قريب من الأرحضية ، وراء سد معونة ، و بين المعدن و بين المدينة ثمانية برد . و كان الذي حمل لواء رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب ، و استخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، و كان بلغه أن بهذا الموضع جمعاً من بني سليم و غطفان ، فسار إليهم ، فلم يجد في المحال أحداً ، و أرسل نفراً من أصحابه في أعلى الوادي ، و اسقبلهم رسول الله صلى الله عليه و سلم في بطن الوادي ، فوجد رعاء ، منهم غلام يقال له يسار ، فسأله عن الناس ، فقال : لا علم لي بها ، إنما أورد لخمس و هذا يوم ربعي ، و الناس قد ارتفعوا في المياه و نحن عزاب في النعم ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد ظفر بالنعم ، فانحدر به إلى المدينة ، و اقتسموا غنائمهم بصرار على ثلاثة أميال من المدينة ، و كانت النعم خمسمائة بعير ، فأخرج خمسه ، و قسم أربعة أخماسه على المسلمين ، فأصاب كل رجل منهم بعيران ، و كانوا مائتي رجل ، و صار يسار في سهم النبي صلى الله عليه و سلم فأعتقه ، و ذلك أنه رآه يصلي . و غاب رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس عشرة ليلة .
و القرقرة : أرض ملساء ، و الكدر : طير في ألوانه كدرة ، عرف بها ذلك الموضع .
و قد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يذكر مسيره مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في تلك الغزوة .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:55 AM
سرية كعب بن الأشرف
روينا عن ابن سعد : أنها كانت لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول ، على رأس خمسة و عشرين شهراً من مهاجره عليه الصلاة و السلام .
قال ابن إسحاق : و كان من حديث كعب بن الأشرف أنه لما أصيب القليب يوم بدر ، و قدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة ، و عبد الله بن رواحة إلى أهل العالية ، بشيرين بالفتح ، قال كعب ـ و كان رجلاً من طيء ، ثم أحد بني نبهان ، و كانت أمه من بني النضير ـ : أحق هذا ؟ أترون أن محمداً قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان ، فهؤلاء أشراف العرب و ملوك الناس ، و الله إن كان محمد أصاب هؤلاء القوم ، لبطن الأرض خير من ظهرها . فلما أيقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة ، فنزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي ، و جعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ينشد الأشعار و يبكي على أصحاب القليب ، ثم رجع إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم .
و روينا من طريق ابن عائذ : " عن الوليد بن مسلم ، عن عبد الله بن ليعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، قال : ثم انبعث عدو الله يهجو رسول الله صلى الله عليه و سلم و المؤمنين ، و يمتدح عدوهم ، و يحرضهم عليهم ، فلم يرض بذلك ، حتى ركب إلى قريش فاستغواهم على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال له أبو سفيان و المشركون : أديننا أحب إليك أم دين محمد و أصحابه ؟ و أي دينينا أهدى في رأيك و أقرب إلى الحق ؟ فقال : أنتم أهدى منهم سبيلاً و أفضل وفية . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من لنا من ابن الأشرف ؟ فقد استعلن بعداوتنا و هجائنا ، و قد خرج إلى قريش فأجمعهم على قتالنا ، و قد أخبرني الله عز و جل بذلك ثم قدم أخبث ما كان ، ينتظر قريشاً تقدم عليه فيقاتلنا ، ثم قرأ على المسلمين ما أنزل الله تعالى عليه فيه : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب " الآية [ آل عمران : 23 ] و خمس آيات فيه و في قريش " .
رجع إلى خبر ابن إسحاق : " فقال كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة : من لي من ابن الأشرف ؟ فقال له محمد بن مسلمة ـ أخو بني عبد الأشهل ـ : أنا لك به يا رسول الله ، أنا أقتله . قال : فافعل إن قدرت على ذلك . فرجع محمد بن مسلمة ، فمكث ثلاثاً لا يأكل و لا يشرب إلا ما تعلق به نفسه ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فدعاه فقال له ، لم تركت الطعام و اشراب ؟ قال : يا رسول الله ! قلت لك قولاً لا أدري هل أفين به أم لا . قال : إنما عليك الجهد . قال : يا رسول الله ! إنه لا بد لنا من أن نقول . قال : قولوا ما بدا لكم ، فأنتم في حل من ذلك . فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة ، و سلكان بن سلامة بن وقش ، و كان أخاً لكعب من الرضاعة ، و عباد بن بشر ابن وقش أحد بني عبد الأشهل ، و الحارث بن أوس بن معاذ ، و أبو عبس بن جبر .
قلت : و هؤلاء الخمسة من الأوس " .
ثم قدموا إلى عدو الله كعب بن الأشرف قبل أن يأتوه سلكان بن سلامة ، فجاءه فتحدث معه ساعة ، و تناشدا شعراً ، و كان أبو نائلة سلكان يقول الشعر ، ثم قال : ويحك يا ابن الأشرف ! إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك ، فاكتم عني . قال : أفعل . قال : كان قدوم هذا الرجل علينا بلاءً من البلاء ، عادتنا العرب ، و رمتنا عن قوس واحدة ، و قطعت عنا السبل ، حتى جاع العيال ، و جهدت الأنفس ، و أصبحنا قد جهدنا و جهد عيالنا . فقال كعب : أنا ابن الأشرف ، أما و الله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول . فقال له سلكان : إني قد أردت أن تبيعنا طعاماً و نرهنك و نوثق لك ، و نحسن في ذلك . قال : أترهنوني أبناءكم ؟ قال : لقد أردت أن تفضحنا ؟ إن معي أصحاباً على مثل رأيي ، و قد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم و تحسن في ذلك ، و نرهنك من الحلقة ما فيه وفاء ـ و أراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاؤوا بها ـ قال : إن في الحلقة لوفاءً . قال : فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره ، و أمرهم أن يأخذوا السلاح ، ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه ، فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم .
قال ابن هشام : و يقال : قال : أترهنوني نساءكم ؟ قالوا : كيف نرهنك نساءنا و أنت أشب أهل يثرب و أعطرهم ! قال : أترهنوني أبناءكم ؟ .
قال ابن إسحاق : " فحدثني ثور بن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : مشى معهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بقيع الغرقد ، ثم و جههم و قال : انطلقوا على اسم الله ، اللهم أعنهم . ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بيته و هو في ليلة مقمرة ، و أقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه ، فهتف به أبو نائلة ، و كان حديث عهد بعرس ، فوثب في ملحفته ، فأخذت امرأته بناحيتها و قالت : إنك امرؤ محارب ، و إن أصحاب الحرب لا ينزلون في مثل هذه الساعة . قال إنه أبو نائلة ، لو و جدني نائماً ما أيقظني . فقالت : و الله إني لأعرف في صوته الشر .
قال : يقول لها كعب : لو يدعى الفتى لطعنة لأجاب . فنزل فتحدث معهم ساعة و تحدثوا معه ، و قالوا : هل لك يا ابن الأشرف أن تمشي معنا إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا ، فقال : إن شئتم . فخرجوا يتماشون ، فمشوا ساعة ، ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ، ثم شم يده ، فقال : ما رأيت كالليلة طيباً أعطر ، ثم مشى ساعة ، ثم عاد لمثلها ، حتى اطمأن ، ثم مشى ساعة ، ثم عاد لمثلها ، فأخذ بفود رأسه ، ثم قال : اضربوا عدو الله . فضربوه ، فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئاً قال محمد بن مسلمة : فذكرت مغولاً في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئاً . قال محمد بن مسلمة : فذكرت مغولاً في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئاً ، فأخذته و قد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصت إلا أوقدت عليه نار . قال فوضعته في ثنته ، ثم تحاملت عليه حتى بلغ عانته ، فوقع عدو الله . و قد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ ، فخرج في رأسه أو في رجله ، أصابه بعض أسيافنا . قال : فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ، ثم على بني قريظة ، ثم على بعاث ، حتى أسندنا في حرة العريض ، و قد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس ، و نزفه الدم ، فوقفنا له ساعة ، ثم أتانا يتبع آثارنا ، قال : فاحتملناه ، فجئنا به رسول الله صلى الله عليه و سلم آخر الليل و هو قائم يصلي ، فسلمنا عليه ، فخرج إلينا ، فأخبرناه بمقتل عدو الله ، و تفل على جرح صاحبنا ، و رجعنا إلى أهلنا ، فأصبحنا و قد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله ، فليس بها يهودي إلا و هو يخاف على نفسه " . انتهى خبر ابن إسحاق .
و قال عباد بن بشر في ذلك شعراً :
صرخت به فلم يعرض لصوتي و أوفى طالعاً من رأس خدر
فعدت له فقال من المنادي فقلت : أخوك عباد بن بشر
و هذي درعنا رهنا فخذها لشهر إن وفى أو نصف شهر
فقال : معاشر سغبوا و جاعوا و ما عدموا الغنى من غير فقر
فأقبل نحونا يهوي سريعاً و قال لنا : لقد جئتم لأمر
و في أيماننا بيض حداد مجربة بها الكفار نفري
فعانقه ابن مسلمة المردي به الكفار كالليث الهزبر
و شد بسيفه صلتا عليه فقطره أبو عبس بن جبر
و كان الله سادسنا ، فأبنا بأنعم نعمة و أعز نصر
و جاء برأسه نفر كرام هم ناهيك من صدق و بر
و استشهد عباد بن بشر يوم اليمامة . و ذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب ، قال : و ممن شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عباد بن بشر و قتل يوم اليمامة شهيداً ، و كان له يومئذ بلاء و غناء ، فاستشهد و هو ابن خمس و أربعين سنة .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:55 AM
خبر محيصة بن مسعود مع ابن سنينة
قال ابن إسحاق : و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من ظفرتم به رجال يهود فاقتلوه ، فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنينة ـ و يقال : ابن سنينة عن ابن هشام ، رجل من تجار يهود ، و كان يلابسهم و يبايعهم ــ فقتله جعل ، و كان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم ، و كان أسن من محيصة ، فلما قتله جعل حويصة يضربه و يقول أي عدو الله ! أقتلته ؟ أما و الله لرب شحم في بطنك من ماله . قال محيصة : فقلت : و الله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك . قال : فو الله إن كان لأول إسلام حويصة .
قال : أي و الله لو أمرك محمد بقتلي لقتلتني ؟ قال : قلت : نعم و الله ، لو أمرني بضرب عنقك لضربتها . قال : و الله إن ديناً يبلغ بك هذا لعجب ، فأسلم حويصة .
قال ابن إسحاق : حدثني هذا الحديث مولى لبني حارثة ، عن ابنة حويصة ، عن أبيها ، فقال محيصة في ذلك :
يلوم ابن أمي لو أمرت بقتله لطبقت ذفراه بأبيض قاضب
حسام كلون الملح أخلص صقله متى ما أصوبه فليس بكاذب
و ما سرني أني قتلتك طائعا و أن لنا ما بين بصري و مارب
قيل : إن الذي قتله محيصة ، و قال له أخوه حويصة في حقه ما قال ، و راجعه بما ذكرنا : كعب بن يهوذا .
و روينا عن ابن سعد ، قال : أخبرنا محمد بن حميد العبدي ، عن معمر بن راشد ، عن الزهري في قوله تعالى : " ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا " [ آل عمران : 186 ] قال : هو كعب بن الأشرف .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:56 AM
ذكر فوائد تتلعق بهذا الخبر
مما نقتله من الحواشي التي ذكرتها بخط جدي رحمه الله على قوله : ما تتعلق به نفسه . قال : هو مأخوذ من العلقة ، و العلقة و العلاق : لبغة من الطعام إلى وقت الغداء ، و معناه : ما يمسك رمقه من الغداء ، و منه : ليس المتعلق كالمتأنق .
و على قوله : إنه لا بد لنا من أن نقول . قال المبرد في الكامل : حقه أن يقول ، نتقول ، يريد افتعل قولاً احتال به ، قال : و في العين : قولته ما لم يقل ، و قولته : ادعيته عليه .
و على قوله : نرهنك من الحلقة . قال : هذا هو المعروف ، يعني سكون اللام ، و حكى سيبويه عن أبي عمر أنهم قالوا : حلقة ، بفتح اللام .
و على قوله بقيع الغرقد . قال الأصمعي : قطعت غرقدات فدفن فيها عثمان بن مظعون ، فسمي المكان [ بقيع الغرقد ] لهذا السبب .
و على قوله : شام يده في فوده . أي : أدخل يده ، و الفود : الشعر مما يلي الأذن ، و شمت السيف : إذا أغمدته ، و هو من الأضداد .
قال : و المغول : سيف قصير يشتمل عليه الرجل .
و الثنة : بين السرة و المعانة .
و على قول ابن هشام : ابن سبينة : و قال الأستاذ أبو علي ـ يعني شيخه عمرو ابن محمد الأزدي : و لم يذكره أصحاب الحديث ـ يعني سبينة ـ .
و على قوله : لطبقت ذفراه . طبق : أصاب المفصل ، و الذفرى : في الفقا .
و أبو عبس بن جبر : اسمه عبد الرحمن . و سلكان : اسمه سعد .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:56 AM
ذكر غزوة غطفان بناحية نجد
قال ابن إسحاق : و هي غزوة ذي أمر ، و استعمل على المدينة عثمان بن عفان فيما قال ابن هشام . قال ابن إسحاق : فأقام بنجد صفراً كله و قريباً من ذلك ، ثم رجع إلى المدينة و لم يلق كيداً .
و قال ابن سعد : " ذو أمر بناحية النخيل ، و كانت في شهر ربيع الأول على رأس خمسة و عشرين شهراً من مهاجره ، و ذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن جمعاً من ثعلبة و محارب بذي أمر ، قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه و سلم ، جمعهم رجل منهم يقال له : دعثور بن الحارث من بني محارب ، فندب رسول الله صلى الله عليه و سلم المسملين ، و خرج لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في أربعمائة و خمسين رجلاً ، و معهم أفراس ، و استخلف على المدينة عثمان ، فأصابوا رجلاً منهم بذي القصة ، يقال له جبار من بني ثعلبة ، فأدخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره من خبرهم ، و قال : لن يلاقوك ، لو سمعوا بمسيرك لهربوا في رؤوس الجبال ، و أنا سائر معك ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام فأسلم ، و ضمه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بلال ، و لم يلاق رسول الله صلى الله عليه و سلم أحداً ، إلا أنه ينظر إليهم في رؤوس الجبال ، و أصاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه مطر ، فنزع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثوبيه و نشرهما ليجفا ، و ألقاهما على شجرة ، و اضطجع ، فجاء رجل من العدو يقال له دعثور بن الحارث ، و معه سيفه ، حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم قال : من يمنعك مني اليوم ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الله . و دفع جبريل في صدره ، فوقع السيف من يده ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال له : من يمنعك مني ؟ قال : لا أحد ، أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً رسول الله . ثم أتى قومه ، فجعل يدعوهم إلى الإسلام ، و نزلت هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم " الآية [ المائدة : 11 ] ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يلق كيداً ، وكانت غيبته إحدى عشرة ليلة " .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:57 AM
غزوة بحران
قال ابن إسحاق : ثم غزا يريد قريشاً ، و استعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام ، حتى بلغ بحران ، معدناً بالحجاز من ناحية الفرع ، فأقام به شهر ربيع الآخر و جمادى الأولى ، ثم رجع إلى المدينة و لم ليق كيداً .
و قال ابن سعد : إنه خرج لست خلون من جمادى الأولى على رأس سبعة و عشرين شهراً من مهاجره ، و ذلك أنه بلغه أن بها جمعاً من بني سليم كثيراً ، فخرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه ، قال : فأغذ السير حتى ورد بحران ، فوجدهم قد تفرقوا في مياههم ، فرجع و لم يلق كيداً ، و كانت غيبته عشر ليال .
و الفرع بفتح الفاء و الراء ، قيده السهيلي .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:57 AM
سرية زيد بن حارثة إلى القردة [ اسم ماء ]

قال ابن إسحاق : و كان من حديثها أن قريشاً خافوا من طريقهم التي يسلكون إلى الشام حين كان من وقعة بدر ما كان ، فسلكوا طريق العراق ، فخرج منم تجار فيهم أبو سفيان بن حرب ، و معهم فضة كثيرة ، و هي عظم تجارتهم ، و استأجروا رجلاً يقال له : فرات بن حيان ، يدلهم في ذلك الطريق ، و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة ، فلقيهم على ذلك الماء ، فأصاب تلك العير و ما فيها ، و أعجزه الرجال ، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال حسان بن ثابت بعد أحد في غزوة بدر الآخرة يؤنب قريشاً في أخذها تلك الطريق :
دعوا فلجات الشام قد حال دونها جلاد كأفواه المخاض الأوارك
بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم و أنصاره حقاً و أيدي الملائك
إذا سلكت للغور من بطن عالج فقولا لها ليس الطريق هنالك
و قال ابن سعد : كانت لهلال جمادى الآخرة ، على رأس ثمانية و عشرين شهراً من مهاجره ، و هي أول سرية خرج فيها زيد أميراً . و القردة من أرض نجد بين الربذة و الغمرة ناحية ذات عرق . بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم يعترض العير لقريش ، فيها صفوان بن أمية و حويطب بن عبد العزى و عبد الله بن أبي ربيعة ، و معه مال كثير و آنية فضة وزن ثلاثين ألف درهم ، و كان دليلهم فرات بن حيان ، فخرج بهم على ذات عرق ، طريق العراق ، و بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرهم ، فوجه زيد بن حارثة في مائة راكب ، فاعترض لها ، فأصابوا العير ، و أفلت أعيان القوم ، و قدموا بالعير على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فخمسها ، فبلغ الخمس قيمة عشرين ألف درهم ، و قسم ما بقي على أهل السرية . و أسر فرات بن حيان ، فأتي به النبي صلى الله عليه و سلم فقيل له : " إن تسلم تترك " . فأسلم ، فتركه رسول الله صلى الله عليه و سلم من القتل .
و حسن إسلام فرات بعد ذلك ، وفيه قال عليه الصلاة و السلام : " إن منكم رجالاً نكلهم إلى إسلامهم منهم فرات " .
و الفردة : بالفاء المفتوحة و سكون الراء ، و ضبطها بعضهم بفتح القاف و الراء ، و الله أعلم بالصواب .

اسير الصحراء
05-28-2006, 06:58 AM
((( ترقبوا قريباً الجزء الثاني من عيون الأثر )))

جنيبي والعالم
05-29-2006, 12:23 AM
تسلم حبيبي ما عليك قصور ..

سهم الموت
05-29-2006, 07:58 AM
تسلم خيوووووووو ما عليك قصور

محبة الرحمن
07-11-2006, 11:45 AM
بارك الله فيك وجعه في ميزان حسناتك